الهام المانع ...ثمة علاقة بين العروبة والتنوير
بقلم/ بكر احمد
نشر منذ: 17 سنة و 7 أشهر و 20 يوماً
الأربعاء 11 إبريل-نيسان 2007 05:28 م

مأرب برس – بكر أحمد - خاص

الدكتورة ألهام المانع أسم برز بقوة فارضا اتجاها تنويرا مميزا وقلما جريئا إلى حد الإيغال في المجازفة مع مجتمع مازال يرى في التراث أهم قيمة مكتسبة ، وذلك ليس لأنه ينتهج فكرا نتمنى أن يسود يوما بقدر ما ينتهج أسلوب التصادم العنيف والذي يصيب وبطبيعة البشر حالة من الرفض لمتلقيه وخاصة أن هذا المتلقي يحمل مضادات نفسية ضد كل ما هو جديد ومختلف وغير نمطي ، ومساحة الاتفاق والاختلاف مع الدكتورة تظل مساحة تتسع وتضيق حسب وعي الآخر ، بينما لا نعلم حقيقة هذه المساحة الحوارية لدى الدكتورة نفسها وهل تمتلك أدوات الحرية الفكرية ذاتها التي تنادي بها أم أنها كباقي الآخرين المنادين بالليبرالية والتعددية والذين هم ومن خلال مفرداتهم يضيقون ذرعا بالطرف المغاير ويصفونه بشتى الأوصاف التي أقل ما يقال عنها إنها إقصائية ، فالليبرالي يعتقد أنه من حقه وصف الآخر بالظلا
مي والمتخلف والإقصائي ويرفض أن يبادله الموصوف بنفس الأسلوب ولكن بمفردات أخرى وإلا فأنه سيعتبر نفسه شهيد الكلمة والإنسانية والتحرر .

أتابع معظم ما تكتبه السيدة إلهام وأكتفي بالمتابعة من ناحية أنه لها الحق بأن تقول ما تريد ومتى تشاء وذلك كسليقة ظللت منذ مدة طويلة أدرب نفسي عليها رغم صعوبتها و خاصة وما نمر به نحن العرب من مآسي في العراق ولبنان وفلسطين والصومال والسودان والتي تجعل الإنسان العربي يضيق بكل ما يعتقد أنه يندلق ضد مصلحته القومية والإنسانية ، ولكن ورغم ذلك فمحاولات الإصلاح ضرورية مهما كان الظرف أو الزمان على أن تكون هذه المحاولات أكثر جدية وعمقا مبتعدة عن الطرح السطحي والقشوري والذي قد يكون مستفزا أكثر منه راغبا نحو التغيير .

العلمانية كمسلك ووسيلة وهدف ، هي ما يناضل لأجلها الكثيرون في اليمن ، وهذا النضال لن يحقق أهدافه دون التعرض للفكر الواقف أمامه ألا وهو التيار الديني المسيس والذي أجاد استغلال الدين بشكل هلامي لاختطاف الشعوب العربية ، ولو كانت هذه الشعوب تمتلك أبسط قواعد المعرفة لتمكنت من ذاتها من معرفة أن الإسلام السياسي ودولة الخلافة لا مكان لها سواء في النص القرآني أو النبوي كنص جاد وحقيقي أو على _ حتى _ الصعيد التاريخي ، ولكنه ظل شعارا ترفعه الجماعات الدينية مستغلة كل ما يمكن استغلاله في غفلة من النخب الثقافية التي فضلت السكون خلف ستائرها ، فتّكون ذلك المد الإسلامي المسيس والعنيف والذي لا يرى في الآخر إلا عدوا لله ومن يعادي الله لا يستحق الحياة إطلاقا فضاقت صدورهم رغم سعة رحمة الله.

أقول أن العلمانية مطلب طبيعي ومنطقي حتى تتنفس من خلاله الرؤى المختلفة، لكن منهج الدكتورة ألتوي مؤخرا ليتجه نحو الفكر القومي العروبي والذي تعرضت له مؤخرا بصفات قد تكون ذات الصفة التي ترفعها التيارات الدينية المتطرفة مدعية بأن القوميين العرب هم أساس الاستبداد والعنصرية وأنهم وبشكل ضمني عقبة أخرى أمام التنوير الذي تسعى أليه ، وهذا التنوير الذي ترى السيد ألهام بأن العروبة عقبة أخرى أمامه هو تنوير يحاول فك الارتباط بين الإنسان وهويته ، فيصير تنويرا بلا ملامح لا يعرف من أين يستمد معرفته وأن لا يستند إلى أي مرجعية ، والمرجعية التي نتحدث عنها هي تلك المرجعية الإيجابية لا مرجعية عصور الظلام الوسطى التي عاشها وطننا العربي ، أنها مرجعية أبن رشد والحلاج وكل حامل لشعلة التنوير والاختلاف لأننا نعتقد أن ارثنا يحمل الكثير من الأدوات التي تجعله متكئ على أسس صلبة يستطيع من خلالها أن يبنى مستقبلا قوية غير قابل للاهتزاز . 

