بعد نفي القاهرة… هل يبقى احتمال التهجير قائما؟
بقلم/ إحسان الفقيه
نشر منذ: 9 أشهر و 8 أيام
الأربعاء 21 فبراير-شباط 2024 07:24 م
 

بعد أن حشر العدو الصهيوني مليونا ونصف المليون فلسطيني من شمال ووسط قطاع غزة إلى الجنوب باتجاه الحدود المصرية، وبعد تدفق التصريحات الإسرائيلية بشأن الاستعداد لشن اجتياح شامل لمدينة رفح، بلغ الحديث عن سيناريو التهجير إلى سيناء المصرية أوْجَه.

عزّز من هذه التوقعات ظهور مشاهد لأعمال تجريف وبناء قيل إنه إقامة منطقة عازلة أمنية محاطة بأسوار في رفح المصرية الحدودية، لاستقبال المهجرين من الجانب الفلسطيني. وكشفت صور للأقمار الصناعية استعرضتها شبكة سي إن إن، ما يفيد صحة الخبر، كما أن نيويورك تايمز قد حصلت على مقاطع فيديو وصور وشهادات تفيد قيام مصر منذ الخامس من فبراير/شباط الجاري ببناء منطقة إيواء عازلة داخل الحدود مع رفح بعمق خمسة كيلومترات وبأسوار عالية.

كل المعطيات كانت جاهزة لتؤكد أننا بصدد عملية تهجير لأهل القطاع إلى تلك المنطقة العازلة في رفح المصرية وحشرهم في معسكر مغلق.

لكن تصريحات رسمية مصرية خرجت لتنفي بشدة هذه الأخبار، سواء ما جاء في تأكيدات وزير الخارجية سامح شكري في جلسة نقاشية على هامش أعمال مؤتمر ميونخ للأمن، من أن هذا الحديث مجرد افتراض، وأوضح أن بلاده تجري أعمال صيانة فحسب، لافتا إلى أن مصر لا تنوي إعداد أي أماكن لإيواء المدنيين من أهل غزة. أو ما أكده رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية ضياء رشوان لوكالة رويترز من أن هذا الكلام لا أساس له من الصحة، ولفت إلى توافق الجانبين الفلسطيني والمصري على رفض التهجير. أو ما جاء في تصريحات محافظ شمال سيناء محمد عبد الفضيل شوشة من نفي إقامة منطقة عازلة تضم مخيما لإيواء النازحين، مؤكدا أن سبب الأشغال هو قيام لجنة بحصر المنازل التي تعرضت للهدم فترة الحرب على الإرهاب.

هذا النفي المصري متعدد المصادر يجعلنا نعيد توقعاتنا بشأن تهجير أهل غزة من رفح الفلسطينية إلى منطقة عازلة داخل الحدود المصرية. وعلى الصعيد الشخصي أرجّح وبقوة أنه لن يتم تهجير الفلسطينيين إلى سيناء المصرية، وقد بنيت هذه التوقعات على ما يلي:

الكيان الإسرائيلي يعيش حالة من القلق بسبب اقتراب شهر رمضان وهو لم يستطع تحقيق طموحاته في القضاء على المقاومة أو إجبارها على تسليم الرهائن الإسرائيليين، ومن باب أولى أقول إنه لم يستطع تنفيذ أهدافه في تهجير الفلسطينيين حتى الآن.

ظهر هذا القلق جليا في تصريحات وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، التي طالب خلالها بمنع الفلسطينيين من الصلاة في المسجد الأقصى خلال شهر رمضان، فالكيان الإسرائيلي يتهيب من التجمعات في هذا الشهر من كل عام، فكيف مع الأحداث الراهنة التي تلتهب فيها أرض فلسطين. ومن دلالات هذا المخاوف كذلك تصريح بن غفير بنقل مروان البرغوثي من سجن عوفر إلى العزل عقب معلومات عن انتفاضة مخطط لها.

إضافة إلى ذلك فإن شهر رمضان سوف يتزامن مع عدد من مواسم الاقتحامات الصهيونية أولها عيد المساخر «البوريم» في منتصف شهر رمضان، فلا شك أن هذا الحراك اليميني المتطرف لا يغفل عنه المقدسيون وأهل الضفة، خاصة مع مخاوف من كونها توطئة لقيام الصهاينة بعد انتهاء شهر رمضان وخلال عيد الفصح من تنفيذ الطقوس الدينية الأخيرة لتحويل الأقصى إلى معبد يهودي.

تأسيسا على هذه المخاوف فإن الكيان الصهيوني ينبغي أن ينفّذ عملية التهجير قبل حلول شهر رمضان، ولكن بالنظر إلى الرفض المصري الذي يظهر في التصريحات الرسمية المتعاقبة خاصة الأخيرة، ينفي حدوث اتفاق بين الجانبين الإسرائيلي والمصري على تهجير الفلسطينيين إلى منطقة عازلة في سيناء، لسبب بسيط، هو أن النظام المصري حال عقد مثل هذا الاتفاق، سوف يحتاج إلى عملية توطئة وتمهيد لهذه العملية لتكون مقبولة لدى الجماهير ومؤسسات الدولة، أو على الأقل يحتاج إلى طول صمت بدون الإدلاء بتصريحات تنفي هذه الأقاويل، وكما أسلفت فإن الكيان الصهيوني يتجه إلى الحسم قبل دخول شهر رمضان.

من ناحية أخرى، فقد اعتدنا على سلوك الإعلام الموالي للنظام المصري في التوطئة لقراراته السياسية، لكن الواضح أن المزاج العام للإعلاميين والسياسيين أيضا، هو إعلان الرفض لعملية التهجير.

السيناريو الوحيد الذي يمكن وضعه في الاعتبار هو قيام عشرات الآلاف من الفلسطينيين في رفح باجتياح الحدود، لكن ربما التعزيزات الأمنية والعسكرية الضخمة لمصر على الحدود مع غزة تضعف من هذا الاحتمال، إضافة إلى أن أهل غزة أنفسهم يتخوفون من مخاطر عزلهم في معسكر مغلق، كما أن شريحة كبيرة منهم ترفض رفضا باتا ترك الأراضي الفلسطينية ولو كلفهم الأمر حياتهم.

بناء على ذلك يُفهم الترويج لعملية التهجير على أنه ضغط يمارسه الكيان الصهيوني لدفع حركة حماس للتنازل عن مطالبها، وتقديم صيغة مقبولة لدى الكيان الإسرائيلي فيما يتعلق بالهدنة وخاصة قضية الرهائن.

تمثل رفح آخر أوراق الضغط الإسرائيلي على المقاومة لإجبارها على تسليم الأسرى لتحقيق مجد لحكومة اليمين المتطرف، تستطيع أن تواجه به الجماهير الإسرائيلية الغاضبة، ويكون بمثابة خروج يحفظ الهيبة العسكرية للجيش الإسرائيلي.

أتوقع أن تنفذ حكومة الاحتلال تهديداتها بعملية اجتياح لرفح الفلسطينية قبل حلول شهر رمضان، لمواجهة مخاوف الانتفاضة، مع دفع المحاصرين في رفح باتجاه الشمال، مع الاعتقاد باستمرار الصمت العربي، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون