الثورة..نحو لب الحضارة لا قشرتها
بقلم/ د. أحمد الدبعي
نشر منذ: 13 سنة و 4 أشهر
الإثنين 01 أغسطس-آب 2011 11:55 م

ينتابني شعور أن النظام بالإضافة إلى غبائه وإفلاسه في مواضيع الإدارة والاقتصاد فإن غباءه يمتد إلى الجغرافيا أيضاً..فلعله لا يدرك أن تعز وأبين وأرحب مناطق يمنية!!!..وإلا كيف نفسر هذا السلوك البربري السادي لعسكر صالح وبنيه في هذه المناطق..

بات جلياً أن النظام وبقاياه يراهنون على أثر غياب الخدمات الأساسية وزج الشعب برمته في مربع الحرمان والعقوبات الجماعية, وذلك للي يد الثوار ولتطبيق معادلة "من سيصرخ أولاً"..هنا تتجلى صورة النظام اللإنسانية..ففي الأنظمة الإنسانية يكفي خروج جزء يسير من الشعب لتغيير أنظمة واستبدال حكومات..لكن ما يحدث في اليمن وليبيا وسوريا يؤكد أننا أمام عصابات قطاع طرق وليس أمام أنظمة سياسية تحكم بعقود اجتماعية شرعية! القذافي يخاطب شعبه بعد كل هذه المآسي قائلاً "من أنتم"!!!. وصالح بحالته المأساوية يتوعد ولو من قبره "سنواجه التحدي بتحدي"; وبشار لم يعترف بعد بوجود معارضة في بلده رغم كل هذا الدم المسفوك!!..تُرى أي نوع من الدماء تجري في عروق هذه الكائنات الدموية الغريبة...

عندما تستمع إلى أبواق هذه الأنظمة وهم يجادلون دفاعاً عن أسيادهم فإنك حتماً ستتذكر قول شاعر وفيلسوف العرب أبي العلاء المعري.

"فمجادل وصل الجدال وقد درى ....أن الحقيقة فيه ليس كما زعم".

نعود للحالة اليمنية.. لو لم تقم ثورة ة في اليمن لوجب أن تقوم ..هذا ما خلص إليه كل منصف عاش في اليمن أو زار اليمن..لا أدري ماذا فعل صالح ليجد من يدافع عنه..هل تتصورون أننا في بلد أكبر من الأردن أو تونس غير النفطيين خمس مرات وأكثر ولا نمتلك طريقا سريعاَ بين محافظتين كما في تونس والأردن وحتى أوغندا.. يقطن أكثر من سبعة ملايين نسمة في تعز وإب دون مستشفى واحد للأمومة والطفولة!!! والحال نفسه في بقية المحافظات. 

الحكومة اليمنية تقدم للعالم مساهمات مبهرة منها للمثال لا للحصر أن اليمن أصبحت:

١- من أوائل الدول في عدد وفيات الأمهات والمواليد أثناء الولادة بسبب انعدام أساسيات الخدمات الصحية.

٢-من أوائل الدول بالإصابة بالأمراض كالملاريا وفيروس الكبد والسرطانات, نتيجة لانعدام الخدمات والرقابة الصحية.

٣-الأسوأ سجلاً في جداول البطالة وخلق فرص العمل ودخل الفرد.

٤-الأسوأ سجلاً في توفير الكهرباء والمياه والصرف الصحي.

٥-الأسوأ سجلاً في عمالة الأطفال وتسربهم من المدارس.

٦-الأسوأ سجلاً في جداول الأمية والتعليم, والأمن الغذائي.

٧-الأسوأ سجلاً في جداول الدول الفاشلة ذات الفساد المستشري في كل المرافق.

هذه هي المعجزات السبع التي يتباهى بها علي عبدالله صالح وأزلامه..إننا أمام نظام مفلس أفشل من الفشل نفسه!!

كنت وصديقي أبو عمر الفلسطيني نشاهد يحيى محمد عبدالله صالح وهو يحاول التباكي هو وجمعية كنعان على وضع الفلسطينيين!!! صديقي الفلسطيني كان قد زار صنعاء السنة الماضية وأكد لي أن الفلسطينيين أفضل منا حالاً بمراحل رغم أنه سكن في حدة في العاصمة!!. تُرى كيف سيكون انطباعه لو زار محافظاتنا الأخرى التي لم تغادر القرون الوسطى حتى الآن!!!.

نعود لموضوع الثورة في اليمن. نحن اليمنيون أدمنا لعقود الصراع فيما بيننا لتهميش وإقصاء بعضنا البعض.. بقيت المصلحة العليا للوطن في حسابات نفر قليل غالباً ما يكونون خارج السلطة, وإلا ما وصل حالنا إلى هذا الحد..الثورة ليست ضد شخص علي صالح ورفاقه بل يجب أن تكون ضد حقبة سيئة وطريقة حكم بالية لا يمكن أن تنهض باليمن وشعبه..كل شيء في اليمن يتضاءل ويضيق حتى أحلام الناس.. لا شيء يزداد وينمو إلا الفقر والسلاح والجهل والمرض والقات!!..اليمن بحاجة إلى قيادات إدارية فذة في كل المرافق.. 

