أحزاب الألفية الثالثة
بقلم/ على الصراري
نشر منذ: 17 سنة و 9 أشهر و 8 أيام
الثلاثاء 20 فبراير-شباط 2007 07:52 ص

المؤتمر العام للتجمع اليمني للإصلاح صار قاب قوسين أو أدنى، وفي غضون أيام قلائل سيقيم الإصلاحيون عرسهم الوطني، مدشنين الإنطلاقة الجديدة لتجمعهم المجيد، وسط ابتهاج حلفائهم في اللقاء المشترك، وتعاظم الأمل الشعبي المعقود عليهم، كحملة لرسالة أكبر أحزاب المعارضة..

وبلا ريب، لن يصل الإصلاح إلى قاعة مؤتمره العام خالي الوفاض، فقادته وكوادره وأعضاؤه أعدوا عدتهم لمناسبة كهذه، بعد أن تموضعت اختياراتهم وتوجهاتهم بشكل محدد، تعطيهم الحق في أن يسجلوا اسم حزبهم على قائمة أحزاب الألفية الثالثة عن استحقاق كامل، نالوه بحضورهم القوي في الحياة السياسية اليمنية، وبالتحامهم بالقضايا الحيوية لشعبهم وبلادهم، وبجهد مكافحيه وبالكدح الذهني لقادته ومفكريه وكوادره..

ومثلما يفعل الإصلاحيون هذه الأيام، يحق لنا –نحن حلفاؤهم في اللقاء المشترك- أن نلتفت إلى التجربة الإصلاحية خلال عقد ونصف من الزمن، لنقرأ مصالحها، ونمحص تفاصيل مسارها، وفي هذا السياق تتبدى بوضوح صورة قوة سياسية واجتماعية مفعمة بالحيوية، تستلهم مخزون الخبرة التاريخية، لكنها صممت لنفسها وظيفة في المستقبل، ودوراً محترماً استعدت له على نحو جيد..

ولا يستطيع المهتم بقراءة تجربة التجمع اليمني للإصلاح أن يتجاهل الإخلاص الذي تحلى به الإصلاحيون، وهم يعملون بدون كلل لتطوير رؤاهم وتوجهاتهم، وإعادة تأهيل حزبهم لتلبية احتياجات محددة، تجعله قادراً على أن يكون معاصراً، وثيق الصلة بالمهام التي تطرحها عليه قضايا الحياة المتجددة، دون أن يدفعه ذلك بنسف تاريخه، أو إدارة الظهر لحقائق نشأته، فالحزب الجاد لا ينكر ولا يتنكر لماضيه، ولكنه يعيد النظر في القواعد التي انطلق منها بين حين وآخر، ويطور نهجه ورؤاه البرامجية باستمرار..

وفي جميع الأحوال لا يستطيع أي حزب أن يسجل اسمه في قائمة أحزاب الألفية الثالثة إذا أسلم نفسه للجمود، وتوقف عن مراجعة مواقفه وتجاربه، وأهمل تطوير رؤاه السياسية وتوجهاته البرنامجية، وفي هذا المضمار ظل التجمع اليمني للإصلاح حزباً قادراً على التجدد، نجح في أن ينأى بنفسه عن أن يكون مومياء محنطة توقفت بها الحياة عند لحظة معينة من الزمن، وتسمرت على جدارها، لتكون شاهداً على الماضي، وليس على مشهد عن مشاهد المستقبل..

