صراع اليمن.. غياب عربي وتورط إيراني
بقلم/ متابعات
نشر منذ: 15 سنة و شهر و 15 يوماً
الخميس 29 أكتوبر-تشرين الأول 2009 07:07 م

بقلم / عبد الرحمن أبو عوف

 
  


لا تلوح في الأفق حتى الآن نهاية قريبة للصراع المشتعل في شمال اليمن بين القوات اليمنية والحوثيين في صعدة، ولا تلوح أي بوادر لنجاح عملية "الأرض المحروقة" التي يشنها الجيش اليمني ضد المتمردين، والمندلعة في الأسبوع الثاني من شهر أغسطس الماضي دون تحقيق طفرة تبرر استئناف الجولة السادسة للصراع المستمر بين الطرفين منذ عام 2004، رغم تطوير الجيش لسبل تعاطيه مع التمرد واستخدام قواته الجوية والبحرية بأسلوب لافت أعطى انطباعًا بالقدرة على حسم الصراع وعدم الحاجة لجولة جديدة.

ولكن الغريب في الأمر أن الرهان على الحسم العسكري خلال الجولة السادسة لم يؤتِ ثماره حتى الآن، ولم تتراجع قدرة الحوثيين ، رغم الارتباك الشديد في صفوفهم في الأسابيع الأولى لبدء الحملة لدرجة أجبرتهم على القبول بشكل تكتيكي بشروط الحكومة اليمنية لوقف إطلاق النار، وهو ما أعطى انطباعًا بحالة الضعف والتراجع والسعي لوقف الضربات المتتالية من القوات اليمنية. ولكن ما حدث خلال الأيام الماضية خيَّب كل التوقعات؛ إذ تمكَّن الحوثيون من امتصاص الهجمات الحكومية، بل عمدوا إلى توسعة ميدان المعركة لتمتد لمحافظات الجوف وعمران، وهو ما عمَّق الشكوك حول تدخُّل أطراف إقليمية في الصراع ودعمها للتمرد بشكل يهدد بامتداد الصراع لسنوات وعدم جدية الرهان على الحسم العسكري وحده.

ارتباك واستغراب

وزاد صمود الحوثيين خلال الفترة الأخيرة من حالة الارتباك في صفوف المهتمين بالشأن اليمني ومعاناتهم من صعوبات في فهم حيثيات قدرة الحوثيين على مواجهة الهجمات الحكومية ونجاحهم في التخفيف من تداعياتها على مراكزهم والظهور بشكل أقوى لفت انتباه الكثيرين للبحث عن وجود دور إقليمي في الصراع المندلع منذ 5سنوات، وبالتحديد من جانب إيران التي لم تُخف يومًا تعاطفها مع الحوثيين، رغم حرصها على نفي أي تدخل من جانبها في الصراع في شمال اليمن.

ولكن التطورات على الأرض وتمكُّن قوات الحوثيين من إلحاق خسائر بالقوات اليمنية واتهام قوى كبرى مجاورة لليمن بالتورط في القتال إلى جانب القوات الحكومية عكس رغبةً من جانب الحوثيين في توسيع دائرة القتال وإعطائها أبعادًا إقليمية ومذهبية وتقديم المبررات لأطراف بعينها عن تورطها في دعم التمرد وغضها الطرف عن تأثيرات الصراعات على وحدة اليمن واستقراره في ظل تواكُب القتال في الشمال مع تصاعد التوتر مع قوى الحراك في الجنوب ومولد حركة مشابهة في الوسط بشكل وضع مستقبل اليمن، كدولة مستقرة وموحدة، على المحك.

