آخر الاخبار
المبادرة العربية..وقت تقاس ثوانيه بالدم
بقلم/ جمال الهنداوي
نشر منذ: 12 سنة و 9 أشهر و 17 يوماً
السبت 11 فبراير-شباط 2012 04:23 م

حكمة قديمة تلك التي تتحدث عن اننا نستطيع ان نستل الحكمة من جميع الأفواه حتى من الذين رفع الله-والناس-عنهم القلم..وهذا ما يجعلنا لا نجد حرجا من أن نأخذها من فم المندوب الروسي في مجلس الأمن والذي أشار بوضوح إلى ان مبادرة الجامعة العربية لا تصلح لحل الازمة التي يعاني منها الشعب السوري النبيل..

واقع جديد فرضه الفيتو الروسي-الصيني على معطيات المقاربة السياسية للاحتجاجات الشعبية السورية المطالبة بالتغيير والحرية والعدالة والكرامة الإنسانية..وهذا الواقع يتلخص في انسداد الأفق تماما أمام المبادرة التي تفترض حل-او قد يكون تعقيد-المشهد المأساوي الذي تدور رحاه على الأرض السورية والتي لم يكن هناك من كان يؤمن بنجاحها أصلا..فبعيدا عن الانسياق وراء البلاغة المفرطة التي صيغت بها المواقف السياسية لمندوبي الدول الأعضاء في مجلس الأمن..فان الموقف الواقعي الذي يجب البناء عليه هو انه لم تكن هناك اي فرصة حقيقية أمام المبادرة العربية للحياة..

قد يكون مقتل المبادرة ومكمن الخطل فيها ليس في الفيتو المزدوج الذي كان فرصة لالتقاط الأنفاس الى العديد من الأطراف..بل كان فيها نفسها,وفي منطلقاتها وفي المآلات التي ينتظر ان تفضي اليها..فلو استثنينا صياغتها الانشائية المبهمة, وتقدمها الكبير غير الموفق على مواقف الدول الكبرى,وعدم استنادها على قراءة سليمة ومنطقية للاحداث..يبقى الخلل الاهم وهو في كونها بنيت على رؤية قطرية ملتبسة منتحلة للمبادرة السعودية للحل في اليمن دون ان يكون لقطر في سوريا ما للسعودية في اليمن..

فلا يخفى ان المملكة العربية السعودية عندما ضغطت باتجاه دفع الرئيس اليمني الى تسليم السلطة لنائبه وتكوين حكومة وحدة وطنية تمهد لانتقال سلس للسلطة كانت تعتمد على دالة قوية لها على نظام علي عبدالله صالح وتغلغل بعيد لنفوذها واذرعها في الكثير من مفاصل الحكم اليمني العليا وعلاقات قوية مع العديد من-ان لم يكن كل-العناوين والرموز القبلية المهمة وتحصلها على العديد من وسائل الاقناع والتي قد يكون ابلغها ما همس به في اذن العقيد وهو تحت الأنقاض في جامع النهدين والذي جعله يعيد النظر في موقفه المتصلب..وكل هذا غير متحقق ولا يمكن تخيله في الحالة السورية..

مراجعة بسيطة للرئاسة القطرية للجامعة العربية نجد ان نصفها كان للترويج لبعثة المراقبين العرب على انها الاستجابة الطبيعية لصلوات السوريين وسفح النصف الآخر في التنديد بالبعثة والتشكيك بنواياها ومن ثم قيادة حملة من الانسحابات شملت الدول الخليجية والمتخلجنة تبشيرا وتمهيدا لمبادرة لا يعلم الا الله كيف ومتى وتحت اي ظرف ستطبق وكم من الوقت تحتاج لكي تتحصل على الرضا في ظل كل هذا الانقسام الدولي حيالها,وكم من الرئاسات تحتاج قطر لتقنع الوريث الحانق بالتعامل معها والثواني تقاس بالدم في ارض الشام المستباحة..

حكمة اخرى تقول ان الأزمات لا تحل بالتموضع أمام كاميرات الأعلام ولا في اطلاق العبارات المتذاكية في المؤتمرات الصحفية..ولا في التعمية على قوى الثورة الشعبية السلمية المناضلة المنددة بالنظام لصالح المسلحين الذين يدفعون الى عسكرة الثورة وتحولها الى حرب أهلية تقدم اكثر من غطاء لتصعيد النظام لآلته القمعية الوحشية ..وهي بالتأكيد لن تجد حلا ولا مخرجا في تكرار وضع الملتحين في مقدمة البرامج الحوارية التي تزدحم بها شاشات الرأي والرأي الآخر..