وفي فترة التحضير للمؤتمر العام للإصلاح، ظلت صفوفه تمر بحوارات ومناقشات جادة، تتناول العديد من القضايا السياسية والاجتماعية الرئيسية التي تحتاج إلى تجديد وتطوير مواقفه ورؤاه بشأنها، وربما أن تجمع الإصلاح يتفرد بسمة لا ينافسه فيها أحد، وهي أنه يترك لجدل الأفكار داخله مساحات واسعة، تأخذه إلى أغوار سحيقة من الجدل العميق، ولكن دون أن يعلو الصخب وتتفشى الضوضاء الفارغة، مما يمكن الجدل من الحفاظ على مساره الهادئ، ويسمح للتأمل والتفكير من اختراق قشور القضايا والنفاذ إلى أعماقها، وفي الأوراق المقدمة إلى الندوة التي أقامتها الدائرة الإعلامية للإصلاح يوم الخميس الماضي في فندق تاج سبأ بصنعاء، كان واضحاً أن الملكات الفكرية لمثقفي الإصلاح لم تعد تعترف بوجود خطوط حمراء تحول دون تناول قضايا كبيرة ظلت مغيبة لزمن طويل عن البحث، مثل قضية المشاركة السياسية للمرأة، والتداول السلمي للسلطة والموقف من الإرهاب، وهي القضايا التي طالما أشهرها خصوم الإصلاح كموضوعات يستخلصون منها دعاوى وتهم يدمغونه بها، ويتخذون منها وسائل للإساءة له والتشهير به، والتحريض ضده..

ويحسب لمثقفي الإصلاح أن قواهم العقلية لا تخور أمام إغراءات الكسل الذهني، ولا يكتفون بمعالجات سطحية للقضايا المطروحة عليهم، بل يغوصون بمهارة في أعماق الفكر والتجارب الإنسانية، ويذهبون مع النص الديني إلى أقصى نقطة يستطيع الاجتهاد المستنير أن يذهب إليها لاستظهار المعاني المتجددة، والمقاصد النبيلة فيه، الأمر الذي يكشف عن مخزون المضامين التقدمية الهائلة التي لا حدود لها في الإسلام، وهو ما يعجز عن فعله السطحيون من الأدعياء والمتشدقين.

وإزاء القضايا الثلاث المشار إليها، التداول السلمي للسلطة، والمشاركة السياسية للمرأة، والموقف من الإرهاب قدم مثقفو الإصلاح معالجات ناجعة تنطلق من فهم عميق للنص القرآني، ومن تتبع متين للتجارب الإنسانية، وجعل مواقف حزبهم بشأن تلك القضايا واضحة ومنسجمة، وتعطيه عن جدارة حق تسجيل اسمه على قائمة أحزاب الألفية الثالثة..

غير أن هذه المواكبة الفكرية والسياسية لن تعجب خصوم الإصلاح، ولابد أن تسعى بهم معركتهم غير المقدسة ضد الإصلاح إلى الترويج –زوراً وبهتاناً- بأن هذه التطور الفكري والسياسي الذي يحرزه الإصلاح ليس إلا من قبيل الخداع والنفاق، وأنه ليس أكثر من موقف مؤقت أملته الضغوط والظروف الراهنة غير الملائمة..

والواقع أن خبرتنا بتجمع الإصلاح وبمثقفيه علمتنا أنهم ليسوا من النوع المخاتل، أو من أولئك الذين يلجأون إلى أساليب الخداع والمزايدة، أو ممن يضمرون مواقف أخرى مغايرة لما يقولون، وفي جميع الأحوال سيكون خصوم الإصلاح سعداء، إن هو فقد القدرة على التطور والتحرك إلى الأمام، وهذا ما سعى إليه أحد ممثلي الزبائنية السياسية عندما نصح الإصلاح في ندوة يوم الخميس الماضي بالتجمد عند مواقفه القديمة عندما كانت بعض دوائر الحكم تستمرئ أكل الثوم بفم الإصلاح..

أما الصحيح الذي يمكن قوله هنا، هو أن هذه المواقف تأخرت بعض الشيء، ولكن يقال إن الفارس الأصيل لا يمتطي جواده من أمام داره، بل يقوده راجلاً ليمر به أزقة القرية، ويتريث في مشيته ويتفقد أحزمة سرج الحصان ولجامه، ويمعن التفكير في ما إذا كان قد نسي شيئاً، وبعد هذا التمهل يقفز على صهوة حصانه وينطلق بكل سرعته لا يلوي على شيء..

وهذا تقريباً ما يفعله التجمع اليمني للإصلاح.. 

المصدر / ناس برس