آخر الاخبار
العلمانية المفترى عليها.. لا لتطبيق الشريعة
بقلم/ رصين الرصين
نشر منذ: 13 سنة و 8 أشهر و 17 يوماً
الأحد 13 مارس - آذار 2011 07:54 م

كثير من الناس – بسبب الفكر الديني الاضطهادي الإقصائي – لديه حساسية من هذه الكلمة (علمانية) بل إن بعضهم ربنا بادر إلى العطاس، وكأنها انفلونزا أو بردقان أو صعتر.

ولست أدري لماذا تصر الجماعات الدينية على أنها خروج عن الدين، ومحاربة ومضادة لأمر الله. مع أنها تتبنى – ولو نظريا – الديمقراطية، التي كانت قسيمة الكفر والشرك لدى حزب الإصلاح قبل الوحدة، ولن تبارح أذني كلمات شيخهم الأكبر الزنداني في محاضراته التي ملأ بها الآفاق وشغل الناس، وهو يدندن – منذ سنوات طويلة وقبل حرب 94 - حول أن الحزبية كفر وشرك، ولا تختلف عنها كثيرا الديمقراطية. التي هي كلمة يونانية غربية تعني " حكم الشعب نفسه بنفسه" وهذا كان من وجهة نظر حزب الإصلاح ومشيخته كفرا بواحا، ومعاكسة ومضاد بل تحديا واضحا للقرآن هذا كان وما زالت الأشرطة تشهد. وفي تلك الفترة لم نكن نسمع أكثر من الآيات الكريمات الثلاث "ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون.. الفاسقون .. الظالمون" إضافة إلى قوله تعالى "ولاتكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون" ثم جاءت معركة الدستور والقيامة التي قامت على زيادة لفظ الرئيسي على مادة الشريعة الإسلامية، التي تطالب الثورة المصرية اليوم بإلغائها، وتحاول الجماعات الدينية في تونس فرضها على الدستور التونسي العلماني، بعد نجاح الثورة التونسية.

لم نلبث كثيرا حتى تشكل حزب الإصلاح، فاستحلوا الحرام الأول عندهم؟ (الحزبية) ولم يلبثوا أن طالبوا بالديمقراطية وهي الحرام الثاني؟ بل لقد اتهموا الحزب الحاكم بعدم ممارسة الديمقراطية على أصول صحيحة. أما اليوم فكم سمعنا مشايخهم وعلى رأسهم الزنداني والديلمي يرددون "الشعب هو الذي قرر" إذن لم يعد "الله" ولا "القرآن" هو الذي يقرر، وهذا تطور ممتاز في فكرهم، ورغم أنهم ينكرونه لفظا، فإنهم يطبقونه واقعا. نبيل الصوفي - الذي استقال من الإصلاح لأسباب لا تختلف كثيرا عن رفضي دخوله رغم المحاولات – لعله لو انتظر قليلا ما استقال، فقد تطور فكر الإصلاح في الاتجاه الذي يريده؛ وبلغ الأمر أن قال الزنداني في قناة الجزيرة المقولة العجيبة المذهلة المدهشة، ووجه الغرابة فيا أنه ظل ينكر حقيقتها سنوات طويلة لقد قال "السياسة مصالح وليست مبادئ" وأذكر أني لم أملك نفسي أن انتفضت واقفا على قدمي، كما يحدث في أهداف كأس العالم، وأخذت أدقق النظر هل هو الشيخ فعلا، أم غيره أم رجل يشبهه؟

نأتي الآن إلى العلمانية، وإني على مثل اليقين أن دهاقنة الإصلاح لو قرؤوا عنوان مقالي هذا فقط، لحكموا علي بالكفر والردة، وطالبوا باستتابتي ثلاثة أيام وإلا قطع رأسي. مع أن العلمانية على الأقل كلمة عربية مشتقة من العلم، وليست يونانية وثنية ملحدة كافرة كالديمقراطية. 

