آخر الاخبار
قعطبة مقبرة الأتراك وموطن الرسوم
بقلم/ عبد الرحمن المحمدي
نشر منذ: 15 سنة و 10 أشهر و 14 يوماً
الأربعاء 14 يناير-كانون الثاني 2009 01:33 م

كانت مديرية قعطبة على خط التماس بين شطري اليم ن قبل الـ(22) من مايو 1990، ومسرحا للصراع بين نظامي ما كان يسمى بـ"الجمهورية العربية اليمنية" وعناصر "الجبهة الوطنية" المسنودة من نظام "جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية" قبل الوحدة، ومازال أبناء هذه المديرة يتذكرون ويلات التشطير التي جاءت الوحدة اليمنية لتنقذهم منها.

وما لا يعرفه الكثيرون عن قعطبة هو أنها المديرية التي نشأ وترعرع فيها الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي، وأصبحت في ما بعد المكان الذي احتضن "مؤتمر قعطبة" بينه وبين الرئيس "سالمين" في قرية (حمر) منتصف سبعينيات القرن الماضي، كما أنها كانت صدراً حاضناً لثوار ثورة الـ"14 من أكتوبر" ضد الاستعمار الإنجليزي، والملاذ الآمن لعناصر "جبهة التحرير" الذين تعرضوا للتصفية من قبل رفاق نضالهم في "الجبهة القومية" بعد الثورة.

اقتصاد القات يهدده جفاف المياه الجوفية

وتقع مديرية قعطبة ضمن جغرافيا المناطق الوسطى، وتتبع إداريا محافظة الضالع، وتبعد 120 كم عن مدينة عدن، ويعتمد سكانها الذين يبلغ عددهم حوالي 100.000 نسمة على الزراعة كمصدر أساسي للدخل، حيث تعتبر المديرية الأولى في إنتاج وتصدير (القات) الذي يعتمد عليه السكان اعتمادا أساسياً في معيشتهم.وتشتهر قعطبة بإنتاج العديد من أجود أنواع القات، كالقات (المريسي) و(العودي) و(البلدي)، ولهذا فإن زراعة القات تستهلك أكثر من 95 بالمائة من المياه الجوفية في المديرية، نتيجة للحفر العشوائي للآبار الذي عرض الكثير من قراها لأزمة حادة في المياه، حيث تعاني مناطق (العود) التابعة للمديرية من جفاف الآبار وشحة المياه، فيما تعيش منطقة (مريس) عصرا ذهبيا في وفرة المياه الجوفية، ولكن العبث باستهلاك هذه المياه يهدد حوضها المائي بالنضوب، خصوصا وأن العديد من قرى وعزل (مريس) بدأت مؤشرات الجفاف فيها تنذر بمستقبل قاتم يهدد المنطقة بأكملها.

ويعتمد أهالي مديرية قعطبة في معيشتهم على زراعة القات التي تساهم في امتصاص الآلاف من الشباب والعاطلين عن العمل، حيث يجني المزارعون ملايين الريالات سنويا ويستوعبون الكثير من الأيدي العاملة من مقاولين وقطافين ومحرجين وبياعين للقات، ولهذا فإن معظم الأسر ترسل أطفالها وشبابها للعمل في (القات).

مقبرة عثمانية قديمة

مدينة قعطبة هي عاصمة المديرية، وتبعد 5 كم عن المجمع الحكومي للمحافظة في (سناح)، وجاءت تسمية (قعطبة) من دلالة اسمها المكاني، لأنها كانت تقع على (قاع تب ة)، حيث كانت تبة مطلة على قاع كان فيه معسكر لجيش الأتراك في القرن التاسع عشر، فيما تذهب بعض المصادر التاريخية إلى أن التسمية جاءت من تسمية قديمة للقاع الذي كان يسمى بـ(قاع طيبة) ومع الزمن صارت تعرف بـ(قعطبة).

