التقسيم الإداري إلى أقاليم فكرة صائبة
بقلم/ علي أحمد العمراني
نشر منذ: 16 سنة و 10 أشهر و 23 يوماً
الإثنين 21 يناير-كانون الثاني 2008 03:20 م

لفت نظري عنوان تصريح مقتضب في صحيفة اليوم عدد السبت 19/1/2008 ، للصديق الأستاذ / حسين حازب عضو اللجنة العامة للمؤتمر حول فكرة التقسيم إلإدراي إلى "أقاليم " الذي ورد ضمن مبادرة رابطة أبناء اليمن حيث أشار إلى أن فكرة التقسيم إلى أقاليم تهيء لقيام "الدويلات"...ومع كل التقدير للصديق العزيز فإن تخوفه ليس في محله أبدا.. لكن قد يكون معه بعض الحق في التخوف إذا كان مشروع رؤية الرابطة غير قابل للتطوير والتهذيب ... لكنه في طبيعته وحقيقته قابل للتهذيب والتطوير ...بل قابل للأخذ والرد.

وعلى أية حال فلست ارغب أن يكون تناولي هنا من قبيل الإسهاب في المحاجة حول ما ورد في تصريح الصديق حسين حازب ولست هنا أيضا بصدد التعليق علىِ كل ما ورد في مبادرة أو رؤية الرابطة على أهميته ، لكنه يمكن الأشارة إلى أن تلك المبادرة قد تضمنت افكارا قوية وصحيحة في جوانب عدة يكمن الإتفاق عليها وقبولها كفكرة التقسيم الإداري أو بمعنى أصح التجميع الإداري في أقاليم ، ومع ذلك أجدني مظطرا في الإختلاف حول التفاصيل ، ويمكن الإشارة هنا إلى نصيب الأقاليم أو المحافظات - " 40% وفقا للرؤية" - من الثروات التي تتواجد فيها. ولاشك أنه يصعب تفهم أن يكون نصيب منطقة جهم خولان من من دخل نفط مارب أكثر من منطقة بني سحام خولان كون الأولى تقع ضمن مارب إداريا والثانية ضمن محافظة صنعاء. وينطبق الامر نفسه على منطقة العوالق العلياء والسفلى فيما يخص نفط شبوة حيث يقع أحد الفرعين إداريا ضمن أبين فيما يقع الآخر ضمن شبوة .. وإذا كان هناك من يستسيغ ويستصوب تبني هذا المنطق داخل الدولة الواحدة البسيطة فلابد له أن يمضي فيه قدما إلى نهايته ، وسيجد أنه غيرعملي وغير معقول ...فالمنطق نفسه يقتضي العمل بالنسبة والتناسب والمحاصة داخل المحافظة الواحدة نفسها وضمن المديريات والعشائر وربما حتى ضمن العشيرة الواحدة ، فالمديرية التي توجد بها الثراوت سيكون من حقها الإستحواذ على 40% من الثروات (وفقا لمبادرة الرابطة) ولا بد أن ينطبق المعيار نفسه على العشيرة أو فروع العشيرة التي يوجد في أراضيها النفط أو غيره من الثروات ... إن ذلك يعني أن مدنا مثل المكلا وسيؤون و تريم سيكون نصيبها من عائدات نفط المسيلة أقل من عشائر ومديريات قريبة من النفط ولعل هذا سيجعل الزميل العزيز النائب محسن با صرة غير سعيد .

وقد أشرت هنا إلى الزميل العزيز محسن باصرة كوني رايته يطرح مثل هذه الفكرة في مقابلة صحفية في وقت سابق ، وكوني لست متيقنا عن مدى جديته في تبني مثل ذلك الطرح وددت أن " أداعبه" أو "أراجعه" هنا وأؤكد له أن مثل ذلك التفكير والطرح غير عملي وغير ممكن في كل الأحوال ..كما أن لدي ملاحظات أخرى حول جوانب من مقابلة الزميل العزيز تلك ليس هنا المجال للحديث حولها ...