من الطبيعي أن الإنسان ينتفع بأي شيء بغض النظر عن مصدره، وثمة مقولة قديمة تقول "الحكمة ضالة المؤمن، أنى وجدها التقطها؛ فهو أحق بها" وكما أخذنا كثيرا من وسائل الحضارة الغربية، وطوعناها وفق ما يناسبنا، كذلك ينبغي بل يجب أن نأخذ العلمانية الغربية، لكن ليس بجميع تفاصيلها كما سنرى. لا خلاف بين مسلمين اثنين أن الإسلام هو الدين الوحيد الصحيح وأن ما سواه لا يقود إلا إلى النار، ولذلك فقد كان نبذ الكنيسة المسيحية في الغرب شيئا طبيعيا، وكان منعها من التدخل في السياسة شيئا مطلوبا، وهنا قد يقول القارئ الكريم: إذا كان الأمر كذلك فلماذا تطالب بمثل لك في الإسلام؟ والجواب:

معروف أن الإسلام إنما هو عقيدة وشريعة. وأن مصدر الاثنين إنما هو النصوص الشرعية التي فيها إشكال وخلاف كبير في ثبوتها وحجيتها، فضلا عن تفسيرها وفهمها.

هذا لمن كان أصلا يرفع بالسنة النبوية رأسا، وليس من ينكرها ويرفضها تماما، ويطعن في ثبوت أحاديثها ونسبتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، كالشيعة ومن يسمون (القرآنيين) ولو أنك سألت حوثيا مثلا – فضلا عن شيعي اثناعشري – ما موقفك من كتب السنة الستة – وعلى راسها البخاري ومسلم - لربما قال لك: تصلح للف الساندويتشات، وهذا هو عين موقف السني من كتب الشيعة.

لقد انقسم المسلمون بعد رسول الله إلى مذاهب شتى وطرائق قدد، منها العقيدي ومنها الفقهي. فأما في العقيدة، فلا تكاد تجد مسألة واحدة قد اتفقت المذاهب الإسلامية عليها، بدءا من تفسير "لا إله إلا الله" مرورا بصفات الله عز وجل، وهل يرى رب العزة يوم القيامة أم لا، وكذا الموقف من آل البيت والصحابة، وصولا إلى عالم الغيب: الجن – الموت –الروح – البرزخ – الملائكة- الجنة النار.. وصولا إلى الموقف من الحاكم. والمذاهب العقيدية الأساسية هي: السنة – الأشاعرة – الماتريدية – الشيعة – المعتزلة – الإباضية – الخوارج. ويكفي أن تطرح هذا السؤال على أي مار في الشارع؛ لتعرف مدى الخلاف وهو أين الله؟ فستسمع الجواب حسب المذهب: في السماء – موجود بلا مكان - في كل مكان – هذا السؤال لا يجوز.. وهنا نذكر أن 90% من المسلمين السنة اليوم هم على المذهب الأشعري الذي يدين به الأزهر، وهو المعتمد في التدريس في معظم الأقسام الشرعية في الجامعات الإسلامية على مستوى العالم. ويكفي أن تعرف أن المعتزلة – ومنهم الزيدية – يقولون بمنزلة بين المنزلتين فإذا فعل المسلم كذا، فليس بمسلم ولا كافر، في حين يعتبر السنة الفاسق مسلما، ويكفر الوهابية مثلا تارك الصلاة تكاسلا.

وقد ظهرت خطورة الخلاف العقيدي في موقف رجال الدين من الثورات العربية، فظهرت في اليمن ثلاثة مذاهب: 1- السلفية وهم الذين أوجبوا طاعة الحاكم، وحرموا وأثموا الخروج عليه ولو بالمظاهرات 2- الوهابية وهم لا يختلفون كثيرا عن السلفية إلا أنهم يبيحون للحاكم سفك دماء المتظاهرين باعتبارهم خوارج حلال الدم 3- الشيعة والزيدية وهم معروفون على مدى التاريخ بثوراتهم، إلا أن التطور الجميل في بلادنا أنهم تخلوا عن حمل السلاح واكتفوا بالتظاهرات السلمية والجهاد - من وجهة نظرهم - باللسان والقلم، وفي هذا القسم يدخل الحوثية، وقد تابعهم حزب الإصلاح وسائر المشترك.