ويقوم مركز المديرية حالياً على مقبرة قديمة يرجح البعض بأنها مقابر للجنود الأتراك والذين كانوا يصلون إلى اليمن، ويقبرون فيها نتيجة المقاومة الشعبية الشرسة للحملات العثمانية المتعددة إلى اليمن.

توسع في ظل انعدام الخدمات

وتوسعت قعطبة باتجاه (سناح) التي كانت المنطقة الحدودية في زمن التشطير، ولكنها ومع هذا التوسع الهائل مازالت تعاني من عدم وجود الكهرباء، حيث تعتمد المباني السكنية والفنادق والمطاعم والمنشآت التجارية على (المولدات الكهربائية) الخاصة، فيما تعجز الحكومة عن مدها بالكهرباء من الخط العمومي الممتد لمركز قعطبة القديم، وذلك لأن الشبكة الكهربائية أصبحت متهالكة وقديمة.

كما تعاني قعطبة (العاصمة) من مشكلة المجاري الطافحة التي ص ارت سمة من سمات المدينة، التي أصبحت مدينة موبوءة بالكثير من الأمراض، خصوصاً وأن الأطفال يلعبون على طول الشوارع الطافحة بمياه المجاري التي تغرق الأزقة والشوارع الداخلية وتكشف عن الوضع المزري لسكان هذه المديرية.

وكان محافظ الضالع علي قاسم طالب أوضح خلال زيارته لقعطبة بأن مشكلة المجاري هي أم المشاكل، وعلى رأس أجندة مهام السلطة المحلية، وحث المواطنين على التعاون مع الدولة، وعدم إعاقة أي مشروع مدني والتنازل بمصالحهم الخاصة من أجل المصلحة العامة، حيث تفيد المعلوم ات بأن هناك العديد من المشاريع المتعثرة بسبب ممانعة بعض الأهالي ورفضهم التنازل عن بعض أملاكهم لصالح مشاريع خدمية كالمياه والمجاري ومقالب القمامة.

(جيشان) تاريخ مهدد

جيشان هي أطلال مدينة تاريخية تقع على بعد 15 كم شمال شرق مدينة قعطبة، وينسبها المؤرخون إلى (جيشان بن عبدان بن حجر بن رعين)، وإليها ينسب مخلاف (جيشان) سابقاً، وقيل بأن علي بن الفضيل الخنفري (مؤسس الحركة القرمطية في اليمن) ولد وترعرع فيها بالقرن الثالث الهجري.

هذه المدينة التاريخية لم يتبق منها سوى أطلال مبان خربة، وتقع شرق مدينة (هجار جيشان)، وتتمركز على هضبة جبلية متوسطة الارتفاع، وتطل من الاتجاه الشرقي الشمالي على وادي (روسان) الذي تجري فيه مياه عين دائمة، وقيل بأنه كان به نقش بالمسند لم يتم العثور عليه بحسب إفادة مدير متحف الضالع محمد منقش، فيما تطل من الاتجاه الغربي على وادي (جيشان) الذي تأتي مساقطه ال مائية من (جبال الشامي) الواقعة شمال جيشان، ويلتقي هذا الوادي مع وادي (هجار جيشان) في واد يسمى (باب غلاق).

لم يتبق من مدينة جيشان الأثرية سوى أنقاض مبان بعضها ظاهر والبعض مدفون تحت الأرض، ومازالت جدران بعض مبانيها فوق الأرض في ارتفاع يصل إلى مترين، فيما أغلب المباني قد خربت وتحولت إلى مدرجات زراعية، كما تم شق طريق للسيارات تؤدي إلى قمة الهضبة، ونجم عنها طمس كثير من المعالم الأثرية للمدينة.

وتقدر مساحة الجزء الغربي من قمة الهضبة بنحو 20 ×500 متر، وبها أنقاض مبان وأساسات بأحجار مهذبة تتخللها حفر دائرية في الصخر يبدو بأنها كانت خزانات مياه بحسب ما تناوله الأستاذ محمد منقوش، أما الجزء الشمالي من قمة الهضبة فهو عبارة عن صخور ونتوءات مرتفعة لتحصينات طبيعية وكهوف من الواجهة الشرقية، كما يوجد في أعلى هذه القمة بقايا لمبان م دفونة ومقضضة تسمى بـ"المدافن".

