أبو الحسن المأربي: أنصح صالح بأن يقتدي بالحسن بن علي
بقلم/ مأرب برس
نشر منذ: 13 سنة و 6 أشهر و 14 يوماً
الثلاثاء 17 مايو 2011 07:15 م
 
 

قال الناطق الرسمي باسم الائتلاف السلفي اليمني، الشيخ أبو الحسن المأربي، إن على الرئيس صالح أن يقتدي بالحسن بن علي، رضي الله عنه، في التخلي عن الحكم إن انحصرت الخيارات بين البقاء في السلطة حتى نهاية فترته الدستورية وبين نشوب حرب أهلية، ودعا أبو الحسن "صالح" إلى الابتعاد عن نصائح المقربين التي قد تؤدي إلى إراقة المزيد من الدم اليمني، كما دعاه إلى الاستفادة من الخصم فيما أصاب فيه، فكم من خير يأتي من الأعداء، حد تعبير الشيخ أبي الحسن في هذا الحوار الذي أجرته معه صحيفة "الناس" في منزله بمحافظة مأرب، ويعيد "مأرب برس" نشره فيما يلي..

حواره: عبد الرزاق الجمل

* قبل أيام أعلن السلفيون في اليمن عن ائتلاف سلفي موحد.. لماذا الائتلاف؟

ـ الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد.. فلا شك أن الائتلاف والاجتماع والاتحاد أمرٌ قد أَمرَ الله سبحانه وتعالى به، ودلت عليه الكثير من الأدلة النقلية والعقلية والواقعية، والناس من حولنا على تباين رؤاهم يأتلفون، فكيف بالسلفيين ورؤاهم متقاربة؟ وإن وُجِـدَ خـلاف في قضية ما؛ فإن هذا لا يُـسَوِّغ اختلافهم وافتراقهم، فلابد من الائتلاف.

* لكن في المقابل كانت لديكم أدلة في السابق تدعو إلى المقاطعة والهجر لمن كنتم تسمونهم "الحزبيين" ضمن قانون "الولاء والبراء"؟

ـ نعم.. كانت هناك نظرة فيها شيء من القصور في كيفية التعامل مع المخالف في المسائل الخلافية والاجتهادية، وهذا القصور في فهم الخلاف، ومراتب مسائله، وفي كيفية تجاوز ذلك؛ أدى إلى تأخر هذا الائتلاف، لأن مسائل الخلاف التي بيننا وبين إخواننا ليست في أصول الدين ومقاصده، وليست في كليات الشريعة، وإنما هي خلافات أفهام في بعض المسائل، أو تضاد في مسائل دون الأصول مع البعض لا الجمهور،إلا أن الفهم القاصر لهذه المسائل وكيفية ترشيدها كان سببًا لتأخر فكرة هذا الائتلاف، مع أسباب أخرى من جهتنا ومن جهتهم.

* البعض يذهب إلى أن الغرض من الائتلاف هو الخروج بنظرة سلفية موحدة لما يجري في المنطقة من ثورات شعبية؟

ـ لا شك أن هذا غرض من جملة الأغراض، لأننا نأمل أن تكون للسلفيين رؤية، إن لم تكن موحدة فعلى الأقل أن تكون متقاربة، ليس فيما يجري فقط، وإنما في كل ما يحتاجون إليه، وفي كل ما يهمهم أن يقولوا فيه كلمة ما، وإن كان فعلاً لما يجري اليوم أثر في التعجيل بالائتلاف، كما أسلفنا.

* لكن تبايناتٍ كثيرة في المواقف مما يجري اليوم، ظهرت في الملتقى السلفي العام الثاني؟!

