ثورة تونس ... الصفعة والصفقة (؟)
بقلم/ رانيا عبد الودود شمسان
نشر منذ: 13 سنة و 10 أشهر و 9 أيام
الأربعاء 19 يناير-كانون الثاني 2011 05:56 م

لا يختلف اثنان على أن ثورة تونس كانت صفعة بكل المقاييس للزعماء - والعرب منهم على وجه التحديد- مهما حاول بعضهم التظاهر بتأييدها وفضل بعضهم الصمت؛ ومن هنا أسجل شكري وتقديري للرئيس القذافي لأنه خرج عن صمته وكان الأكثر صراحة؛ إذ بكى الأطلال بقايا ديار بن علي، وقال بملء فيه: "لقد كان الرئيس المناسب لتونس" ثم قال كلاما طويلا ختمه بقوله: "سلام على تونس". ولست - هنا - بصدد قراءة جملة القذافي الأخيرة؛ بل سأتركها للمحللين والسياسيين ليقرروا هل هي ترحم على ابن علي أم وعيد للشعب التونسي الذي تعدى الخطوط الحمراء وفاجأ كل الزعماء (!)

إن الشعب التونسي بهذه الثورة قد وجه صفعة لكل الأنظمة؛ وعليه فقد صارت هذه الأنظمة هي العدو الأول للشعب التونسي، وبهذا يكون الأخير قد أكثر من أعدائه، إذ كان واحدا قبل الانتفاضة، أما بعدها فقد تعدد أعداءه وصاروا كثيرين، ويمتلكون مقومات هائلة يستطيعون من خلالها وأد ثورته وإخمادها قبل أن تتم ولادتها ونضوجها. وبهذا فقد أصبح الشعب التونسي وأمسى مصدر خطر على كل الزعامات إذا ما تمت ثورته وقام بتفكيك منظومة الحزب الحاكم وغيبه من الحكومة الوليدة القادمة وغير الدستور وقوانينه التي فصلت – حسب الغنوشي – على مقاس الطاغية وحزبه.

وبهذا أصبح نجاح الثورة يبعث الحياة من جديد في الشعوب العربية كافة، وهذا ما لا يريده الزعماء أن يحدث؛ إذ ستكون مصدر تهديد مؤذن بزلزلة عروشهم خاصة إذا ما أصروا على السير في مصادرة حقوق تلك الشعوب، ومن هنا لن يكون المستفيد الوحيد من وأد الثورة في مهدها سوى الزعماء إذ هم المتضررون الوحيدون منها وبالتالي سيسعون ليل نهار في التآمر عليها قبل أن تضيء للتونسيين وغيرهم دروبهم.

 وكما كان الجميع مجمعين على أن ثورة تونس كانت صفعة قوية وكابوس يقض مضاجع الحكام فإنَّهُ يجمعون أيضا من دون خلاف بأن الثورة نفسها صفقة رابحة مهداه ممن قام بها إلى كافة شعوب المنطقة؛ إذ بعثت فيهم روح الإرادة والإصرار من جديد بعد أن كانت على وشك الاحتضار، وبعد أن كان قد حُكم على الشعوب بأنها ميتة لا تستطيع إحداث أي تغيير. ومن هنا أقول إن الشعب التونسي جميعه مدين بذلك للبعزوزي، إذ هذا الأخير بمفرده هو من جعل من نفسه وقودا للثورة التونسية، وبدوره الشعب لم يقصر إذ كان حاله يقول لابن علي: إن الجواب ما تراه لا ما تسمعه، فشكرا للشعب التونسي الذي لم يضع حق البعزوزي بل وضع تضحيته بنفسه في مكانها ومقامها الصحيح. وقد كان المتوقع أن يغدق الشعب التونسي – كما هي عادة الشعوب – بالإشادة والتهاني القلبية لكن الشعب التونسي فاجأ الجميع وغير سير عجلة الشعوب باتجاه الحكام

 وإذا كان البعزوزي قدم للشعب التونسي تلك الصفقة الرابحة وحرك في نفوسهم جذوة العزيمة والإرادة فأجابه لذلك، فإن الشعب التونسي - لا ريب - قد قدم هو الآخر بتضحياته صفقة مجانية ومدفوعة التكاليف للشعوب العربية، وأصبحت الشعوب العربية مدينة للشعب التونسي، ولا بد من أن تسدد دينها، وليس مطلوب - الآن - من الشعوب العربية إلا أن تدافع على تلك الثورة وتصنع صنيع الشعب التونسي تجاه تضحيات البعزوزي.

إن الشعب التونسي قدم الضحايا وأهدى ثورته لبقية الشعوب فهل ستقدره وتبادله الجميل مثلما بادل الشعب التونسي الجميل البعزوزي إن الشعوب إذا ما أرادت أن تشكر الشعب التونسي - يبقى عليها أن تصنع الصنيع نفسه وعليها أن تبادر بخلع طواغيت العالم العربي. حتى ترد الجميل لهذا الشعب الحر.

إن الشعب التونسي قهر الطاغوت، وخلع فوبيا الخوف من قلوب الشعوب ليجعلها في قلوب الحكام، فهل على الشعوب أن ترد الجميل للشعب التونسي ولا تترك الفرصة للزعماء العرب ليسرقوا منه ثورته أو يقومون بوأدها وهي حية. وإن الشعوب العربية إذا ما تركت حكوماتها في الفترة الراهنة قريرة العين والبال؛ فإنها ستصرف كل همها واهتماماتها إلى إخراس الشعب التونسي وستفكر - ليل نهار – كيف تتآمر على ثورته وتسرقها منه؛ إذ بقاءها يشكل خطر على عروشها.

 فيا شعوب العالم احترموا إرادة الشعب التونسي وقدروا تضحياته ولا تجعلوا الأنظمة العربية تنفرد به لأنه أصبح في الوقت الراهن هو الخطر الحقيقي الذي يهدد عروشها والمطلوب من الشعوب العربية أن تقف في وجه حكوماتها وتقول لهم كفى جوعا كفى فقرا كفى استعبادا واستبدادا اشغلوا حكوماتكم حتى لا تشتغل في قطف ثمرة شجرة التونسيين التي أصلها ثابت وفرعها في السماء ومنها من أن تؤتي أكلها للشعوب.