الثورة تنتحب ....
بقلم/ مروان المنصوب
نشر منذ: 12 سنة و 8 أشهر و 4 أيام
الأربعاء 28 مارس - آذار 2012 09:10 م

مما لا شك فيه أن الثورة لا تمر في هذه اللحظات بأحسن أحوالها هذا شيءٌ ملموس يمكن لأي متابع أن يلحظه دون عناء بما في ذلك صالح نفسه الذي اختفى عن الأنظار وتحول إلى أخطبوط هلامي يتماهى كالزئبق مع كل ما يُنغص أي لحظة جميلة يُمكن أن تلامسها الجماهير واقعاً ترقُبه بعد أن أزاحته عن المشهد , لا يُمكن في ظرف كالذي نعايشه أن نقول أن الثورة تعيش أيامها ولياليها الملاح ولم يبقى إلا نُعلن التحرير من أمام مجسم "الإيمان يمان والحكمة يمانية " هذا ضربٌ من الفنتازيا واللاواقعية الساذجة , يُمكن حالياً الحديث عن الثورة بتجلياتها الراهنة بُحسبان أنها تمر بوعكة تحتاج إلى معالجة سريعة وجادّة لا تستثني أياً من أسباب ذلك الانحدار المُخيف الذي نحته الثورة مؤخراً فيما قد تتسبب تلك الوعكة لاحقاً بأمراض تستعصي على الشفاء بعد أن تتجاوز أزمنة العلاج الطبيعي الذي كان من المفترض أن يبدئ بشكل فوري بعد الانتهاء من تنصيب هادي رئيساً للثورة والدولة معاً , نعم هادي أصبح رئيساً للثورة والدولة (هذه أيضاً واضحة دون الحاجة إلى مواربة أو استعارة مكنية ) .

يمكن تفكيك أصل المشكلة بصورة براجماتية , فالثورة على أية حال ليست مخلوقاً فضائياً غريب الأطوار لا تتأثر بالعوامل البشرية التي تصنعها بل هي اختزال لتحول جمعي لملايين اليمنيين الذين توحدت رؤاهم وأفكارهم في فترة ما وتحديداً قبل أن تصل البلد إلى مرحلة سحيقة في أسفل المنحدر يستحيل بعدها الخروج إلى النور مجدداً .

هي ذاتها العوامل البشرية التي حولتها (أي الثورة ) إلى متسلسلة هندسية من الكانتونات الفكرية والسياسية وحتى الاجتماعية , وعندما يختزل كل طرف الثورة في كانتونه الخاص به حينها يتبخر وصف (التحول الجمعي) الذي تخلقت به الثورة وتتحول الجماهير من الطريق الواسع إلى أزقة وتفريعات لا تنتهي في الغالب إلا إلى متاهات متداخلة تشبه إلى حد ما مغارة علي بابا , أزعم أني لا أبالغ إن قلتُ الثورة تمر بمرحلة وأد ساديَّة من أطراف من داخل الثورة نفسها وأخرى تقبع في الجهة المقابلة للثورة , وتبرز قُفازات المسخ صالح بين الحين والآخر ومع كل صيحة علينا .

من جُملة ما يجعلنا واضعي أيدينا على قلوبنا حتى ونحن نشق بهتافنا عنان السماء , هي "الأيادي المرتعشة" بحسب وصف المحلل /على الجرادي , فالأيادي المرتعشة التي لا زالت تُفكر بطريقة (ما باليد حيلة ) وسياسة الأمر الواقع هي بالمطلق لا تنتمي لمرحلة ما بعد الثورة , يُمكن للرئيس المنتخب والحكومة الاستفادة من الإسناد الشعبي والثوري الذي يقف في صفهم لاتخاذ قرارات جريئة وحاسمة في القضايا التي تعيق مسار التغيير وستتحول أحجار العثرة بعد ذلك إلى رماد سرعان ما يتبدد مع أول نسمة , لكن أمَا وقد وجدت تلك الأحجار موطئ قدم لها فلنُبشر بحاجز شاهق تصنعه الأحجار المتراكمة على قارعة الثورة والتغيير .

ما ندركه جيداً أن الثورة قطعت شوطاً طويلاً على الدرب وحققت الكثير من النقاط , بل وتجاوزت خطوطاً لم يكن مسموحاً حتى الاقتراب منها ناهيك عن اقتحامها والتطلع إلى ما هو أبعد منها , ما تحقق شيء عظيم , أجل , ولا يجب أن نلغيه ونبدأ من حيث كنَّا قبل عام فليس ثمة عقل أو منطق يقبل هذه الفرضية أو تلك الاحتمالية , ليس هناك شك أننا لن نعود من الطريق التي مرَّرنا بها في المراحل السابقة , لكن في المقابل ليس هناك ضمان من أننا لن نعود إلى ذات النقطة التي انطلقنا منها في البداية لكن من طريق خلفي , لا أحب الحديث بتلك اللغة المتشائمة , لكن أيضاً لا يجب أن نعتقد أننا قد قطعنا كل الصلات بالماضي ولم يعُد سوى ذكرى , فالماضي لازال يتلمس طريقه إلى حاضرنا ومستقبلنا ويتحين الفرصة لأن يسدد إلينا ضربات انتقامية شديدة ,فصالح يعتقد أنا كل ما حصل إنما هي معركة انتهت في غير صالحه لكنه يسعى جاهداً لأن يرتب صفوفه على النحو الأفضل مستفيداً مما يملكه من نقاط ضعفنا التي منحها له بعض النزقين المحسوبين على الثورة دونما ثمن ليكون هو وحده من يضحك ملئ فيه في نهاية الحرب بينما نحن سنذهب لسداد الفاتورة الباهظة من حساب مستقبلنا وأحلامنا.

علينا أن نعلم يقيناً أنه ليس هنالك شيكاً مفتوحاً بالنصر يمكن أن نقبضه لنعود إلى بيوتنا نحكي لأبنائنا وأحفادنا عن كيف انتصرت ثورتنا وكيف استطعنا أن نخلد نضالنا تماماً كما فعل ثوار سبتمبر , لم يحن الوقت بعد لذلك إذ لازال أمامنا الكثير لننجزه أمام هذا الكم الضخم من المرتزقة الذين يقوضون كل خطوة نخُطوها , لازال العدو يتربص بنا من خلفنا ولا يجب أن نتناساه فذلك لن يغير من الواقع شيء .