ـ أريد أن أبين مسألة مهمة، وهي: أن الخلاف في وجهات النظر حول بعض المسائل لا يعني التباين في الرؤى، فقد تتباين الرؤية في جزئية ما، لكن لا يعني هذا التباين في جميع الرؤى، أو في جزئيات أخرى أهم وأكثر، وأعتبر أن من نضوج الفهم عند أصحاب الدعوة السلفية أن تكون هناك وجهات نظر متنوعة في بعض القضايا المرتبطة بقاعدة "تزاحم المصالح والمفاسد" أو التي تكون في حيز الاجتهاد.. فالخلاف فيما يجري اليوم ليس خلافًا في أصل المسألة، فالمتفق عليه لدى الجميع أن لولي الأمر أحكامًا شرعية، منها: عدم الخروج عليه.. والسمع والطاعة له في المعروف.. والإنكار عليه – حسب نوع المنكر- بالطريقة الشرعية التي لا تثير الناس عليه بما يُفضي إلى الفوضى والتخريب أو إلى زيادة الشر، وأما في تطبيق ذلك على الواقع فقد يقع المرء في الخطأ الزلل، أي أن الخلاف قد يكون في التنـزيل وليس في التأصيل، وهذا أخف بكثير من الخلاف في التأصيل، الذي يُفضي إلى هوة سحيقة في التنـزيل، ومن ثَم يؤثر على وحدة الصفوف.

* هل لديكم برنامج عمل مستقبلي في إطار الائتلاف السلفي الموحد؟

ـ لا شك أن الدوافع التي دعت إلى هذا الائتلاف ستكون هي برامجه المستقبلية، فكلما ثقلت أعباء الدعوة وأحمالها، واتسعت دائرتها وأطرافها كان على القائمين عليها أن ينظروا في مواطن الضعف والقوة، لعلاج هذه المسائل، وقد اتسعت الدعوة كثيرًا، ولا بد من حماية إخواننا من أي فكر غالٍ أو جافٍ يغزوهم، ويُعَوَّل في ذلك على الائتلاف والعمل المؤسسي ما لا يُرْتَجى في العمل الفردي الارتجالي.

* بدا في الملتقى السلفي العام الثاني التحفظ على فكرة الحزب السياسي.. لماذا؟

ـ كما تعلم أن للسلفيين موقفًا قديمًا من العمل السياسي، وموقفهم من العمل السياسي كان ينبني على أدلة شرعية وعلى واقع يعيشونه، أما اليوم فقد تغيرت أشياء كثيرة في الواقع، ودخلتْ أطراف جديدة في المعادلة أو الخريطة السياسية، ولا شك في أن الفتيا تتغير بتغير الزمان والمكان والأحوال، كما هو مقرر عند أهل العلم، وهذا التغير في الواقع يؤثر على التغير في الفتيا والتعامل، لكن يبقى سؤال: ما هي هيئة هذا التغير، وما هي طبيعته، وما هي حدوده؟ وليس واردًا عندنا أو عند الجمهور منا على الأقل في الائتلاف عمل حزب سياسي، أو أن يكون لنا حزب من جملة الأحزاب السياسية في الساحة في مرحلتنا هذه وما شابهها، لأن كل ما يهمنا هو الدعوة إلى الله وتصحيح المفاهيم، والتربية على مكارم الأخلاق، والمنهج الصحيح، ومادمنا نمشي بمنهجنا هذا، ولم نضطر إلى غيره؛ فلسنا بحاجة إلى أن نثقل أنفسنا بما لا نستطيعه أو لا نحسنه حاليًّا.

* لكن من ناحية مبدئية.. كيف تنظرون إلى فكرة إنشاء حزب سياسي سلفي؟

ـ الأصل عندنا أننا لا نشتغل بالأحزاب السياسية، وننشغل بالناحية الدعوية التربوية وتصحيح مفاهيم الناس، وجمعهم على كلمة سواء، وأن تكون الدعوة صمام أمان للمجتمع، لكن قد يحول بيننا وبين ذلك – كنوع من المضايقات لمسيرتنا- ضرورة العمل من خلال حزب سياسي، وعند ذلك فلابد أن يكون لنا تفكير آخر، فقد يجعلنا الواقع الذي نعيشه نقترب من العمل السياسي بآلية ما أو بطريقة ما.. وباختصار أقول: إن جمهور السلفيين في الائتلاف لا يفكرون في إنشاء حزب سياسي في المرحلة الراهنة، لعدم وجود داع لذلك، ومع ذلك فليسوا معتزلين للمشاركة في بعض الجوانب السياسية حسب قاعدة تزاحم المصالح والمفاسد، وتختلف هذه المشاركة في حجمها ونوعها من مكان لآخر حسب القاعدة المذكورة.

* ليسوا جميعًا، فهناك من السلفيين من يرى الحزب السياسي ضرورة مُلِحَّة في هذه المرحلة؟

ـ لا أعرف أن فيمن شَكَّلوا الائتلاف من يدعو إلى حزب سياسي، لكن لو سلمنا بأن هذا موجود، فهو ليس قول جمهور العاملين، وكما قلت لك: إن عملنا السلفي قائم على منهج علمي، ولا وجود للتشديد أو التشنيع على المخالف ما دام الخلاف واقعًا في المسائل التي يسع فيها الخلاف بين المختلفين، وسيبقى هذا أو ذاك رأيًا لفلان أو لفلان، لكن لا يلزم الجميع أن يعملوا به.

* يقال بأن الثورات الشعبية أربكتكم فكريًّا.. هل هذا صحيح؟

ـ هذا ليس صحيحًا، فنحن نسير على منهج علمي مأخوذ من كتاب الله ومن سنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وعلى فهم السلف الصالح، وليس منهجًا مأخوذًا من صُنْع العلماء المعاصرين فضلاً عمن دون العلماء حتى يُقال إن هذه التغيرات أربكتنا، وقد شهدت المجتمعات الإسلامية على مدار التاريخ ثورات واضطرابات، وكان للعلماء في كل ذلك فتاوى قائمة على نظرة علمية، لكن إذا كانت أدلة الشيء غير وافية عند المفتي، ولم يطلع على حقيقة ما يجري، ولا يقف إلا على نتائج مصحوبة بتفسيرات متضادة من أطراف النـزاع، فلن يعرف طالب الحق الحقيقة في هذه الحالة، ولذا آثرنا السكوت والخمول عند التفصيلات الدقيقة، وإلا فالقواعد العامة لا يكاد يخلو كلامنا منها، ومن حاول الغوص في التفاصيل دون استيفاء لجميع المعلومات مع بُعده عن دوائر صُنع القرار؛ فهنا سيظهر الارتباك بين من أدخل أنفه في ذلك، أما من اكتفى بذكر القواعد العامة التي لا تقبل الزعزعة من الجميع حتى يكشف الله الغمة؛ فسيسْلم من هذا الارتباك إن شاء الله تعالى.

* لتوضيح السؤال.. لو تعاملنا مع ما يجري في الوطن العربي من منطلقات سلفية ستكون خروجًا على الحاكم.. فإما أن تقولوا بأنه خروج وتكونوا في مواجهة مع الشعوب، ومع قواعدكم الجماهيرية المناصرة للثورة، وإما أن تقولوا بأنه ليس خروجا وتكونوا في مواجهة مع مبادئكم المتعلقة بولي الأمر، وفي مواجهة مع ولي الأمر نفسه؟

ـ ولاة الأمور يختلفون من بلد لآخر، ولذا فتختلف أحكامهم، فمن ذلك اختلافهم في حربهم لمظاهر الدين وشعائره وشرائعه وأهله وعلمائه أو عدم حربهم، وكذا من وصل منهم في حربه للدين إلى حد الكفر الذي لا خلاف فيه، ومن هو دون ذلك، كما أن الثورات تختلف في مراحلها التي تمر بها، ففي مرحلة من المراحل قد تكون سلمية حقًّا، وهذا ما سمح به الدستور بين الحاكم والشعب، وإن كان لهذا تفصيل آخر من الناحية الشرعية ليس هذا موضعه، وفي مراحل أخرى قد تخرج عن ذلك بما لا يقره شرع ولا عُرف ولا دستور، ومن الثائرين من يكون قادرًا على إزالة المنكر وأهله، ومنهم من ليس كذلك، ومنهم من يرفع مطالب معقولة فيساعد على الإسراع في تجاوز المحنة، ومنهم غير ذلك، ولاشك أن الحكم من حيث التأصيل يختلف في هذه الحالات، ولا خلاف بين علماء السلفية من حيث التأصيل في هذه الحالات، ولا مواجهة بين علماء السلفية وعقلاء الشعوب أو جماهير السلفيين في التأصيل والتقعيد، لكن الخلل يحصل عندما يُطلب من العالم السلفي الحكم في كل الجزئيات التي لم يقف هو على المسبِّب الحقيقي لها، ولا هو جزء من المشكلة حتى يمكن أن يساعد في حلها، وليست معه عصا سحرية تُخْضع الطرفين أو أحدهما لما يراه، ومجرّد القرائن التي تقوّي قول هذا أو ذاك ليس كافيًا في الحكم، إنما هو شيء يُستدل به ولا يُقطع به في مقام الدماء وغيرها، لاسيما إذا اختلفت الروايات، ولسنا في مقام القضاء، ولذا آثرنا الإجمال لا الخوض في التفاصيل، فلا إيراد ولا اعتراض عند من يفقه في الدين، وأما من اتبع هواه فلا يرضيه إلا أن تكون نسخة أخرى منه حذو القُذَّة بالقُذَّة، وهذا ما عصم الله منه علماء الدعوة، والله المستعان.

