آخر الاخبار
دورنا في نهضة الإسلام الحداثي ورؤية جديدة في أحداث القرون
بقلم/ د. محمد محمد الخربي
نشر منذ: 12 سنة و 3 أشهر و 4 أيام
السبت 25 أغسطس-آب 2012 05:09 م

قراءات في النهضة اليمانية

أدرك جيداَ أن الحديث في هذا الحقل هو في غاية الحساسية والتعقيد ، ويثير حفيظة العلماء والفقهاء في الدين ، وهذه القراءة ليست تقليدية وتحمل تصورات متقدمة في كيفية تفعيل ماتم إسكانه على مدى مئات السنين ، ألا وهو باب الاجتهاد وإعمال الفكر ومواكبة النص الديني لمقتضيات الواقع ومتغيرات عصرنا ذات الإيقاع المتسارع

إنني في هذا المقام أصبوا إلى وضع أفكار تسهم بجدية في إخراج عقولنا من حالة التحجر والتصحر التي وقع فيها تفكيرنا الديني وهو يضرب عرض الحائط بكل المقاييس التي تجدد النص وتحدثه ، ليس في كتاب الله وسنة نبيه – عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام – ولكن في تبصير واقعنا وحاجاتنا وتجاوز حالات الركود ، بل إن مازاد الطين بلة ، وجعلنا في مصاف الدول المتخلفة بلا منازع ، هو ذلك التنازع الطائفي والمذهبي القائم ليس على خلاف في القراءة الفقهية للنص ، وإنما – وهنا الكارثة التي حلقت ديننا – الاختلاف على الحق ، وتمادى بعض الأتباع في هذا النهج ، حتى وقعنا في التقسيم الطائفي وفق قراءات مذهبية ودينية في غاية الغلو والتشدد والبعد عن جوهر الإسلام الحنيف .

وهكذا دخلت الأمة في فتن عمياء وتشدد ديني مدمر ، خرج في مجمله عن غايات الدين ومقاصده ، ليتحول إلى وهن شديد أصاب الأمة الإسلامية في مقتل ، حين تمزقت إلى طوائف دينية تتبنى أفكاراَ اعتقادية صنفت الناس إلى ألوان شتى ، كان أبرزها في عصرنا الراهن – السنة والشيعة – ومنها تناسلت مختلف الأحزاب والفرق التي غالت وأغرقت في تمزيق الأمة وإضعافها .

وكون اليمن كانت محل اهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم ، فقد جعلها أيضاَ مرجعية للأمة في زمن الفتن ، وأحال المسلمين إلى حاكميتها في زمن الخلاف والاختلاف حينما أكد أن الإيمان يمان والحكمة يمانية والفقه يمان .

  وهذا التوجيه المباشر يؤكد أهمية اليمن في زمن الفتنة في الأمة ، وأن على السنة والشيعة أن يسلموا تسليما بحاكمية اليمانيين للخروج من دائرة الصراع الديني القائم على المذهبية والطائفية ، بل وفي بعض الجوانب ذي الطابع العرقي السلالي المنافي لأبسط توجيهات القرآن الكريم والسنة المطهرة ، حينما قال الله تعالى : ولا تزكوا أنفسكم ، وفي موضع آخر : فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون .

  ونص الحبيب صلى الله عليه وسلم على كون أعمال يوم الحساب لاينفع فيها النسب والعرق وبصورة قطعية قائلا : " ياعباس يا عم رسول الله ، يا صفيه يا عمة رسول الله ، يا فاطمه بنت محمد ، اعملوا فإني لا أغني عنكم من الله شيئاً ، ولا يأتيني الناس بأعمالهم ، وتأتوني بأنسابكم " .

بل إن الأساس الأول الذي يقوم عليه ديننا الإسلامي هو المساواة بين الناس وأنهم كأسنان المشط ، وأن التمايز إنما يقوم على التقوى القلبية المسنودة بالعمل الصالح الذي ينفع عامة المسلمين ، وشدد على وحدة الجنس البشري لأنهم من أصل أبوي واحد هما آدم وحواء .

  وشدد على إصلاح الأمة من عوامل الفساد الظاهرة والباطنة في مستوى الفعل قولا وعملا ، مع بيان أن فساد ذات البين هي الحالقة ، فعسى عامل نظافة يكدح في عمله خيرا عند الله وأجل من عالم متكبر في أرقى مؤسسة في الدولة ، لأن الكبر من سوء الخلق الذي يعتبر في الدين معيارا لقلة العقل عند الله ، فمن رأيته يتطاول على المسلمين وقضاء حوائجهم ، فاعلم أنه لامقام له عند الله ولاقدر له يوم القيامة . 

