الفنان شهاب المقرمي : تمثل عملية رسم الشهداء ألماً حقيقياً عندالرسم
بقلم/ مأرب برس
نشر منذ: 12 سنة و 6 أشهر و يومين
الإثنين 28 مايو 2012 05:11 م

هذا هو الحوار الثاني مع الفنان شهاب المقرمي المعروف بـ شهبوب، صاحب اكبر حضور فني تشكيلي في اليمن بريشته البديعة.. في حوار سابق الى هذا الموقع القشيب كان عنوان الحوار (شهاب المقرمي الفنان الذي رسم ألف وجهٍ ووجه) ولكن عنوان هذا الحوار يحدده طبيعة المهام الفنية الرسالية لـ شهبوب وهي مهام انسانية وفكرية عالية الطراز واكبت احداث الربيع اليمني بدموع ومداد رسام عاش منعطفات الثورة وشيَّع مواكب جنائز شهدائها قلباً وقالباً وبـ ريشةً خلدت شهداء جيل التغيير ورفاق المصير، لم يعرف الطغاة اعداء الإنسان قيمة الفن يخلد الضحايا وكل الذي يعرفونه استئجار ادوات القتل والفناء للكون والإنسان والجمال ولكن الجمال ينتصر في النهاية لامحالة والفن سر الوجود الذي يجهله قاتل مازن البذيجي ورفاق جمعة الكرامة.

حاوره/عبد المنعم الشيباني

*كي يكون حوارنا عملياً ومثمراً للقراء ومباشراً في صلب العمل الفني لـ شهبوب.. اشرح-بالعرض- إلهامات لوحتك الفنية (شهداء ثورة اليمن) ثم (شهداء جمعة الكرامة).. اترك لك حرية تصنيف وترتيب لوحاتك بنفسك تحت اي فكرة او مسمَّى من افكارك ومسمياتك الفنية.. خذ حريتك هنا كاملةً .. اختر ماتشاء من اللوحات وصنِّف ماتشاء.

اشرح لنا بالعرض كيف نفهم سحرية ريشة الفنان شهبوب حين نقرأ-مثلاً- لوحتك للشهيد (الطفل) أنس السعيدي والشهيد (الكهل) محمد شماريخ ؟ صف تجربة شهبوب النفسية والفنية وهو يرسم لعمرين مختلفين للشهداء، كيف عشت اللحظة الفنية لـ أنس ثم لـ شماريخ او في الجهة الأخرى بين عوض القطيبي اليافعي وعوض السريحي او بين الطفل اسامة الأشول وعبد الله الدحان.

-العمر هنا نسبي فنحن جميعا مهما بلغنا من العمر نعد اطفالا قياسا بعمر امنا (اليمن). القناص الذي اغتال الطفل أنس والكهل شماريخ أو العرامي لم يفرق بين العمرين انما حاول قتل ارواح من أمامه كي يخاف بقية الشعب ..

بالنسبة لي تمثل عملية رسم الشهداء الماً حقيقياً يصاحبني من البداية حتى مابعد الرسم..

وبافتتاح عصر البوعزيزي وضعنا حداً ابدياً لعصر الحاكم الذي لايحاسب، الذي كنا صنعناه بصمتنا عن تجاوزاته وفساده وانحطاطه.. عرفنا طريقنا للتغيير ليس محليا فقط وانما صار ذلك ربيعا عربيا قابل للتمدد خارج حدود أقطارنا العربية

 
 

*حين يريد شهبوب رسم صورة للشهيد بشير الدبعي او مازن البذيجي او عبد الفتاح العبسي مثلاً ماهي ابرز الملامح التي يريد شهبوب ابرازها ؟ على اي شيئٍ يكون التركيز هنا؟ لو امكن ان تشرح لنا باللوحات .

-الإباء والاردة والثقة بالنصر كلها تتجسد عبر الخطوط القوية الموغلة في العمق المستقيمة قدر الامكان.. الخطوط الطولية التي تبارح الارض متجهة نحو السماء تسمو علوا تبتهل للخالق وتلح بالدعاء بالانتقام ممن يتعدون على صفاته تعالى في الخلق والحياة والموت بجعلهم حدا لحياة الابرياء وقتلهم لمجرد خروجهم للشارع مطالبين برحيلهم..

واحيانا عبر التركيز على كتابة بعض الرموز الثورية في خلفية اللوحة كالحرية والمساواة والمدنية والسلمية والكرامة .. الخ

كما ان فنية اللوحات قد تكون ضعيفة قياسا ببقية الاعمال ذلك لظروفها الخاصة في السرعة بالانجاز وندرة الصور الاصلية الواضحة للكثير من الشهداء وعدم توفر الادوات اللازمة للرسم كالورق الخاص بالرسم مما يضطرني كثيرا الى الرسم بما تيسر من ورق..

 
*ماهي الفلسفة الفكرية ثم الفنية او كلاهما للفنان شهبوب في تخليده شهداء ثورة اليمن من عموم محافظات الجمهورية؟ ماهي الرؤية الفكرية او الكلام (التشكيلي الفني) الذي تريد ايصاله للقارئ ؟ ماذا هي طبيعة الرسالة للفنان شهبوب الذي يود ايصالها من خلال هذه اللوحات بعبارة أخرى؟ 

-الفن بالنسبة لي موقف من الحياة والكون أحاول بث هذه القناعات والافكار عبر اللوحات مهما كانت صغيرة.. كما ان الشهيد لم يكن لينال تلك الشهادة إلا لموقفه من الحياة والكون فخرج يمارس تلك القناعات مما جعله يدفع الثمن حياته مقابل هدف غال هو حرية اليمن وانعتاقه من الارتجال والعشوائية والفساد والجهل والظلم..

وهي رغبة داخلية عاطفية بها أتعرف على الشهيد عن قرب محاولا استنطاقه ووداعه بطريقتي .. وعبر تخليد ملامح شهيد احاول بالفرشاة ان امارس نوعا من الانتقام من القاتل الذي صار وحيدا فريدا مطاردا حتى في منامه رغم كونه محميا بترسانة الدبابات والمدافع .. في حين ان الشهيد لايموت بل يكتب له الخلود والبقاء والحياة في قلوبنا وارضنا وعند الله أيضا..

وكان التعاطف الشعبي كبيرا تجاه تضحيات الشهداء خاصة عقب جمعة الكرامة والتي ادت الى السقوط الفعلي لعهد علي عبدالله صالح..

وفي الجوار لوحة أو مشروع مجسم جمعة الكرامة كنت اتمنى ان تتيزن به جولة النصر حيث سقطت تلك الارواح الطاهرة..

  *يحاول البعض تأطير الفن بإطار ايديولوجي معين.. ماهي خلاصة تجربة شهبوب بهذا الصدد؟ حرية الفن ؟

-اكيد طبعاً فأدلجة الفن والأدب شيء مثير للسخرية .. والامر ليس حكرا على حزب أو جماعة فقد مورست الأدلجة بقدر كبير من الفشل أيام الاتحاد السوفييتي.. وايضا على مستوى احزابنا المحلية التي صارت حاكمة بعد ثورات العسكر.. ولعلك تتذكر في هذا الصدد رواية (مزرعة الحيوان) للروائي الكبير جورج اورويل الذي جعل العسكر ودعاياتهم وادلجتهم مادة للسخرية اللاذعة..

وينبغي للفنان والأديب ان يحلق عاليا والا يرضخ للقيود مهما رآها ناعمة منحازا للناس ولهم جميعا..

أما عن تجربتي الشخصية نشدان الحرية مبدأ لاتنازل عنه .. ولايمكن ان يكون هناك فن يقوم على افعل ولاتفعل.. ولاقيود للفن غير قيد الضمير..

*كيف تقرأ نتائج الانتخابات في بلدان الربيع العربي؟

وهل هناك مبرر لتخوف البعض على المستقبل عموما وعلى الفن خصوصا في البلدان التي صعد فيها (الإسلاميون) إلى السلطة فهل هناك داعي للمبالغة في مثل هذه التخوفات قبل أن نرى ملامح سياستهم تجاه الفن؟ الشق الثاني من السؤال من هو عدو الفن ولماذا يخافه؟

-لدي قناعة قديمة انه لو جرت انتخابات نزيهة في بلادننا العربية فسيحقق الاسلاميون الصدارة.. فهم اكثر الناس التصاقا بالشارع واكثر خدمة وتلمسا لمعاناة الناس والذين تمثل قواعدهم جزءا عريضا منهم.. في آثر الباقون الخلود الى الدعة والراحة بقدر غير قليل من الانانية والتعالي فكانت تلك النتائج شيئا متوقعا..

وان لم يتطور فكرهم السياسي والاعتراف والتكامل مع الآخر، والنزوع الى العمل الجاد في مجال الاقتصاد والتنمية والخدمات فسيلحق بهم الفشل لأن الشعارات والوعود لاتغني عن الانجازات الملموسة، وبالتالي سيبحث الناس عن غيرهم ..

وتجربة (المشترك) في بلادنا تجربة جديرة بالاحترام وصارت ناضجة ومتماسكة اكثر مما كنا نتوقع، خاصة في ظل نظام لايبارى في تفريخ الاحزاب وتشظيتها.. ربما لاتجد لها شبيها في خارطتنا العربية..

أما الخوف من مصادرة الحريات في مجال الفنون فهذا أمر مستبعد خاصة في زمن الصورة وفي ظل السماء المفتوحة.. وبالتالي سيضطر الفنان للانتقال من بلد مقيد لحريته الى غيره وينشر مايريد لتدخل كل انتاجه الى بلده عبر قناة أخرى..

أما عدو الفن فهو الروتين والاقصاء والتعسف الذي يمارسه المعنيون بخدمة الفن والثقافة في بلداننا العربية..

*كتابة قصيدة شعر قد تأخذ اكثر من لحظة شعرية وأكثر من جلسة، يعني القصيدة قد يخططها الشاعر اولاً كـمسودة ثم يضيف ويحذف وينقح حتى يكتبها في النهاية قصيدة قابلة للنشر.. فهل الحال نفسه عند انشاء لوحة فنية؟

-صحيح قد يحصل ذلك ايضا للوحة او النص البصري .. وقد حصل معي كثيرا.

*اشرح لنا باللوحات بعض امثلة لتطور تجربتك الفنية التشكيلية خلال ثلاث اعوام على الأقل.

-لاادري كيف أجيبك عن هذا السؤال.. هل احيلك على صفحتي في الفيسبوك؟ أم أجعل غيري يجيبك عنه؟ وعلى كل حال قبل عامين أقمت معرضا شخصيا في مؤسسة السعيد بتعز خصصته لاعمالي بالقلم الرصاص لأودعه وانتقل لالوان الزيت .. ولكن لم يتم ذلك.. فأحيانا تجدني ارسم بالقلم الرصاص لعدة اشهر ثم اقلع عنه مستخدما الزيت وهكذا ..

غير انك تجد تطورا ملموسا في من خلال الموضوعات التي اتناولها خاصة الزيتية فتجد فيها الهموم التي تؤرقني محاولا ابرازها عبر الحلول والمفاهيم الصوفية للحياة ومابعدها، للمرئي واللامرئي، والتجلي والخفاء .. الخ. والمفارقة ان هذه الأعمال لاتسترعي احدا حتى المشتغلين في الفن ومتذوقيه، فهم اعتادوا مني رسم الوجوه وكفى.. إلا أنني على يقين انها ستكون جزءا مهما وربما أهم من بقية أعمالي حين يأتي من يدرس المنعرج التاريخي لمساري..

ومن اكبر مشاكلي انني شخص منطوي وهذا حرمني من التعرف على الكثير من الفنانين الذين كان يمكنني الافادة منهم تقنيا وعمليا .. 

*هذا سؤال تقليدي ربما يتكرر معك دائماً اشرح لنا ماهي ادواتك والألوان التي تستعملها انت وماهي مزاياها على ادوات والوان أخرى ؟

-أحن كثيرا لاستخدام القلم الرصاص .. وفي المدة الأخيرة أحاول كثيرا استخدام الاقلام الملونة الخاصة بألوان البشرة والوجه والألوان الزيتية .. كما ان انقطاع الكهرباء جعلني اتوقف عن استخدام كاوية اللحام او القلم الكهربائي في الرسم على الخشب ..

وعلى الفنان ان يطور ادواته وينمي ثقافته ان اراد لاعماله البقاء والخلود .. لابد ان يتابع الجديد والأجد على مستوى التقنيات والافكار والادوات.. ويتابع ايضا أعمال الآخرين محليا وعالميا خاصة ان النت يتيح فرصا كان يفتقدها الفنان من قبل..

*أخيراً هل لك ان ترينا آخر أعمالك الفنية؟

من أعمالي الأخير لوحة للرئيس عبدربه منصور هادي .. الذي اثبت فعلا انه تجاوز عباءة الرئيس المخلوع والتي كانوا يريدون له البقاء فيها.. واتمنى ان يجعل نصب عينيه حل المعضلات الأمنية والاقتصادية التي ترهق كاهل المواطن ..