الرئيس العليمي وأمريكا.. إسقاط الحوثي من الداخل لا من الساحل
بقلم/ عبدالفتاح الحكيمي
نشر منذ: 9 أشهر و 7 أيام
الخميس 22 فبراير-شباط 2024 05:37 م
 

تصطدم رغبة وتطلعات قيادة السلطة الشرعية في دعم وتعزيز قدراتها العسكرية من قبل التحالف الدولي لحماية أمن البحر الأحمر ومضيق باب المندب والبحر العربي بصورة رئيسية بتذبذب الحسابات الأمريكية وإمكانية تغيرها وانقلابها المفاجئ في أي لحظة استجابة لتسويات من أي نوع يقدمها الطرف الآخر رغم ما ألحقه بها التهديد الحوثي-إيراني من خسارة فادحة لهيبتها ومكانتها القيادية وسمعتها في العالم والتشكيك بقدرات تكنولوجياتها العسكرية والضربات الموجعة التي طالت سفنها التجارية والحربية من قبل قوة مليشاوية صغيرة في اليمن.

 

وساهم تردد الدول الأوروبية الأخرى وحلف الناتو وغيرها من البداية في تمادي فرع الحرس الثوري في اليمن بتوجيه ضربات صاروخية أرضية وجوية كبيرة غير متوقعة للأمريكان مباشرة بعد مقتل مستشاري الحرس الثوري الإيراني في سوريا سرعان ما تحولت إلى تهديدات مباشرة وكبيرة لمصالح كل دول العالم بلا استثناء..

 

ومن وقت مبكر لتهديدات وكلاء الحرس الثوري الإيراني الحوثيين لسلامة الملاحة والتجارة الدوليين في مضيق باب المندب والبحر الأحمر وخليج عدن في اليمن عبر الرئيس الدكتور رشاد العليمي عن إرادة واستعداد قيادة الشرعية في القيام بواجباتها الطبيعية كسلطة وطنية معنية وحاجتها الملحة لدعم حقيقي من التحالف الدولي لتعزيز القدرات العسكرية والقتالية للجيش اليمني في مواجهة الخطر خصوصاً بعد استغلال الحوثيين التعاطف الشعبي مع فلسطين للتحشيد العسكري وتجييش المغرر بهم الجدد والقدامى ضد مناطق سيطرة الحكومة الشرعية باسم الدفاع عن غزة.

 

ومطلع الأسبوع أمام مؤتمر ميونيخ للأمن في ألمانيا الذي شارك فيه عن اليمن كرر الرئيس العليمي دعوته ومطالبته لحلف الأطلسي كمعني بحماية المنافذ البحرية الدولية بمساعدة سلطة الشرعية والحكومة اليمنية وتقديم كافة أنواع الدعم المعداتي القتالي والدفاعي اللازم لتمكين الدولة اليمنية وسلطتها من فرض سيادتها على كامل التراب اليمني واستعادة مؤسسات الدولة وممارسة سلطتها في حماية الملاحة البحرية والإسهام في بناء الأمن والإستقرار الإقليمي والدولي والتصدي لمواجهة خطر التوسع الإيراني في اليمن وتحرير منافذ التجارة والملاحة الدولية من هيمنة ونفوذ أدوات الحرس الثوري الإيراني.

وإن أي سلام مع الإنقلابيين سيكون في إطار المرجعيات فقط ومنها قرار 2216.

 

ويفهم من سياق المقابلة التلفزيونية لقناة العربية مع الرئيس العليمي عدم قناعته بالضربات العسكرية الحالية ضد مواقع الحوثيين التي لن تقضي على قدراتهم بل قد تضعفها مؤقتاً فقط وإلى حين.

وتظل في تقييم الرجل لها مجرد خطوات ناقصة بدون شراكة ودعم الحكومة الشرعية وتجفيف منابع الأسلحة الإيرانية المتدفقة لعملاء الحرس الثورية الإنقلابيين بما تعنيه من استمرار الخطر على الداخل.

 

وتحمل رؤية العليمي في طياتها انتقاداً ضمنياً لطريقة تعاطي أمريكا وأوروبا مع التصعيد الكبير كون القضاء على خطر أصابع إيران لن يتحقق من الساحل بل بالرهان على إسقاطه النهائي من الداخل.. وليس مجرد إضعاف القدرات العسكرية القابلة للنهوض لاحقاً.

 

وهنا مفترق الطرق بين رؤية مشروع قيادة سلطة الشرعية اليمنية في خيار التحرير الشامل الذي أجهضته بريطانيا وأمريكا كما في اتفاق استوكهولم المشؤوم وتحويل نصر قوات الشرعية إلى هزيمة في الحديدة وعلى تخوم صنعاء قبل ذلك, وبين مشروع الدول الكبرى الأمني وليس العسكري الذي يختصر هدفه الرئيسي فقط في حماية وتأمين حرية الملاحة والتجارة و لا يمس كيان وبقاء الحوثيين أو تقويضه كخطر استراتيجي ماحق ساحق على اليمن والإقليم والعالم والسلام الدولي.

