يا باراك أوباما
بقلم/ د.عائض القرني
نشر منذ: 15 سنة و 11 شهراً و 14 يوماً
الأربعاء 31 ديسمبر-كانون الأول 2008 11:36 ص

فخامة الرئيس الأمريكي باراك أوباما تحية طيبة وبعد:

أنا واحد من مليار ونصف المليار مسلم نعتنق ديناً علمّنا ألاّ نعتدي ولا نظلم ولا نجور ولا نخدع ولا نغدر ولا نكذب، وحرم علينا العدوان وقتل النفس المعصومة وأذية الناس والإضرار بمصالحهم، ودعانا إلى حسن التعامل مع البشر وحفظ حقوق الإنسان وكرامته وجميل التواصل معه، ودعانا للدفع بالتي أحسن مع حسن الخلق وكظم الغيظ وكفّ الأذى، وحثنا على اعمار الأرض والسعي في الإصلاح وبث روح التآلف والتآخي والتسامح، وحذرنا من الفساد وإهلاك الحرث والنسل وتلويث البيئة وقطع الأشجار وتعذيب الحيوان، فنحن أمة أمن وإيمان، وعدل وإنصاف، وحب وسلام، وبناء وتعمير، نسعى لإسعاد البشرية وبناء الحضارة على تقوى من الله ورضوان، لا نظلم أحداً، ولا نرضى أن يظلمنا أحد، نعدل مع القريب والبعيد والصديق والعدو، أكرمُنا أتقانا، لا فرق عندنا بين أبيض وأحمر وأسود، رسالتنا عالمية ودعوتنا ربانية، ونحن أمة وسط لا إفراط ولا تفريط ولا غلو ولا جفاء، العفو أحب عندنا من العقوبة، والتسامح أنبل لدينا من الانتقام، والصفح أجمل من القصاص، ونحن وشعوب العالم في سفينة واحدة، أمنهم أمننا وسلامهم سلامنا لأننا ركبنا معهم جميعاً في سفينة نوح الأولى يوم نجا من الطوفان، ولأنَّ أبانا آدم وأمَّنا حواء.

أيها الرئيس: لن تكون أمريكا عظيمة حتى تعظِّم الله وتحترم قيم الناس وتحفظ حقوقهم وتسعى لإرساء قواعد العدل وصروح السلام وتأييد الفضيلة وبناء ثقافة التعارف والتحاور والتواصل بلا تمييز ولا تحيّز، ولا استعلاء ولا استبداد، ويوم تسعى أمريكا إلى مناصرة قيم العدل والمساواة، والدفاع عن المستضعفين، ونصر المضطهدين حينها لن تكون هدفاً سهلاً لأعدائها، وسوف يكثر أصدقاؤها من عقلاء العالم وحملة الضمير ورواد المبادئ.

أيها الرئيس: مثلما سافر أهلك من كينيا إلى أمريكا لطلب الحريّة والمساواة والعدل فقد سبقهم بلال بن رباح الحبشي من إثيوبيا حيث هاجر إلى رسول الهدى يطلب الحرية والإنصاف، فصار رمزاً من رموز الإسلام وعظيماً من عظماء التاريخ وبطلاً من أبطال الرسالة الخالدة، فديننا سبق كل الثقافات والأعراف الدولية في احترام الإنسان والدفاع عنه والحفاظ على كرامته.

باسم المليار ونصف المليار مسلم نناشدكم الاعتراف بحقوق المسلمين المضطهدين والمحاصرين في غزة، فبأي ذنب يحاصر الأطفال والأرامل والأيتام والشيوخ والفقراء، بعدما احتُلت أرضهم ودُمرت مساكنهم ومُنعوا من الحياة وحُرموا الحريَّة وصودرت حقوقهم، وقطع الدعم عنهم، وأصبحوا في مجاعة وحبس وقتل وإبادة بلا غذاء ولا كساء ولا دواء ولا ماء؟

أين يا فخامة الرئيس الضمير العالمي من هذه المجزرة، التي تجري في غزة أمام سمع العالم وبصره، في عملية إسرائيلية بربرية همجية ووحشية، تمليها شريعة الغاب، يقوم بها قتلة سفاكون محتلون داسوا القيم وكرامة الإنسان والمواثيق الدولية ومعاهدات السلام.

نناشدكم يا فخامة الرئيس التدخل الفوري والعاجل لكف هذا العدوان، ضمن مهامكم الجديدة، المأمول فيها نصرة الإنسان لأخيه الإنسان.

ولعل في اختيار الشعب الأمريكي لكم احتجاجاً صارخاً على سياسة سلفكم الرعناء الحمقاء، التي أهلكت الحرث والنسل، وقطعت جسور التفاهم والتعارف، وعطلت مشروع السلام العالمي والتعايش السلمي والتسامح بين البشر، وشوهت سمعة أمريكا في العالم، وأضرت بمصالحها وزرعت لها الكراهية في القلوب.