طولها خمسة الاف ساعة
بقلم/ سمير جبران
نشر منذ: 17 سنة و 4 أسابيع و يومين
الأربعاء 14 نوفمبر-تشرين الثاني 2007 04:15 م

كان يفترض أن يكون هذا العدد من المصدر هو الثاني عشر لا الأول، بالنظر إلى تاريخ استكمال الشروط المطلوبة قانوناً للترخيص، لكن رياح الإعلام أتت بما لا نشتهي ولا نتوقع!

في اليوم الأول من إبريل توجهنا إلى وزارة الإعلام بمذكرة طلب ترخيص إصدار الصحيفة، وفي العاشر من أكتوبر حصلنا على الترخيص، وما بينهما ما يقرب من خمسة آلاف ساعة، قضيناها انتظاراً وتفكيراً وأرقاً، فضلاً عن الخسارة المادية التي تكبدناها جراء التأخير.

كنا نداوم بشكل شبه يومي في وزارة الإعلام حتى أن المعنيين بالوزارة كانوا ـ في حالة غيابنا أو تأخرنا ـ يتحدثون مازحين عن أقساط علينا كجزاء للتأخير أو الغياب، لقد حظينا بمعاملة استثنائية وخاصة جدا، ففي فترة ترددنا على الوزارة رخص لعدة صحف، فيما تتم عرقلتنا بأسباب وحجج واهية.

لا نريد "الولولة" أكثر، ففرحة إصدار هذا العدد ستنسينا لا شك آلام الفترة الماضية. على أن من المهم الإشارة إلى الحال الذي وصلنا إليه في هذا البلد، إذ أصبح فيه حصولك على حقك القانوني مدعاة لتقديم التهاني والتبريكات!

من المهم أيضاً، بل من الواجب، بعد تجاوزنا لهذه المحنة تقديم الشكر لكل من ساندنا وتضامن معنا، سيما الزملاء في قيادة نقابة الصحفيين، والصحف، والمواقع الإلكترونية، وبعض الناشطين الحقوقيين.

ذاك عن لحظات المتابعة المضجرة، فماذا عن المصدر نفسها؟

أثناء معاملتنا للترخيص، وإعدادنا للصحيفة، عادة ما كنا نواجه بأسئلة عن مدى أهمية صدور صحيفة جديدة، وعن ماهية هذه الصحيفة، وسياستها، ومصادر تمويلها!

وباختصار فإننا نسعى لصناعة صحافة جيدة وجديدة، تناقش قضايا فئات أخرى لم تحظ بالاهتمام من جانب، ومن جانب آخر تعيد الاعتبار لمعنى الصحافة، أو تعيد صوغ هذا المعنى الذي بات في أذهان الكثير تعريفاً لمهن أخرى لا علاقة تربطها بالصحافة!

ثمة شبه إجماع تقريباً على أن مهنة الصحافة تشهد تدهوراً في المعنى والمبنى، وإن شئت الدقة أكثر، ففي قيم هذه المهنة التي حولها البعض إلى سلعة تباع وتشترى!

وإن كان نفر قليل لا يزال متمثلاً تلك القيم، فإن المشهد يقول أن ذلك النفر لم يعد قادراً على تشكيل جدار منيع للتدهور المستمر، أو للحفاظ على "التعريف" الحقيقي للمهنة دونما تحريف من "جحافل" تناسلت من كل حدب وصوب!

أما بشأن مدى الحاجة لصدور صحيفة جديدة، فالواقع أن "الأكشاك" تكتظ بالصحف بشتى الألوان، والاتجاهات، والتخصصات، وأن البلد ناقصة قراء فعلاً، لكنها في نفس الوقت تنقصها صحافة قادرة على كسب المزيد من القراء من بين ملايين يجيدون القراءة، وهو ما نسعى إليه.

لكن هل يعني ذلك انتفاء وجود صحافة "محترمة" في الأسواق جاءت "المصدر" لكي تنفي هذا النفي؟! .. من الإجحاف وقلة الإنصاف الإجابة بـ"نعم"، ولا بد من الاعتراف بوجود إضاءات متعددة في سماء الصحافة اليمنية تبعث على الاحترام والإعجاب، لكننا نعتقد أن ثمة فراغ لم يسد، واهتمامات لم تثر، وهموم لم تلامس بعد.

ولا يعني هذا أننا ندعي المقدرة على ملئ هذا الفراغ، وتغطية جوانب النقص، والمجيء بما لم تستطعه الأوائل من الصحف. وإذ يصعب ـ مهما كانت الإمكانيات والثقة بالنفس ـ الجزم بذلك على الأقل في المرحلة الأولى ، فإن تقرير مثل هذا الأمر يعتمد على القارئ لا طاقم "المصدر"، بيد أننا نطلب منه فترة وجيزة من الزمن قبل إصدار الحكم.

بالتأكيد .. إمكانياتنا شحيحة، وقد اضطررنا للاستعانة بإمكانيات "صديقة" إن جاز التعبير، هي في الأساس ملك لإخوة وأصدقاء نتمنى أن يأتي يوم نستطيع فيه رد الجميل لهم.

مع ذلك فإننا متفائلون كثيراً.. وأحيانا يائسون!

ففي بلد كهذا المسمى زوراً بالسعيد، تكاد تطير أحياناً من فرط التفاؤل، وتتمنى لو كنت عدة أفراد وليس فرداً واحداً، لكي تنجز ما بدماغك من مشاريع يفترض بك إنجازها بناءً على إمكانيات متاحة يسهل الحصول عليها في تلك اللحظة التفاؤلية!

وفجأة يهبط عليك اليأس والإحباط يهرسانك هرساً، عندما تكتشف أنه ليس من السهولة بمكان الحصول على تلك الإمكانيات، وعندما تكتشف أن الكثير من الوعود والأماني لم تتحقق، وعندما تفتش جيبك ولا تجد "حق المواصلات" كي تعود إلى منزلك!

لكننا وقد وصلنا إلى هذه المرحلة، إصدار العدد الأول أعني، فلم يعد ثمة مجال للاستسلام أو اليأس، ليس لغياب أسبابه، ولكن لأن ذلك يعني "الفشل".. الكلمة البغيضة.

لذا ليس أمامنا سوى اتباع سياسة "قاهي الا هي"، و "كب لا مطبعة الثورة"!

وماذا عن سياسة الصحيفة؟

سؤال إضافي كان يقذف به البعض أثناء إعدادنا للصحيفة .. والحال أن بالإمكان ـ ببساطة ـ ادعاء المهنية والموضوعية، كعنصرين أساسيين تسعى إلى تحقيقهما أو تدعيهما كل وسائل الإعلام تقريبا، لكن تأمل بسيط لواقع الصحافة والإعلام، المحلي منه والخارجي، وتقييمات الآخرين لهما، تصل بك إلى نتيجة استحالة حصولك على شهادة بمهنيتك وموضوعيتك، ومهما كانت صرامة التزامك بالشروط المهنية فإنك لن تعدم من يشير ناحيتك متهماً إياك بما يحلو له!

ستكون المهنية المنحازة إلى الحقيقة نصب أعيننا باستمرار، والله ولي التوفيق!

رئيس التحرير.