تكتيك جديدة أم مناورة سياسية حول انسحاب الوزراء
بقلم/ علي كاش
نشر منذ: 17 سنة و 7 أشهر و 14 يوماً
الثلاثاء 17 إبريل-نيسان 2007 04:55 م

مأرب برس - عمان - خاص

جاء أعلان الكتلة الصدرية بالانسحاب من حكومة المالكي يوم 16/4/2007 والذي اعلنه رئيس الكتلة الصدرية في البرلمان العراقي نصار الربيعي مفاجئا هذه المرة فقد أشاع التيار الصدري مراراً وتكراراً فكرة إنسحابه من الحكومة والبرلمان لعدة مرات ولأسباب متباينة في جوهرها، كان آخرها زيارة المالكي الى واشنطن والذي استحلفه الصدر " بدماء الشهيدين الصدريين بأن لا يذهب الى واشنطن ألا اذا اردت ان يمشي المؤمنون مطأطأي الرؤوس" ولكن دم الشهيدين لم يشفعا لصد المالكي عن الزيارة. ولكن هذه المرة حاول التيار الصدري بعد إختفاء رئيسه من المشهد السياسي العراقي وهروبة الى طهران لتلقي الظلال وراء الدوافع الحقيقية لأنسحاب التيار الصدري، فكما هو معلوم ان ألاسباب التي ساقها الطبيب البيطري نصار الربيعي من احدى الحضائر الصدرية لا تنطلي بهذه السهولة على المواطن العراقي والرأي العام من خلال العزف على التيار الوطني ومقارعة قوات الأحتلال ورفض وجودها في العراق، فكما يعلم الجميع ان التيار الصدري جزءا من الحكومة حيث يشارك بستة وزراء فيها كما ان له اكثر من (30) نائباً في البرلمان وسبق أن صرح مقتدى الصدر لأكثر من مرة بأنه لا يرغب بقتال الامريكان بل اعتبرهم في أحد تصريحاته بأنهم "ضيوف على العراق" وكذلك دعوته لأنصاره الى شن «حرب سلمية شعبية» ضد الاميركيين، رافضا إراقة «نقطة دم واحدة»، في مواجهة ما سماه تياره بالحملة المنظمة التي تقودها القوات الأميركية ضد عناصر جيش المهدي التابع له. وفي خطبة له في الكوفة حرم إراقة الدماء الامريكية لأن الامريكان ساعدوا العراقيين على التحرر من نظام صدام حسين؟ وفي تجمع ضم المئات من أنصاره حول منزله بمدينة النجف، ألقى بيانًا على أنصاره دعاهم فيه إلى توخي الحذر مما أسماه الانزلاق خلف مخطط الأمريكان وعدم المواجهة معهم عسكريًا. وحث الصدر أتباعه على صب اهتمام جيش المهدي على الاهتمام بمصلحة أتباع أهل البيت وحمايتهم ممن وصفهم بالنواصب التكفيريين والصداميين.لذا فأن الصدر يرى ان معركته الحقيقية ليست مع الأمريكان وانما مع النواصب والبعثيين والسلفيين؟ والحقيقة التي لا يمكن أنكارها ان الصدر وتياره لا يمتلكان اجندة وطنية كما اثبتت الوقائع فبدلاً من إتخاذ موقف وطني في التصدي لقوات التحالف تضامن مع الأئتلاف الشيعي الطائفي في العملية السياسية الكسيحة من خلال المشاركة في العمليات الأنتخابية وتبنى الدستور اليهودي المسخ الذي اعده اليهودي نوح فيلدمان وساعد في تمرير قانون الفدرالية في مجلس النواب؟ وكان من الأجدر به ان يوجه بنادق التيار الى قوات الأحتلال وليس الى صدور أبناء الطائفة السنية، أول على أقل تقدير جاهر بتأييد العمليات الجهادية ضد قوات الأحتلال .

