آل البيت وخدعة المصطلح..!!
بقلم/ عبدالله الأمير
نشر منذ: 11 سنة و 5 أشهر و 7 أيام
السبت 22 يونيو-حزيران 2013 05:36 م
يتساءل أحد الناس قائلاً: هل غزا مفهوم "أبناء الله وأحباؤه، والجين المقدّس" الأمة الإسلامية أمة العدل والمساواة؟!، وهل تحول التفضيل والتمكين لأبنائها على أساس جيني وراثي ؟!!، ويتساءل آخر: إذا كانت العنصرية حقيقة في العقيدة الإسلامية فماذا أبقى النبي لرؤساء العشائر والعصابات والدعوات العرقية وغيرها؟، وما هو الفرق بين خيرية إبليس وعنصرية هتلر الجينية في هذا الصدد؟!!، وهل يعقل أن يقدس القرآن العمل الصالح ويجعل من التقوى أساس التكريم ثم ينقلب على كل ذلك، ويجعل من مبدأ القرابة الأساس في توريث الدين والسلطة؟!، ولماذا لم يذكر القرآن آل محمد أو ذريته أو فاطمة أو علي، وقد ذكر عم النبي ـ أبو لهب ـ وابنه بالتبني ـ زيد بن حارثة ـ، وذكر حتى النملة والعنكبوت؟!! 
كل هذه الأسئلة تضعنا أمام متسائل آخر يقول: ما قيمة ختم النبوة ونفي الأبوة لمحمد عليه الصلاة والسلام للرجال.. "مَاكَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ"، فكيف ستكون الحقيقة إذن في ظل ادعاء السلالية.!!..وقبل المحاولة عن إجابة هذه الأسئلة المشروعة، طبعاً لابد من تقرير حقيقة تغافل عنها أرباب المصطلح، وهي: أن الناس جميعهم كافرهم ومسلمهم برهم وفاجرهم أبناء أنبياء، فآدم أصل البشرية والجميع يرجع إليه نسباً، وهو أول نبي مرسل"...." فالانتساب إلى نبي ليست ميزة وإلا لشملت الناس جميعاً. وأما الانتساب لمحمد - عليه الصلاة والسلام - شرف بحكمه خاتم الأنبياء، فهذا لا يعد إلا مزيداً من الالتصاق الناقص لأن النبي ليس له بعد موته أولاد يحملون اسمه.. وفي حقيقة الامر فقد ترك النبي بعد وفاته بضع بنات ينسب أولادهن إلى آبائهم وليس إليهن "ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آَبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ.." ، ويستثنى عيسى عليه السلام لعدم وجود الأب فنسب إلى أمه مريم عليهما السلام، ومن هذه الحقيقة القاطعة فكل من ينسب نفسه إلى النبي فهو في حقيقة الأمر ينتسب إلى ابن عمه علي بن أبي طالب ـ هذا إن صحت النسبة ـ وإلا فهي نسبة مظنونة يشوبها الدجل والجدل..
ولي بعد هذا أن أقول لكل من سأل أسئلة مقدمة المقال: إن الإسلام دين العدل والمساواة فهو يرفض العنصرية كما يرفض الشرك والعبودية، وقد حرر الناس وساوى في الحقوق والواجبات بين الجميع، ولم يجعل من القرابة العرقية والسلالية ميزة ومرتبة، فقد نهى النبي الكريم الاستغفار للمشركين حتى ولو كانوا أصحاب قرابة "مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ"، وكما نهى الله تعالى نوحاً عن ابنه بقوله تعالى: "قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ.." لأن أهم ما يتمتع به الإنسان هو العمل الصالح وليس القرابة.
أما ما يتردد في الأوساط الشعبية وشبه العلمية حول قوله تعالى: "قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى" بأن المقصود أقرباء النبي.. والحقيقة التي تنبجس من حروف هذه الآية وكلماتها غير ذلك، إذ المعنى عموم القربى التي بينكم ـ وليس قرابتي كما يزعم بعض أحباب العجول المقدسة ـ وهي كقوله تعالى: "قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا"، وهذا من الاستثناء المنقطع، وهو وضوح ليس بعده إلا الغموض، إذ لو كان غير ذلك لكانت تهمة في حق النبي نفسه!!. وما قيل عن القرابة في هذه الآية ينسحب على معنى القرابة في آية الغنيمة، فالمقصود قربى المقاتلين.. وقد تحدث عن هذه الآية بشيء من التفصيل أخي الباحث عبدالله القيسي في بحثه "الآل من المنظور القرآني"
آل البيت الوهم المسكوت عنه:
أما الحديث عن آل البيت في القرآن فإنك لن تجد حتى الأطلال لتقف عليها، فهو مصطلح دخيل لم ينطق به القرآن ولا حتى الأحاديث الذي شابها الوضع، فهو بالفعل مصطلح دخيل والهدف منه صرف المصطلح القرآني المنغمس في سياق زوجات النبي "أهل بيته الطيني" ـ بنوعيه القبلي والبعدي ـ"وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا" ليسهل الخداع. وتذكير الأهل في سياق الآية الكريمة نوع من التعظيم نعرفه من القرآن ولغة العرب، فقد ذكر القرآن أهل بيت إبراهيم في سياق الحديث عن زوجته "قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ"، والحديث - ايضاً - عن زوجة موسى "إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا.." ، أما في لغة العرب فالأمر أوضح من أن نُدلل عليه.. فأهل البيت غير آل البيت إذ لا يصح الأول إلى البيت، ولذا لم يستخدم القرآن مطلقاً هذا المصطلح. وبهذه الخدعة حول أحباب الرموز ومخلفات الثقافة الفارسية أقرباء النبي أو أبناء ابن عمه إلى دين يلتف حوله الناس والمرمى من ذلك تشييد المملكة السلالية المقدسة التي لا تقبل الغروب، وتظل تحلب كرامة الناس وإنسانيتهم تحت دعوى الحق الإلهي!، ولا ندري إلى متى يسكت الناس عن مثل هذه الخرافة..!!
التشيّع السنّي
لا شك أن التراث السني مليء بالشيء ونقيضه، وكان - أيضاً - مذهباً مفتوحاً أمام الجميع مما سهل اختراقه واللعب بنواميسه بوضع كمٍّ من الروايات على لسان النبي نفسه يحتار فيه الحليم ويلفق لها الجمع والتوفيق كبار الفقهاء والمختصون، وقد شهد المحدثون مثل هذه الظاهرة ودونها، كما ذكر ذلك مسلم في مقدمته عن بعض الشيعة الذين اشتغلوا بالحديث مستترين ثم يتم فضحهم بعد ذلك، وقد نمثل لذلك بالصلاة الإبراهيمية، فلا يخفى على أحد أن القرآن أمرنا بالصلاة على النبي"، ولم يتعرض للصحابة أو ما يسمى "آل البيت"، وفي المقابل أمر النبي بالصلاة على المؤمنين، ويضاف إلى ذلك صلاة الله سبحانه والملائكة للمؤمنين، ومن هنا: لا مزية حتى يتم تخصيص الآل أو غيرهم مع النبي فالصلاة لها دلالات قد تنسحب على الجميع.. والعجيب أنك عندما تلاحظ روايات التشهد بمختلف صيغها التسع لا تجد فيها هذه الصلاة المخترعة، وقد تجدها في روايات منفصلة بعضها يؤكد على مشروعيتها في التشهد، وهي روايات ضعيفة السند عليلة المتن.. فإذا كان للآل هذا الحضور المفتعل في الرواية.. فلماذا تغيب في نصوص القرآن!!، مما يؤكد على غربة مثل هذه المصطلحات على الإسلام، وإنما تواطأ الناس عليها كونها دعاء، وكل قد يفسر الآل حسب مذهبه.
وموروث التشيّع السنّي نجده - أيضاً - حبلى بحب "آل البيت"، وأن حبهم دين وليس في ذلك مستند مخصوص غير عموم حب المؤمنين لبعضهم وموالاتهم مثلهم مثل غيرهم. والحق أن لا فرق بين علي وعمر إلا العمل الصالح وما أنجزوه على الواقع.. ولهذا المعيار سيكون عمر عندي أفضل من علي لأسباب عملية كونهم قد يشتركون في الصلاح الشخصي، أما على سبيل بناء الدولة فلعمر قصب السبق وروعة التجربة وتأسيس الدولة العادلة.. أما علي فلم تتهيأ له الظروف وتنازعته الفتن والحروب وقربه من الفشل أكثر، ولا علاقة للقرابة في هذا التقييم..!!
ونجد - أيضاً - كمًّا من الروايات المختلفة في هذا التراث المتلاطم ترفع من شأن علي وولديه على أساس مريب، وهي كلها صناعة الخصم في مزرعة العدو على لسان نبي آخر الزمان.. ولا ننسى دور التصوّف السني في تجذير خرافة الآل كون التصوف الابن غير الشرعي للتشيّع.
وفي الأخير:
 الناس اليوم يحلمون بدولة يتساوى فيها الجميع على أساس المواطنة وحق العيش المشترك في حضن الحرية والكرامة، ومَن يحاول مسّ هذا الحلم تحت دعوى دينية عنصرية أو غيرها فلا نقول له إلا: إن زمن العبودية قد ولّ
ى إلى الأبد، وأن خرافة الآل لم تعد لتنطلي على الأحرار..!!
.