حول الدور الإيراني في اليمن!
بقلم/ نصر طه مصطفى
نشر منذ: 15 سنة و 3 أشهر و يومين
الأحد 13 سبتمبر-أيلول 2009 10:34 م

ليس هناك أمر يدعو للاستغراب مثل أحاديث بعض السياسيين والإعلاميين عن أن الحكومة اليمنية لم تقدم دليلا ماديا يذكر على تورط إيران في أحداث محافظة صعدة اليمنية، وكأنما الأدلة المادية على الدور الإيراني في كل من لبنان والعراق ودول أخرى في المنطقة متوافرة... ولعل هؤلاء يعتقدون أن على الحكومة اليمنية أن تكتشف مفاعل نوويا إيرانيا صغيرا في صعدة أو مبالغ مالية بالعملة الإيرانية أو أحد الملالي يقاتل في صفوف المتمردين الحوثيين، بينما كل شيء يشير ويؤكد أن النظام السياسي الإيراني متورط حتى العظم وليس بالضرورة الحكومة التي يرأسها محمود أحمدي نجاد باعتبارها حكومة تكنوقراط لا تتبعها كل أجهزة النظام، فكما هو معروف - على سبيل المثال - فإن مؤسسة الإذاعة والتلفزيون تتبع المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي وفي الوقت ذاته نجد الإعلام الإيراني الرسمي يظهر تعاطفا مفرطا مع الحوثيين في اليمن إلى درجة غير مسبوقة تؤكد أن الملالي هم الذين يشرفون على سياساته ويديرونها ويعتبرون ما يجري في اليمن معركة عقائدية يخوضها أتباعهم تفرض عليهم أن يقوموا بمناصرتهم عبر وسائل إعلام تتبعهم ولها حضور دولي مؤثر... وهذا التوزيع الذكي للدور الذي يقوم به أطراف المنظومة السياسية للحكم في إيران هو ما يجعلنا نفهم مغزى تصريحات الناطق الرسمي باسم الخارجية الإيرانية حول عدم تدخل حكومته في الشأن اليمني، لأن حكومة نجاد لا تدير عملية التدخل هذه بالفعل باعتبارها من اختصاص الأجهزة التابعة للمرشد مباشرة!

لم يكن ما تناقلته بعض وسائل الإعلام من اكتشاف سلاح إيراني بحوزة الحوثيين كلاما دقيقا بالتأكيد لسبب بسيط هو أن المتمردين لا يحتاجون إليه في الوقت الراهن باعتبار أن لديهم اكتفاء كاملا من السلاح الروسي المتوافر في الساحة اليمنية، لكن من المؤكد أن هناك تدفقا كبيرا للمال بأيدي الحوثيين يمكنهم من توفير احتياجاتهم من السلاح والمؤن الغذائية والمشتقات النفطية، إذ رصدت الأجهزة الأمنية مثل هذه المشترات بكثافة قبل أيام من اندلاع المواجهات الأخيرة بينهم وبين الجيش والتي أصبحت معروفة باسم (الحرب السادسة)... فهذا التدفق الهائل للأموال مكنهم من الصمود طوال أكثر من عام بين انتهاء الحرب الخامسة واندلاع الأخيرة، كما مكنهم من توفير احتياجاتهم اللازمة لمواجهة يعلمون أنها قادمة نتيجة مماطلتهم في تنفيذ اتفاق الدوحة من ناحية ووساطة لجنة السلام المحلية خلال تلك الفترة، فهم يعتبرون أنفسهم أصحاب مشروع أيديولوجي سياسي يتمثل في إقامة دويلة تشمل محافظة صعدة والمناطق المحادة لها من محافظات الجوف وعمران وحجة، وهذا المشروع الذي يمتد على شمال الشمال اليمني هو في الوقت نفسه يقع جنوبي المملكة العربية السعودية وهذا ما يؤكد أن هذا المشروع هو امتداد لمشروع إقليمي أكبر يطمح لدور كبير ومؤثر في المنطقة... وليس من الذكاء استنتاج أن إيران هي صاحبة هذا المشروع الخطير وهي التي تدعمه بقوة على طريق استكمال دوائر تأثيرها السياسي المعتمدة على استقطاب النزعات المذهبية في مختلف دول المنطقة، ومع ذلك مازال هناك من يبحث عن أدلة مادية تؤكد ارتباط إيران بما يجري في صعدة من حرب منذ أكثر من خمس سنوات.

بقدر ما ضجر اليمنيون من اندلاع حرب وتوقف أخرى منذ عام 2004م إلا أن هناك إجماعا شعبيا يمنيا واسعا هذه المرة على أن على الدولة أن تحسم هذه الفتنة وتنهي هذا التمرد بعد أن ثبت لهم بما لا يدع مجالا للشك أن الحوثيين ليسوا جادين في السلام ومتطلباته التي تبدأ بتسليم أسلحتهم وإخلاء مواقعهم العسكرية والنزول من الجبال وتنتهي بإعادة الأوضاع إلى صعدة كما كانت عليه من الأمن والأمان... وتبدو الحكومة اليمنية مصممة هذه المرة بدعم شعبي واسع وتضامن عربي ودولي واضح على حسم المعركة مهما كانت النتائج، ذلك أن التهاون في الحسم طوال الفترة الماضية بدأ يؤثر في هيبتها داخليا وفي سمعتها خارجيا، ولم يعد أمامها من خيار سوى إغلاق ملف صعدة نهائيا باستعادة السيطرة على جميع الأراضي الواقعة تحت سيطرة الحوثيين... وإذ تدرك الحكومة أن ذلك بات ضرورة وطنية فإنها تعلم أنه سيأخذ وقتا ليس بالقليل، وأنه سيدفع الحوثيين للاستماتة دفاعا عما قد حققوه خلال السنوات الخمس الماضية، كما أنه سيستفز حلفاءهم في الخارج وفي مقدمتهم إيران وحكامها من الملالي الذين استنفروا جميع وسائل إعلامهم لإظهار الحوثيين وكأنهم أصحاب قضية وأصحاب حق، بل إنهم يحاولون تشويش الرأي العام الدولي واستعطافه في قضية النازحين من ويلات الحرب، بينما يتحمل الحوثيون - في الحقيقة - وزر هذه القضية كونهم الذين يقطعون كل الطرق الرئيسية المؤدية إلى المحافظة المنكوبة سواء من الجنوب أو الشرق أو الغرب وبالتالي ينتج عن ذلك صعوبة وصول مواد الإغاثة للنازحين إلا عبر طرق فرعية وعرة وصعبة.

لقد أصبح من الضرورة بمكان دعم الحكومة اليمنية في جهودها لإنهاء التمرد الأخطر منذ حوالي خمسين عاما، ذلك أن الانعكاسات الإيجابية لإخماد هذا التمرد المذهبي المتعصب لن تقتصر على الأوضاع في اليمن بل ستشمل الأوضاع في المنطقة وستؤدي إلى تحجيم الطموحات الإقليمية لإيران والحيلولة بينها وبين الحصول على موطئ قدم جديد في الوطن العربي، ودفعها لإعادة صياغة علاقاتها الإقليمية والدولية بشكل أكثر واقعية وأكثر فائدة لها ولجميع دول المنطقة كذلك.