ما يجهله اليمنيون والعرب ..لماذا لا يجب ترك شاحن الهاتف موصولاً بالمقبس الكهربائي بشكل دائم؟ من هو الأفضل في 2024 بحسب الأرقام؟ كريستيانو رونالدو أم ليونيل ميسي.. عاجل تحسن هائل في سعر الليرة السورية مقابل الدولار .. اسعار الصرف شاحن هاتف ينهي ويوجع حياة 7 أفراد من نفس العائلة في السعودية توافق دولي عربي على الوضع في سوريا جدل بشأن عودة السوريين اللاجئين في أوروبا إلى بلادهم بعد سقوط الأسد وزير الدفاع التركي يكشف عن عروض عسكرية مغرية قدمتها أنقرة للحكومة السورية الجديدة ماذا طلب الرئيس العليمي من واشنطن خلال اجتماع عقده مع مسئول كبير في مكافحة الإرهاب؟ قرارات واسعة لمجلس القضاء الأعلى القائد أحمد الشرع يتحدث عن ترشحه لرئاسة سوريا
مأرب برس - خاص
لطالما وقفت عند مقولة الشاعر والكاتب الألماني غوته: "إن الذي لا يعرف تاريخ ثلاثة آلاف سنة مضت يبقى في العتمة"، وكنت أتساءل عن تاريخ خمسين عاماً مرّت منذ الثورة الدستورية في عام 1948م، وأبحث عن الضوء
.
لا شك أن عدداً كبيراً من الكتب التي صدرت مؤرخة لذاكرة شخصية لكتابها مثّلت توثيقاً هاماً لنصف قرن من الحياة السياسية اليمنية، غير أن الحاجة تلح لتدوينٍ يصف المرحلة أكثر مما يصف الكاتب، وإذا كان التأريخ الدقيق للأحداث مرتبطاً بذاكرة ذاتية للشخوص في غياب تدوين بحثي شامل، فإن الحاجة تظل ملحة لشخص بحجم المرحلة تختزل مذكراته سنوات العمل السياسي والعسكري في سرد موثق، صريح، ومعلن، وهي صفات أجزم أنها توافرت للكتاب موضوع المقال: "مذكرات الشيخ / عبد الله بن حسين الأحمر، قضايا ومواقف
".
بين دفتيه وعلى مسيرة 487 صفحة يبحر بنا الكتاب في رحلة عبر الأماكن والأزمنة بأسلوب شائق، أوحت القصصية فيه ببعد تخيلي مصوَّر لقارئ لم يشهد الأحداث، وأكدت موضوعيته جدية اعتماده كوثيقة مرجعية لجانب من تاريخ العقود الخمسة الماضية
.
لقد أتاحت المشاركة المبكرة للشيخ عبد الله في العمل السياسي ضمن بيئة القبيلة، والتي قد أسميها هنا القبيلة البكر بما تمثله من قيم نبيلة لم تتأثر بالأعراض الجانبية السلبية للمدنية المعاصرة، أتاحت تلك المشاركة فرصة الاستفاقة المبكرة على استيعاب دروس الماضي، وإدراك احتياجات الواقع، مما أهّله ولا شك للعب دور حيوي في الأحداث المستقبلية التي تلت
.
ولعل مما يُلزم التقدير للشيخ عبد الله إنزاله الناس منازلهم، وحرصه على ذكر الأشخاص بمواقفهم وكأنه هنا شاهد محايد، حتى مع الذين كانت له معهم مواقف عدائية، وهنا تعود القبيلة لتفرض قيمها الأخلاقية التي تفيض رجولة وفروسية، وتستثمر السلوك الفردي في قيادة الجماعة ضمن نموذج القدوة القادرة على التغيير. وهو ما حدث فعلاً وكان الرجل أداة للتغيير .. والرأي عندي أنه لا يزال – مد الله في عمره – مصدر إجماع لنهج الاعتدال في التعاطي مع الأحداث بترفع وقيمية ما أحوجنا إليهما اليوم وغداً
.
نعم .. لقد غير الكتاب في توجهاتي نحو القبيلة، والتي كنت أرى أنها تشد التوجه الوطني نحو بناء الدولة إلى الوراء، وقناعتي أن الدولة اليوم بعد الانتقال من مفهوم الحراسة إلى مضمون التدخل البنّاء تصطدم بمواريث عنيدة من المصالح القبلية التي تبسط نفوذها على المناطق والأشخاص مما يعيق التقدم، غير أن قراءتي للكتاب أثمرت تعديلاً في مفاهيمي، ونمطاً في التفكير لم أعهده من قبل
.
فهاهي القبيلة عمق استراتيجي لتدخلات الحكومة، تتقاطع مصالحهما في ثنائية التحدي والاستجابة، وبانسجام ترتسم الحدود دون اعتداء أو تجاوز، مع فهم الآخر واستيعاب نطاق مصالحه التي لا تغلب بأي حال مصلحة الوطن العليا
.
القبيلة في مذكرات الشيخ الأحمر ممارسة حضارية لآليات التحول المدني ومتطلباته، وليست أبداً صيغة فوقية للاستئثار، أو مفهوماً عنترياً لانتزاع الحقوق من أصحابها، فهي تضحيات الفرد في سبيل الجماعة، وتضحيات الجماعة في سبيل الوطن
.
