مكاسب إيران الكبيرة من مقتل سليماني؟
بقلم/ احمد منصور
نشر منذ: 4 سنوات و 11 شهراً و 12 يوماً
الأربعاء 08 يناير-كانون الثاني 2020 07:57 م
 

بعيداً عن التهديدات غير المسبوقة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية والتي تكاد تشكل العمود الفقري لتغطيات وسائل الأعلام العالمية فإن دهاليز السياسة تجري فيها ترتيبات أخرى، ومع إسهاب المحللين السياسيين في الحديث عن سيناريوهات ما بعد مقتل سليماني واحتمالات الحرب الجزئية أو الشاملة فإن من يعرف كيف يصنع القرار في إيران واختلاط ثقافة البازار مع السلطة الدينية والسياسية يدرك أن ما يهم الإيرانيين الآن هو كيفية استثمار هذه الحادثة لتحقيق أكبر قدر من المكاسب في أقصر مدة ممكنة مع استمرار سياسة التصعيد والتهديد والانتقام، ومن ثم فإن كل المخططات التي وضعتها إيران للتنفيذ خلال عقود وضعتها الآن على الطاولة لتنفذها خلال أشهر أو سنوات من خلال استخدام واستغلال هذا الحادث كمبرر لتحقيق أكبر قدر ممكن منها على كل الأصعدة.

فعلى الصعيد الداخلي كان الغضب من النظام بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية يتصاعد في أنحاء إيران وكانت التظاهرات الغاضبة من النظام الإيراني تعم كثيراً من المدن الإيرانية قبيل مقتل سليماني، وقمعها لا يعني أن غضب الشعب قد انتهى، لكن الطريقة التي تمت بها إدارة حادث مقتل سليماني داخلياً والحشود الهائلة التي شاركت في التشييع ستمكن النظام من إنهاء أي مظاهر للغضب أو الاحتجاج بل اعتبار الحشود دليلاً على بيعة جديدة للنظام، وما ينطبق على إيران ينطبق على كل من العراق ولبنان اللذين اندلعت التظاهرات في كل منهما وكانت تهتف بشكل واضح ضد إيران وتصف وجودها بالاحتلال وتنادي بخروجها، حيث نجح هذا الحادث في إنهائها بل إنه أتاح المجال لقمعها بعنف إن عاد أصحابها للشوراع مرة أخرى وهذا المكسب الأساسي الأول.

أما المكسب الثاني فعلى الصعيد الجيوستراتيجي نجحت إيران لأول مرة منذ قيام نظام الملالي في العام ١٩٧٩ في جمع حلف قوي يقف في صفها، على رأسه القوتان الرئيسيتان المناوئتان للولايات المتحدة الأمريكية روسيا والصين، حيث حملت كل منهما الولايات المتحدة المسؤولية عن التصعيد القائم في المنطقة وحذرتاها من إشعال فتيل الحرب وقامتا باتصالات مع القادة الأيرانيين كما قامت عشرات الحكومات بالاتصال بإيران بينها حكومات أوروبية حليفة للولايات المتحدة وطالب الجميع الولايات المتحدة بعدم التصعيد، وهذا مكسب سياسي تاريخي ما كان لإيران أن تحققه دون هذا الحادث فأبرزها كدولة ذات وزن كبير معتدى عليها وجعلها تحظى بتأييد دولي غير مسبوق.

المكسب الثالث هو أن العراق أصبح كله تحت النفوذ الإيراني بعد طلب الحكومة العراقية من القوى الأجنبية وعلى رأسها الأمريكية مغادرة البلاد، وقد أعلنت ألمانيا امتثالها للقرار ولم يعترض ترامب ولكنه طلب أن يكون الخروج الأمريكي بالتراضي وأن يحصل الأمريكان على ثمن القواعد التي بنوها في العراق، وهذا يعني أن الهيمنة الإيرانية لن تكون مطلقة على العراق وحده وإنما على الدول الأخرى التي تمددت إيران فيها وهي اليمن وسوريا ولبنان، وهي مكاسب ما كان لإيران أن تحققها بهذه السهولة.

المكسب الرابع هو أن إيران أصبحت جغرافياً تحيط بالجزيرة العربية ودول الخليج من ثلاث جهات، وهذا يعني أن عمقها الاستراتيجي عاد لأول مرة إلى الحدود التي كانت عليها الإمبراطورية الفارسية قبل ألف وخمسمائة عام.

المكسب الخامس هو خروج إيران من هيمنة الغرب فيما يتعلق بتخصيب اليورانيوم وإعلانها تعليق الاتفاق وحقها في تخصيب اليورانيوم دون سقف، متذرعة بحادث قتل سليماني.

المكسب السادس هو إعطاء الولايات المتحدة حق الرد لإيران على مقتل سليماني، وهذا ما تم تسريبه من الرسائل التي حملتها سويسرا لطهران جعل إيران تعظم في حجم خسارتها حتى تعظم كذلك في حجم حقها في الرد إن حصل.

المكسب السابع هو أن الهبة الدولية تجاه إيران جعلتها شاء جيرانها أم أبوا قوة إقليمية لا تهاب أحداً، لاسيما إذا نفذت ضربات متفقاً عليها مع أمريكا، وهذا يعني أن على جيران إيران أن يتعايشوا معها لأن القوة التي كانت تهددها وهي الولايات المتحدة قد أطلقت لها العنان في ذلك منذ عدم ردها على قصف منشآت أرامكو السعودية، لكن الأمر ترسخ بعد اغتيال سليماني.

المكسب الثامن هو أن إيران تعرف أنها تتعامل مع رئيس نرجسي متقلب المزاج لكنه تاجر في نفس الوقت تعود على إبرام الصفقات السريعة لكن ثقافة البازار والسلطة الدينية والسياسية التي لديهم عودتهم على تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب في أي صفقة، لذلك هم على قناعة أنهم سوف يجلسون معه على الطاولة في النهاية، وهذا ما أشار له ترامب في تغريداته حينما قال «إن الإيرانيين لم يكسبوا حرباً قط لكنهم لم يخسروا تفاوضاً قط «، وهذه كانت دعوة واضحة لهم بالتفاوض الذي قد يحدث بعد مناوشات أو انتقام محسوب ومتفق على مداه وسوف تحصل إيران بالتفاوض مع أمريكا على مكاسب مذهلة في ظل الانكفاء الأمريكي والتمدد الصيني الروسي في المنطقة، فقدرة الإيرانيين على التفاوض هائلة كما أن الأمريكان لديهم الاستعداد لمنحهم ما يريدون مقابل المصالح، كما أن استناد إيران إلى العلاقات القوية مع الصين وروسيا سيجعل موقفها قوياً في التفاوض مع أمريكا حينئذ ستتغير خرائط المنطقة الجيوسياسية ومن يريد أن يعرف إلى أين ترمي إيران وماذا تريد أن تحقق من مكاسب في نهاية المطاف فعليه أن يعود إلى خرائط الإمبراطورية الفارسية قبل 1500 عام، ليعرف أهداف إيران البعيدة التي أصبحت قريبة بعد مقتل سليماني.