* البعض من علماء السلفية حرموا المظاهرات، لكن آخرين فَنَّدوا حجج التحريم، وذهبوا إلى الجواز.. ما رأيكم أنتم في هذه القضية؟

ـ في المسألة تفصيل لا يتسع له المقام، ومع هذا التفصيل فلا أعتبر أكثر ما يجري الآن من المظاهرات السلمية، لأن الأمور وصلت إلى إراقة الدماء والاستفزازات والعناد والإصرار على الرأي، بل وصلت الأمور في بعض البلدان إلى خروج دبابات وأسلحة ثقيلة، ولو استُنْصِحْتُ في ذلك لقلت: إن هذا الحال الموجود في بعض البلدان يؤدي إلى فساد كبير، وإن انتهى إلى خير في بعض الحالات؛ فهو غير مضمون بأن ينفلت الزمام، وتدخل أطراف أخرى لا تبالي بالجميع، وإن لطف الله بالناس وسلموا من التهلكة؛ فلا يقاس على ذلك دائمًا، وليس بهذه الطريقة تُغير المنكرات، نعم لابد من إزالة المنكر، ولابد من إنكار الفساد، والسعي الشرعي في تعطيله أو تقليله، لكن لابد أيضًا من الابتعاد عن كل طريق يزيد المنكر رسوخًا وانتشارًا.

* إذا صارت الغلبة للشعب وليس للحاكم، فهل تنتقل الامتيازات السلفية التي يمنحونها للحاكم، إلى الشعب؟

ـ هذه ليست امتيازات سلفية، يضعها السلفيون بأهوائهم متى شاءوا لفلان دون فلان، بل هي أحكام شرعية، السلفيون يذكرونها من باب التبليغ عن الشرع الشريف، لا من اختراعهم وأهوائهم، وليس مع السلفيين مصلحة خاصة يُوزِّعون من أجلها الامتيازات لهذا أو لذاك، فإن الأمر دين، والمرء مسؤول عن كلامه: (ستُكْتبُ شهادتُهم ويُسألون) فإذا تولى على الناس حاكم جديد من هؤلاء الثائرين أو من غيرهم، سواء جاء بطريق التغلب والقوة، أو جاء بطريق الانتخابات، أو جاء بأية طريقة أخرى، وخضع الناس له، وأصبحت له الشوكة، فكل ما نقوله في ولي الأمر الأول نقوله في ولي الأمر الثاني، فليس بيننا وبين أحد عداوة أو صداقة شخصية، هذه أحكام شرعية، نتقرب إلى الله بتبليغها والدفاع عنها، ونحرص على مجتمعاتنا من مخالفتها والولوج في الفوضى، وقد ذكر الإمام أحمد والإمام النووي وغيرهما الإجماع على ذلك.

* النصوص التي تتحدث عن ولي أمر المسلمين "الخليفة" هل تنطبق على رؤساء وملوك الأقطار العربية والإسلامية، أم هي خاصة بإمام وخليفة المسلمين؟

ـ النصوص التي تتحدث عن الخليفة الأعظم يُعْمل بها مع كل خليفة في سلطانه وفي حدود دولته، جمعًا للكلمة، وتحصيلاً لما أمكن من الخير، ودرءًا لما أمكن من الشر، فلو نظرنا إلى واقع المسلمين سنجد أن تاريخ المسلمين فيه انقسام من أوائل التاريخ إلى اليوم، حتى في تاريخ الدولة العباسية، التي بدأت في القرون المفضلة، فقد كانت هناك دولة عباسية في الشرق وهناك ودولة أموية في الغرب، في الأندلس، ومع ذلك فقد أفتى العلماء بضرورة السمع والطاعة لكل أمير في سلطانه، وذلك من باب تخفيف الشر وتحقيق أكبر قدر من المصالح الشرعية ومقاصد الدين، لأننا لو قلنا للذي في المغرب: لا تطع وليك، وتعال إلى أمير المشرق؛ لأخلينا البلاد للأعداء، وحمَّلناهم ما لا يُطيقون، ولو قلنا له: تمرّد على وليك في المغرب، لأنك تابع للذي في المشرق، فإن ولي الشرق عاجز عن أن يضم الغرب إليه، فيحصل بذلك شر آخر فوق شر الانقسام الموجود، لهذا قال العلماء: كل سلطان في سلطانه تجري عليه أحكام الخليفة الأعظم، لكن لو أن خليفة من هؤلاء تناوش مع الخليفة الآخر لأغراض شخصية، وأراد أن يزج بالشعبين في حرب ضروس بينهما بدون ضرورة شرعية؛ فعند ذلك لا يُسمع لهما ولا يُطاع.

* بالعودة إلى قضية الثورات والخروج يقول السلفيون: إن الخروج كان مذهبًا لبعض السلف، ثم حَدَثَ الإجماع على ترك ذلك، وعللوا ذلك بأنه قد حصلت فتن من وراء الخروج، لكن أثبتت الثورات الآن في تونس ومصر العكس، وأن الخروج قد يأتي بنتائج إيجابية وليس سلبية؟

ـ نسأل الله عز وجل أن يُتم الخير الذي ظهرت بوادره في بعض المجالات على أهل مصر وتونس، وأن يقيهم شر الانتكاسة وأسبابها، وأن يلهمهم رشدهم فيحافظوا على ما تحقق لهم من مصالح، ويحذروا الغوائل والمبالغة في تحقيق الطموحات بأسرع وقت، وصحيح أن الخروج قد يأتي بنتائج إيجابية أحيانًا، لكن هذه الثمرة التي تأتي من ورائه هل هي ثمرة متيقنة، أو راجحة، أو مشكوك فيها، أو موهومة قبل الإفتاء بالخروج؟ هذه مراتب لابد من مراعاتها عند الفتيا الشرعية، لأن المفتي ينظر في مآل فتياه، واحتمال تحقيق المقصد الشرعي من خلال هذه المراتب: اليقين، أو غلبة الظن، أو الشك، وهو استواء كلا الطرفين، أو الأمر الموهوم وهو الخطأ، وهو الأمر الذي يترجح فيه جانب الترك، فنحن لا نستطيع أن نخاطر بمصير ومقدرات الشعوب، ونجعل أمن الشعوب ودماءهم حقل تجارب، فنجرب بثورة مثلاً، فإن نجحت وإلا فليس هناك مشكلة في عشرة آلاف أو عشرين ألف يُقتلون، ونجرِّب بثورة أخرى!! هذا غير صحيح، هذه ليست فتيا شرعية، ولا يقول بها عالم، نحن نقول لمن سلك هذا المسلك ثم لطف الله به وبالأمة: زادك الله حرصًا ولا تعد، أي لا يقاس عليك، أضرب لك مثالا: الحاكم المتغلب بسيفه وشوكته، هذا عند العلماء يُسْمَع له ويُطاع، بالرغم من أنهم يرونه في الجملة قد سلك مسلكًا غير صحيح في تغلبه بالشوكة وإراقة الدماء، أو ما يُسَمَّى الآن بالانقلابات العسكرية أو المسلحة، ففي كثير من الحالات لا يستقر الأمر إلا بعد هلاك الحرث والنسل، وفي بعضها تقع خسائر دون ذلك، ففرق بين أحكام البدايات والنهايات، ولا يلزم من قبول شيء في نهايته بعد وقوعه واستقرار الأمر عليه قبولُهُ في بدايته وبوسيلته تلك، ليستعمل مرة أخرى بالوسيلة نفسها.