فقبل المد القومي والتي استشهدت به الدكتور الفاضلة كان هنالك تيارا تنويرا لا أحد يستطيع أن ينكره ولكنه كان خطا يعتقد بأن إلغاء التاريخ والهوية والابتعاد عن واقع المنطقة التي يعيش بها هذا التنويري واستيراد مشاكل وحلول العالم المتقدم هو الحل لنا متناسيا حالة الجهل والأمية السائدة آنذاك فصار يحدث نفسه ويتجادل مع نفسه بلغة لا يفهمها أحد ومهما كانت الحلول التي يتم إحضارها تظل هذه الحلول تبحث عن مشاكلها في العالم العربي لكي تقوم بحله فلا تجده لتصير حالة نصوصية توضع في الكتب دون أن تنفذ ، فالعالم الغربي مر بتجربة امتدت لقرون طويلة وقدم الكثير من التضحيات وخاض حروبه وقاتل ضد معتقداته وطقوسه التي تختلف عنا كليا حتى وصل ما وصل إليه ، ومن البلاهة بمكان أن نقتطف نتائجهم ونريدها أن تثمر عندنا.

الفكر العروبي ومنذ تأسيسه كفكر ثقافي وقبل أن يصل إلى حكم البلاد العربية كان مستندا على الفصل بين الدين والدولة معتبرا أن الإسلام أحد أهم روافد الفكر القومي الذي لا يمكن الاستغناء عنه بينما وفي نفس الوقت وعبر كل أدبياته لم يفرق بين مسلم ومسيحي في المواطنة فكان فكرا راقيا مبتعدا عن التمييز جاعلا أساس المواطنة هو الانتماء إلي الأرض والهوية ومن خلال هذا الفكر برز أكثر المفكرين والشعراء وأخذت المرأة حقوقا لم تكن تحلم بها وبدت في الأفق ثورة ثقافية وصناعية لولا أنه تم وأدها لأسباب لا تجهلها الدكتورة وعلنا _ أرجو ذلك _ أن لا ننكر أنه وبعد أفول المد القومي أنحسر بعده كل ثري وجميل وظهر مقابله الشعر العامي والغناء المبتذل وتكرست القبيلة كأساس للمواطنة وتفشى التطرف بكل شيء مما زاد في غربتنا .

الفكر القومي ليس عقبة أمام التنوير ولن يكون كذلك ، بل هو من أسس اللبنة الأولى والصحيحة نحو كل من يريد أن يسلك هذا الدرب بل كان الداعم له في شتى المجالات ومن ينكر ذلك عليه فقط أن يتصفح بعض الكتب والمراجع حتى يفهم أكثر ما هو الفكر القومي وما هي منطلقاته وأهدافه والي ماذا يطمح ، أما تهم الاستبداد التي نعيشها الآن ، فلا أعلم ما علاقتنا بها وحسب علمي البسيط أستطيع أن أقراء الخارطة السياسية بشكل سريع حتى أفهم أن أسباب هذا الاستبداد السياسي الحالي هو بعيد كل البعد عن الفكر القومي لأنه أولا لم يعد هنالك نظام عربي قومي وأن كل الأحزاب القومية في المعارضة وتعاني ما تعانيه وثانيا كل المفكرين القوميين ينادون بالديمقراطية كمبدأ لا حياد له وثالثا نفقه جيدا أن المنظومة العالمية التي تهيمن على العالم هي بشكل أو بآخر تدعم هذا الاستبداد وكل سبب من هذه الأسباب يحتاج إلى مقام آخر منفرد .

أما بشأن بعض المراحل القومية التي أتسمت بنوع من الاستبداد فكانت هنالك ضرورة نوعية لها متكيفة بذلك مع الوضع العالمي وحالة الخروج من الاحتلال وأن وجدت مثل هذه السلبية التي كان بالإمكان تفاديها مبكرا ولا ارغب بالدفاع عنها إلا أن الوجه الآخر الناصع من ثورة ومقاومة وتحرر وسن قوانين مدنية متقدمة جدا يجعلنا نحاول ولو لمرة واحد أن نطالع التجربة القومية بشكل محايد بعيد عن الانتماءات الحزبية أو الفكرية لأنها تجربة مرت على الإنسان العربي وتستحق أكثر من رمي التهم لها في بعض السطور لمجرد ملاء الفراغ في مقالة ما .

مجمل القول هو أن شعوب هذه المنطقة تعيش على هذه الأرض ومن الصعب سلبها هويتها وقيمها لأجل الإدعاء أن هذا هو منطلق لتنويرها ، لأن هذا الأسلوب لن يجد إلا مقاومة عنيفة ، ولكن من خلال تراثنا الكبير وهويتنا العربية الراسخة نستطيع أن نعيد تخصيب هذه الأرض وبما يتفق مع طموحنا الذي نرغب جميعا في تحقيقه .