ان المبادرة العربية لا تقدم الجواب الصحيح للسؤال الصعب عن الخطوة التالية التي ستلي انفضاض القوم وخروج الشيخ حمد من مؤتمراته الصحفية التي لا تكاد تنتهي..وما العمل لإيقاف النظام عن ممارسة القتل وسط افتقاد المجتمع الدولي لأي رغبة في التدخل العسكري تجاه اسقاط النظام..كما ان الإسراف اللاهث في استرضاء روسيا من خلال التعديلات المتناسلة التي ساوت بين الضحية والجلاد قد تشي بان الهدف الرئيس من المبادرة لم يكن ايقاف نزيف الدم السوري او حماية المدنيين بقدر ضمان ايصال أطراف معينة الى الحكم وتأمين تقاسم السلطة ما بين النظام والاخوان مع فسحة للسلفيين وهو ما عرضته تركيا من قبل ورفضه الاسد..

ان المبادرات الحقيقية يجب ان لا تستهدف تسليك الطريق الى الحرب الاهلية ولا ضبط الصراع ضمن المعايير الطائفية الممزقة للنسيج الوطني السوري بقدر اشتراط كونها يجب ان تقدم حلولا وامنا للمواطنين المدنيين العزل،الناس العاديين المسفرين عن وجوههم وصدورهم تجاه الة النظام الهمجية في ثورتهم السلمية الصابرة والذين لا يحملون السلاح ولا يقدمون البيانات المنسوخة من أدبيات الحركات الجهادية التي تضفي مشروعية كاملة على خيارات النظام القمعية وتجيرها في خانة الجهد الأمني الذي يستهدف ضبط السلم والاستقرار على الأرض..اولئك المواطنين الذين يجاهرون برفضهم للنظام والمطالبة بحقوقهم السياسية والديمقراطية، والذين يملأون الساحات والشوارع هتافا وصراخا بان لا استبداد وديكتاتورية بعد الان,وبسلمية,دون ان يتعرضوا للممتلكات العامة والخاصة، وللمقار والأبنية الحكومية، بالحرق والتدمير والإتلاف، فهؤلاء هم الذين يجب ان تكتب من اجلهم المبادرات ولهم على الجامعة العربية ان تقدم الحلول التي تستهدف حمايتهم ..اما حصر الجهود العربية في تسليك الطريق امام المسلحين لتصدر المشهد السياسي ومحاولة إدخال المجتمع الدولي كطرف في السباق الاخواني-السلفي لحجز المواقع على الأرض استعدادا لخطبة القرضاوي في ساحة الأمويين فهو لا يعد الا خسارة كبيرة للوقت والدم والكرامة السورية الجريحة..

ان تقطع السبل بالمبادرة العربية،وتعثرها داخل اروقة مجلس الأمن،والحرج الكبير الذي تحسه روسيا أمام الإدانة الدولية الواسعة لمواقفها..قد يكون الفرصة الأخيرة امام المعارضة السورية لاخذ زمام المبادرة والتحرر من الارتهان لمتبنيات وخيارات بعض الأنظمة التي تسعى لـ\"تصفير\" مشاكلها من خلال خلط أوراق الثورات الشعبية المباركة وربطها بشعارات العسكرة والاسلمة والتحشيد الطائفي الذي يقدم للنظام الفرصة لإدامة ممارساته القمعية ويجرد الجماهير من فرصة كسب التأييد الدولي الكامل من خلال خطابها الثوري السلمي المتحضر..والابتعاد عن الإصرار المعاند على تسويق المبادرة المقترحة في دهاليز الأمم المتحدة مكممين الافواه عن التساؤل عن ماهية الضغوط التي يمكن لدول مجلس التعاون ممارستها على النظام السوري للقبول السلس للخطة العتيدة وخارطة الطريق التي أعدتها الجامعة العربية للخروج من الخانق الذي تعيشه المنطقة..

كما ان الأهم في الثورة السورية الآن..وهي حكمة أخرى نستطيع ان نأخذها من فم المندوب الروسي وهي ان على المعارضة السورية ان تفصل نفسها عن المسلحين..