آخر الاخبار
أغيبة صغرى أم كبرى للسيد مقتدى الصدر؟
بقلم/ علي الكاش
نشر منذ: 16 سنة و 8 أشهر و 5 أيام
الإثنين 24 مارس - آذار 2008 07:57 م


لم تكن هناك أسخف من مشاركة التيار الصدري في العملية السياسية سوى طريقة الانسحاب منها, فقد جرت بأسلوب بليد وساذج لا يقل سذاجة وبلادة عن قادة وعناصر هذا التيار المتناقض في أفكاره وأطروحاته وممارساته, وكذلك غرابة أطوار السيد القائد مقتدى الصدر الذي تخلى عن تياره قبل سنة من الآن وليس كما روج مؤخرا بعد أن قدم رسالته الجنجلوتية التي يتبجح فيها بعدم القدرة على التصفيق بيد واحدة ولا نعرف إن كان يقصد التصفيق لقوات الاحتلال أم للجارة التي استضافته, وحتى هذا الأمر لا يصلح للاعتداد به, فهناك آلاف ألأيادي تصفق للجهتين علنا وآلاف الأيادي تصفق سراً. كما أن التفرغ للدراسة وطلب العلم بدت لقمة عسيرة على الهضم و رغم اعترافنا بأن العلم نور, واطلب العلم ولو كان في الصين, فكيف سيكون الأمر إذا كان العلم في إيران وهي أقرب من الصين! لكن استغرابنا يتأتى من توقيت وطريقة التفرغ العلمي سيما انه أستند كما قال السيد مقتدى إلى رغبة السيد الوالد وربما نهاها بكلمته المشهورة" حبيبي"!

من المعروف إن هذا التيار رغم ادعاءاته بمحاربة قوات الاحتلال ورفضه تمديد بقائه ووصايته على الحكومة العراقية, فأنه شارك في العملية السياسية بثقله ومثل في الحكومة (5)وزراء والبرلمان (30) عضوا وهي نسبة غير قليلة, بالرغم من علمه بأن الانتخابات جرت تحت الفيء الأمريكي, وتفتقر أدبيات التيار إلى مشاركة فعلية ضد قوات الاحتلال وحتى معركة النجف اليتيمة التي يتبجح بها دائما فإنها جرت مع القوات الحكومية وليس مع الأمريكان في عهد أياد علاوي, وكانت تمثل الصراع في أوجه بين الصدريين من جهة وبين جماعة السيستاني والحكيم من جهة أخرى للسيطرة على موارد الحوزة العلمية التي تزيد عن(6) مليار دينار عراقي ناهيك عن التبرعات العينية كالمصوغات الذهبية والفضية وغيرها وليس بدعوى محاربة الاحتلال, ونستذكر جميعا الرحلة السيستانية للديار البريطانية التي صاحبت هذا الصراع تحت حجة فحص أعصاب السيد السيستاني ومزاجه الذي تعكر وهو يرى في السيد الشاب يلعق بصاقه وهو ينظر بشراهة إلى عوائد السيستاني من الحوزة. والسيستاني وغيره من المراجع الفارسية, ويسمونهم " فروخ الزهرة" يهون عليهم التضحية بالمذهب برمته على أن لا يمس الخمس, فهو بعرفهم " حق جدي" وهو الذي أستبدله في رسالته بالجهاد واعتبره فريضة إسلامية, الخمس فقط صاحب السطوة والنفوذ الذي اخرج السيد السيستاني من كهفه إلى مدينة الضباب.

بعدها تغيرت أطروحات السيد مقتدى واعتبر الأمريكان ضيوف على العراق وأوجب استضافتهم من منطلق" نحن الضيوف وأنت ربً المنزل" من ثم ركب ثانية صهوة جوداه منطلقا في محاربة الاحتلال باللسان وليس باليد, لكنه لم يلبث في طريقه القصير هذا أن توقف قرب منتدى" استراحة المقاتل" ليعيد النظر في المسافة التي قطعها, وأعاد حساباته هذه المرة وقرر أن يقاتل الأمريكان لكن طريقة سلمية أو ما يسمى بالمجابهة الدبلوماسية وهي تسمية ساخرة لا تتناسب مع ثقافة التيار الصدري.

