مليشيا الحوثي تجبر قبائل إب على رفع اعتصامهم في دار سلم بعد تهديدات بفضه بالقوة أبرز المواقع والمناطق التي سيطرة عليها فصائل المعارضة السورية في حلب وإدلب ما انعكاس ما يحدث في سوريا على اليمن.. هل تعود صنعاء كما عادت حلب؟ تفاصيل مروعة عن جريمة قتل فتاة في صنعاء 18شهيدا بغزة والاحتلال ينسف منازل بشمال القطاع وجنوبه ندوة حقوقية في مأرب تسلط الضوء على أوضاع المرأة اليمنية بعد انقلاب الحوثيين تحقيق 42 ألف مستفيد من خدمات الوحدة الصحية في القطاع العاشر بمخيم الجفينة تفاصيل حصيلة 3 أيام من الحرب و الاشتباكات في سوريا الكشف عن أكبر منجم جديد للذهب في العالم قد يقلب الموازين ويغير التاريخ عاجل: المليشيات الحوثية وتهدد بإعتقال مشائخ ووجهاء محافظة إب المعتصمين بدار سلم وتفرض حصارا بالاطقم المسلحة على مخيمات المعتصمين
لا يمكن إدراك طبيعة مكونات المجتمع اليمني في واقعها السياسي والاجتماعي والعقدي إلا في سياق الصمت أو الإنصات لتوصيف المواقف المرتبطة بالحيز المكاني في امتداده الطبيعي الزماني والفكري والنفسي، باعتبارها طبيعة ذات أنساق تاريخية خضعت في حقب مديدة لحكم ارتبط وجوده وفاعليته بمصطلح (الجيوسياسي) الذي يعني تأثير الجغرافيا على السياسة. يظهر ذلك جلياً من قراءة كيفية تمكين الأئمة من حكم اليمن لقرون طويلة، حيث تأسس البدء في بقعة جغرافية مساحتها مدينة صعدة، ومنها توالى التوسع شرقاً وجنوباً والتوغل بعمق في بنية العاصمة السياسية صنعاء وكذلك مدينة ذمار التي وسمت بـ "كرسي الزيدية" كعلامة سيميائية توحي بتمكن المذهب الزيدي من هذه المدينة فكراً وثقافة وفقهاً.
قد نستذكر فاعلية ذلك التمكين من خلال إعادة النظر إلى التاريخ اليمني القريب، وتبيان مدى الأثر الجغرافي على السياسة، فحينما قتل الإمام يحيى وضاقت الأرض ذرعاً بنجله ولي العهد أحمد، نجده يولي وجهه شطر محافظة حجة تلك القلعة الحصينة التي كان يعتد بها الأئمة عسكرياً واستراتيجياً بفعل تسيد الفكر الهادوي في وعي أبنائها وعنف ولائهم له، وبعد تمكنه من الفرار سراً إلى حجة أرعد من هناك وأزبد وأرسل رسله إلى كافة مناطق اليمن لنصرته والاقتصاص من قتلة أمير المؤمنين، وكان له ما أراد.
اليوم وفي سياق ما يسمى بالربيع العربي، نجد التاريخ يعيد نفسه في شكل مأساة أو ملهاة على حد تعبير (ماركس)، فإذا ما استشرفنا واقع الثورة في اليمن من خلال قراءة أبعادها الجيوسياسية نجد أن ثمة صفات لها قدر كبير من الأهمية، من حيث إشاعة الرغبة لدى أطراف مختلفة نحو التمدد الجغرافي وارتفاع درجة الصراع بغية تحقيق تلك الرغبة، كما يتبدى ذلك من أكثر من مكان. ففي محافظة صعدة ذات الإرث التاريخي العميق تتجلى إعادة التاريخ نفسه، إذ ندرك تماماً ما يعتمل فيها من تأسيس جيوسياسي له أبعاد ودلالات واسعة تثير حفيظة المجتمع بغالبية مكوناته، وإن بدت البغضاء أكثر عند بعض الجماعات الدينية ذات الصبغة التمددية المشابهة لتلك الحركة في فعلها وبرنامجها الاستراتيجي بعيد المدى، كجماعة الإخوان المسلمين التي تنظر بعين زرقاء اليمامة وتطمح إلى تأسيس جغرافية مغلقة ـ وإن كانت ضيقة الحدود ـ تتناغم مع توجهها العقدي والسياسي.