تتطلب التنمية إلى جانب الإدراك العلمي، والبرهان العملي للتدخلات، تتطلب السلوك المجتمعي القويم، وأنماط حياة صحيحة في جميع الجوانب الاجتماعية والسياسية والثقافية والنفسية، وهي قيم أكدتها البيئة العربية من قبل "لامية" الشنفرى الشهيرة، والتي تسرد حياة القبيلة في مفاهيم الارتحال بحثاً عن الأفضل، وهكذا فإن ارتحالنا للأفضل يظل دأباً للتغيير، وهو ما مثلته مسيرة الشيخ الأحمر في انتقاله بين المدن والقرى مجيّشاً ومغيثاً ومحاوراً، وحيثما استطاع حليماً. لقد كان الأحنف بن قيس أحلم العرب لأن الحلم شرطه القدرة، وكما يقول المتنبي
:
كلُّ حلمٍ أتى بغير اقتدارٍ
حجةٌ لاجئٌ إليها اللئامُ
فإذا غضب الأحنف غضب معه عشرة آلاف سيف، ومع ذلك كان يعفو فصار حليماً، وكثير من المواقف الواردة في الكتاب تجسد هذا الفعل في الدعوة للمصالحة الوطنية مهما كانت الجراح عميقة، والتطبيق العملي لهذا المفهوم في أداء الشيخ، وهو ولا شك بعد حضاري إذا انتهجته القبيلة اليوم نهضت بالمجتمع، وصنعت ما لن تستطيع جهود التعليم والإعلام والثقافة ومبادرات تغيير السلوك مجتمعة صنعَه
.
ورغم أن رأي الشيخ في المواقف والأحداث المستجدة بعد استقرار الوضع السياسي وانحسار الأعمال العسكرية مثّل فهماً ناضجاً لتجربة استثنائية في الحكم والسياسة، فإن التعرض الهادئ لبعض مواقف الاغتيالات السياسية التي جسّدت مراحل هامة لم يكن كافياً. وهنا أقف على قصة فرار قتلة الشهيد الزبيري التي لا تلغي احتمال التآمر الداخلي من الطرف الجمهوري، ودون الدخول في قضايا ظنية فإن الوقوف على هذا الاغتيال أمر يتطلب تأنياً توثيقياً، فهي إلى جانب قضية اغتيال القاضي الحجري تشكل درساً لا بد لفهمه من قراءة شاملة ضمن دلالات الوقائع والأحداث، خاصة ما يتعلق بارتباط اغتيال القاضي الحجري والأستاذ محمد أحمد نعمان بإعلانهما بيان الترسيم النهائي للحدود مع السعودية بعد زيارتهما الرسمية لها قبيل اغتيالهما
.
ومع الحديث عن المواقف فقد كنت أؤمل أن يتطرق الشيخ لموقفه من غزو الكويت، وتداعيات الموقفين الرسمي والشعبي على العلاقات مع دول الخليج، والتي أشار الشيخ إلى تأثرها بذلك الموقف عند التعاطي مع موقف الحزب الاشتراكي من الوحدة وإعلان الانفصال في عام 1994م
.
كما أن أحداث صعدة الأخيرة غابت عن التدوين، ولا أدري إذا كان لهذا الأمر علاقة بتراجع دور الشيخ في الآونة الأخيرة عن المسرح السياسي للأحداث، أو لحساسية البعد المذهبي، وهو الأمر الذي ينعكس تساؤلاً عن سبب غياب أي تعليق على الحرب الإسرائيلية على لبنان، والموقف من المقاومة اللبنانية، رغم وضوح الموقف من المقاومة الفلسطينية، واعتقادي أنهما تتكاملان في بناء الوعي الإسلامي في مواجهة العدو الذي كانت ولا تزال مواقف الشيخ منه أمراً يستحق الثناء والاتباع وفق منطق القدوة التي يمثلها في التمسك المصيري بالثوابت الإسلامية الحقة
.
إنني ومع جزيل شكري للشيخ الأحمر، وكمواطن بسيط ولد ليستثمر ثمرة كفاح الآخرين، أؤكد أنه أنقذني مرتين، الأولى حين حمل روحه على راحته، وناضل ببسالة من أجل جيل قادم أراد له حياة أفضل، ومرة أخرى حين أعاد إليّ الذاكرة، فكأننا على امتداد أجيالنا نمثل إنساناً معمّراً فقد من ذاكرته حظاً ثم استعادها. وبين حمله البندقية أو تبندقه (كما أشار في مذكراته) في ماضيه، وإمساكه القلم في حاضره .. قصة جهاد .. وقضية وطن
.
فعسى أنني وكل قارئ لا نعيش بعد قراءة الكتاب في عتمة الجهل بما حدث قبل أن نولد، على حد تعبير غوته ..، دون انتقاص من جهد آخرين أدوا دوراً في توثيق المرحلة
.
كما أنني وأنا أشكر للشيخ شجاعته في نشر مذكراته خلال حياته - وهو ما تحفظ عليه آخرون - ، أتساءل عن حجم المسؤولية التي تُحمّلنا إياها هذه المذكرات، فبقدر ما تقدم من إجابات بقدر ما تضخّم من حجم تساؤل كبير: هذا ما صنع آباؤنا .. فما عسانا نصنع نحن؟
عسى خيراً
.