حصن عاد

تقع قرية (هجار جيشان) بالقرب من جيشان وتمتد على ضفتي واد فسيح تحيط به أراض زراعية خصبة وتأتي مساقط هذا الوادي من (جبال مريس) الشاهقة، وتحتوي هذه الجبال على عدد كبير من الجروف الصخرية والمغارات، التي تم فيها اكتشاف موقع (حصن عاد) وثلاثة كهوف صخرية كانت تستخدم كمأوى لإنسان ما قبل التاريخ، ويتضح ذلك من خلال الآثار التي وجدت بها والرسوم الصخرية الملونة والنقوش في هذه الكهوف.

ويقع حصن (عاد) الطبيعي على السلسلة الجبلية شمال غرب قرية (هجار جيشان)، وهو عبارة عن كتلة صخرية كبيرة ومنفصلة عن الجبل بمسافة 5 أمتار تقريباً ويصل ارتفاعها إلى أكثر من 20 مترا، حيث يصعب تسلقها والوصول إلى قمتها المطلة على وادي (هجار جيشان) و(شعب الحنش)، ويبعد هذا الحصن عن كهف الإبل مسافة 30 مترا، ومن أعلاه تشاهد آثارا لمبان أثرية صغيرة لم يتم اكتشافها بعد، حيث أفاد بعض المواطنين بأنه سبق وأن صعد إليها مجموعة من الأشخاص بواسطة حبال، ونبشوا بعض المباني ووجدوا حفرا دائرية وأواني فخارية، وهو ما أكده الأستاذ محمد منقوش، وقال بأ نه تم العثور في أسفل الحصن على بقايا أوان فخارية وأنقاض وأتربة يبدو أنها ألقيت من أعلى الصخرة.

يقع كهف (النابرة) بالقرب من السفوح الشرقية لجبال (مريس) الشاهقة، ويبعد عن قرية (هجار جيشان) بنحو 2 كم غربا، ويفصل بينه وبين سلسلة جبال (الصر) من الجنوب وادي (شعب الحنش) الذي تجري فيه مياه غيل صغير طوال العام، ولا شك بأن هذه المياه هي التي جعلت الإنسان القديم يختار العيش في هذه الجبال المحصنة والمليئة بالكهوف الطبيعية التي كانت مساكن وحصوناً لإنسان ما قبل التاريخ.

وكهف النابرة هو عبارة عن أخدود صخري يصل عمقه في الجبل حوالي 7.50 متر، وبطول 22 مترا تقريباً، وارتفاع 3.30 متر، ويعتبر اكتشاف هذا الكهف من أهم الاكتشافات الأثرية التي توثق لجزء هام من تاريخ وحضارة الإنسان اليمني القديم.

وترجع أهمية هذا الكهف إلى احتو ائه على كمية كبيرة من الرسوم التي يتجاوز عددها الـ 200 منظر، وهي توثق لتنوع وتعدد المواضيع الفنية في حياة الإنسان اليمني القديم، كما أن الألوان المستخدمة في هذه الرسوم تؤكد بأنها رسمت في فترات تاريخية مختلفة.

ويقول الأستاذ محمد منقوش بأن اكتشاف هذا الكهف وتعدد المواضيع الفنية فيه قد جعل اليمن في الصف الأول من البلدان التي ازدهر فيها هذا الفن من المحفورات الصخرية والرسوم الملونة في المأوى الصخري، مؤكدا بأن هذا الكهف لا يقل أهمية عن كهوف (لاسكو، والتامبراء) التي اكتشفت فيها مثل هذه الرسوم في أوروبا.

وبالإضافة إلى هذا الكهف توجد العديد من الكهوف الأثرية، مثل كهف (جوف القرود) و(جرف الإبل)، ولكن معظم رسومات هذه الكهوف تعرضت للعبث والطمس، الأمر الذي أفقدها الكثير من جمالها.

* صحيفة الغد