لذا فأن إدعاء الربيعي بأن التيار أنسحب لرفض المالكي جدولة الأنسحاب معتبراً انه إستجاب لأرادة الأحتلال وليس إرادة العراقيين بعد خروج "التظاهرة المليونية"- التي ذكرها الربيعي في تصريحه وكذبتها التقارير الأمريكية التي أشارت بأن المراقبة الجوية فوق سماء النجف أظهرت بان عدد المتظاهرين لا يزيدون عن(15) ألفا؟ يعتبر لعبا خطرا تحت الحزام فهو على علم ان هذه الأرادة لا تمثل سوى إرادة التيار الصدري فقط وليس جميع الأحزاب الشيعية، فالمجلس الأعلى للثورة الأسلامية وحزب الفضيلة وحزب الدعوة وبقية الأحزاب المنضوية تحت خيمة الائتلاف ذا التوجه الأيراني يرفضون جدولة الأنسحاب، بل ان رئيس الحزب الأسلامي طارق الهاشمي أيضاً إستجدى الرئيس بوش خلال زيارته الأخيرة الى واشنطن لأبقاء قوات الأحتلال لحين تأمين تطوير القوات العراقية وهو امر يحتاج وفقاً لمعطيات الواقع الأمني الحالي الى ما لايقل عن قرن قادم من الزمان؟ وربما يفيدنا إستذكار تصريح العميد ( فريدون الطالباني ) مدير إدارة ميرة الفرقة الرابعة والمكلف برئاسة اللجنة التحقيقية بخصوص نزاهة الضباط في الجيش العراقي إن نسبة الفساد في الجيش العراقي بلغت 90%. إضافة الى توغل الميليشيات في الجيش والشرطة مما حدا برئيس مجلس النواب العراقي الى ان يذكر بصراحة بأن" حل الميليشيات يعني حلُ وزارتي الدفاع والداخلية". وفي الوقت الذي ادعى فيه التيار الصدري بأنه سوف لا يشارك في التظاهرة التي أعلنتها بعض الأحزاب السياسية الشيعية لأقالة محافظ البصرة محمد مصبح الوائلي( من حزب الفضيلة) لأتهامه بتنفيذ أجندة خارجية تبغي زرع الفتنة والفوضى في المحافظة وكونه احد أركان الفساد الاداري والمالي، مستجيباً لطلب المالكي ومجلس النواب الذي أعلن من خلال رئيسه محمود المشهداني بديمقراطية رائعة " الوقت الآن ليس وقت تظاهرات" مطالباً بتهدئة الأوضاع في هذه المرحلة الحاسمة، ولا سيما ان بعض التقارير تشير بأن المتظاهرين سوف لا يكتفوا بأقالة المحافظ وانما قتله مع أفراد عائلته؟ فقد تبين بعد خروج التظاهرة- والتي تزامنت في نفس اليوم الذي انسحب فيه الوزراء الصدريين من الحكومة- بأنها جاءت كما عبر قادتها إستجابة للتيار الصدري في مفارقة عجيبة؟ كما ان التكاتف بين التيار الصدري والمجلس الأعلى للثورة الأسلامية وهما المحرضان الرئيسيان على التظاهرة رغم ان قادتهما يصرحون عكس ذلك جاءة كرد فعل سريعة بسبب إنسحاب حزب الفضيلة من الأئتلاف الشيعي؟ والتي اعتبرها المحللون الشعرة التي قصمت ظهر الأئتلاف؟ لهذا حمل نائب حزب الفضيلة محمد المحمداوي " القوى السياسية والتيارات الدينية التي تشارك في هذا التمرد المسؤولية الكاملة في حدوث إقتتال جماهيري شعبي في البصرة" موضحاً بأن حزبه " لا يثق بوعود حكومة المالكي" مذكرراً بالهجوم الذي تعرض له مقر المحافظة قبل أسبوعين دون ان تحرك القوات العراقية ساكناً، وحذر بان حزبه في حال عدم تدخل الحكومة سيتولى مهمة الدفاع عن المحافظة؟ ويبدو ان حزب الفضيلة والتيار الصدري وهما ابرز واجهة للمافيات النفطية يدركان جيداً ان الموضوع لا يتعلق بمنصب المحافظ لأنه يمكن عبر موافقة ثلثي أعضاء مجلس المحافظة على إقالته ان يقصى من منصبه دون الحاجة الى تظاهرات قد تسفر عن مصادمات بين الأطراف المتنازعة دون ان يقدر احد ان نتائجها الوخيمة ولكنه نزاع على الثروات ليس إلا .

ويبدو ان التظاهرات في العراق الديمقراطي أمست تؤرق الحكومة العراقية وبرلمانها الهجين، فكما عبر المالكي والمشهداني عن إمتعاضهما من تظاهرة البصرة، فأن الرئيس الطالباني سبق أن أمتعض من التظاهرة المليونية في النجف والتي وضعته في موقف محرج لا يحسد عليه بعد ان عبر عن أمتنانه من سكون ميليشيا المهدي وتقليل أعتداءاتها على السنة، مستنتجاً بأن الميليشيا تتبع توجيهات الصدر في سبيل إنجاح الخطة الأمنية؟ ومصدر انزعاج الطالباني ان التظاهرة الصدرية طالبت بجدولة إنسحاب قوات الأحتلال، في حين ان حكومته قدمت طلباً الى الأمم المتحدة لتمديد فترة بقاء قوات الأحتلال في العراق؟ وهذا ما يناقض طرحه الذي وصف فيه يوم التاسع من نيسان بأنه " يوم تحرير العراق" . والآخر بسبب إحراق العلم الامريكي من قبل المتظاهرين والذي اعتبره الطالباني يتناقض وتوجهات الحكومة وتقاليد الشعب العراق، وهو أمر محير فعندما أنزل الأكراد العلم العراقي من المؤسسات في شمال العراق وقام البعض المسخ منهم باحراقة ودوسه بالأقدام، لم يثير الموقف شجون الرئيس العراقي وأسفه كما أثارها احراق العلم الأمريكي؟