لقد أنتج ذلك الفعل المؤسس لجيوسياسية قادمة من صعدة ردة فعل عنيفة من قبل بعض الجماعات الدينية والتيارات السياسية ـ على الرغم من تناغم الرؤية في التخلص من النظام ـ مما أفضى إلى خفوت بريق الثورة والتوجس من مصداقية ولائها الوطني، بل وتحولت من مطلب شعبي جماهيري إلى مناكفات سياسية وعقدية تتولى كبرها تلك الجماعات الدينية. ولعل ما نسمعه أو نقرأه من تشنيع إعلامي ما هو إلا وجه واحد تختفي وراءه أوجه متشعبة ألمعها الوجه العسكري المحتدم حالياً في الجوف وصعدة وعمران وإمكانية تمدده في أية لحظة إلى العاصمة السياسية صنعاء، وكذا إشاعة مبدأ التحريض ومحاولة كل طرف إلغاء الآخر أو تشويهه أو التشكيك في نواياه، وتجاوز ذلك إلى فعل التكفير والدعوة إلى الجهاد المقدس.
لا يتأسس هذا التوصيف وفق رؤية نظرية المؤامرة، أو يستند إلى حاكمية مبدأ التشاؤم السائد اليوم، وإنما هو إفاضة لأحداث ومواقف تدركها فراسة القارئ العادي. أليس ما نشاهده من أحداث في صعدة اليوم يندرج في سياق تأسيس جغرافية سياسية ودينية ذات صبغة واحدة؟ وإلا كيف نفسر مضايقة من لا يؤمن بالفكر الغالب هناك، والمحاولات المستمرة لإغلاق هذه المحافظة في وجه أية جماعة دينية أخرى ونفي من يتواجد في داخلها إلى خارج حدود المحافظة كما يحدث في هذه اللحظة مع معهد دماج السلفي. أليس ما يحدث في الجوف وحجة وعمران من معارك شرسة بين تيارين دينيين يندرج في إطار التمدد الجغرافي ومحاولة التأسيس لجيوسياسية معاصرة، مع أن الواقع الآني وتفاصيله وملامحه يثبت استحالة العيش في اليمن وفق نمط معين أو رؤية محددة أو فكر واحد، وهذا ما يحتم قبول الآخر والتعايش معه وعدم التربص به أو إقصاءه أو تكفيره، وإتاحة الحرية والفرص على قدم المساواة في بناء المراكز العلمية والدينية وممارسة العبادات.
صحيح أن تصورات ذلك الواقع وطبيعته ينظر إليها من زاوية فكرة التسنن والتشيع المتجذرة في الوعي الجمعي للإنسان العربي المسلم، والتي تمتد إلى خارج الحدود كظاهرة تاريخية قابلة للحياة والديمومة بعنف شديد، إلا أن ثمة إمكانية للتعايش إذا توافرت النوايا الحسنة وتم القبول بالآخر.
إن إشكالية جيوسياسية الثورة في اليمن في إمكانها أن تتجاوز حيز مكاني بعينه إذا لم تضع الحرب والخلافات أوزارها بين مكونات المجتمع اليمني سواء كانت سياسية أم قبلية أم دينية، والتحديق اليوم إلى شمال الشمال سيتحول إلى أكثر من جغرافية في الجنوب والشرق، فهناك مناطق أخرى لها مقومات وأسس قابلة للتشكيل، وثمة إشارات توحي بشيء من هذا القبيل، فجماعة الإخوان تستميت في تعز من أجل إخلاء قوات صالح والتغلب عليها بغية الاستحواذ على الحيز الجغرافي للمدينة؛ لتحقيق مآرب سياسية قريبة أو بعيدة المدى. ومثله، وإن بأسلوب خفي وذكي يمكن استقراء ذلك في حضرموت، فمن الحضارمة من يطمح من زمن ليس بالقصير بقيام سلطنة حضرمية على غرار سلطنة عمان، أو دولة كإحدى دول الخليج العربي، وأستذكر هنا فعالية الاحتفاء ـ أقيمت بمدينة جدة بدعم من التجار الحضارمة في السعودية ـ بتريم عاصمة للثقافة الإسلامية 2010م، حيث بدت إشارات في الإمكان إدراك أبعادها ومراميها...
ومن هنا نؤكد على أن ما يسمى بالربيع العربي قد يتأثر بالجيوسياسية في أكثر من بلد عربي بطريقة سالبة، فثمة جغرافيات لها إمكانية التأثير السياسي السالب تجاه الداخل والخارج، فما قد يحدث في اليمن من تأسيس جيوسياسي جديد قد يمتد أثره إلى جغرافيات عربية أخرى في الجزيرة والخليج وسواها؛ ولذلك ينبغي البعد عن المواربة في الحديث، ولفت الانتباه إلى خطورة الوضع إن لم تسود الحكمة والعقل في معالجة قضايا الخلاف السياسية والعقدية، ولا أدري إن كانت لعنة التمزق "ومزقناهم كل ممزق" ستعاود الكرة من جديد.