* لماذا لا يكون العكس: إذا فشل الخروج لظروف ما لا يعني أن لا تتكرر التجربة، لأنها قد تنجح.

ـ نحن نحكم على الوسائل والغايات من خلال الأدلة الشرعية، والرصيد التاريخي للمسلمين، وقد جرَّب المسلمون آثار الخروج المسلَّح، فكانت العواقب وخيمة، ولسنا في مختبر كيميائي، فنقوم بعملية كيميائية فإن نجحت أقررناها مطلقًا، وجعلناها معادلة مستمرة، وإلا فلا، فنحن نتبع ولا نبتدع، ونقتدي ولا نبتدي، وعندنا نصوص تحكمنا، فلسنا بحاجة إلى نشر التجارب والمخاض العسير، وعندنا في كلام رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما يكفي، فلا اجتهاد مع نص، وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل، والمقام لا يتسع هنا للإجابة على كل شبهات المخالفين في ذلك، وقد ذكرتها في غير هذا الموضع، ثم لابد من مراعاة حرمة الدماء والأموال والأعراض، ولا يُقْدِم عالم على الفتيا في ذلك إلا بعد مراعاة أمور كثيرة، ليس فقط مجرد النجاح أحيانًا في بلد ما أو الفشل أحيانًا أخرى في بلد أخرى، فإن الثورات لا تُسْتَنْسخ، وما نجح في بلد فلا يلزم نجاحه دائمًا، فإن عوامل النجاح والفشل تختلف من بلد لآخر، ومن زمن لآخر، ومن رجل لآخر.

* لو طُلب منك فتوى في بداية الاحتجاجات بتونس ومصر، بم كنت ستفتي؟

ـ في بداية الأمر كانت الأمور غير واضحة، وكانت الصورة قاتمة جدًّا، لكن بعد أن ظهر أن النظام في هذين البلدين لا يتمتع بقبول شعبي، وأن أكثر الشعب ضده، بخلاف ما كان يُرَوّج، وأن التغيير شبه متيقَّن أو راجح؛ تغيرت النظرة، ومن ثم تغير الحكم، ونحن في هذا كله - منْعًا أو قبولاً- لا مصلحة لنا في الإبقاء على أحد لذاته، ولا يهمنا إلا الحفاظ على منهج أهل العلم في التلقي والاستدلال، والحرص على أمن واستقرار وسيادة البلاد الإسلامية، وفوق كل ذي علم عليم.

* هل بالإمكان أن يضلل الإعلام الفتوى؟

ـ لا شك، لأنك عندما تصدر فتيا إنما تصدرها باعتبار سابق المعلومات التي عندك عن الواقع الذي ستُنَـزَّل فيه الفتيا، وهذه المعلومات التي عندك تتشكل من مجموعة أشياء أو عدّة موارد، منها الإعلام، والإعلام ربما يكون العامل الأكبر في ذلك، ولذا فلابد في هذه القضايا من فتيا لجان ومجمعات علمية مشهود لها بالاتزان والنـزاهة، تتلاشى فيها مظاهر القصور الفردي في المعلومات الظاهرة والخفية، وتتلاقح فيها الأفكار، ويأتي أحدهم بما غفل عنه الآخر.