أما المذاهب الفقهية فالأمر فيها أيسر، إلا أن خطرها أعظم إذا كان المنتسبون إليها متعصبين وإقصائيين، ومن أعظم جرائم الاحتلال التركي للمنطقة العربية أنه حظر وجرم وحرم الاجتهاد وأغلق بابه تمام، وما زالت منابر المذاهب الأربعة في الجامع الأموي في دمشق شاهدة على ذلك، فكنت إذا دخلت تصلي وجدت أربع جماعات، لكل مذهب جماعة، وعليك أن تبحث عن جماعة مذهبك، هذا إذا كنت سنيا.

وثمة مسألة هي فقهية ولكنها من أصول عقائد الشيعة، وهي متعة النساء، ففي حين كانت جريمة يعاقب عليها القانون في العهد الصدامي، أصبحت اليوم شيئا عاديا حتى في المحافظات السنية، وفي بغداد وحدها بضعة دور متعة يسمونها (بيوت العفة) وهنا لابد أن نذكر أن الزيدية ترفض المتعة جملة وتفصيلا.

أنا ليس عندي مانع طبعا أن يتسيس رجل الدين، لكن شريطة أن ينحي مذهبيه العقيدي والفقهي جانبا وأن يتعلمن، وإلا اضطر إلى تكفير الاشتراكيين والناصريين كما كان الإصلاح يفعل تلميحا وتصريحا، قبل أن يشترك المشترك، وسبحان من مزج الماء بالنار، والماء بالزيت.

تخيل لو أن الزنداني أصبح مشرعا قانونيا، هل سيفرض علينا فتواه في رفض تحديد زواج البنت، كما فرض علينا المذهب الأشعري في مناهج الثانوية؟ مع أنه يفتؤ يردد تحت جنح الظلام حيث لا يراه أحد "أنا سلفي" ، وتخيل لو أن فتوى الفرند أصبحت قانونا، وكنت أنا أرفضها ولا فرق عندي بينها وبين العرفي، هل سأجد نفسي مضطرا لتزويج ابنتي فيما لو عشقها إصلاحي وأراد أن يتزوجها على المذهب الفرندي، وإلا رفعت علي دعوى قضائية، واعتبرني قانون الزنداني وليا عاضلا، وحينئذ لن ينفعني القول: يا جماعة ما زالت طفلة، لم تبلغ الثامنة عشرة.

أرأيتم مشاكل الدين؟ صدق كارل ماركس: الدين أفيون الشعوب. لكنه عند جماعاتنا الدينية ليس دينا واحداـ، وهكذا نعرف أن الإسلام ليس ذا وجه واحد في العقيدة فضلا عن الفقه، وبدلا من أن نظل نردد المرونة المرونة.. هذه الكلمات طالما سمعها مني طلابي الإصحيون كثيرا، وكانوا يعجبون إذا قلت لهم إن الإسلام ليس إسلاما واحدا، لكنه إسلامات متعددة.

فلم لا ننحي الدين بكل خلافاته ومشاكله ومذاهبه جانبا؟ ونعمل تحت مظلة الحرية والديمقراطية؟

لا يهمني في شيء أن تكون سنيا أو شيعيا، أو زيديا أو شافعيا، فهذا شيء شخصي بينك وبين ربك، ولست أنا من يحاسبك عليه، وليس لي عندك – من الناحية الشرعية - إلا النصيحة لا أكثر.

ألستم معي في أن العلمانية هي الحل والمخرج الوحيد من اضطهاد رجال الدين، وجمودهم على فتاواهم ومذاهبهم فيما لو وصلوا إلى السلطة، وشرعوا لنا قوانين كل حسب مذهبه واجتهاده إنها لكارثة تسونامية؟ فعلمنوا السياسة رحمكم الله، علمنوها.

r9iin@yahoo.com