 

* أمريكا والدعاية للحوثيين *

 

أذهلت تكنولوجيا أسلحة الحوثيين البحرية والصاروخية والجوية الأمريكان والبريطانيين الذين لا يزالون مشغولين بخصائصها ومكوناتها ومنشأها مع ضربات عسكرية لم تؤثر على قدرات الخصم الذي تضاعفت تهديدات عملياته العسكرية أكثر هذا الأسبوع مع التواجد الصوري لقطع بحرية دول أوربا.

 

والنتيجة أنهم قدموا بهذا الأداء العسكري المرتبك فقط دعاية عسكرية مجانية لمرتزقة إيران بأظهار تفوق وكلاء الحرس الثوري في اليمن على قدرات وتكنولوجيا أسلحة الدول الكبرى.

 

ولن يغير توافد القوى الجديدة البحرية إلى خليج عدن وقرب وبحر العرب والبحر الأحمر من معادلة التهديد الحوثي-إيراني للملاحة والتجارة العالمية إلا في تقاسم الصفعات التي كانت تتلقاها أمريكا منفردة لوحدها في الغالب.

 

لم تحقق مطالبات الرئيس رشاد العليمي للتحالف الدولي الخاصة بدعم القدرات العسكرية لجيش الحكومة الشرعية حتى اللحظة أية استجابة واقعية لتزويدها بسلاح دفاعي أو هجومي بري أو جوي وبحري نوعي أو تقليدي..

ولا إمكانيات لوجيستية معقولة مع إحكام سيطرة دفاعات الحوثيين على المنافذ البحرية و البرية, وضربوا حتى سفينة أعلاف الدواجن القادمة إلى ميناء عدن قبل يومين.

 

وتمكنت مليشيات إيران الحوثية رغم كثافة الضربات الأمريكية- البريطانية غير المؤثرة والحصار البحري الناعم عليها من دفع جحافل جديدة لاقتحام مختلف جبهات الشرعية في مأرب, شبوة, صعدة, الجوف, تعز, الضالع بعد تمكنها من تجنيد 165 ألف مقاتل جديد باسم الدفاع عن غزة.. واستعرضوا ميدانياً أسلحة بحرية نوعية جديدة ومنظومات تشويش رادار على الصواريخ والطائرات الحربية وأنظمة مدفعية وصواريخ أرض أرض دقيقة روسية متطورة تدخل لأول مرة.

 

ولم تتلق حكومة الشرعية اليمنية مع كل المدد الإيراني السخي لأدواته القذرة ولا حتى مفرقعات صوتية وألعاب نارية.

 

ويضع ذلك علامات استفهام كبيرة إزاء جدية أمريكا ودول إوروبا وحلف الأطلسي وباقي بلدان آسيا المتضررة حول حقيقة ودوافع التحشيدات الضخمة وعسكرة المنطقة دون رغبة جدية أكيدة في إزاحة الخطر القائم.

فالأمريكان يؤكدون سعيهم إلى إضعاف قدرات الحوثيين فقط, ومثلهم البريطانيون, وقوات بحرية الإتحاد الأوروبي التي أرسلها قبل يومين قالوا أن مهمتها دفاعية في حماية السفن التجارية و حرية الملاحة ومنع أي صواريخ وطائرات تقترب منها وليس استهداف مصادر النيران ولا عملية عسكرية منسقة ضد وكلاء الحرس الثوري في اليمن بل نزهة سياحة بحرية يتفرجون من خلالها على تلقي أمريكا للصفعات.

 

ويؤكد إيقاع الضربات العسكرية المتباطئ ضد الحوثيين-الإيرانيين في أحسن التوقعات ميل الدول الكبرى إلى السيطرة على سواحل المنطقة ومنافذها البحرية فقط وإنهاء خطر الصواريخ والطائرات المسيرة والزوارق المفخخة على الملاحة والتجارة دون المساس بقدراتهم وسيطرتهم العسكرية الفعلية على الأرض.

 

ويحتمل كذلك أي صفقة تسوية مفاجئة مع طهران لاحقاً كأن تبتلع الأرض كل أسلحة التهديد القتالية ومنصات إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة الهجومية في أي لحظة بتوجيهات قيادات الحرس الثوري الإيراني كنصر صوري شكلي لأمريكا وحلفائها مقابل بقاء سيطرة عملائها الحوثيين على الجغرافيا الحالية بموازاة إضعاف نفوذ وسيطرة الحكومة الشرعية على مناطقها بدلاً من دعم قدراتها العسكرية والقتالية لاستعادة الدولة ومؤسساتها المختطفة كاملة غير منقوصة.