* كيف تُقَيِّمون أداء الجماعات السلفية في مصر، ومواقفها من الثورة المصرية، وتطبيق الشريعة، وهل لكم تَواصلٌ مع بعض الجماعات هناك؟

ـ ليس لي تواصل مع الإخوة القائمين على العمل الموجود الآن في مصر، لكن بصفة عامة أتابع أخبارهم، فهؤلاء الإخوة كان لهم موقف جيد في عمل اللجان الشعبية للحفاظ على أمان وأعراض ودماء وأموال السكان والمواطنين، و كان لهم دور أيضا في توجيه الشباب توجيهًا عاقلا، ثم بعد ذلك لما قامت الثورة في مصر أيضًا وضع بعضهم مع شبابها وقادتها بعض الترتيبات التي تدل على أنهم يتعاونون معهم في تجاوز ما يقابلهم من إشكاليات نتجت بعد الثورة، سواء كانت في أمور طائفية، أو في أشياء أمنية، أو غير ذلك، وهذا الواجب على أي داعية أو أي طالب علم أو رجل صالح في المجتمع: أن يكون صالحًا غيورًا على أمن وسلامة بلاده بقدر ما يستطيع.

* هل من نصيحة توجهها للرئيس علي عبدالله صالح ومعارضيه بخصوص ما يجري؟

ـ ألخِّص نصيحتي للأخ الرئيس في أمور:

1- أن يحرص على الاستفادة من خصمه فيما أصاب فيه، فإن الحق مقبول وإن جاء من الخصم، وكم من خير يأتي به الأعداء، وإن كان في ثوب لا ترتاح له النفوس، فليقبل الحق ممن كان، ويترك قصده ونيته لله عز وجل.

2- عدم الانجرار ما أمكن وراء أي ناصح ينصح بما يُفضي إلى المزيد من إراقة الدماء، وسلوك أي سبيل يحفظ لليمن وأهله أمنهم واستقرارهم، ويصون دماءهم وأنفسهم وأموالهم، فإن هذا واجب على الراعي، وكل ما أمكن من تفادي الصدام المسلح فإنه واجب شرعًا، وعليه أن يقنع المؤتمريين بهذا، وهو موضع ثقتهم وطاعتهم.

3- تقديم مصلحة اليمن العامة على كل مصلحة، وقبول أي رأي يحافظ على ما بقي من خير في اليمن.

4- إذا كان الأمر قد أصبح عنده بين خيارين لا ثالث لهما: تسليم السلطة قبل انتهاء المدة الدستورية بطريقة تضمن سلامة اليمن، أو الحرب الأهلية، فله أسوة في أفضل من تنازل عن حقه حقنًا للدماء المسلمة، ألا وهو الحسن بن علي رضي الله عنه وعن أبيه، فقد ترك ملكًا لا تغيب عنه الشمس عندما رأى أناسًا قد سَدُّوا الأفق في كل جانب، وسُمِّي بعام الجماعة، ومن ترك شيئًا لله أبدله الله خيرًا منه.

 وألخِّص نصيحتي للمعارضة بأمور:

1- الحذر من مظاهر التصعيد التي تخرج بالاعتصامات والمسيرات عن دائرة السلمية، فيحدث ما لا تُحمد عقباه ويَلقون ربهم بدماء وأنفس وأيتام وثكالى، وتخريب ودمار، ولابد من التعقُّل في اختيار أساليب التعبير عن الرأي، وعدم الإصرار على قول لا تجني منه الأمة إلا القتلى والمعوقين.

2- تقديم مصلحة اليمن العامة على كل مصلحة، وقبول أي رأي يحافظ على ما بقي من خير في اليمن وإن كان على حساب بعض طموحاتهم.

3- خفض سقف المطالب والتنازل عن بعضها بما يؤدي إلى سلامة اليمن، وخروجها من مأزق الحرب الأهلية، ومن أصرَّ على الشيء كله؛ ربما ضيَّع الشيء كله، والله أعلم.

4- لقد أوجد المعارضون مجالاً رحبًا لإصلاح كثير من صور الفساد، ويُشْكرون على ذلك، لكن يُخشى من الإصرار على الرأي، والحرص على ألا يقول الناس: رجعوا ولم يحققوا أعظم مطلب لهم، وهو تنحي الرئيس، فيستمروا في التصعيد الذي يُستغل للمزيد من إراقة الدماء، فتُذْهب رائحة الخراب والتدمير عبق المصلحة العظمى التي كانت الأمة ستسعد بها، فالله أسأل أن يشرح صدر الجميع لما فيه صلاح البلاد والعباد، وأن يكشف الغمة، ويفرِّج الكربة.