  اما السبب الثاني الذي ساقه نصار الربيعي فيأتي ضمن سياق الحكمة المشهورة" اسمع كلامك أصدقك.. اشوف افعالك اتعجب" ففي الوقت الذي أصر التيار الصدري على تسلم الوزرات الخدمية بهدف النهوض بها من الواقع المزري الذي تتخبطج فيه وتقديم أفضل الخدمات للمواطنين؟ كانت هذه الخدمات بأعتراف نصار الربيعي نفسه سيئة جداً ؟ بل انها لم تكتفي بعدم تطويرها وانما انحدرت بها الى أسفل السافلين وقبل ان يحمل الربيعي المالكي المسئولية كان من الأولى به ان يحمل وزراء التيار نفسه المسئولية بأعتبار الوزارات الخدمية تخضع للتيار الصدري، واذا اردنا ان نكون اكثر وضوحاً ومكاشفة نسأل الربيعي أين وزير الصحة ونائبة؟ ولماذا هربا الى ايران بعد تورطهما باختلاس الملايين من الدولارات وتسريبها الى ميليشيا المهدي إضافة الى مسؤولية الصدريين المباشرة في التجارة بالأعضاء البشرية وقتل الراقدين في المستشفيات من الجرحى والمرضى من أبناء الطائفة السنية وهو الأمر الذي اشارت اليه هيئة علماء المسلمين ونبه له الدكتور عدنان سلمان اكثر من مرة. المدهش في الأمر ان الربيعي أعتبر إنسحاب الوزراء جاء لرفع المعاناة عن الشعب العراقي بسبب الأفتقار الى الخدمات؟ وهذا الأمر يدعو للتوقف فهل هو إعتراف من الربيعي بأنهم كانوا وراء هذا التدهور وأن إنسحابهم جاء لرفع هذه المعاناة؟ أم أنه الأمر يدخل في إطار السفسطة الصدرية التي تعودنا عنها؟ ثم لم يفسر لنا الربيعي كيف سيكون لأنسحاب الكتلة تاثيرا ايجابيا في تحسين الخدمات ؟ أما السبب الثالث الذي ساقه نصار الربيعي فلم يكن اقل غرابة من السببين السابقين، عندما علقه بتدهور الوضع الأمني؟ وهذا الأمر لا يدعو الى العجب وانما الضحك تيمناً بالمثل القائل" شر البلية ما يضحك" فالربيعي يعرف قبل غيره من يسوق العربة الأمنية في الطريق المعوج؟ وهذا ما أكدته وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) في احدث تقييم لها للظروف الامنية في العراق إن اعمال العنف وصلت الى اعلى مستوى لها، وان العنف الذي يمارسه المسلحون الشيعة، وخاصة «جيش المهدي»، الخطر الأكبر في بغداد. بل ان قائد العمليات الامريكية في العراق اعتبر جيش المهدي أشد أرهاباً من تنظيم القاعدة .

