صالح وقع لكسب الرضا وليس للتنفيذ
بقلم/ عبدالقوي الشامي
نشر منذ: 13 سنة و 3 أيام
الثلاثاء 29 نوفمبر-تشرين الثاني 2011 04:24 م

لم يلحظ المتابع ولو بسمة على وجه اي من حضور حفل التوقيع على الاتفاقية فالوجوه كانت متجهمة ولم يتبين المرء ان كان ذلك الذي شهدنا مساء 23 نوفمبر, حفل اتفاق او تأبين, واذا اصاخ المرء سمعه في الخلفية كان يأتيه صوت خافت لمقرىء يرتل ايات من القران الكريم, مما كثف الايحاء في الذهن بأننا نتابع مراسم عزاء في سرداق, وليس حفل اتفاق في اكثر القصور الملكية تاثيرآ في عالم اليوم, حفل اريد له ان يكون نهاية ازمة, عصفت باليمن لما يقرب من عام كامل, فعبوس الوجوه لم تكسره سوى, ابتسامة صالح وهو يحتضن احد ملفات الاتفاقية, وكأننا به يسخر من مضمون ما كان يوقعه, وايضآ ومن حملقة الوجوه تصديقآ لرقصة القلم صعودآ ونزولآ بين اصابعه, فالتوقيع لم يعد كما وصفه ذات يوم للسيد عبدالملك الزياني بانه على اعدامة, لأنه قد نثر شياطينه في ذلك العدد الكبير من مجلدات الالية المزمنّة التي صاغها بالفرّازة. 

فالتوقيع ليس الا تدشين لمرحلة جديدة, سيعمل صالح خلالها, على المواجهة غير المباشرة, يستند خلالها ليس على استثمار اخطاء الاخرين وحسب, وانما على تحميلهم كل ما سيقوم به من مناوشات وتخرصات مستفزة ومن فتل وتدمير من خلف الستار, يعطل به عملية التنفيذ المزمن, وما قوله عقب التوقيع بـ : أن المهم ليس التوقيع وانما التنفيذ, ودعوته للاشقاء الخليجيين والامم المتحدة الى مراقبة التنفيذ ليس الا اتهام مبيت للاخرين بالحنث, وبالتالي يكون قد برر تمنعه اللاحق عن الأيفاء ببنود الأتفاقية حتى تنتهي المهلة المحددة بـ 90 يومآ, وفي اليوم الـ 91 سيصتصدر من عبدربه قرار يحمّل اللقاء المشترك, فشل الأتفاقية, يعقبه بقرار الدعوة الى انتخابات رئاسية مبكرة غير توافقيه, بالطريقة التي كان قد اقترحها في 23 مارس الماضي, واعاد تكرار طرحها في كلمته, بمناسبة الذكرى49 لثورة 26 سبتمبر, معززة بانتخابات برلمانية ومحلية متزامنة في التبكير مع الرئاسية.

  بالتوقيع استطاع صالح الخرج من حالة الدفاع عن الامتناع الى حالة الهجوم بالتوقيع, وبهذا تخلص من الحصار الذي اطبقه عليه ممثل الامين العام للامم المتحدة السيد جمال بن عمر, وتجنب الوقوع في شرك العقوبات الدولية والاقليمية, فطموح صالح ان يكون التوقيع المجرد دعوه الى الاصطفاف في مواجهة ما أسماه, الثقافة الغريبة التي تهب على عالمنا العربي والاسلامي من المغرب, ويقصد هنا عالم اصحاب الجلالة والفخامة والسمو, وليس عالم الشعوب العربية, فالثورات السلمية العربية وفق هذا المنظور هي: الخطر على انطمة الحكم التقليدية العربية التي لا تستطيع التكيف مع الفعل الثوري ولا التعايش مع اهداف الثورات وهذا ما يستشعره صالح لدى حكام الخليج, لهذا استقل فرصة التوقيع التي سنحتها المبادرة المنسوبة للخليج ليخاطب الذعر الذي تجلى لدى تلك الأسر اثر التحركات الشعبية في انحاء عدة من الوطن العربي, وتحديدآ ما حدث في عمان والبحرين وما شهدته دولة الكويت مؤخرآ من احداث.

فصالح متيقن ان الاتفاقية التي حاصرته هو شخصيآ من جميع الأتجاهات ولم تحاصر نظامه, متيقن بأنها صناعة قطرية وليست خليجية, ويعتقد ان بمقدوره فضح هذه العلاقة التي ترقى الى درجة المؤامرة, كما وصفها في مقابله اجراها معه تلفزيون "روسيا اليوم" في ابريل الماضي, وان دولة قطر تقوم بتمويل الفوضى باليمن, لذا اعترض وبشده على اي دور قطري في جهود حل الازمة, وقد حاول في حضرة التوقيع, الترويج لقناعته بأن: هذا الذي يدور في اكثر من بلد عربي, ما هو الا مقدمة لاستهداف الأنظمة الأسرية الحاكمة في الخليج, وان كان الشرط بأقصاء القطررين عن مراسم التوقيع قد تحقق له, فان ما لم يتحقق بعد هو موقف السعوديين والامارتيين الذين مازالو غير مقتنعين بهذا الادعاء, ولكن الامل في تغيير هذا الموقف ما زال يحذو صالح من خلال ما سيقوم به من اهوال خلال الأيام التي تنص عليها الأتفاقية!

فالأحساس بالزعامة التي تتملك صالح تدفعة الى تحدي الصلاحيات التي اجبر على منحها للنائب واول الغيث, القرارن الجمهوريان الصادران بعيد اجتماع اللجنة العامة للمؤتمر الشعبي (صالح يعفي وعبدربه يكلف) وسيجهد الجميع بهذه الثنائية, وستغرق البلد بتفاصيل رجل معتوه بالسلطة اسمه صالح اما نصف الحكومة المعارض فسيعتمد على التذمر وعلى التساهيل الخليجية وبعدها الاممي وسيكون الليل للأقوى خلال فترة سريان الاتفاق

وان كان التهديد السعودي باحالة الملف الى مجلس الامن, قد جعل صالح ينصاع للتوقيع, فان ليس في ذلك تسليمآ بنهاية حكمه, بل كما قال في المقابلة التلفزيونية المذكورة اعلاه: (أولاً، نحن نعتبر قبولنا بالمبادرة هو تحرك لمنع إراقة الدم اليمني، وإعادة الاوضاع إلى الوضع الطبيعي، يعني الأوضاع السياسية والأوضاع الاقتصادية، نحن قبلنا بها على الرغم من أنها عملية انقلابية، في حقيقة الأمر، على الدستور), هذا يعني بأن القبول ومن ثم التوقيع على المبادرة, مجرد تحريك لأعادة الأمور الى الوضع الطبيعي, اي الى ما كانت عليه قبل الازمة, كما ان التوقيع يهدف الى فصم عقدة تسليم السلطة التي استحكمت حلقاتها حول مقعده الوثير في رئاسة اليمن الذي كان يطمح من خلال دخوله الموعود مجلس التعاون الخليجي, تحويله الى مملكة تتناغم مع بقية المملكات والامارات والسلطنة.

  وكان حلم صالح ان يسبق اسمه بلفظ الجلالة المعفي من التدوير, بعد ان ضاق ذرعآ بلفظ الفخامة الذي استنفذ كل الحيل لخلع العداد عنه, ولكنه فشل, ليس ذلك وحسب بل ان فكرة خلع العداد التي اراد السيد: سلطان البركاني مجاملة صالح بها للظفر بمنصب رئيس الحكومة, كانت الريشة التي شطبت فكرة التوريث وفي نفس الوقت كانت القشة التي قصمت ظهر صالح الرئاسي. 

امل صالح في دور خليجي وتحديدآ سعودي داعم لموقفه بعد التوقيع يبدو واضحآ عندما رفع الصهاينة, على الرغم مما يقومون به من قتل وتنكيل بحق الفلسطينيين, رفعهم الى مصاف قيمي واخلاقي اعلى من اليمنيين المنتفضين ضد حكمه وتحديدآ خصومه السياسيين الذين يتهمهم بمحاولة الوصول الى السلطة, من خلال القتل وتدمير بيوت الله, يحملهم المسئولية, دونما دليل, عن ما حدث في جامع النهدين في بداية يونيو الماضي, وهو بذلك كان يخاطب خادم الحرمين باعتباره حامي بيوت الله وليس الملك.

  كما وكانت حركات صالح وايماءاته في بلاط الملك قبل واثناء وبعد التوقيع على الاتفاقية كانت كاشفة بأنها لأستدرار عطف الملك في حضرة الاحتشاد الملكي والجمهوري والاممي من خلال الشرح والتوضيح للأصابات التي تعرض لها في تلك الجريمة التي يريد تحمليها اولاد شيخ المشايخ, الذي اعتبر الاراضي الحدودية اليمنية مع الجارة مجرد حفنة تراب, فاليمن ممكن تكون ذرة في مهب ريح صالح ان كان في ذلك رضا سعودي, وهنا مكمن السر في استثناء حادث النهدين من قرار العفو الجمهوري فالثمن هو: فصم العلاقة التاريخية التي تربط اسرة شيخ المشايخ واسرة ال سعود وتحويلها لمصلحة اسرة صالح وهذا ما سيدور الصراع حوله وهو ذات السبب الذي جعل صالح يحرص على عدم حضور مراسم التوقيع لأي كان من منافسيه في كسب ود ورضا الاسرة الملكية الحاكمة!!