مخطط تقسيم

وما إن بدا الصراع يشتد في الشمال اليمني حتى ترددت اتهامات لإيران بالتورط في القتال وتقديم مساعدات كبيرة للحوثيين، وتسرب لوسائل الإعلام تقارير أغلب الظن أن هويتها إيرانية بامتياز تتوافق مع الطرح السابق وتزعم أن الحرب التي تدور رحاها حاليًا تُعد جزءًا من خطة أعدَّها فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني تقوم على إقامة دولتين على أرض اليمن؛ الأولى إمامية تخضع لحكم الحوثيين ومقرها الشمال، والثانية في الجنوب تديرها شخصيات شيعية بالتحالف مع عناصر من حكام اليمن الجنوبي السابقين بقيادة على سالم البيض. ورغم افتقار هذه التقارير للطابع الرسمي إلا أنها تشير إلى حلم فارسي في إسقاط النظام اليمني والسيطرة على اليمن والوصول للبحر الأحمر وإدخال معادلات جديدة في الصراع بين إيران والقوى الغربية وإمساك حكام الملالي بورقة جديدة تعزز من الدور الإقليمي لطهران، فضلاً عن تكرار سيناريو حزب الله في الخاصرة الجنوبية للأمة العربية.

بل إن المثير في الأمر هو أن العديد من المسئولين اليمنيين، وفي طليعتهم وزير الخارجية أبو بكر القربي، لم يكتفوا بتوجيه الاتهامات لإيران بالضلوع في دعم التمرد؛ بل امتدت الاتهامات إلى مرجعيات شيعية في العراق ولبنان أغلب الظن أنها لن تتجاوز التيار الصدري وحزب الله اللبناني، وهو ما يشير بجلاء إلى أن الصراع قد أخذ أبعادًا إقليمية ومذهبية قد تُنبئ باحتمالات اندلاع الصراع، لاسيما أن تنسيقًا ما قد ظهر بوضوح بين الحوثيين والقوى الانفصالية في الجنوب، مما يهدد بامتداد الصراع لعموم الأراضي اليمنية ووقوع القوات الحكومية بين طرفي كماشة وتضييق قدرتها على حسم الصراع مع الحوثيين وبعثرة قواتها بين شمال اليمن وجنوبه بشكل قد يقفز بسيناريو تقسيم البلاد إلى صدارة المشهد وإعادة الأمور للمربع الأول.

مواقف رمزية

وبناءً على المحصول المرير للقتال وتورُّط الجانب الإيراني في دعم التمرد لم تجد الحكومة اليمنية أمامها إلا اللجوء لخطوات تبدو رمزية للاحتجاج على المواقف الإيرانية؛ عبر القيام بإغلاق المستشفى الإيراني في صعدة وإرجاء زيارة كان مقررًا أن يقوم بها لصنعاء وزير الخارجية الإيراني منوشهر متقي، بذريعة انشغال برنامج الرئيس صالح وعدم وجود فراغات تسمح له بلقاء متقي، وهو ما فسره المراقبون بأنه رسالة احتجاج يمنية شديدة اللهجة على التدخل الإيراني في الشئون الداخلية، ولكن لا يبدو أن الرسالة ستُلجم الطرف الإيراني أو تقنعه بمراجعة خياراته داخل اليمن.

ولعل الأمر الأكثر غرابة لدى قراءة المشهد اليمني تتمثل في التعاطي العربي مع الأزمة، وهو تعاطٍ أقل ما يوصف به أنه فقير وعاجز عن تقديم دعم حقيقي وفاعل في ميدان الحكومة اليمنية، انطلاقًا من عدم جدوى الإعلانات الصادرة من اجتماعات بعض وزراء الخارجية العرب بوقوفهم وراء حكومة صنعاء ودعمهم لوحدة اليمن واستقراره، وهي مواقف يعتقد الكثيرون أنها لن تقدم أو تؤخر في ظل انخراط طهران والأذرع الشيعية بكل قوة في دعم تمرد الحوثيين، رغم وجود يقين لدى النخب العربية بأن الحوثيين يخوضون حربًا بالوكالة في الجزيرة العربية نيابة عن الحرس الثوري الإيراني.

وجاءت بعض محاولات التعاطي العربي مع الأزمة خجولة، خصوصًا من جانب مصر التي زار وزير خارجيتها أحمد أبو الغيط والمسئول الأمني الرفيع عمر سليمان العاصمة الإريترية أسمرة وأجريا لقاءات مع الرئيس أفورقي كان في مقدمة أهدافها الإعراب عن القلق من التسهيلات التي حصلت عليها البحرية الإيرانية في ميناء مصوع، وهو ما يعني نجاح إيران في إيجاد قناة مباشرة لإيصال الدعم العسكري للتمرد الحوثي، غير أن النقاب لم يكشف عن سبل تعاطي أسمرة بشكل إيجابي أو سلبي مع المطالب المصرية حتى الآن، ولم يتجاوز الموقف المصري الحديث عن دعم القاهرة للحكومة اليمنية لدى زيارة أكثر من مسئول للعاصمة صنعاء، وهو ما اعتُبر مسعًى لحفظ ماء الوجه لا أكثر.

مواقف متراخية

المواقف المتراخية للدول العربية في التعاطي مع الشأن اليمني دعت المراقبين لطرح أكثر من تساؤل عن تفسير هذه المواقف الصامتة على المساعي الإيرانية لإيجاد موطئ قدم لها في جنوب الخليج والوصول إلى باب المندب ومنافذ نقل الطاقة العالمية، رغم خطورتها على أمن واستقرار اليمن، وتكرار نفس السيناريو مع المملكة العربية السعودية والتي لن تقبل أبدًا بسيطرة الحوثيين على مناطق التماس في حدودها مع اليمن ومخاطر الأمر على هوية العديد من الدول العربية "السنية" المنزعجة بشدة من تمدد النفوذ الإيراني.

ولا يبدو حتى الآن واضحًا وجود تفسير للمواقف العربية، اللهم إلا رفض الدخول في مواجهة مباشرة مع إيران قد تكون لها تداعياتها السلبية على الأوضاع في أكثر من دولة عربية، وحرص تلك الدول على بقاء التوتر في محطته الأولى، وقد يكون الأمر محصورًا في مراهنة دول المنطقة على قدرة الجيش اليمني على حسم المعركة في النهاية وتركيزها على توفير الدعم السياسي للحكومة اليمنية وتكثيف التحركات لتجفيف منابع وصول الدعم الإيراني لقوى التمرد، لاسيما من منطقة القرن الإفريقي.

تداعيات خطيرة

وأيًّا كانت التفسيرات فإن الأوضاع في اليمن تبدو شديدة التعقيد والخطورة، ولا تتوقف تداعياتها على اليمن ووحدته فقط، فربما يتوسع ميدان المعركة في ظل تقارير أمريكية تتحدث عن بداية مواجهة بين إيران والدول العربية المتحالفة مع الولايات المتحدة الأمريكية في تكرار أكثر عنفًا لما حدث في لبنان وفلسطين، وتصاعد احتمالات تحقيق طهران لأرضية جديدة في المنطقة قد تعيد رسم خريطة جديدة لمنطقة الخليج العربي لتحويله إلى برميل بارود تهدد حِمَمُهُ الجميعَ في حالة استمرار الصمت.

وعلى كل الأحوال فإن المطلوب حاليًا من جميع الدول العربية التحرك لكبح جماح التمدد الإيراني قبل أن يفيق الجميع على واقع مؤلم مفرداته تقطيع أوصال الوحدة اليمنية ودخول مرحلة الهلال الشيعي حيز التنفيذ، وتهديد استقرار منطقة الخليج، وتبني مواقف جدية وقوية من شأنها دعم محاولات صنعاء لإنهاء التمرد، سياسيًا وعسكريًّا، واستخدام الدول العربية لنفوذها لدى قوى الحراك الجنوبي للدخول في مفاوضات جادة مع حكومة صنعاء، انطلاقًا من قاعدة الوحدة، لاسيما أن أي مواقف أخرى قد تضع اليمن (ذات الموقع الاستراتيجي المهم) لقمة سائغة في فم الأسد الإيراني، وإعطائه ميزة استراتيجية في أي صراع مستقبل مع دول المنطقة، وهو سيناريو ستحدد الأسابيع القادمة طبيعته، وإنا لمنتظرون