إن ثروة النفط صدفة جيولوجية ليست اكثر ، ولا حول لعرب هذا الزمان فيها ولا قوة ، ولولا ما جادت به قرائح الغربيين من إبتكارات وتكنولوجيا لما أمكن إستخراجها من باطن الأرض ، وهي نعمة لمن يدرك ويفهم ويحسن استثمارها والإستفادة منها ، لكنها قد كرست الفساد والفرقة والأنانية والتباعد والضعف والخواء الفكري والتطرف الديني والهوان داخل أمة العرب ولعل ذلك يكفي العرب وزيادة ، لكن ليس لها –أي ثروة النفط المحدودة في بلادنا - ولا ينبغي أن يسمح لها أن تفعل ذلك أيضا داخل بلد واحد صغير وبسيط وفقير ومثقل بإرث التخلف مثل اليمن...

إن مما يجعل فكرة التقسيم الإداري إلى أقاليم لا تحظى بالتفهم المناسب من قبل البعض كونها قد طرحت من قبل ضمن " وثيقة العهد والإتفاق" في ظروف الأزمة السياسية الخانقة والتي انتهت إلى حرب صيف 1994...

وأيما تكن الإجتهادات والنوايا التي اكتنفت ظروف إعداد تلك الوثيقة وكذلك المزايدات والهواجس والظنون والمخاوف التي رافقت الحديث عنها في حينه غير أن فكرة الحكم المحلي ومايرتبط به من إعادة النظر في التقسيم الإداري لم يكن مما شاب او عاب تلك الوثيقة ... وهانحن الآن نتعاطى بإيجابية وبما يشبه الإجماع الوطني مع قضية الحكم المحلي واسع الصلاحيات التي وردت في وثيقة العهد والإتفاق وهي الآن مطروحة ضمن مبادرة الأخ الرئيس للإصلاح السياسي مع أنه كان لأطراف في السلطة والمعارضة رأي آخر من قبل يتسم بالرفض والتخويف ...

والحق أنه لكي يتحقق للحكم المحلي النجاح المأمول فلا بد من إعادة النظر في التقسيم الإدراي . والصحيح هو أن فكرة التقسيم إلإداري أو بالأصح التجميع في أقاليم أومخاليف أو مناطق أو نحو ذلك هي فكرة عملية وإيجابية تماما لا تستدعي أي قدر من التوجس أو التحفظ وهي فنية وإدارية أكثر من أي شي آخر وهي مطبقة في بعض البلدان كالسعودية منذ فترة والأردن حديثا . وهي فكرة حسنة وصائبة جدا إلى أبعد حد وستسرع من عملية التفاعل والتقارب والدمج الوطني والتنمية المتكاملة والمتوازنة . وهي في حقيقة الأمر لا تؤسس للدويلات لكنها بالقطع ستؤدي إلى زيادة فعالية وكفاءة الإدارة بمختلف وظائفها في التخطيط والرقابة والمتابعة والتنسيق .... وتحد أيضا من تغول وتشعب المركزية في جوانب معينة وبطئها ورتابتها وترهلها المعيق والمحبط في جوانب أخرى ...

وعلى أهمية تخويل الصلاحيات وممارسة أقصى قدر من اللامركزية فسيظل دور المركز ودعمه ورعايته بل وحسن نواياه مهما للفروع والمناطق التي تعاني من شحة النشاط الإقتصادي وتدني مستويات تعليم وتاهيل الموارد البشرية لإنجاح تجربة الحكم المحلي وبما يكفل أن تكون التنمية متوازنة ومتكافئة ... وسيكون التنسيق والرعاية من قبل المركز من خلال الأقاليم أيسر و أكثر كفاءة من التعامل والتعاطي مباشرة مع وحدات أكثر تشتتا وعددا كما عليه الحال الآن .