كنت أتابع طريقة الرئيس صالح في الحكم..لا يمكن أن يمر شهر دون استعراض القوة العسكرية ..فإما الرئيس يخطب في كلية عسكرية أو في معسكر أو يستقبل قائد عسكري غربي أو يفتتح معسكر جديد ليسلمه لأحد أقاربه ليثري من بعده.. عسكرة في عسكرة وكأن اليمن في حرب باردة مع حلف الأطلسي !! ورغم كل هذا الإنفاق العسكري اكتشفنا أن الفندم وعسكره عاجزون عن حماية البلاد فقد أعلنوا السماء اليمني منطقة حرة على شاكلة ميناء عدن الحر الذي بيع بثمن بخس, تستخدمها أمريكا لتعقب من تريد بطائراتها دون حسيب أو رقيب!!. 

كنت أتمنى يوماً واحداً أسمع فيه عن انخراط هيكل ادارة الدولة بورش عمل يقودها الرئيس أو دورات عن إدارة الجودة, الإدارة واتخاذ القرارات الصحيحة, وغيرها من الدورات التي تتطلبها عملية التنمية..لكن هذا محال في بلد الصالح!!

نشاهد في حكومات صالح العجب العجاب ..شيخ يتولى وزارة الإدارة المحلية, ومقاول يتولى وزارة التخطيط, ونقل لوزير الأوقاف لوزارة الرياضة والشباب وقس على ذلك !! هذه هي العقلية التي يجب أن نثور عليها..لقد أوقعنا نظام علي صالح في خصام نكدٍ مع العصر والتنمية والإدارة السليمة لمواردنا. وكانت النتيجة كارثية في كافة الأصعدة فقد وصل دخل الفرد السنوي في اليمن إلى أرقام تشبه درجة الحرارة في ذمار في فصل الشتاء!!

هنا وجبت الثورة وإلا فنحن في طريقنا إلى الإنقراض, فوزن اليمني هو الأقل على ظهر المعمورة!!

أقول لثوارنا عليكم الصمود والتوافق فيما بينكم.. قدركم أن تثوروا ضد نظام لا يعرف الوطن إلا في خزانة البنك المركزي وآبار النفط والغاز.. وما تقومون به يجب أن يكون مقدمة لثورة حقيقية ضد واقع متخلف وليس لإستبدال أشخاص فحسب.

الإنسان اليمني محور التنمية الحقيقي..

اليمن ليس فقيراً بموارده وإمكانياته..فاليمن تعج بكل ما هو نفيس..هذا بالإضافة إلى الموقع الإستراتيجي الفريد والإرث الحضاري والسياحي العظيم..صدقوني هنا في أوروبا الناس يقدرون المخزون الحضاري اليمني وينتظرون اليمن الجديد الآمن ليزوروه فمناهجهم تعج بأنباء حضارتنا وتراثنا العظيم.

أصبح النظام الحالي عالة على الوطن, ماضيه, حاضره ومستقبله, فهل من خلاص.

رغم كل مقومات اليمن الواعدة التي ذكرتها سابقاً إلا أن أهم العوامل التي يجب أن نراهن عليها يكمن في الإنسان اليمني نفسه.

يتميز الإنسان اليمني عن أشقائه في الإقليم بحب العمل والمثابرة والنشاط ..هناك الكفاءات العالية في عدة مجالات.. بالإضافة للكفاءات في الداخل, اليمن تمتلك في الخارج جيش جرار من العلماء والأطباء والمهندسين, وكافة المهنيين العاملين في الدول الشقيقة وأوروبا وأمريكا وكندا وأستراليا..صدقوني دول الخليج مجتمعة لا تمتلك هذا العدد من الكوادر عالمية الجودة..نحن الآن في طور تكوين قاعدة بيانات لكل هؤلاء الذين يتلهفون لمساعدة بلدهم في استعادة دوره وإرثه الحضاري!!

هؤلاء لا يطمعون في مناصب حكومية ولا يحزنون..بل هم على استعداد لتقديم المشورة في تخصصاتهم وتدريب كوادرنا المحلية التي تتطلب ذلك. الحكومات السابقة لم تكترث حتى بإحصاء أعداد الكوادر اليمنية في الخارج .. بل عملت على التضييق على الكفاءات المحلية "وتطفيشها". تصوروا أن طيران الخمسة نجوم القطرية تعتمد والخطوط الأردنية على المهندسين اليمنيين الذين لم يستوعبهم عقل الكابتن القاضي!!. والحال نفسه في بقية المجالات.. لدينا في أوروبا وأمريكا وغيرهما علماء يمنيين يقودون جيوشاً من الباحثين الدوليين في المجالات التكنولوجية, هندسية وطبية وعلمية.

يؤسفني أن أقول أن السياسة وقضاياها في اليمن صارت تتعدى على كل مساحات وقضايا التنمية في الوطن..ما نتمناه على يمن بعد الثورة هو التركيز على بناء الإنسان اليمني..فقدرنا في اليمن أن نعتمد على ذواتنا في تكوين اقتصاد معرفي فعال يوظف إمكانية الإنسان اليمني بشكل صحيح وينأى باليمن عن التسول إقليمياً ودولياً على حساب كرامة الوطن وقراره الوطني.. هذا هو المسار الصحيح للثورة وإلا فسوف نبقى نعاني من القضية التي ذكرها الشاعر العربي الكبير نزار قباني: " خلاصة القضية تكمن في عبارة...لبسنا قشرة الحضارة والروح جاهلية""!!

دعونا نعاهد شهداءنا-رحمهم الله- هذه المرة بأن نلبس لب الحضارة لا قشرتها.

شهر مبارك للجميع وتقبل الله ثورة اليمن ونصرها.

*نائب رئيس مركز البحوث في الشبكات والأنظمة الموزعة, جامعة أدنبرة نابير-بريطانيا.