خصخصة الأمن فى العالم
بقلم/ احمد منصور
نشر منذ: 17 سنة و أسبوع و 6 أيام
السبت 01 ديسمبر-كانون الأول 2007 02:24 م

أصبحت الأجراءات الأمنية المعقدة فى كثير من مطارات أوروبا تشعر المسافر وكأن هجوما إرهابيا أو حربا قادمة علي المطار والمسافرين علي وشك الحدوث ، كما أن إجراءات التفتيش المعقدة في بعض المطارات أصبحت تشعر المسافر وكأنه متهم حتي يثبت أنه لا يحمل حتى زجاجة عطر أو مزيلا لرائحة العرق في حقيبته ، فكل هذه أصبحت من الممنوعات التى يحملها المسافر معه لكن يمكنه أن يشتري ما يشاء منها من السوق الحرة داخل المطار ، ويوما بعد يوم تتسع دائرة الممنوعات التى يجب علي المسافر ألا يحملها فى حقيبة يده ، حتى أني رأيت كثيرا من المسافرين يدخلون إلي قاعات السفر وأيديهم خاوية من كل شيء تجنبا لعمليات التفتيش المعقدة ، ففي مطار لندن علي سبيل المثال بعد أن يتم تجريد المسافر قبل دخوله قاعة التفتيش من كل السوائل التى في حقيبته ينتظر فى طابور طويل دوره فى التفتيش الألكتروني و الذاتي ..

، وإذا كان معه جهاز حاسوب محمول عليه أن يخرجه ويضعه فى صندوق منفصل ثم يخلع كل شيء معدني سواء كان ساعة أو حزاما أو خواتم أو غيرها فيضعها فى صندوق آخر ثم يضع معطفه فى صندوق ثالث ، وفي كثير من الأحيان إذا كان جهاز الحاسوب المحمول عليه أي نوع من الغبار فإنهم يقومون بفتح الحاسوب وأخذ عينة من الغبار وتحليلها في جهاز خاص قبل أن يومئوا للمسافر بأنه بريء وأنه يمكنه مواصلة السفر

غير أنه قبل أن يصل إلي بهو السوق الحرة ومنها إلي بوابات السفر يجد إجراءين آخرين الأول هو أن بريطانيا كانت قد ألغت منذ سنوات إجراءات الأطلاع علي جوزات السفر أو ختمها للمسافرين ، إلا أنها أعادت عملية التفتيش علي جوازات السفر مرة أخري ، وبعد جوازات السفر علي الجميع أن يخلع نعليه ويضعهما فى جهاز خاص لفحص الأحذية ثم يصبح بعد ذلك مواطنا صالحا للسفر ، أما في مطار فرانكفورت فى ألمانيا فإنك تجد الكلاب البوليسية ورجال البوليس فى كل مكان منذ أن تخرج من باب الطائرة ، حيث تجد من يسألك عن جواز السفر للأطلاع عليه ، وإذا كنت مسافرا إلي وجهة أخري من نفس المطار فإنك تجد حواجز للجوازات للتأكد من هويتك وتأشيراتك رغم أنك لن تدخل إلي ألمانيا ، ثم تجد بوابات تفتيش معقدة تتعامل معك وكأنك لست قادما من وجهة أخري وإنما كأنك مسافر جديد ، ورغم أن التعامل من قبل كان من رجال أمن تشعر فى بعض الأحيان وكأنهم يريدون أن يعتذروا إليك عن التفتيش الدقيق الذي يقومون به ، وأحيانا يبتسمون أو يداعبون المسافرين ، إلا أن الأمر تغير فى السنوات الأخيرة وأصبح الذين يقومون بعمليات التفتيش ذوي وجوه صارمه وتصرفاتهم خالية من أية مشاعر أو أحاسيس أو تعابير مريحة وماعليك إلا أن تنفذ ما يطلب منك دون أي تذمر أو اعتراض وإلا فإن أبسط إجراء هو أن يعرقلوا سفرك وتفقد طائرتك ، وقد لاحظ بعض المراقبين أنه كلما هدأت الأمور وبدأن الناس يعيشون بسلام يجدون تحذيرات هنا وهناك يطلقها السياسيون ثم تصبح الأجراءات الأمنية بعدها أكثر تعقيدا ، وقد دفع هذا الأمر بعض المراقبين إلي محاولة التدقيق فيما يتم فاتضح أن هناك تجارة رائجة فى الغرب الآن هي تجارة الشركات الأمنية

التى توفر هذه العناصر التى تقوم بهذه المهام ، و كافة الخدمات الأخري المصاحبة للعملية الأمنية ، فبعد اتساع وكثرة الأجراءات الأمنية بعد الحادي عشر من سبتمبر أصبحت الأجهزة الأمنية فى كثير من الدول الغربية عاجزة عن تلبية عمليات التوظيف والتدريب والأعداد لهذه العناصر فقام كثير من الضباط السابقين بالأستقالة والتقاعد وأسسوا شركات أمنية ليس السياسيين بعيدا عنها أو الشراكة فيها ، وأصبح هؤلاء يقومون بعملية تأمين المطارات والهيئات الحكومية وغير الحكومية وحتى الحراسات الأمنية لكبار الشخصيات من خلال توظيف ضباط وجنود سابقين يتقاضون رواتب مضاعفة عما يتقاضاه ضباط الشرطة والأمن العاديون ، وقد برز الأمرفي البداية قبل سنوات فى العراق حينما كانت شركة " بلاك ووتر " تقوم بتأمين حماية السفير الأمريكي الأسبق في العراق بول بريمر وتساءل كثيرون في حينها هل الجيش الأمريكي بكل عظمته وقوته ، وكذلك الأف بي آي والسي آي إيه عاجزون عن حماية السفير الأمريكي وكبار الجنرالات والمسئولين حتى يوفروا لهم مرتزقة لحمايتهم ، ثم اتسع نطاق عملي هذه الشركات لتصل إلي حد المشاركة فى المعارك هناك ثم اتضح أن الأمر له بعد تجاري هائل يتمثل في عشرات المليارات من الدولارات تخصص لهذه الشركات ، لكن هذه الشركات لا تشارك فقط في الحروب وعمليات القتل بدم بارد ، ولكنهم أيضا يشاركون الآن فى كل العمليات الأمنية التى تتم فى إطار خصخصة الأمن والأعتماد علي هؤلاء فى تأمين كل الأماكن الحساسة بدءا من المطارات إلي السفارات إلي كبار المسئولين وربما الرؤساء والزعماء بحيث تصبح قوات الأمن الرسمية فى النهاية يعمل أفرادها موظفون لدي هؤلاء ، ومع المخاوف الشديدة من أن تصبح لهؤلاء اليد الطولي فى السيطرة علي أجهزة الأمن فى العالم وإدارتها بنفس الطريقة التى يديرون بها الأمور فى أفغانستان والعراق والتعامل مع البشر بروح خالية من الأنسانية ، فإن تسليم أمن العالم إلي هذه الشركات سيكون خطرا داهما ليس علي المدنيين الذين يتعامل معهم هؤلاء بفظاظة ووجوه كالحة وإنما حتى علي هذه الأنظمة التى ستصبح كلها فى النهاية رهينة لهذه الشركات .