فن التجسس عند الزوجين
بقلم/ د.عائض القرني
نشر منذ: 16 سنة و أسبوعين و 3 أيام
الجمعة 28 نوفمبر-تشرين الثاني 2008 06:07 ص

الغيرة مطلوبة في حدود الشرع، فإذا تجاوزت صارت مرضاً ووهماً ووسوسة. وبعض الأزواج تحول مع زوجته إلى جاسوس ورجل استخبارات من الدرجة الأولى، فلمرضه النفسي صار يشك في كل حركة ولفظة وتصرف من زوجته، فهو يفتش في غيابها أدراج غرفتها وملابسها لعله يعثر عليها متلبسة بورقة أو رسالة أو هدية ليحاسبها حساباً شديداً، وإذا وصلت إلى جوالها رسالة (مسج) قام وطالبها بقراءة الرسالة.

 وإذا اتصل بها ووجد جوالها مشغولاً شك فيها وحلفها الأيمان المغلظة. وإذا خرجت من البيت أخذ يتجسس عليها في طريقها وذهابها وإيابها، فحوَّل حياتها إلى نكد وعناء وعذاب شديد وأسقاها السم الزعاف وأذاقها المر وجرّعها غصص الحياة. وأعرف شباباً تزوجوا ثم لعب عليهم الشيطان فتحولوا إلى جواسيس على زوجاتهم وصارت وظيفتهم استخباراتية لوجستيّة بامتياز. فأحدهم يفكر في طلاق زوجته لأنه وجد في جوالها رسالة مشبوهة من مجهول. وآخر يخطط لفراقها لأنه رأى في المنام أن رجلاً جالساً مع زوجته.

 وثالث يتوعدها بالويل والثبور وقاصمة الظهور، إذا أشغلت جوالها. فإذا تحوّل هذا الزوج إلى جاسوس عميل فهذا مريض مرضاً نفسياً مزمناً يجب معالجته والذهاب به إلى المصحات النفسية. ومثل هذا لا يطاق العيش معه ولا يصبر على أذاه ونكده، وهو في زعمه غيور وأسد هصور، وهو في الحقيقة بطة عرجاء، ونعامة فتخاء، إنما شجاعته على امرأته المسكينة الضعيفة الغافلة البريئة.

 ولم يسأل هذا الجاسوس نفسه عن أخباره هو وأسراره ومغامراته وغرامياته وسوابقه وعلاقاته، فهو يجوز له أن يفعل ما يشاء وأن يتصل ويراسل من شاء، ومن حقه التكتم على أسراره وإخفاء أموره وسجله ووجهه الآخر، ولكن لا يحق لزوجته أن تخفي شيئاً عنه ولا تكتم أمراً، وعليها أن تطلعه على كل رسالة ومكالمة وهدية واتصال، ومَنْ تحدث معها من جاراتها وعمَّاتها وخالاتها وصديقاتها، والإسلام لا يرضى بهذا التصرف المشين وهذا المسلك الدنيء.

ففي الحديث الصحيح عند أبي داود: «إنك إذا ذهبت تلتمس عورات الناس أفسدتهم أو كدت تفسدهم»، هذا هو تدمير البيوت وخراب الأسر وقطع أواصر الزوجية وإفساد القلوب، لأن هذه النفوس المريضة البائسة تنظر بعين طبعها، كما قال أبو الطيب:

* إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه ـ وصدّق ما يعتاده من توهمِ

ويقول الشاعر:

* ما يستشك يا حسين كود الرديّين ـ وإلا ترى الطيّب وسيعٍ بطانه

مسكينة امرأة ابتليت بزوج مريض نفسياً معاقٍ عقليّاً مليء بالشك والريبة والوسوسة والوهم، وأحسن الله عزاءها في حياتها الزوجية، وفي راحتها وأمنها واستقرارها. إن هذا الزوج الجاسوس على زوجته همّه فقط تصيّد العثرات والفرح بالزلات وجمع الأخطاء، وهذا فعل رخيص، وعمل حقير، وتصرف مهين، يقول تعالى: «ولا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا»، حتى صارت هذه الزوجة المسكينة تكتم عنه أخبارها وشجونها وأسرارها وشكواها كما قال الشاعر:

* كم واحدٍ له غايةٍ ما هرجها يكنّها ـ لو هو للأدنين محتاجْ

وفي المقابل، فإنه يوجد أيضاً ـ والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه ـ بعض الزوجات الجاسوسات اللواتي تحوّلنّ إلى عيون راصدة على الزوج، فهو في عذاب من هذه المرأة الجاسوسة المريضة الموسوسة، فهي تشك في ملابسه وقلمه وجواله وخاتمه والطيب الذي في غترته، وتفتش حقيبته ومحفظته، وتبحث في ملابسه لعلها تعثر على ورقة إدانة، وشاهد على جرمه، وبينة على مكره وكيده، لتقبض عليه متلبساً بفعله لتحاسبه حساباً شديداً بلسان سليط كأنه غرس في غاز خردل وبوجه كالح قبيح كأنه جهنم، أفق أيها الزوج؛ آسف العميل والمخبر السري من دور عملاء الـ« K.G.B » وعملاء الـ« C.I.A »، وأفيقي أيتها الزوجة؛ آسف الجاسوسة الونّانة الرنّانة الحنّانة المنّانة. إن حياة التلصص والتربّص عذاب ونكد دائم. فيا أيها الأزواج والزوجات أفيقوا، فإن الغيرة الشرعية شيء، وما تمارسونه من تجسس وإدانات وكيد شيء آخر، إن عملكم هذا من تلبيس إبليس ومن مقررات مدرسة الشيطان «الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ».