ما يجهله اليمنيون والعرب ..لماذا لا يجب ترك شاحن الهاتف موصولاً بالمقبس الكهربائي بشكل دائم؟ من هو الأفضل في 2024 بحسب الأرقام؟ كريستيانو رونالدو أم ليونيل ميسي.. عاجل تحسن هائل في سعر الليرة السورية مقابل الدولار .. اسعار الصرف شاحن هاتف ينهي ويوجع حياة 7 أفراد من نفس العائلة في السعودية توافق دولي عربي على الوضع في سوريا جدل بشأن عودة السوريين اللاجئين في أوروبا إلى بلادهم بعد سقوط الأسد وزير الدفاع التركي يكشف عن عروض عسكرية مغرية قدمتها أنقرة للحكومة السورية الجديدة ماذا طلب الرئيس العليمي من واشنطن خلال اجتماع عقده مع مسئول كبير في مكافحة الإرهاب؟ قرارات واسعة لمجلس القضاء الأعلى القائد أحمد الشرع يتحدث عن ترشحه لرئاسة سوريا
.. ذكر لويس جاكوليوت في كتابه عن التشريعات الدينيّة عند مانو وصفاً غريباً لقبائل الشاندالا، وهي قبائل هندية كانت تقيم في البنغال الشرقية، فقال عنهم: "إنهم ثمار البغاء وزنى المحارم والانحراف. وفي اللباس عليهم أن يرتدوا أسمالاً بالية، وللآنية فقط يستعملون جفاناً مكسورة وللزينة حديداً قديماً، وللعبادة الدينية فقط الأرواح الخبيثة، ودون سلام عليهم أن يرتحلوا من مكان إلى مكان، وممنوع عليهم أن يكتبوا من اليسار إلى اليمين أو أن يستعملوا اليد اليُمنى للكتابة..". وبالطبع فإنّ أحداً سيبصق في وجه فردريك نيتشه حين ينقل مثل هذه النقول في حديثه عن الذين يريدون إصلاح البشريّة، وبطريقة تستعصي كثيراً على الفهم وتقترب من الميثولوجيا التاريخية إلى حد بالغ الإثارة. في حين يحسُن بنا، كيمنيين، أن نتسامح مع فهمنا قليلاً وأن نتناسى أن جدّنا القديم كان عبقريّاً، وأن نعود إلى الوراء، في التاريخ، قليلاً.. بالتحديد إلى منتصف الخمسينات لنقرأ في جزيرة واق الواق لمهندس الثورة الشهيد الزبيري.. فكل ما جاء في وصف هذه الجزيرة وساكنيها لا يبعد كثيراً عن الشاندالا التي يتحدّث عنها نيتشه ومعلّمه جاكوليوت، وبتجوّز يسمح لنا أن نتخلّص من الأوصاف المستفزّة للشعور العام والأخلاق الفاضلة لألين قلوب وأرق أفئدة! وبالمناسبة: إنّ عملية كوماندوزيّة، إن حدثت، تلم شعث كل التقارير الدولية التي تتحدث عن إخفاقات الدولة اليمنية منذ أواخر السبعينات وحتى اللحظة الراهِنة ستخرج بكتاب ضخم يجوز تسميته، إن كانت التسمية تؤثر في أحد: ما قبل واق الواق، وما بعد الشاندالا!
نحنُ شاندالا، بالوصف العام لهذه الطبقة الملغاة من جدول الإنسانيّة، لا يجوز لنا بأي حال من الأحوال أن نرفع رؤوسنا أو نتطلّع إلى عالم أكثر خضرة وجمالا. وكما لا يفوتني أن أقتبس كلمة لرئيس وزراء اليمن الأسبق وتحت قبّة البرلمان: "على الشعب اليمني أن يأكل البر الأحمر (نوع رديء من الدقيق) وكلمة لرئيس الجمهوريّة يصف الشعب اليمني فيها بأنّه مجموعة من الثعابين (بالوصف المجازي.."، وبالتالي فإن هذا المجتمع الشاندالا هو خليط من الثعابين والفقاريات الدنيا التي تأكل ما تعافه البشرية.. فأنا أيضاً لا يفوتني أن أدلل علي الشانداليّة اليمنيّة بالحرمان العام، ليس للكتابة من الشمال إلى اليمين كما في الشاندالا الأصلية، بل للكتابة إجمالاً وللصحة والتثقيف وكل فرص الحضارة الراهنة. فتقرير المعهد العالمي للمعلومات يذكر مؤخّراً أن نسبة الأوراق (الأبحاث) العلميّة التي سجّلها المعهد لليمن في السنوات الخمس الأخيرة تساوي صفراً، وهي الدولة العربية الوحيدة التي نالت هذا الشرف الشاندالي العظيم عن جدارة واستحقاق، لذا فلم يعلق المعهد على هذه النتيجة لأنها متوقّعة كما أنها أتت استكمالاً لاستحقاقات صفرية سابقة ومستمرة. طبعاً، لن تثير هذه التقارير إحساساً من أي نوع لدى أي قارئ، ناهيك عن السلطات. وسيكتفي كل من يمرون عليها بالقول: ما الجديد؟! وبعضهم بالحوقلة الإيمانية كاملة الخشوع. وطبيعي أن يكون هذا هو الرد الطبيعي بعد أن فرّغت السلطات في مجتمعنا حالة من خليط لثقافتين عارمتين: الهزيمة، والجوع. فثقافة الهزيمة تشطبُ إمكانات النجاح وتتعايش مع التحدي والأزمة بوصفهما مستويات حياتية مقبولة وشرعيّة. والسلطات في اليمن تعكف على تكريس هذه الثقافة من خلال الحديث عن الحال المعسور وقلّة الحيلة وضيق ذات الموارد. وهي مغالطات بشعة تعكس حالةً من الترهّل الذهني لدى الجالسين على العرش، الذين لا يملكون مشروعاً ولا شرعيّة ما، غير شرعية الباراشوت التاريخي. فماليزيا استطاعت أن تقترب من دول العالم الأول، ثم تأهّلت لأن تكون، خلال الـ15 سنة القادمة، الدولة التاسعة ضمن مجموعة الثماني الكبار، رغم قصر عمرها الحديث وانعدام الموارد في هذا المجتمع الزراعي الذي اعتاد أن يكون عالة علي جيرانه. وليس غريباً أن يطلق مهاتير محمد كتابه الشهير "المشكلة الماليزية" في عام 1969 محدداً فيه جوهر المشكلة الماليزية وخطوط نهضة الدولة والمجتمع، أن يفعل هذا قبل تولّيه الحكم بـ12 سنة. وهو بهذا يدمج بين الشرعية والمشروع، وبمثل هذا التآلف الحضاري تشكّلت الدولة الماليزية الحديثة.
أمّا ثقافة الجوع فلها اقتضاءات أشد عنفاً. ذلك أنّ المتعايشين في ظل هذه الثقافة يتقبّلون الجوع بوصفه حالة وجوديّة تقود في نهاية الأمر إلى التصالح العام مع كل أنواع الحرمانات الأخرى. فأكثر ما يثير الكائن البشري ويمسّه بعنف هو هاجس البقاء، أي: سؤال التنمية. وهي الإثارة التي يثبّطها الجوع المزمن وشيوع النقص العام في التغذية كثقافة. وفي ظل سيادة هذه الثقافة (لاحظ أنّي أتحدّث عن مآل نهائي للجوع، أي تحوّله إلى ثقافة، وليس عنه بوصفه حالة طارئة) فإنّ التحدّي الحضاري يفشل تماماً في إحداث أي تغيير على أعلى أو أدنى مستوى. كما أنّ استتباعات من الحرمانات الأخرى على كافة الصّعُد: المعرفية والصحّية والسياسية والاقتصاديّة، تلي سيادة ثقافة الجوع. وحين يتحدّث المصلحون الاجتماعيون عن تغيير نمط حياة المجتمعات الفقيرة إلى الأفضل، فإن أخطر ما يواجهونه هو تغيير طريقة تفكير هذه المجتمعات، كمقدمة لزيادة وعي هذه المجتمعات بجوهر المشكلة والنظر إليها من منطقة مختلفة. فهي مجتمعات بائسة بفعل الجوع ومتصالحة مع حالة البؤس هذه فلا يكاد الجوع يمثّل لها مشكلة ما، وإنّ عملية دعم واسعة بالغذاء والدواء ستدفع هذه المجتمعات إلى الترهّل وكثرة الإنجاب وهو ما يضرب البرامج الإنمائيّة في الصميم. حلّ كهذا حين يقتضي تغيير طريقة التفكير سيدعونا إلى التعامل الجدي مع الحالة من مستواها الأعلى. فنحنُ نعلم أن الجالسين على العرش هم، سابقاً، نتاج لهذه الثقافة (ثقافة الجوع) وآلياتها التفكيرية، وهو ما يجعل من الرهان على إحساسهم بجوهر الأزمة مشكلاً في حد ذاته وطوبويّاً. فالذين ولدوا ونشأوا في ظل شيوع نمط ما من أنماط التفكير والوعي من الصعب عليهم أن يتعاملوا مع كل الواقع المفرود أمامهم بوصفه مأزقاً، بل بوصفه وضعاً لا مهرب منه، وأن التعايش معه هو الطريق الأسلم لكسر حدّته. إنّ هذا هو ما يحدث تماماً وهو ما يجعل الجالسين على العرش يفزّون كالممسوسين إلى نيويورك وإلى مكاتب الجمعية العامّة للأمم المتّحدة في كل مكان حين تقرر الأخيرة رفع اسم اليمن من قائمة الدول الأكثر فقراً إلى الدول الفقيرة. لا يمكن لمن يعيش هذه الثقافة أن يشعر بالحرج أو بالخزي، فهو ينسب الأمر إلى السماء والأرض، وليس إلى طريقة تفكيره. فالسماء أذنت للأرض أن تأكل نفطها، فجاع الشعب! يبدو هذا المشهد سخيفاً ومستفزّاً، لكنّــــــه أقل استفزازاً من العودة المظفّرة لساداتنا وكبرائنا بالشاة والبعيـــــــر بعد طرق أبواب بيوت الدنيا كلّها، ويعدون ذلك انتصاراً مهمّاً يضاف إلى قائمة انقلاباتهم على كل قيم المنطق والأخلاق!
هناك حل آخر في الحالة اليمنية، وهو بالتأكيد غير الحل الذي افترضه مالتوس بدعوته إلى قتل غير المنتجين وإلا كان الفناء نصيب المجتمع المفروض. يقتضي هذا الحل ترك الأمر علي ما هو عليه، والرضا بالموجود، وتهييج المشاعر إلي الدار الآخرة. وبالرغم من أن هذا الحل غير فعّال في مجتمع شاندالا، وسيفشل هو الآخر أمام قاعدة اجتماعية خطيرة تقول: إنّه يكفي أن تنشر الجوع في مدينة لكي يتحوّل أهلها إلى مجرمين، إلا أنه هو الحال الساري حاليّاً، وحتى حين. فالنظام الراهن فاشل بكل معاني الفشل العام، وقد نجح في إخراج اليمن من دائرة التأثير العلمي والثقافي خارجيّاً وداخليّاً، ويكفي أن يلقي المرء نظرة على النتاجات الثقافية والمعرفية في اليمن أو على الصفحات الخاصة بالأدب والثقافة في الصحف الرسميّة وفي موازياتها الحزبيّة ليخرج بتصوّر أوّلي عن حجم مشكلة المعرفة في اليمن. أقول هذا وأنا أقرأ الآن نتائج جائزة الشارقة للإبداع العربي لهذا العام، وأمامي عدد مخزٍ من المشاركة اليمنيّة ولا نتيجة لصالح اليمن، كسابق عهد اليمن في حضورها الثقافي العربي. وهو ما أدّى بالطبع إلى تواصل مشروع الفشل الثقافي العام الداخلي والخارجي وتفشّيه. من حق العالم، والحال كذلك، ألاَّ يستغرب حين يعلم أن عدد الندوات الثقافية التي أقامتها صنعاء (عاصمة الثقافة العربية) على مدار عام كامل، لم تصل إلى نصف عدد الندوات التي أقامها معرض القاهرة للكتاب في ثلاثة أسابيع؛ والسبب في ذلك أننا شعب شاندالا محرّم علينا الكتابة من الشمال إلى اليمين وحتى من اليمين إلى الشمال!
مؤسف أن الجميع يتحدّث عن الفشل الاقتصادي ويسرد التقارير الدولية التي نشرت غسيل الدولة اليمنية في كل أزقّة العالم، ويتناسى فشلاً لا يقل خطورة، هو الفشل المعرفي والصحّي. فالشعب الجائع لا ينتج معرفة، والمعرفة لا تنمو في أجساد مريضة، والمريض والجائع والجاهل لا يمكن إلا أن يكون قاطع طريق. أيضاً: يثير الضحك والقرف معاً أن تقف جهات في أعلى أجهزة الدولة لتتحدّث عن تنمية ومشاريع نهضة، دون الالتفات لحقيقة أن المستهدف الأول من التنمية عنصرها الأول في آن واحد المجتمع، وأن هذا العنصر المنوط به الحراك التنموي وأن يجني هو ثمرة الناتج القومي العام هو عنصر غير فاعل لأنه ليس مؤهّلاً للدخول في استحقاقات التنمية من نشاط ومعرفة وخبرة وتجربة ومؤهلات علمية وثقافة منافسة إنتاجية.
لقد قصمت الدولة ظهره ثم هي تتحدّث عن تنمية لا تحققها إلا عصا موسى. والدولة بهذا الأسلوب السوقي تؤصّل لنكتة العبيد السعداء، وهي نكتة اقتصادية تفترض أن تقوم الدولة بعمل كل ما يخص التنمية (الصحية والعلمية والاقتصادية) بشكل منفرد بعيداً عن مشاركة المواطن، وأنّ على هذا المواطن أن يجني ثمارها معزّزاً مكرّماً. لا تنسى هذه النكات الاقتصادية أن تشير بذكائها الماكر إلى أن هذا النوع من التنمية يفترض أن يقوم به ملائكة منزلون!
إننا، اليمانيين، فعلاً، خارج الجاهزية الحضارية.. بكل استحقاق.