يا نساء غزة.. لا تحسبوه شرًا لكم
بقلم/ إحسان الفقيه
نشر منذ: 4 أسابيع و 14 ساعة
الجمعة 01 نوفمبر-تشرين الثاني 2024 07:35 م
 

ترددت كثيرًا في كتابة هذه السطور حول الكاتب الكويتي مشعل النامي، الذي نقل عن مجهول لم يسمه الزعم بأن نساء غزة يبعن أعراضهن، تحت سطوة الواقع المر وشح الطعام، وجاء هذا التردد رغبة في إماتة الباطل، وحتى لا أكون ممن أسهموا في تداول الحديث عن أعراض أخواتنا في غزة بين الادعاءات والردود، والردود على الردود.

بيد أن الأمر قد انتشر على مواقع التواصل انتشار النار في الهشيم، فمن ثم غاب مبرر إمساك قلمي عن الخوض في تلك المسألة، وأردت من خلال هذا المنبر أن أوجه رسالة إلى حرائر غزةـ لعلها تكون بردًا على قلوب أخواتنا اللاتي نالهن الأذى، وأضيفَ لون جديد من القهر والمأساة إلى رصيدهن من المعاناة.

وابتداءً، أسلط الضوء على الحدث الذي قلب مواقع التواصل الاجتماعي، والخلاصة فيه أن الكاتب الكويتي- المعروف بعدائه للإخوان المسلمين- ذكر عن طريق رجل مجهول لم يذكر اسمه، أن الإخوانجية- كما يسميهم- يتحدثون في مجالسهم الخاصة أن الأوضاع الصعبة في القطاع جعلت النساء يمارسن الدعارة من أجل القوت.

بعد أن تعرض الكاتب لطوفان من الهجوم عليه بسبب هذه الكلمات، قام بالرد مرتكزًا على قاعدة “ناقل الكفر ليس بكافر”، وأنه لم يقصد الطعن في أعراض نساء غزة، لكنه كان يقصد إبراز ما عليه الإخوان من ضلال في مجالسهم الخاصة.

سوف أذهب إلى أبعد مدى في حسن الظن بالكاتب، وأبني حديثي على تصديق رده وسلامة نيته، فأقول:

أولًا: إن هذه القاعدة- على الرغم من صحتها وكثرة استخدام العلماء لها في كتبهم- فإنها ليست على إطلاقها، فحكاية كلمات الكفر تصح إن كانت في معرض ذم قائلها والرد عليه، فالقرآن حكى كلمات وآراء الكافرين في معرض الذم، وردّ عليهم، فإذا كان الكاتب استند إلى هذه القاعدة فهل عمل بمقتضاها؟

بالرجوع إلى المقطع الذي ذكر فيه هذه المسألة، هو لم يقم حينذاك بتبرئة أعراض الحرائر في غزة مما نسبه إلى مجالس الإخوان التي يتحدث عنها، كل ما كان يركز عليه هو بيان سوء سريرة الإخوان، وكان الأحرى به إذا نقل هذا الكلام عن مجهول، أن تكون له جملة اعتراضية طويلة في هذا المضمار، لإنصاف نساء غزة من كلام المجاهيل، أما النقل هكذا دون الرد عليه، فمن البديهي أن يرى القارئ فيه إقرارًا بالمضمون أو احتمال وجوده.

ثانيًا: نقل الكاتب عن ذلك المجهول أمرًا يتعلق بالأعراض لا يعفيه من المسؤولية، لأنه حدّث بما لم يتسن له التثبت منه، فكان كمن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم: “كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع”، وأصابهم قوله صلى الله عليه وسلم: “بئس مطية الرجل زعموا”، ومعناه كما قال المناوي فيما نقله صاحب “عون المعبود”: “أي أسوأ عادة للرجل أن يتخذ لفظ زعموا مركبا إلى مقاصده، فيخبر عن أمر تقليدا من غير تثبت فيخطئ ويجرب عليه الكذب”.

ثالثا: إذا نقل أحدهم لنا عن مجهول كلامًا في نساء هذا الكاتب، فهل كان ليرضى عن هذا النقل؟ فكيف الحال ومن نقل هذه الفرية بشأنهن هن نساء شعب بأسره، شعب غزة!

وأما رسالتي إلى حرائر غزة، فأقول لهن ما قاله الله تعالى بشأن الإفك، عندما طُعن في عرض أم المؤمنين عائشة الصديقة بنت الصديق في عرضها، قال تعالى في معرض تبرئتها من فوق سبع سموات: {لا تحسبوه شرًّا لكم}، قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: “{لا تحسبوه شرا لكم} أي: يا آل أبي بكر {بل هو خير لكم} أي: في الدنيا والآخرة، لسان صدق في الدنيا ورفعة منازل في الآخرة، وإظهار شرف لهم باعتناء الله بعائشة أم المؤمنين”.

فمع هذا البهتان، تحولت مواقع التواصل الاجتماعي إلى ساحة هجوم على من تكلم في حرائر غزة، وميدان للدفاع عنهن، ونشر فضائلهن ومظاهر عفتهن وصمودهن، والتزامهن بتعاليم دينهن، وتدفقت المقاطع المصورة التي تظهر حرص نساء غزة على ارتداء الحجاب حتى في الهروب من القصف، وحلقات تحفيظ القرآن التي تتزين بهن في المخيمات ومراكز الإيواء، وحديثهن عن الصبر والصمود، وافتدائهن الأقصى وتراب فلسطين بأرواحهن.. فلعمر الله قد صدق فيهن قول الشاعر:

وإذا أراد الله نشــر فضـيــلة

طويت أتاح لها لسان حسود

 

جاءت هذه المحنة لترفع من مكانة نساء غزة في قلوب الأمة، وكانت برهانًا على أن أبناءها ما زالوا بخير، يثأرون لأعراض أخواتهم في غزة، وهناك من داخل الكويت من رفع الدعاوى القضائية على الكاتب غيرةً على الحرائر، وأحسب أنها رسالة صارمة لكل من تسول له نفسه لاحقا أن يمس بالكلمة نساء غزة، فلا تحسبوه شرًا لكم، بل هو خير لكم.

والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون