محمد الصبري دكتور الاقتصاد مع الأهالي
بقلم/ مأرب برس
نشر منذ: 16 سنة و 9 أشهر و 30 يوماً
الثلاثاء 29 يناير-كانون الثاني 2008 08:09 م

زيادة المرتبات بعد رفع الدعم عن المشتقات النفطية كانت كارثة

 د. محمد الصبري.. شخصية مثيرة للجدل فمنذ تواجده في وزارة التخطيط كوكيل وهو يبرر لرفع الدعم عن المشتقات النفطية مفلسفا ذلك بالاستفادة منه في دعم المشاريع الحيوية، وفي حين خفت صوته وهو يرأس الأمانة العامة لمجلس الوزراء، ارتفع مجددا ولكن من أمريكا بالعديد من المواضيع التي كان من أهمها انتقاده للاعتماد الإضافي الذي طلبته الحكومة نهاية العام المنصرم وانتقادات أخرى شملها هذا الحوار..

* ما هو التفسير الاقتصادي والاجتماعي لما أعلنه وزير التخطيط والتعاون الدولي بأن معدل النمو الاقتصادي لعام 2007 هو 4.5%؟

تفسير ذلك بأن اليمن حقق معدل نمو متواضع، فلو خصمنا معدل النمو السكاني (3%) لأصبح معدل النمو الحقيقي فقط 1.5% ، كما أنه يعتبر معدل أقل من المعدل المخطط له في الخطة الخمسية الثالثة (7%)، وهذا يعني اقتصاديا واجتماعيا بأنه لم يحدث تطور سوى بنسبة 1.5%.

*ما سبب ارتفاع أسعار الغاز المحلي؟- شحة في العرض وزيادة في الطلب (شرعي وغير شرعي) والناجمة من التشوه الاقتصادي في عملية دعم سعر الغاز المحلي.

* ما حقيقة أزمات الغاز المتلاحقة؟

- شحة العرض ناجمة من محدودية إمكانية اليمن الصناعية في تحويل الغاز الطبيعي المصاحب لإنتاج النفط في كثير من الحقول النفطية إلى غاز سائل للاستخدام المحلي حيث والسوق المحلية معتمدة على إنتاج حقول النفط في مأرب فقط بينما هناك غاز كافي في كثير من الحقول إما يحترق أو يعاد حقنه في جوف الأرض، والحكومة تسعى حالياً نحو استثمار ذلك، أما زيادة الطلب فهناك نمو طبيعي سواءً عبر الزيادة السكانية أو زيادة متطلبات الإنتاج الصناعي والخدمي حيث والخلل جاء من عدم مواكبة الطلب بزيادة العرض.

* وما أثر دعم الغاز فيلأزمة؟

- مما لاشك بأن سياسة دعم الغاز لها تأثير كبير في إعطاء حافز اقتصادي لتسريب جزء كبير من الغاز المخصص للاستهلاك المنزلي لصالح الاستخدام الصناعي والخدمي، والخلل بأنه لم تكن هناك رؤية لزيادة إنتاج الغاز للاستخدام غير المنزلي، فضلاً عن أن السعر الرسمي للغاز عندما كان 400 ريال أو حتى 500 ريال الآن للدبة يمثل فقط 30% من التكلفة الحقيقية، بمعنى أن الحكومة تدفع على كل دبة غاز يستهلكها المواطن على أقل تقدير 1200 ريال، هذا من جانب ومن جانب أخر هناك حافز مالي واقتصادي كبير لتهريبها إقليميا، فتهريب دبة واحدة إلى جيبوتي يجني منها المهرب حوالي 3500 ريال وإلى عمان 1500 ريال وهذا تشوه اقتصادي يحتاج إلى معالجة إدارية ومؤسسية أكثر منها بوليسية.

* هل لـ»السماسرة» الذين يهربون الغاز علاقة بالسلطة؟

- عملية تهريب الغاز لا تحتاج إلى سماسرة كبار ولا يحتاج أن يكون المهرب مرتبطا بالسلطة، فتهريبه إلى دول القرن الأفريقي يحتاج فقط إلى قارب صغير يحمل عليه عشر دبات غاز ويجني المهرب من ورائها على الأقل 30 ألف ريال في اليوم مقابل 6 آلاف ريال تكاليف وهكذا في الحدود البرية، ولهذا من يقوم بمثل هذه العمليات هم من يمتلكون معلومات مداخل ومخارج الحدود البرية والبحرية وليس بالضرورة أن يكونوا في السلطة.

* ولماذا لم تتمكن الحكومة من منع التهريب؟

- ليست هناك سيطرة كاملة لأي حكومة في العالم على جميع الحدود البرية والبحرية حيث تتطلب إمكانيات هائلة لضبط هذه العمليات، فمثلاً أمريكا وبرغم عظمتها وقوتها إلا أن عملية التهريب منها وإليها كبيرة جداً، خذ عملية تهريب المخدرات إلى أمريكا، أو العمالة غير الشرعية فهي تصل إلى عشرات الملايين من البشر داخل أمريكا، وأيضا لم تتمكن إسرائيل من منع تهريب الأسلحة إلى قطاع غزة، وبالتالي الحلول لمثل هذه القضايا هي إجراءات اقتصادية ومؤسسية وإدارية تنظيمية أكثر منها عسكرية وأمنية.

* ألم يقل رئيس الوزراء السابق باجمال ذات يوم بأنه يعرف المهربين بأسمائهم؟

- قد تكون هناك أسماء تعرفها الحكومة لكنها لا تستطيع أن تثبت عليها، كون من سيقوم بهذا عبارة عن سلسلة طويلة من المصالح المترابطة ما بين شيخ، ومدير أمن، ومدير مديرية، وحارس، وخفير، وتاجر، ولهذا فالحل ليس في محاربة الأشخاص وإنما في قطع أسباب ذلك بإلغاء الحافز الاقتصادي الناجم من الدعم العام بدلاً من الدعم غير المستهدف لشريحة الفقراء، فرفع قيمة دبة الغاز في نظري لا تضر مستوى دخل الأسرة ما دام وكثير من أرباب الأسر يخزنون القات بمعدل 400 ريال في اليوم.

* في حوارات سابقة لك بررت لرفع الدعم عن المشتقات النفطية، هل ما زلت مصر على رأيك؟

- في اعتقادي بأن دعم المشتقات النفطية بهذا الأسلوب والكيفية يعتبر تشوها اقتصاديا وإدارياً.. فهو مكلف مالياً ومحدود العائد اجتماعياً.. نعم لقد كنت وما زلت وسأظل أبرر لإلغاء الدعم على أسس اقتصادية واجتماعية متكاملة بمعنى: تعزز كفاءة وفعالية الإنفاق الحكومي في جانب، وإلغاء الدعم في جانب آخر.. بحيث يستفاد من عوائد الدعم مباشرة في بناء مشاريع تنموية كالكهرباء والغاز والمصافي، لكن مشكلة صناعة القرار الاقتصادي في اليمن تتجاذبها مصالح اجتماعية وسياسية تتعارض كلية مع المنطق الاقتصادي فعندما تم إلغاء جزء من الدعم في يوليو 2005، ضغطت القوى الاجتماعية والسياسية على قرار الحكومة ليس فقط في خفض نسبة الإلغاء ولكن أيضا في زيادة المرتبات وهذه كانت الكارثة فلم تستفد اليمن على المستوى القومي أي شيء ونتيجة لذلك التخبط فقد بلغت تكلفة فاتورة الدعم في عام 2007 حوالي 400 مليار ريال بما يساوي مليارَي دولار، وفي عام 2006 بلغت 321 مليار ريال بما يساوي 1.6 مليار دولار، بهذه المبالغ كان من الممكن بناء عشر محطات توليد كهرباء غازية لإنتاج أكثر من 3000 ميجاوات كهرباء، هذا لو أخذنا بمقياس تكلفة محطة مأرب الغازية حيث تكلفة المحطة بدون خطوط النقل 156 مليون دولار فقط لإنتاج 340 ميجاوات، ويمكن أيضاً بنفس المبلغ بناء 5 محطات مصافي بترول بطاقة إنتاجية ليس فقط لتغطية السوق المحلية وإنما السوق الإقليمية.. بنفس المبلغ وبنفس الآلية يمكن بناء مشاريع استثمار حقول الغاز المنتشرة في جميع المحافظات اليمنية لصالح إنتاج الكهرباء لكل منطقة على حدة بدلاً من استجداء شركات أجنبية لاستثمار غاز اليمن المحدود وتصديره بينما البلد كما نرى ونسمع هذه الأيام في أمس الحاجة إليه.

* فقط عدد من أعضاء لجنة شئون النفط والتنمية في مجلس النواب عارضوا صفقة بيع الغاز؟

- ليس صحيحاً.. وإنما أيضا عدد من أعضاء الحكومة كانوا يعارضون بيع الغاز وأنا شخصياً بجهدي المتواضع ساهمت في تحليل عدم جدوى استثمار الغاز للتصدير، ليس فقط اقتصاديا وإنما اجتماعياً وتجسد ذلك في الرسالة التي بعث بها الأخ الأستاذ أحمد صوفان نائب رئيس الوزراء وزير التخطيط آنذاك عندما كنت وكيلاً في الوزارة والتي تسربت فيما بعد إلى الصحافة، وقد كان الرأي الاقتصادي بأن التوقيع على مشروع الغاز من دون إضفاء شروط على الاتفاقية لن يكون في صالح الاقتصاد اليمني لأن اليمن تحتاج الغاز لتوليد الكهرباء.

* لماذا تأخر تنفيذ مشروع الغاز في عام 1997.. ولماذا يتم تنفيذه الآن بهذه السرعة.. ما هي حكاية مشروع الغاز بالضبط؟

-الحكاية بسيطة.. شطارة وتجارة بالنسبة للشركات الأجنبية وتخبط واستهتار من قبل بعض صناع القرار الاقتصادي في الحكومة.. فعندما وقعت الحكومة مع شركة توتال على اتفاقية مشروع الغاز في منتصف التسعينيات كان متوسط السعر العالمي للغاز آنذاك يتراوح بالدولار ما بين (1.89) و (2.73) لكل ألف قدم مكعب عند باب المصنع، وهذا تقريباً يساوي وحدة حرارية، وبالتالي لم يكن مجدياً من ناحية اقتصادية، مما جعل شركة توتال تتقاعس عن تنفيذ المشروع في الوقت المحدد في الاتفاقية، لكن عندما بدأت ترتفع الأسعار خلال الفترة 1999-2002 حتى وصل متوسط السعر 4 دولارات، أعادت شركة توتال المفاوضة ومن المؤكد كانت بإيعاز من وزارة النفط، وزادت حدة المطالبة بتنفيذ المشروع خلال الفترة 2003-2006 عندما بلغت أسعار الغاز درجات قياسية حيث بلغ متوسط سعر هنري هوب إلى 19 دولاراً لكل وحدة حرارية، وكان في نهاية ديسمبر 2005 حوالي 15 دولاراً، وهذا كان السبب الرئيس في اندفاع الشركة نحو المشروع وليس حباً في اليمن، ودافعت وزارة النفط عن تنفيذ المشروع لصالح الشركات الأجنبية بمبررات أقل ما يقال عنها بأنها كانت تدليسية حيث اعتمدت على دراسة قامت بها شركة ECL البريطانية بأن اليمن تمتلك غازاً احتياطياً يكفيها لإنتاج الطاقة برغم أن الدراسة أشارت إلى أن البيانات ثانوية وهكذا تم التوقيع في 1 أغسطس 2005.

*على أي سعر استندت اليمن في احتساب حصتها من المشروع؟

-لم تحتسب اليمن فوائدها الاقتصادية وإنما اعتمدت على دراسة الشركات الأجنبية والتي أشارت بأن حصة اليمن من الإيرادات ستكون حوالي 25% من إجمالي الإيرادات في البداية تتصاعد إلى 28% في 2013، أما الأسعار فقد كانت مثبتة بالنسبة للشركة الكورية عند 3دولارات لكل وحدة حرارية سواءً زاد السعر أو انخفض عن ذلك، ولهذا فقد عبر وزير كوري عن فرحه بهذه الصفقة في صحيفة كورية آنذاك، أما بالنسبة للأسعار الخاصة بشركة سويز الأمريكية وتوتال الفرنسية فقد تأرجحت ما بين 5.6 دولار و 6.2 دولار، وجزء من هذه ستكون خاضعة لأسعار العرض والطلب، مع العلم بأن نصيب الشركة الكورية 30% والأمريكية 38% والفرنسية 32%، وعلى إثر هذا التقسيم احتسبت حصة اليمن ضمنياً، وأسعاره الآن تتأرجح عند 7 دولارات-9 دولارات.

*هل ترى بأنها خسارة اقتصادية على المستوى القريب والبعيد؟

- ما دام واحتياطي اليمن عند حدود 15 -18 تريليون قدم مكعب ما بين مؤكد ومحتمل وممكن، فإنه لا يمكن أن تخاطر البلد ببيع 9.2 تريليون قدم مكعب من احتياطيها المؤكد على وهم بأن اليمن تمتلك احتياطياً في جوف الأرض غير مكتشف، وخاصة واليمن في أمس الحاجة للغاز لتوليد الكهرباء حيث متوسط نصيب الفرد اليمني من الطاقة الكهربائية لم يتجاوز حالياً سوى 164 كيلو وات مقارنة بما يمتلكه المواطن العماني (5119 ك.و) والسوري (1528 ك.و) والأردني (1507 ك.و) والمصري (1129 ك.و) واللبناني (3025 ك.و) والسعودي (6018 ك.و) والإماراتي (13948 ك.و).

*هل هناك نية لدى الحكومة لرفع الدعم عن المشتقات النفطية هذه الأيام؟

-كما تعلم بأني متواجد الآن في أمريكا منذ نهاية شهر يوليو 2007، وبالتالي لا أعرف ما هي خطة الحكومة، لكن المنطق الاقتصادي يحتم على الحكومة إيجاد بدائل مؤسسية وإدارية لقضية دعم المشتقات النفطية الذي أصبح مكلفاً جداً اجتماعيا وسياسياً ومالياً، وبالتالي إلغاؤه بدون بدائل مستحيل في الوقت الحاضر، فقد أصبح عجز الموازنة يساوي الدعم، حيث وموازنة عام 2008 قدرت العجز عند 305 مليار ريال والدعم عند 375 مليار ريال وبالتالي إلغاء الدعم سوف يسد العجز فقط، وهذا يختلف عما كنا ننادي به في عام 2000 بأن يستفاد من مخصصات المشتقات النفطية لصالح الموازنة الاستثمارية كون الدعم والعجز في متناول اليد.

*ما الحل من وجهة نظرك؟

- كلما مر الوقت تعقدت المشكلة الاقتصادية ففي ظل توقعات انخفاض الإنتاج النفطي أصبح إلغاء الدعم مصيراً محتوماً، ولكن من أجل تخفيف حدة الصدمة على الموازنة والمواطنين في المستقبل يمكن ينظر إلى الدعم من جانبيه الضمني والفعلي فالدعم الضمني هو: عبارة عن تلك التكاليف الضمنية التي تحسبها وزارة المالية كدعم في استهلاك النفط المحلي لصالح المستهلك المحلي وبأسعار مدعومة وبالتالي تحرم الخزينة العامة فيما لو صدرتها.

أما تكاليف الدعم الفعلية فهي تلك التكاليف التي تقوم الحكومة بشراء مشتقات نفطية من السوق العالمية بأسعار عالمية وتبيعها للسوق المحلية بأسعار مدعومة وبالتالي فالفرق بينهما يعتبر دعماً فعلياً أي تسدده الحكومة من الموازنة العامة.. في ظل هذا المفهوم كان بالإمكان تقليص الدعم الفعلي إلى صفر فيما لو نفذت الحكومة بعض الخطوات.

*مثل ماذا؟

-مثل بناء مصافي جديدة بحيث تقوم تلك المصافي بتصفية النفط الخام اليمني لتغطية احتياجات السوق المحلية كون محدودية مصافي عدن ومأرب لتصفية النفط الخام المحلي تفرض على الحكومة أن تستورد 70% من احيتاجات الديزل من السوق العالمية وبأسعار عالمية، كما أنها تستورد ما يقارب 15% من البنزين، وهذه في مجملها تكون الدعم الفعلي..

وأيضاً مثل ترشيد استهلاك المشتقات النفطية في القطاعات الحكومية، مثلاً محطات توليد الكهرباء في المواقع العسكرية حيث هناك من يقول بأن المسئولين على تلك المحطات والمعسكرات يبالغون في الكميات المستهلكة بهدف بيعها، وكذلك مصانع الأسمنت فيما يتعلق بالمازوت وللدكتور على مجور رئيس الوزراء تجربة رائعة في مصنع البرح.

كذلك كان يمكنها مواجهة التهريب إقليميا ومحليا حيث هناك من يقوم ببيع الديزل والبنزين المدعوم للشركات الأجنبية في البر والبحر والتي واجب عليها أن تشتريه بالسعر العالمي لكنها تشتريه بالسعر المحلي.

وكان بالإمكان بناء برنامج توزيعي لضبط عملية توزيع المشتقات النفطية لصالح الفئات المستهدفة، مثلاً مزارعو البطاط والطماط والبصل والقمح يحصلون على مشتقات نفطية مدعومة بكوبونات معينة بينما مزارعو القات والفواكه يشترونه بالسعر العالمي ويبيعون منتجاتهم بحسب تكاليف الإنتاج، وهكذا بالنسبة لوسائل النقل العامة.

*وما صحة الحديث عن منح البنك الدولي لليمن 50 مليون دولار لدعم الإصلاح المؤسسي؟

-هي ليست منحة وإنما قرض ميسر لكنه يتم دفعه مرة واحدة لصالح دعم الموازنة بشرط إجراء إصلاحات إدارية محددة قد تكون في مجال النظام المصرفي أو الخدمة المدنية، وهي تسمى منحة كونها لم ترتبط بمشروع ينفذ على مراحل، وهذه من المحفزات التي يعطيها البنك الدولي لإجراء إصلاحات ضرورية.

*رُفض نشر وثيقة برنامج الإصلاح المؤسسي لولا ضغط منظمات المجتمع المدني؟

-قد تكون الحكومة متحفظة لنشر بعض إجراءات الإصلاحات لما لها من انعكاسات سياسية، وما دام وقد نشرت فمن الممكن أن تقيم من قبل منظمات المجتمع المدني بموضوعية وبدون مزايدة.

*وهل الحكومة ملزمة بتنفيذ اشتراطات البنك الدولي أم أنها تنفذ برنامجها في الإصلاح المالي والإداري؟

-طبعاً ملزمة أخلاقياً ودولياً وغالباً ما تستنبط الحكومة برامجها من مثل تلك البرامج، وبالتالي فهناك توافق بينها وبين برنامج الحكومة، وقد حدث وأن حصلت اليمن على مثل هذا القرض الميسر في 1998 لصالح إصلاح الموازنة و 1999 لصالح إصلاح النظام المصرفي وبالتالي لا جديد في الموضوع.

* وما مدى تأثير هذه الاشتراطات على الوضع الاقتصادي للمواطن عموما؟

-كم أتمنى عليكم يا صحافة ويا معارضة أن تبطلوا العويل والبكاء على قميص المواطن، اتركوا فرصة للحكومة تجري إصلاحات جذرية بإشراف المنظمات الدولية.

* إلى أين تمضي الحكومة بالمواطن الذي أصبح همه الرئيسي لقمة العيش؟

-تمضي به إلى حيث يستحق فـ»كيفما كنتم يولَّ عليكم»، وفي يد المواطن ألف حل لمشاكله الاقتصادية.

* ماذا بوسع المواطن أن يفعل؟

-يبتعد عن شراء القات ويحتفظ بتلك المبالغ لصالح أسرته.. يفكر في تأهيل نفسه لحرفة أو صنعة يتعيش بها بدلاً عن التخزين.. عليه أن يكون مواطناً فاعلاً في المجتمع وصادقاً مع نفسه يوم الاقتراع بدون مجاملات حزبية وقبلية.

أما بالنسبة للحكومة فهي تمتلك خططاً وبرامج كافية لحل معظم المعضلات لكنها بحاجة إلى إرادة للتنفيذ.

*لكن أوضاع اليمن الاقتصادية تنتقل من سيء إلى أسوأ.. لماذا؟

-»قل هو من عند أنفسكم».. في تقديري بأن صناع القرار الاقتصادي والسياسي في اليمن دائماً يختارون أنصاف الحلول لمشاكل اليمن السياسية والاقتصادية مراعاة للضغوط الاجتماعية والسياسية التي تمارسها الأحزاب السياسية الأخرى والقوى الاجتماعية، والإصلاح الإداري يحتاج إلى موائمة ورؤية وطنية متكاملة وليست أحادية، فعلى سبيل المثال يلغى الدعم من قبل الحكومة وترفع المرتبات في نفس اللحظة لمراعاة المصالح الاجتماعية والسياسية.. بهذه السياسة أنت عقدت المشكلة ولم تستفد شيئاً، فأنت حولتها من نفقات جارية إلى جارية، أي لم تنقلها من جارية إلى استثمارية.

أو مثلاً ترفع المرتبات للجميع وتحتفظ بالموظفين الوهميين والفائضين والمزدوجين، وبالتالي لم يستفد الموظف الكفؤ فيظل الفساد.. تتكلم عن التوصيف الوظيفي لكن في نفس الوقت توظف كل سنة 12 ألفاً ما بين أمي وإعدادي وثانوي.. تتكلم عن زيادة جودة مخرجات التعليم وتهمل جانب التأهيل للمعلمين والانضباط الإداري لحضور المدرسين على مستوى أمانة العاصمة.

*هل بإمكان الحكومة أن تقدم أي جديد يخدم المواطن والبلد؟

-نعم، في مقدرة الحكومة عمل أشياء كثيرة، من أهمها تحسين أسلوب إدارة الموارد الاقتصادية وإدارة العملية السياسية، باعتبار الاقتصاد هو المفتاح لكل حل، ولكن الإصلاحات الاقتصادية بحاجة إلى تواؤم سياسي.. أتمنى لو يرعى الأخ الرئيس ممارسة العمل الديمقراطي الحقيقي كونه قد رعى التجربة من بدايتها بحيث تتحقق الشفافية والنزاهة في اختيار ممثلين للشعب مؤطرين في أي حزب سياسي وهذه ستكون حسنة له ولا يحتاج أن يجامل أحداً، ولنا في حكومتي إسرائيل وتركيا أسوة حسنة فالانتخابات تأتي بحكومات أحزاب متطرفة ومتدينة ومعتدلة، فلماذا ما نقتدي بهما بديمقراطية نزيهة تسهل على المواطن أن يختار ممثلي الأحزاب سواءً مؤطرين في المشترك، متطرفين يمين ويسار ومتدينين، أو في المؤتمر، المعتدل والوسط، حيث في تقديري بهذه الإفرازات السياسية بالإمكان تعزيز دور وظيفة الحكومة من خلال سلطاتها الثلاث التنفيذية،التشريعية، والقضائية من أجل إدارة الموارد الاقتصادية بكفاءة وفعالية.

*من نحمل مسئولية ما يحدث: الحكومة أم نظام الحكم؟

-في تقديري بأنه ليس هناك خلل كبير في نظام الحكم بقدر ما هناك خلل في ممارسة الحكم، فنظام الحكم اليمني يتميز كغيره من الأنظمة حيث تتوزع الوظائف بين سلطات نظام الحكم الثلاثة بأسلوب عملي وتطبيقي إلا أن عادة ممارسة الحكم من قبل تلك السلطات يعتريها الخلل، وبالتالي لو حصلت انتخابات نزيهة بحسب ما نص عليه الدستور الحالي وتمكنت جميع الأحزاب من المشاركة بكل شفافية وحيادية للمال العام لأصبح في مقدور الشعب انتخاب ممثلين للشعب سواءً كانوا في المؤتمر أو المشترك، بحيث تشكل حكومة تنفيذية بحسب النتائج قد تكون ائتلافية أو أغلبية مريحة.

*النفط مهدد بالنضوب، وحينها لن يتمكن النظام من رفع مرتبات الموظفين والجنود.. هل هذا صحيح؟

-القضية وما فيها هي حسبة (1+1=2) فموازنة عام 2008 تشير بأن إجمالي المرتبات حوالي 500 مليار ريال، هذه نفقات حتمية لا مفر منها. وإجمالي توقعات دخل الضرائب 330 مليار ريال، وهذه توقعات قد تكون أقل وقد تكون أكثر. أما توقعات دخل الموازنة من الإيرادات الرأسمالية بما فيها النفط 999 مليار ريال، وهذه تقديرية قد تكون أكثر أو أقل. القضية وما فيها لو نضب النفط اليوم سيكون هناك عجز لدفع المرتبات والأجور من إيرادات الضرائب بمقدار 170 مليار ريال، وإذا نضب بعد خمس سنوات سيأتي وقد ارتفعت المرتبات بأضعاف ما عليه القدرة الضريبية، فسيحصل هناك عجز لدفع المرتبات لأكثر من 800 ألف موظف، ويجب ألا نغفل بأن الموازنة ليست فقط مرتبات، هناك نفقات سلع وخدمات حتمية، هناك نفقات رأسمالية حتمية، وهناك دعم مشتقات نفطية، سأترك للقارئ يفسر هذا التحدي..

*في رأيك كم هي المدة الزمنية التي تتوقعها لحدوث النضوب؟

-البيانات المتاحة لمخزون الاحتياطيات النفطية المتاحة تشير بأن النضوب سيكون خلال الفترة 2012-2016 يعتمد على حجم الإنتاج السنوي لكن يجب أن نضع في الاعتبار بأنه ما زالت هناك 90% من القطاعات النفطية غير مكتشفة بعد وبالتالي قد تكون توقعات النضوب أضغاث أحلام، وقد تكون حقيقة ينبغي مواجهتها اقتصاديا وإدارياً.

*الرئيس وعد بتوصيل أنابيب الغاز إلى كل بيت مطلع 2000م، واليوم يجري الحديث عن استيراد هذه المادة، لماذا هذه المفارقات؟

-لم أسمع الرئيس يقول مثل هذا الكلام فهو يعلم بعجز الحكومة في ترقيم وتسمية شوارع العاصمة فضلاً على أن تقوم بتوصيل أنابيب الغاز إلى كل بيت، فإذا عجزنا أن نضع لوحات مرورية ولوحات بأسماء وأرقام الشوارع خلال 45 السنة الماضية فإنه من المستحيل أن نوصل أنابيب غاز الى المنازل اللهم إلا إذا كانت هناك معجزة إدارية.

*هل لافتعال الأزمات الاقتصادية وإنهاك المواطن علاقة بصراع الأجنحة داخل السلطة والمشاريع التي برزت مؤخراً داخل النظام؟

-الأزمات الاقتصادية فعلية وليست مفتعلة فأزمة التضخم حقيقية.. هناك تضخم مستورد، وتضخم قلة ضمير، وهناك تضخم ترهل إداري.. فعلى سبيل المثال شحة المعروض من القمح والدقيق المستورد أمر له علاقة كبيرة بالأسواق الدولية إلا أن قلة الضمير الوطني زاد من حدتها، كما أن شحة المعروض من القمح المحلي سبب افتقاد الرؤية لسياسة الأمن الغذائي واتجاه رأس المال الوطني للاستثمار في زراعة الفواكه غير المجدية اقتصاديا واجتماعيا.

* ما مدى واقعية الطرح حول انضمام اليمن لمجلس التعاون الخليجي؟

- يعتبر انضمام اليمن إلى مجلس التعاون الخليجي من أهم الوسائل العملية لحل مشاكل اليمن الاقتصادية، لكن في نفس الوقت يمثل استقرار اليمن اقتصادياً أحد أهم الوسائل المهمة لتحقيق استقرار سياسي واقتصادي واجتماعي في دول مجلس التعاون الخليجي.. فاليمن تتكامل مع الخليج اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً (وقضية اليمن مع الخليج مثل قضية المكسيك مع أمريكا وكندا حيث سعت أمريكا إلى إيجاد صيغة وحدة اقتصادية مع دول جنوب أمريكا بهدف خلق استقرار اقتصادي وسياسي لجميع الأطراف)، وبالتالي هناك من السياسيين والمفكرين في الخليج من يدعون إلى سرعة انضمام اليمن إلى المجلس ليس فقط من أجل مصلحة اليمن على المدى القريب ولكن من أجل مصلحة الخليج على المستوى المتوسط والقريب، ومن أهم من نظر لذلك هو الدكتور عبدالله النفيسي رعاه الله، وتصريحات الملك عبدالله المتعاطفة مع انضمام اليمن تدل على بعد نظر لهذا الملك الجليل، فضلاً عن تحمس كثير من السياسيين في قطر والإمارات العربية المتحدة، ولهذا ندعوا إخواننا الخليجيين إلى أن ينظروا لليمن من منظار اقتصادي اجتماعي أكثر منه سياسي.

* وهل من فائدة مرجوة من الانضمام خاصة والعمالة اليمنية غير مؤهلة؟

- السوق الخليجية مليئة بالعمالة غير الماهرة سواءً في مجال البناء والتشييد أم في مجال الخدمات وبالتالي هذا عذر أقبح من ذنب فلو تعاطف الخليجيون مع أخوانهم اليمنيين وسمحوا للعمالة اليمنية بالدخول والخروج بسهولة عن طريق شركات منظمة لاستيراد وتصدير العمالة كما هو حاصل بالنسبة لاستجلاب العمالة غير الماهرة من دول جنوب شرق آسيا لحلت مشكلة البطالة في اليمن، فالعمالة الوافدة إلى دول الخليج تمثل في بعض البلدان 200% من السكان الأصليين وهؤلاء ليسوا كلهم ماهرين، ولهذا نطمح أن يتم النظر إلى العمالة اليمنية بمنظار عادل.

* وهل تستخدم قضية الانضمام كمزايدة سياسية؟

- لا أجد هناك أي مناورة سياسية في هذا الجانب وإنما مناورة اقتصادية.