وأجدني في هذا السياق مدفوعاَ إلى وضع جملة من المبادئ التأصيلية لبناء مجتمع إسلامي حداثي موحد وقوي ضمن المحددات الآتية :

1- اعتماد مصدر فقهي موحد من مؤسسة علمية واحدة وأقترح تسمية هذه المؤسسة المسؤولة عن الفقه والفتوى والتحديث بـ الجامعة الإسلامية ، ويكون عملها هو وضع مختلف المخرجات الخاصة بتنظيم المجتمع من أصغر بنية هي الإنسان إلى أكبر مؤسسة هي الدولة .

2- أن يعمل في هذه الجامعة كبار علماء الدين الإسلامي مع نخبة من المفكرين والعلماء الذين ينتمون إلى كل اختصاصات العلوم والمعارف

(كمستشارين رئيسيين ) قبل إصدار أي فتوى أو رأي أو قاعدة تنظيمية.

 3 - الإلغاء التام لجميع المذاهب والطوائف والأحزاب القائمة على أسس دينية أو عقائدية ، وجعل الإنسان مركز الكون المبدع ، أي المكتشف والخلاق للكفاءات والقدرات ضمن هوية واحدة هي الهوية الإسلامية ، على أن تقدم الجامعة الإسلامية اجتهاداتها الدينية في قوالب متنوعة وعدم الاكتفاء بمنحى واحد ، حتى تلبي هذه الأطروحات مبدأ الثراء والتنوع في نفسية المسلم (الخليفة) .

4- تسطير دستور شامل في ضوء نصوص القرآن والسنة يغطي كل مجالات الحياة البشرية ، في الاجتماع والاقتصاد والسياسة والثقافة الخ...، في قالب قوانين إسلامية منظمة وهادفة لاتترك صغيرة ولا كبيرة في شؤون الحياة إلا وبينتها .

  5 - اعتماد القواعد والمبادئ الكبرى في وضع الفكر العلمي والاجتهادي ، أي ماوصى به ربنا ونبينا صلى الله عليه وسلم في النطاق الآتي : ( الفتوى الدينية تدعى رؤية علمية ، وهذه الرؤى تبنى على فقه التيسير والتبشير والانفتاح ورفع الحرج والتسامح والتنويع والمطاوعة والرخصة والضرورات والمواكبة والمواءمة والاستشراف وتقديم مصلحة المسلم ومنفعته ، ومايصلح دنياه يصلح بالضرورة أخراه ، والأصل أن الأمة لاتجتمع على ضلالة ، ولايمكن القبول بأي اجتهاد يكون من شأنه تحريم معروف وتحليل منكر ، وأن هذا الدين هو رسالة عامة للعالمين أجمع ، ولذا فلابد أن يكون صانعو الفكر الفقهي الديني المنظم لكل شؤون الحياة متحلين بهذا القدر من الاتساع والفهم والعلم والشعور والمسؤولية ، أي أنهم نخبة الصفوة في حقول العلوم المختلفة بلا منازع ) .

6 – نحن اليمانيين نؤمن إيمانا مطلقا أن القرآن والسنة متلازمان والسنة تبين مكنون الكتاب وتفسره ، ونرى أن الدين كله لله ذي الحاكمية المطلقة، ومن العبث أن نلج الألفية الثالثة تحت مسميات حزبية وطائفية وعرقية ذات نسخ ديني عقائدي ، تؤدي إلى تمزيق وحدة المسلمين وتمكن أعداءهم من استباحة أوطانهم ودمائهم وعقولهم ، وهناك مسائل كثيرة في التشريع ما عادت صالحة لزماننا وبحاجة إلى رؤية علمية تعيدها في مقامها المناسب وهو أمر متروك للجامعة الإسلامية ، كما نرى أن العصمة ليست من حق أحد في دين الله ، وأن التنزيه بيد الله وحده ، ولم يجرؤ الأنبياء ادعاء العصمة لأنهم يدركون استحالتها في الدنيا، بل إن الملائكة لم تقحم نفسها في مثل هذا الشيء لعظمته ، وأن المبدأ هو ما نص عليه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم : كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون ، ومن أغفل التوبة هلك ، وإن بلغ مبلغ الملائكة ما دام يعيش حياة البشر ، ولايزيد الاستغفار صاحبه إلا قبولا وحبا لدى خالقه وهذا هو الأصل في الدين .

