جدل بشأن عودة السوريين اللاجئين في أوروبا إلى بلادهم بعد سقوط الأسد وزير الدفاع التركي يكشف عن عروض عسكرية مغرية قدمتها أنقرة للحكومة السورية الجديدة ماذا طلب الرئيس العليمي من واشنطن خلال اجتماع عقده مع مسئول كبير في مكافحة الإرهاب؟ عاجل: قرارات واسعة لمجلس القضاء الأعلى القائد أحمد الشرع يتحدث عن ترشحه لرئاسة سوريا أميركا تطلب من عُمان طرد الحوثيين من أراضيها مؤشرات على اقتراب ساعة الخلاص واسقاط الإنقلاب في اليمن.. القوات المسلحة تعلن الجاهزية وحديث عن دعم لتحرير الحديدة تعرف على ترتيب رونالدو في قائمة أفضل 100 لاعب في العالم قرار مفاجئ يفتح أبواب التحدي في كأس الخليج تقارير حقوقية تكشف عن انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية
مأرب برس ـ خاص
"صعطة" و"صعدة" قراءتان قبل الحرب وبعد الحرب ، هي "صعدة" وينطق بعض اليمانيين الدال طاءاً ، فيقول "صعطه" ، بإدغام الدال في الطاء إدغاماً غير متجانس ، كعدم تجانس بعض فئات الحوثيين من هذه المحافظة مع النظام اليمني منذ قديم الزمن ، وإلى يومنا .
وبلا ريب ولا شك أنّ مجموع العلماء يمثلون سلطة لا يستهان بها في البلد ، لأنهم يؤخذ عنهم الحلال والحرام ، ولأنّ لهم دورهم التاريخي الكبير في الأمة ، فهم يؤلفون المفترق ، ويجمعون الشتات ، والعلماء – في الجملة- هم الطائفة الوحيدة التي هي محل رضى وقبول واحترام كل شرائح المجتمع وفئاته ، عبر تاريخنا الإسلامي عموماً ، واليمني خصوصاً .
بيد أن فشل العلماء في احتواء أو معالجة فتنة صعدة ، ي
ضعنا أمام تساؤلات تاريخية ، وشرعية وسياسية كبيرة ، عن أسباب ومسببات هذا الفشل ، ومن المسئول عن إضعاف دور العلماء في الأمة ؟ ، وعن تسليم راية القيادة الفكرية إلى غيرهم؟
نشير في هذا المقام إلى بعض النقاط فيما يأتي:
1) في تقديري أسهمت السلطة السياسية بشكل كبير في ضعضعة وإضعاف دور العلماء ، وتهميش أدائهم ورسالتهم ، على كل الصعد الإعلامية والفكرية والتعليمية والتربوية ، وأزيح بعضهم حتى عن إمامة بعض المساجد ، وإقامة الدروس العلمية والفقهية والمحاضرات العامة ، في بعض المناطق ، بشكل أو بآخر ، ليس فقط العلماء الذين لديهم انتماءات حزبية ، بل حتى العلماء الذين في وسط المؤتمر الشعبي العام الحاكم ، فالحقيقة ترقى لأن تكون ظاهرة عامة تمارسها السلطة منذ أكثر من ثلاثين عاماً ، ولنتساءل عن عدد من العلماء الأفذاذ الذين تزخر بهم الساحة اليمنية من أمثال العلامة محمد بن إسماعيل العمراني ، وتلميذه العلامة الشيخ الدكتور/ عبد الوهاب بن لطف الديلمي ، والعلامة عبد الملك الوزير ، والعلامة عبد الله الحميدي ، والعلامة هلال عباس الكبودي ، والعلامة محمد بن علي عجلان ، والعلامة المحدث والفقيه عبد الله الحاشدي ، والعلامة ياسين عبد العزيز القباطي ، وأعداد كبيرة جداً ممن تزخر بهم ساحة البلد ، لقد بلغوا جميعا سن التقاعد دون أن تستفيد البلد من علومهم الشرعية وخبراتهم ، وكان يفترض أن نجد لهم دورهم في سلك القضاء والتربية والجامعات ، والمحاكم الشرعية ، ووسائل الإعلام والتوجيه المختلفة ، وينالون حقهم الواجب من التوقير والتبجيل ، على اعتبار أن العلماء ورثة الأنبياء ، لولا أن السلطة لا تعرفهم ، إلا في أوقات الشدائد والمحن والفتن التي تصنعها هي بيدها ، ثم حين تتقطع بها السبل في المعالجة ، تلجأ إلى هؤلاء العلماء مستنجدة مستغيثة لإنقاذها من محنتها وأزمتها ، بفتوى تمثل لها الغطاء الديني والشرعي ، لكن بعد ماذا؟! .
لقد رأينا السلطة دوماً تدير ظهر المجن للعلماء إلا اللهم في أوقات الحاجة إليهم ، ثم ليتها تنقل رؤيتهم بمصداقية وشفافية وبصورة كاملة وعادلة ، بل تنقل جزءاً من رأيهم بما يتوافق مع رأي الحاكم وهواه الفاسد ، في السيطرة والديكتاتورية والاستبداد ، كما وقع في الاستفتاء على الدستور إبان التوقيع على الوحدة المباركة ، أو حرب الانفصال أو الجرعات السعرية أو الانتخابات أو حرب صعدة ، أو غيرها من الكوارث والملمات التي تصنعها السلطة ، ثم تلقي بها على ظهور العلماء .
لقد كان الأئمة في عهد الإمام أحمد ويحي مع ما لديهم من ظلم وجور لا ينكره أحد ، إلا أنهم ولّوا العلماء كثيراً من ميادين الحياة كالقضاء والتعليم والتربية والإستشارات والدوواين ، ومما يحكى عن الإمام العلامة محمد بن علي الشوكاني العالم الذي ذاع صيته في المشارق والمغارب أن الإمام جاء يطلب من الشوكاني تولي القضاء ، فأبى ، ثم أبى ، وبعد أن ألحّ عليه الإمام ، قال له الشوكاني ، يا أمير المؤمنين بشرط ، قال وما هو؟ قال أن تمكني من القضاء حتى على من فوق هذا الكرسي ، قال لك ذلك ، فحينها تولى الشوكاني منصب القضاء والحكم وفصل الخصومات .
إننا نريد العالم الذي يحمل شجاعة وتقى وورع الإمام الشوكاني ، الذي لا يحابي في الشرع أحداً ، حاكما كان أو محكوما ً، ونريد الحاكم العادل الذي يولي القضاء هذا النوع من العلماء ، الذين يحرصون على تحقيق العدالة والمساواة ، بين كل أفراد المجتمع ،صغيرهم وكبيرهم ، ليعم الأمن والسلام ، أما أن يعيّن الحاكم من يغض الطرف عن مشكلاته ومآسيه وظلمه واستبداده ، ولعقود من الزمن ، وهو هو رئيس المحكمة العليا ، إلى أن يعزله عزرائيل من منصبه ، فهذا هو عين الظلم والجور الذي ما بعده ظلم ولا جور .
2) من أسباب فشل العلماء في وساطة حرب صعدة ، أنّ العلماء الذين تم اختيارهم ليسوا علماء محايدين بل هم أطراف في المشكلة ، وتحركوا من صنعاء وفق إملاءات محددة من طرف السلطة ، لا وفق إراداتهم وقناعاتهم الذاتية ، نعم نقرّ أنهم أهل علم وتجرد إن شاء الله ، لكن هكذا يقول الخصم ، ولعلّ هذه الوساطة ليس الغرض منها الصلح والمصالحة ، بل ربما الغرض منها إضفاء الشرعية للعمليات الإسئصالية والحسم السريع.
3) ثمة عناداً قويا من طرف الحوثيين واستعصاءاً واستقواءاً فرضته المعركة الشرسة التي يخوضونها من فترة ليست بالقصيرة ، ولعل المصالحة هذه هكذا دونما تحقيق مكاسب تذكر، فيها إهدار لجهود لهم وتضحيات كبيرة ، كما يرون ، فالمسافات كما يراها الحوثيون مسافات ضوئية بين التضحيات والمكتسبات التي تحملها لجنة المصالحة .
4) كما أنّ الحوثيين في تقديري السبب الغالب في فتنتهم وتمردهم وخروجهم على ولي الأمر ، ليس له دوافع عقدية كبيرة وإن كان هو أحد العوامل ، غير أن العامل الأكبر في الفتنة هو الظلم اللاحق بهم من عقود مضت ، واستبعاد منطقتهم عن كل مشاريع التنمية والخدمات ، فوجد الحوثيون في عقائدهم الفاسدة ملاذاً يلوذون به لمقاومة السلطة الجائرة ، التي حرمتهم من التعليم الذي يريدون والمشاريع الخدمية التي طال انتظارهم لها طويلاً ، وبالتالي فالواجب أن تكون المعالجة ذات شقين ، الأول تنموي ، والآخر عقائدي وفكري ، فيما لجنة المصالحة لم تحمل فيما يبدوا في جعبتها شيئاً كبيراً من هذا ، أو ذاك ، وإن كانت السلطة شعرت بهذا التقصير مؤخراً ، لكن بعد فوات الأوان ، ويبقى الجزء الآخر من المعالجة وهو الجانب الفكري والعقائدي ، فبناء جامعة لهم مثلا فيه حيف كبير ، وإن كان حتى لحظة كتابة هذه الدراسة لم يتأكد لي موافقة أو عدم موافقة الجانب الحكومي على هذا المطلب ، لكن محافظة كمحافظة الحديدة أو إب والتي يقطنها أكثر من مليون نسمه ، ليس فيها سوى جامعة أو قل كليات صغيرة ومتواضعة جدا ، كذا بعض المديريات الكبيرة التي يقطنها مئات الآلاف لعله من الخيال العلمي أن تطالب بكلية ، فضلاً عن جامعة ، وبالتالي فبناء كلية للحوثيين أو جامعة كما يطلبون فيه تجريء وتحريض معنوي لباقي المحافظات ، لتتحول إلى حوثيات ، ويُخشى أن يعتنق اليمانيون جميعاً المذهب الحوثي ، ليس حباً فيه بل لتحقيق مكاسب إنمائية في محافظاتهم ومديرياتهم ، إن استجيب لمطالب الحوثيين .
وقل هذا في بعض مطالب الحوثيين الأخرى ، وبالتالي فهي أزمة كبيرة جدا تقف أمام المصالحة ، الأمر الذي عجزت معه لجنة المصالحة من تحقيق هدفها ، والسبب هو أزمة النظام الذي لا يفرض فقط ظلماً على محافظة صعدة بل على كل المحافظات اليمنية ، بحرمانها من أبسط الحياة العصرية ، وبدهيات القرن الحادي والعشرين ، ولست أرى إشكالاً في بناء كلية للحوثيين أو غيرهم ، إذا كان هذا هو النسق العام وفق تخطيط الدولة ، ومعيارية عدد السكان ، لكن أن يُخَص هؤلاء المتمردون بمزايا اقتصادية أو تعليمية أو سياسية أكثر من باقي محافظات البلد ، لا شك أنه كارثة كبرى على النظام والقانون والدستور الذي ينص على أن المواطنين جميعا متساوون في الحقوق والواجبات .
5) لعل أيضاً من الأسباب ، أن لجنة المصالحة لم تأخذ وقتها الكافي لإنجاز هذه المهمة ، وبإشراف أطراف محايدة ، فالحرب لم تتوقف إلا نحوا من ساعتين ، أو تزيد قليلا ، كما تذكر بعض المصادر .
6) لا يختلف اثنان أن من أسباب رفض المصالحة أيضاً ما يحمله الحوثيون من عقائد فاسدة ، منافية لمبدأ التسليم لأمر الله ورسوله ، فحالهم كما أخبر الله عن أمثالهم إذ قال عز وجل: {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ ، وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ } النور48، 49 . ولو سلّم الحوثيون لأمر الله ورسوله لكان خيرا لهم وأشد تسليماً ، فيما يظهر .
يبقى أخيرا القول بأن المصالحة والحوار كما قال فخامة الأخ الرئيس هي الحل الأوحد لأي خلاف أو صراع ، لكن يبدوا أن هذه النتيجة لن يصل إليها الطرفان إلا بعد تضحيات جسيمة ، وإمكانيات ضخمة وهائلة ، واستنفاد لما بقي من رمق في هذا البلد المنكوب ، في ظل محرقة الحرب والأسعار ، وفي ظل غياب دور العلماء والحكماء ، وغياب أنظمة العدالة والحرية والمواطنة المتساوية ، وعدالة توزيع الثروة والمال بوجه أخص .
والله تعالى من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل ،،،