ولعله قد استقر التوجه الآن - وفقا للمشروع الذي تبناه الأخ الرئيس – على انتخاب القادة الإداريين على مستوى المديريات والمحافظات ، لكنه قد يكون ملائما في حالة إعتماد الإقاليم ( كما نحبذ ونرى )هو أن يظل قادة الأقاليم معينين أو تتم المزاوجة بين التعيين والإنتخاب كالتعيين من بين منتخبين لفترة إنتقالية مدتها ثماني أو عشرسنوات ، بعد ذلك يتم لإنتقال إلى آلية الإنتخاب الكامل في مستويات الإدارة المحلية كلها (الأقاليم ، المحافظات والمديريات ) ...

إن تطبيق الحكم المحلي وفقا لفكرة التجميع في أقاليم أو مقاطعات سيسهم في نجاح الحكم المحلي ويجعله حجر الزاوية بالفعل في نجاح التنمية المحلية وتوازنها وبقدر ما يحقق تخويل الصلاحيات واللامركزية من مقاصد إيجابية فإنه لابد أن يحافظ على درجة مقبولة من العلاقة الإيجابية الفاعلة بين المركز والفروع والتي لا تزال من الظرورة والأهمية بمكان في مرحلة لا تزال هي أقرب إلى مرحلة التكون والتبلور لللدولة اليمنية الحديثة وسيسهل من فعالية وكفاءة التواصل الضروري بين المركز والفروع (الأقاليم وما دونها ) حيث سيكون أيسر وأجدى وأكثر فعالية أن يتم التواصل بين المركز وسبعة فروع (أقاليم ) عما عليه الحال الآن ، حيث ولاشك توجد صعوبات مؤكدة وحقيقية وتكاليف باهضة للتواصل - في الإتجاهين - بين المركز و أكثر من عشرين فرعا(محافظة ) ...

وعلاوة على ذلك فإنه في إطار الإقليم الواحد يمكن إعادة النظر في التقسيم الإداري ضمن الإقليم الواحد لإعتبارات تنموية وسكانية (حالة تعز وأب ) أوتنموية وجغرافية (حضرموت ) ولعل ذلك سيسهم في تحقيق زيادة الفعالية والكفائة الإدارية والتنموية والتيسير والتسهيل على المواطنين ويمكن أن يتم ذلك بتقبل وتفهم من قبل سكان الأقاليم أنفسهم ...

ولعلنا نتذكر التحسس بل الرفض الذي قابل به أبناء حضرموت فكرة تقسيم محافظتهم إلى محافظتين ، لكن التقسيم إلى محافظتين أو أكثر ( حسبما تقتضيه حاجات التنمية والتواصل ) ضمن إقليم واحد (حضرموت ) لن يواجه بالتحفظ أو الرفض كما كان ولا يزال عليه الحال ... كما أن التجميع في خمسة أو سبعة أقاليم لن يضعف من الوحدة الوطنية لكنه سيعززها . ولعل من الواضح تماما أن وضع التقسيم الإداري الحالي المكون من عشرين محافظة وعشرات المديريات لم يمنع من تبني "مشاريع صغيرة" و طروحات مستهجنة ومرفوضة خارج إطار العصر والعقل والثوابت كطروحات الحوثيين أودعاوى الإنفصايين ...لكن الأهم في الأمر هو أن تلك الدعوات والطروحات هي محل إستهجان واستنكار ورفض دائم ومستمر من قبل السواد الأعظم من المواطنين الذين ينشدون الإصلاح والتطور و يتطلعون إلى الإستقرار والعدالة والتنمية ويمقتون الفساد لكنهم يدركون أن ذلك لن يكون ممكنا ولا متيسرا إلا في ظل أن يكونوا متحدين وبالطبع شركاء ايضا ...

عضو مجلس النواب

imrani3000@yahoo.com