7 – هذا الدين كل لايقبل التجزئة والأهواء ، ويؤخذ كله ، وتدرك حقائقه على قدر عقولنا ، ولذلك يبقى القرآن كتابا معجزا لاتنقضي عجائبه ومفتوحا على كل عوالم الدينونة العليا والسفلى، وهو أفضل وسيلة لفهم حقائق الوجود الغامضة التي لاتقبل النظر العلمي البشري ، ويمكن أن نعتبر الكتاب الإلهي رحلة وعي في بحور المعارف الربانية بلا حدود ، وهناك تقريبا ثلاثة خطوط متوازية في تنضيد مضامينه :

الأول يشتمل على حقائق إلهية محضة لابد من التسليم الاعتقادي بها دون جدال لأنها تفوق قدرة العقل على بيانها .

الثاني يحتوي على حقائق أخروية تغطي حقول الجنة والنار وما يقتضيهما والموت والحشر وأهوال القيامة وغيرها كثير ، ويستطيع العقل التفاعل معها والإلمام بها.

الثالث يشمل حقائق دنيوية هي محل الاجتهاد وإعمال الفكر والنظر والإبانة والإدلال ، ولايستقيم الأمر إلا بها ، وتتوزع في فضاءات بنيوية عديدة أهمها الآتية :

أ - مسائل تشريعية تنظم حياة الفرد والمجتمع والأمة .

ب - أحكام العبادات والمعاملات والأخلاق المختلفة .

ج - قضايا علمية تغطي مجالات الإنسان والحياة الدنيا والكون وما فيها من عوالم برية وهوائية وبحرية .

د - القصص والغيبيات ذات الصلة بالدنيا .

ويطيب لي في هذا المقام ( دورنا في نهضة الإسلام ) أن أوضح مسألة لم يكن علماء التفسير موفقين في تأويلها وتندرج عموما في أحداث القرون ، وتتعلق بقوله تعالى في سورة الإسراء عن علوين في الأرض لبني إسرائيل : " وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً * فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَفْعُولاً * ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً ...*

ولا أريد استعراض التأويلات التي خاض فيها الخائضون ، وهم إجمالا يذهبون إلى ثلاثة آراء ، الأول أن العلوين قد انقضيا قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم وكان ما كان ، أما الثاني فيؤكد أصحابه أن العلو الأول كان قبل الإسلام والثاني بعده أي في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، أما الثالث فيجزم أصحابه أن العلو الأول إما قبل الإسلام أو بعده والثاني هو العلو الراهن الذي يصادف آيات آخر الزمان مع قيام دولة الخلافة الراشدة وبدء أحداث نهاية العالم .

ولكنني لا أعتقد صحة هذه التأويلات ، ولا أذهب مذاهب المرجفين بقرب نهاية العالم ، بل ولا أرى أي علامة تدل على زمن ظهور مهدي آخر الزمان ، ولي في قراءة هذه الآيات قول يوافق ترتيب نبي الله صلى الله عليه وسلم ، وباسم يمانيي العصر الجديد من الشباب أقول إن العلو الإسرائيلي الأول هو ما يحدث حاليا في فلسطين على يد الصهاينة ونهايتهم وشيكة ، والخلافة قادمة ، ولكن رجالها عباد لله ذوو بأس شديد ، يفتحون القدس وينشرون الإسلام في كل أصقاع الأرض ، ولليمن دور عظيم في هذا الأمر إن شاء الله تعالى ودولة لامثيل لها في تاريخ البشرية .

ولذلك أحاول في كتابي اليمن دولة عظمى أن أبحث عن كوامن القوة لإخراج اليمن من المأزق الراهن ، حتى نكون جديرين بهذا الدور النبوي المبارك .

  أما العلو الثاني فهو المقصود به في آخر الزمان ، ويوافق تماما العلامات والآيات الكبرى ، وفيه يخرج المهدي وسيكون بعد أكثر من ألف سنة تقريبا من عصرنا الحالي أي خلال الألفية الرابعة إن شاء الله تعالى ، ولا يعلم سوى الله جل جلاله صورة الحياة في هذا العصر وطبيعة الأسلحة المستخدمة .