 

وما دامت أمريكا تعطي أهمية قصوى وتتحدث عن تكلفة الصواريخ وقذائف الطائرات والقنابل الباهضة فلا قناعة ذاتية لديها بمواصلة العمليات في الحديدة وصنعاء وتعز وإب وصعدة وغيرها.

ولعل أي ضربات جوية وصاروخية وبحرية لا تقضي على قدرات الحوثيين العسكرية الفعلية ومناوراتهم على الأرض لا قيمة لها في الرهان لأمن البحر الأحمر والملاحة والتجارة الدولية عبر بحر العرب وخليج عدن والمحيط الهندي.

 

وما داموا يصنعون جزءاً من أسلحتهم الرادعة أو تركيبها في الداخل بإشراف خلايا مهندسي الحرس الثوري وحزب حسن نصر الله تتضاءل كذلك أهمية ضرب طوق بحري على تدفق الأسلحة الإيرانية إليهم مع وجود أصابع للأدوار المزدوجة الموثقة لبعض محيط اليمن, وحتى سفن المنظمات الدولية كما حدث سابقاً.

 

* غموض أهداف أمريكا*

 

وسوف تؤدي الطريقة الدفاعية الحالية مع الحوثيين إلى تثبيت سيطرتهم ونفوذهم أكثر على المنافذ البحرية , وفي أحسن الأحوال الإبقاء على واقع تقاسم الجغرافيا اليمنية بين قوى دعم الشرعية والحوثي كما هو عليه, مع حساب متغيرات ضم مناطق لصالح الإنقلابيين واستمرار تردد التحالف الدولي في دعم قدرات الحكومة الشرعية وتزويدها بما يلزم من عتاد عسكري نوعي وتسهيلات لوجيستية وأموال إضافية كافية لمنع تصدعات الجبهة الداخلية مع تردي مستويات المعيشة للناس وعجز دفع مرتبات الجيش والأمن والموظفين أكثر من قبل بفعل توقف تصدير النفط والغاز القهري الذي فرضته مليشيات الحرس الثوري, وتسارع انهيار العملة وتضخم الأسعار وعجز منتسبي الجيش والأمن والموظفين عن مواجهة احتياجاتهم المعيشية الضرورية بسبب عجز موازنة حكومة الشرعية.

و يعكس تهديد القضاة بالإضراب العام وفقدان مجلس القضاء الأعلى الصبر والتوازن بسبب نقص السيولة النقدية في البنك المركزي أبرز مؤشرات البلبلة الإدارية في مؤسسات الدولة والشارع العام في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية, خصوصاً لجهة أن مرتبات القضاة هي الأعلى من بين فئات المجتمع الأخرى مقابل يومين عمل في الأسبوع فقط في معاناة معيشية بائسة للغالبية العظمى من الموظفين والعسكريين ممن رواتبهم تتراوح بين 10 و 20 % من رواتب القضاة في السلم الوظيفي المسحوق, حيث تشهد عموم مناطق الشرعية إضطرابات وإضرابات وقلاقل مستمرة لتردي مستوى العيش إلى الكفاف والخدمات العامة إلى الأسوأ.

 

ويلاحظ من خلال حجم العمليات العسكرية الكبيرة الأخيرة المكثفة للحوثيين ضد السفن الأمريكية والأوروبية كيف أن إيران رمت بكل ثقلها العسكري المعداتي والمالي والتكنولوجي بلا حسابات أو تردد فيما حلفاء اليمن الإقليميين والدوليين يبحثون عن انتصار بلا ثمن من دماء وأرواح اليمنيين.

 

وهناك خلط واضح في تقدير أغراض الضربات العسكرية الأمريكية البريطانية اليومية المستمرة قرابة شهر كامل في الحديدة على وجه الخصوص فيما إذا كانت تستهدف ملاحقة منصات إطلاق الصواريخ المتحركة المتخفية ومخازن الأسلحة والطائرات المسيرة أم تمهد لإنزال بحري وجوي للسيطرة على المنطقة أو جزء منها.??

 

على ضؤ ما لم يتضح ولم يقرره المعنيون أنفسهم ماذا يريدون بالضبط قد يتقرر أيضاً تقديم الدعم لسلطة وقيادة الحكومة الشرعية من عدمه.

وبين كون معركة أمريكا وأوربا مع وكلاء إيران في اليمن تكتيكية ومصيرية برؤية الرئيس العليمي سوف تراوح الأوضاع الداخلية عندنا في مكانها إلى الأسوأ بانتظار معجزة قد لا تأتي مع رياح التمنيات بل بمسعى وإرادة قوية تغير المعادلة غير المتكافئة الراهنة لصالح التحرر والخلاص من كابوس أدوات الحرس الثوري في اليمن وغيرها.