  وان من أهم أسباب التدهور الامني هو الميليشيات المسعورة التي تعيث الفساد في العراق ومنها ميليشيا المهدي التي كانت السبب الرئيسي وراء قتل الآلاف من العراقيين وتهجير اكثر من مليوني عراقي والهجوم على المناطق السنية بالهاونات وكذلك خطف العراقيين والمطالبة بالفدية إضافة الى تدمير اكثر من(200) مسجد وسرقة متلكاتها كلها- بأسثناء المصاحف- لأنها تهدى في العراق ولا تباع؟ كما ان العنف الطائفي الذي يجتاح العراق كان سببه احداث سامراء والتي يقف ورائها السوبر ستار مقتدى الصدر؟ و أن اعمال العنف الي جرت في منطقة تلعفر بداية الشهر الحالي كان ورائها ميليشيا المهدي ايضاَ؟ والحقيقة ان أهم منجزات التيار الصدري هو إشاعة العنف والقتل والأغتصاب والأغتيال والسرقة والفساد المالي والأداري في العراق؟وقد بدأ برنامجه الأنتقامي بعد ان نفض يده من قتال الأمريكان الى التفرغ لمواجهة العراقيين فأبتدأ بحروبه الشهيرة ضد صالونات الحلاقة النسائية والرجالية؟ ثم تفجير محلات بيع الخمور ومن ثم مكاتب تأجير أشرطة الفديو وصالونات العاب الأنترنيت والأتاري رغم ان السيد مقتدى معروف بشغفه بلعبة الأتاري ويطلق عليه البعض تسمية( سيد أتاري) وحاياً تنتشر الأشاعات في العراق بان ميليشيا المهدي ستتفرغ في حرب جديدة تشنها على أصحاب محلات الألبان والمخللات؟ وبأستثناء المعارك التي جرت عام 2003 بين قوات الأحتلال والتيار الصدري فأنه لم يقدم شيئاً يذكر في مجال الوفاء الوطني، اذا ما أخذنا بنظر الأعتبار ان تلك المعركتين كانت بسبب الأستحواذ على عوائد العتبات المقدسة والتي تقدر ب(6) مليار دينار عراقي والصراع على النفوذ الديني بين السيستاني والصدري، لذلك حرض السيستاني القوات الأمريكية على ملاحقة مقتدى الصدر وجيشه كما جاء في مذكرات بول بريمر،وكانت رحلته الأستجمامية الى لندن على طائرة امريكية هي الكارت الأخضر لمهاجمة الصدر وقواته ولم يكن السبب مقارعة قوات الأحتلال كما جاء في حينها. كما أن الربيعي حاول ان أن يبتعد عن الحقيقية التي أعترف بها الأمريكان بأن ميليشيا المهدي تمثل اكبر تهديد للأمن في العراق. وقد ذكر المحلل السياسي هارلينغ ان الأدارة الأمريكية تعتبر ميليشيا المهدي تقاتل بالوكالة عن ايران .

لذا فأن الأسباب الي صاغها الربيعي غير مقنعة البتة في تفسير انسحاب التيار من حقائبه الوزارية في حين أحتفظ بمقاعده في البرلمان؟ والتي فسرها المالكي بأنها حسنة سيؤجر عليها الصدريين حيث تتيح له المجال لأختيار وزراء جدد! فالمالكي صنيعتة الصدر وهو الذي اجلسه على كرسي السلطة لذا ليس من الأنصاف التمرد على التيار من خلال تنفيذه الخطة الأمنية وتفتيش بعض الأزقة في مدينة الصدر من قبل القوات الأمريكية والعراقية وهي معقل التيار الصدري إضافة الى إلقاء القبض على بعض قادة التيار، ويبدو ان الخدمة التي وفرها المالكي للقادة الصدريين الــ(24) ومنهم مقتدى الصدر نفسه وتهريبهم الى ايران لحين إنتهاء الخطة الأمنية الجديدة في محاولة لرد الجميل والعرفان لم تكن كافية حسب رأي التيار؟ مهما يكن من أمر فأن الصراع بين الأحزاب الشيعية في البصرة جاءت نتيجة للسيطرة على الموارد النفطية التي يتم تهريبها عبر ايران والتي بلغت اقيامها(4) مليار دولار؟

ولاشك ان الفضائح المستمرة للتيار الصدري وسقوطه تحت براثن قوات الأحتلال وهروب مقتدى الصدر الى ايران بطريقة مخزية تاركاً جيشه فريسة لقوات الأحتلال، وأثارة الهواجس بصدور مذكرة اعتقال بحقه على خلفية الأسرار التي كشفتها قوات الأحتلال والمتعلقة بالتمويل الذي تقدمه ايران لميليشيا المهدي، ووجود معسكرات تتولى تدريب عناصر ميليشيا المهدي ومنها معسكر (جليل أزد) وهو ما أكده المحلل الأستراتيجي بيتر هارلينغ معتبراً ان حكومة الملالي تغض النظر عن هذا الأمر ، والكشف بأن السيارات المفخخة والعبوات الناسفة مصدرها ايران إضافة الى أعتقال عدد من قادة الجيش خلال المداهمات التي تمت في مدينة الصدر واعترافهم بتورط المخابرات الأيرانية في تدريبهم وتمويلهم وتسليحهم، والصراع على الثورة النفطية في جنوب العراق بين المافيات الثلاث الفضيلة وميليشيا المهدي وفيلق بدر، إضافة الى فضائح الوزراء الصدريين الذين أثبتوا فشلهم الذريع في إدارة الوزارات الخدمية وتورطهم بعمليات الفساد المالي وقيامهم بتسريب الملايين من الدولارات من وزاراتهم الى ميليشيا المهدي، تقف جميعها وراء الأنسحاب وليست الأسباب التي أشار اليها الربيعي والتي أعطت إنطباعاً بأنها استراحة مقاتل بعد مواجهة عنيفة مع قوات الأحتلال .

كاتب ومفكر عراقي