  وسيكون المسلمون في حال لايصدق من الذل والهوان يفوق ما نحن عليه الآن بكثير ، كما قال الحبيب صلى الله عليه وسلم : المؤمن فيه أذل من شاته أي أن حكام دولهم أشد خضوعا لأعدائهم وأكثر بأسا على شعوبهم ، ويستبيح الدجالون بيوت الله ، ويعم الكفر كل الأرض ، ويزني الناس في قارعة الطرقات ، وأحسنهم من يقول هلا فعلتما ذلك بعيدا عن أعين الناس ، وهذا الرجل يكون مثل عمر في زمن الصحابة...!

  وهنا يأذن الله عز وجل ببدء النهاية ويرسل النذر لآخر الزمان ، وتبدأ الملاحم العظيمة بين الإيمان والكفر ، ويكون ظهور المهدي المبارك وخروج الدجال ثم نزول عيسى عليه السلام ، ويكون اليهود في أعلى عليين من ملك الأرض ، وتدين لهم جميع السلاطين ويفعلون مايشاؤون ، ويبعث الدجال زيادة لهم في الفتنة . ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ، فتكون نهايتهم على يد المهدي ويكون قتل الدجال بعدها على يد المسيح عيسى عليه السلام .

وهذه الأحداث العظيمة توافق قيام الخلافة الأخيرة على الأرض وتبدأ بحكم المهدي ثم عيسى وبعدهم اثنا عشر خليفة ثم يضعف المسلمون ، وتتمزق دولتهم شر ممزق ، ويحكم الأرض أفسق الخلق فجورا ليس في قلوبهم ذرة إيمان ، وأعتقد أن ذلك يصادف الألفية الخامسة والله أعلم العالمين ، ولا يعلم سوى الله مدة لبثهم في الأرض ، وعليهم تقوم الساعة ، وفيهم تنزل علامات الساعة الكبرى ، وهم في غمرتهم يعمهون .

ولذلك أناشد جميع من ينتظرون هذه الأحداث ليكفوا عن هذا النهج ويمدوا أياديهم الشريفة للدخول مع كل أبناء اليمن لتحقيق النهضة اليمانية المنشودة ، وأخص بالذكر ثلاث طوائف عظيمة وهي أتباع الفكر السلفي المتشدد وأتباع الفكر الشيعي المتشدد وأتباع الفكر العلماني المتشدد وبالذات أبنائي من رجالات الحراك الشرفاء حتى نضع قوانا في بوتقة وطنية واحدة لبناء يمننا المعاصر القائم على دولة النظم والقوانين والقيم ، ولا يحق لأي إنسان إقصاء غيره أو الإضرار به أو حتى حرمانه من أبسط مقومات الحياة الكريمة ، والخلق عيال الله وخيرهم أنفعهم لعياله . 

ولست هنا من المغرمين بما يقوم به بعض أتباع المذاهب بل مشفق عليهم ومحب لهم ، وأنصحهم بترك ما هم عليه من الأفكار التي لاتتناسب مع عظمة ديننا ، وتسهم في خدمة أعداء الدين والأمة ، وعلى الجميع سنة وشيعة خاصة العلماء فيهم وذوي الشأن أن يعيدوا الناس إلى الطريق المستقيم ، إنما الأعمال بالنيات ، وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ، والسابقون السابقون أولئك هم المقربون .

إن دورنا إذن يتلخص في إحداث وعي إسلامي يماني جديد يتحلى به الشباب بروح عالية مع دعوة الناس إلى ترك البدع والعمل بالأسباب و التوكل على الله واعتماد القيم والأخلاق في التعامل وإشاعة روح المحبة والتحاور والتمسك بمعالي الأمور وترك البدع وإتقان العمل والحث على الإبداع وتعميم وسائل المعرفة والتعاطي مع تكنولوجيا الاتصال والمعلومات بصفة نوعية وتوعية عموم الناس بأهمية الوحدة والدخول في شراكات عملاقة مع الدول الإسلامية المتقدمة والتعريف بما نمتلك من مقومات خلاقة تجعلنا من أقوى الأمم البشرية ولكن بالحفاظ على قيمنا الإسلامية وتراثنا الوطني والقومي والأممي وتفاعلنا الإيجابي مع كل شعوب العالم .

ولدي جملة من الرؤى التي سأحاول إن شاء الله طرحها على رجال ومؤسسات دولتنا المباركة للعمل على إنجاح عوامل النهوض بهذه الأمة اليمانية المباركة وبهدي من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا .

*أستاذ علم اللسانيات في جامعة صنعاء بكلية اللغات

*مندوب اليمن المساعد في منظمة اليونسكو