اختفى السيد القائد منذ تطبيق الخطة الأمنية العام الماضي ولم يظهر للساحة مقتديا بطريقة المرجع السيستاني وقام سفرائه بالتحدث نيابة عنه, ورغم إن العالمين في شأن التيار يجهلون طبيعة هذه الغيبة فهل هي الصغرى أم كبرى, فقد يختفي السيد من المعترك ويرجع في آخر الزمان مع المهدي المنتظر ممتطيا فرسه بجانبه ليملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت جورا.

رفض سفراء السيد القائد تفسير الغيبة الصغرى, بل أنهم أنكروا هذه الغيبة وأصروا بأنه ما يزال داخل العراق ويتخفى لأسباب أمنية, لغاية كشف اللعبة من قبل قادة الاحتلال, حيث تبين أنه هرب إلى قم مع بداية تنفيذ الخطة الأمنية ضمن اتفاق خاص مع حكومة المالكي, وبطريقة مجحفة بحق التيار تخلى القائد عن جيشه العرمرم ليتركه تحت رحمة لأمريكان وقوات الحكيم المتغلغلة في الجيش والشرطة العراقية, وقامت قوات الاحتلال بقصف عدن مناطق مدنية في مدينة الصدر معقل قوات جيش المهدي واعتقلت عددا كبيرا من قادته و أكملت قوات بدر المهمة في جنوب العراق ولاسيما في البصرة والكوت والديوانية والعمارة. بالطبع كان موقفا غير مشرفا من قبل السيد القائد تجاه جيشه وخاصة انه سبق أن لبس الكفن في الحياة مما يعني أنه نذر نفسه للدفاع عن جيشه الذي سيمد العون للمهدي المنتظر ويمهد له طريق النصر المؤزر لإكمال مهمته الصعبة.

الخطوة الأكثر تخاذلا تجسدت في تجميد جيشه فاسحا المجال لقوات الاحتلال وبدر بالإجهاز عليه وتصفية عناصره وتشتيتها, وفي خضم المعاناة يقرر تمديد فترة التجميد لستة أشهر قادمة وسط احتجاجات من قياداته التي بدأت تستنجد وتستغيث مما تتعرض له, وبهذه الخطوة المبهمة ساهم السيد مقتدى على شق صفوف التيار وتهميشه وإضعافه وتقديمه لقمة شهية لمناوئيه, في الوقت الذي كان يشكو من المنشقين عن تياره!

 عندما يبتعد القائد عن ساحة المعركة ويترك قيادة جيشه إلى زمر اتفقت على أن لا تتفق, وكل يطلق لسانه على عواهنه دون ضوابط, ويتسابق لتحقيق مصالحه فأن الأمر يتجاوز حدود الفهم؟

* فما هي حقيقة دوافع غيبة الصدر وما هو دور إيران والإدارة الأمريكية منها؟

قد تتطلب السياسة أحيانا ترجيح أكثر من كفة في الصراعات الدائرة سيما إن كانت تجري في دولة أخرى وذلك لأسباب منها عدم ضبابية حسم النصر لأية جهة, ولضمان أكثر من طرف في الصراع. ولتعويض الورقة الخاسرة, ولإمكانية المراوغة والمناورة, وأسباب أخرى عديدة, ولكن مع قرب ظهور النتائج الأخيرة للصراع بين الصدريين وجماعة الحكيم فأن الموقف يفرض ترجيح كفة واحدة وتصفية الأطراف الأخرى لصالح الأفضل.

وهذه السياسة اتبعتها إيران التي تتربع على عرش الصدارة في العراق المحتل من حيث الأحزاب والميليشيات التي تدعمها داخل العراق, ولكن مما لا يخفى إن التيار الصدري والتيار الحكيمي يعتبران من أقوى هذه التيارات التي لها شعبية وقاعدة جماهيرية, وقد دعمت إيران التيارين بكل قوة ولكن مع احتدام الصراع بين القوتين كان لابد من سحب البساط من أحدهما ومده للآخر في ضوء المستجدات على المشهد العراقي وتقييم إيران له, وعلى ضوء هذه المقارنة حسم الخيار لصالح عبد العزيز الحكيم.

 فالمجلس الأعلى وذراعه العسكري ولدا داخل الرحم الإيراني على عكس التيار الصدري الذي ولد داخل الرحم العراقي. وفي الوقت الذي بدأ نفوذ الحكيم بالأفول فأن نجم الصدر مازال ساطعا بحكم قاعدته الجماهيرية الأوسع. مما يستدعي دعم الربيب الحكيم وتحجيم الصدر وتياره.

 كما أن المجلس الأعلى يعمل وفق الوحي المخابراتي الإيراني وهو يتصرف بذكاء ويتحسب لكل خطوة يتخذها منذ تسلمه الوزارات الحساسة بناء على توصيات إيرانية متشددة ولغاية هذه اللحظة,على عكس التيار الصدري الذي يمتاز بالفقر والسطحية والتخبط في الجانب الأستخباري.

 كما إن المجلس الأعلى هو الأقرب إلى مرجعية السيد السيستاني الذي لم ينسى الرحلة الإجبارية التي قام بها بسبب معارك التيار الصدري, وهذا الدعم السيتاني يفتقر إليه التيار الصدري الذي يقلد السيد الحائري, لذلك كانت النجف وكربلاء من حصة الحكيم بلا منازع.

 في الوقت الذي استهدفت قوات بدر كبار الطيارين وكبار مسئولي حزب البعث وقادة الجيش العراقي وقوى الأمن الوطني والكفاءات العلمية بتروي وخطط محبكة لم تترك ورائها آثارا واضحة, ومنها مهاجمة وزارة التعليم العالي واللجنة الأولمبية وغيرها, بل أنها أوحت بأن التيار الصدري هو من يقف ورائها! في حين إن التيار الصدري يتصرف برعونة وتهور وطيش ومازالت أعمال القتل والتدمير وحرق المساجد بعد أحداث سامراء شاخصة للجميع ومذاقها مر على لسان العراقيين.

كما إن المجلس الأعلى منظم سواء من الناحية الحزبية و التنظيم العسكري فهو منظم على هيئة فيلق يشبه إلى حد ما فيلق القدس مقسم إلى ألوية وأفواج ووحدات فرعية وله قيادات عسكرية ويشرف عليه الحرس الثوري, في حين إن جيش المهدي يشرف عليه مجموع من المعممين الشباب جلهم لم يؤدي الخدمة العسكرية, وباب جيش المهدي مفتوح لمن هب ودب من مجرمين وقطاع طرق ولصوص. ولا توجد أوامر مركزية أو اتصالات فاعلة بين القيادة والقاعدة.

في الوقت الذي يتسم فيه المجلس الأعلى بوجود إستراتيجية عمل ووجود نظام داخلي وانضباط فأن جيش المهدي يفتقر إلى هذه المزايا فهو يعاني من فوضى في تركيبته ونقص حاد في أيدلوجيته.

يتمتع المجلس بثقة إيران والولايات المتحدة رغم ضيق قاعدته الشعبية في حين يفتقر التيار الصدري إلى هذه الثقة رغم اتساع قاعدته الشعبية.

وفرت إيران وسائل إعلام متينة لمجلس الحكيم وقنوات فضائية تعبر عن أجندتها وألزمت المجلس بضبط التصريحات لأعضائه, لذا نرى المجلس قلما يعلق على الإحداث الساخنة أو يتأخر في إعلانه لحين تسلم التوجيهات من إيران, في حين يفتقر التيار الصدري إلى مثل هذه القنوات الإعلامية يضاف إلى تخبط قادته وتناقضاتهم في التصريحات والقفز على الحوادث.

كما يعتبر التيار الصدري بالرغم من كل تناقضاته الأقرب إلى السنة والتيارات الوطنية من بقية الأحزاب المنطوية تحت الدفة الأمريكية ولو من الناحية النظرية, وان تآلفه مع هذه التيارات من شانه أن يرجع العملية السياسية إلى خط البداية, بمعنى انه يمثل تهديد جدي ولغم يمكن أن ينفجر في أية لحظة وتطال شظاياه داخل العراق وخارجه.

بلا شك إن هناك اتفاق مبرم بين الحكومة الإيرانية والإدارة الأمريكية حول تصفية التيار الصدري فقوات الاحتلال كالقطة تنام بعين واحدة متوجسة وحذرة من التيار الصدري, لذلك قامت بكشف الأوراق الإيرانية في دعم وتمويل وتدريب وتسليح جيش المهدي وبصورة موثقة لا تقبل الشك أمام الرأي العام, وتغاضت عن الدعم الإيراني لحزب وقوات الحكيم في إشارة واضحة لقلب الطاولة على مقتدى الصدر وجيشه, من جهتها دعمت إيران هذا الاتجاه عندما هولت وبالغت من قوة السيد مقتدى الصدر وجيشه وتصويره كغول من الصعب كبح قوته واندفاعه في حالة خروجه عن الخط المرسوم له, وانه يشكل خطرا على قوات الاحتلال في حين أن قوات الحكيم في خدمة الأمريكان وأجندتهم ولها ضوابط لا يمكن أن تحيد عنها.

كما كان لاندفاع الصدر في مواقف غير محسوبة دورا في إسقاط ورقته تجاه الحكيم سيما حين انتقد علنا زيارة الحكيم لواشنطن ولقائه بالمنظر اليهودي هنري كيسنجر وتوسطه لجمع الشيطان الأكبر بالشيطان الأصغر في العراق للتداول بشأن الوضع الأمني المتردي, إضافة إلى توقيع الحكيم مع زمرة الشر على اتفاقية طويلة الأمد مع الإدارة الأمريكية ومطالبتهم بتمديد تواجد القوات الأمريكية في العراق.

 

 

إذن! كان لابد من الخيار سيما أن الولايات المتحدة على أبواب انتخابات قادمة وان إنهاء ورقة التيار الصدري من شأنها تغيير قواعد اللعبة الانتخابية لصالح المرشح الجمهوري للرئاسة, وهذا يعني وجود توافق مسبق بين إرادتي الشيطانيين الأكبر والأصغر على رقعة الشطرنج العراقي, وعلى ضوء ما سبق الحديث انتهت اللعبة لصالح الحكيم و" كش مقتدى" .

سبق في مقالات سابقة أن حذرنا التيار الصدري من مغبة الوقوع في شرك المجلس الأعلى للثورة الإسلامية, ولكن يبدو أن ثقل العمامات فوق الرؤوس قد أثقل أدمغتهم أيضا, فقد كان الحكيم يعد العدة للإيقاع بالصدريين منذ معركة كربلاء, وقد مهدت له أحداث سامراء الطريق لحياكة المؤامرة بالاتفاق مع السيد السيستاني عندما أشعل فتيل أعصاب شيعة العراق وطالبهم بالتظاهر والتعبير بطريقتهم عن سخطهم بتدمير العتبات المقدسة, وانبرى الحكيم وابنه عمار بإيقاظ الفتنة الطائفية بادعائهم" يخربون مقدساتنا ويريدوننا أن نبقى في بيوتنا" وقام الحكيم بتحريض أتباعه وإشراكهم مع عناصر جيش المهدي لتدمير جوامع السنة وقتل الآلاف منهم موحيا بان الصدريين فقط وراء هذه الأعمال البربرية سيما أن أتباعه كانوا يلبسون الملابس السوداء التي يرتديها الصدريون عادة, لقد لعبها بذكاء خارق وانزوى يتفرج على المشهد بصمت كأن ليس له يد فيما يجري, كما زج الحكيم بعدد من إتباعه بصفوف جيش لمهدي لغرض زرع الانشقاق والفتنة بين صفوفه. وعندما صفي الأمر له وهرب الصدر إلى إيران أعلنها حربا ضد التيار, وهذا ما جعل النائب الصدري احمد المسعودي يتهم حكومة المالكي وعبد العزيز الحكيم بتصفية الصدريين, ولاشك أن افتقار التيار الصدري في الوقت الحاضر إلى قيادة واضحة سيزيد من أرباك وضعه, سيما أن هناك انشقاقا في صفوفه بشأن تجميد فعاليات جيش المهدي لستة أشهر قادمة, إضافة إلى وجود فراغ في قيادة الجيش وتمرد العديد من عناصر التيار, وربما ستشهد الأيام التالية أعمال عنف شديدة كرد فعل من التيار الصدري على ما يتعرض لع عناصره من تصفيات, وبنفس الوقت فأن حكومة المالكي والمجلس الأعلى سيجدها الفرصة الذهبية لعزل التيار الصدري من ثم تقليم أظافره كما جرى في محافظات النجف وكربلاء والبصرة.

* ويبقى مصير مقتدى الصدر محيرا ؟  

 سيما انه قبل قراره الاعتزال أعلن في وسائل الإعلام عن تعرضه لحالة تسمم شديد! فهل هو على قيد الحياة؟ أو تحت الإقامة الجبرية؟ أم جرت تصفيته بنفس طريقة قريبه موسى الصدر, لا هو حي ولا هو ميت؟ أو أنها الغيبة ولكن هل هي الصغرى أم الكبرى؟ هذا ما سيتبين في المستقبل القريب.

ولنا عودة حول رسالة السيد مقتدى.

  * كاتب ومفكر عراقي