أول بيان للمخلوع بشار الأسد بعد هروبه الى روسيا.. ماذا قال؟ واشنطن تدرس إعادة الحوثيين إلى قائمة الإرهاب ومبعوثها يكشف سبب زيارته الى جيبوتي انعقاد مؤتمر إطلاق الاستراتيجية المحلية للنساء بمأرب. بإسم الرسول الأعظم الحوثيون يغتصبون منزلا بالقوة ويضعون عليه اسم النبي تركيا ترسل فريق بحث إلى سجن صيدنايا سيء السمعة تتبع سلالة كوليرا شديدة المقاومة للأدوية ظهرت أولاً في اليمن ثم انتشرت في عدة دول ثروة ''آل الأسد'' كيف حصلوا عليها ومن يديرها؟ ترامب يخطط لحرمان أطفال المهاجرين من حقهم في الحصول على الجنسية الأميركية.. هل ينجح ؟ ولايات أمريكية تضربها عواصف مدمرة وأعاصير مع تساقط كثيف للثلوج سفارة واشنطن: ناقشنا مع العليمي مواجهة الحوثيين داخل اليمن وخارجه
مأرب برس - خاص
إذن، تفجرت الأوضاع في لبنان، ويبدو أن مرحلة التوقعات الحالمة التي تفترض وجود خياراتٍ ومساراتٍ عدة كان من الممكن للأزمة اللبنانية أن تسلكها بناء على أماني دبلوماسية تتمثل في حلولٍ وسط وإصلاح الموقف بطريقة توافقية وتقديم التنازلات من الجانبين قد انطوت وولى أمرها؛ وربما إلى غير رجعةٍ بعدما عصفت بها صيحات البنادق والأر بي جي والنشاز في كل شوارع وأزقة بيروت!
وإذا كان البعض قد سبق وحذر مراراً وتكراراً من احتمالية تفجر الأوضاع في لبنان وانحدارها إلى هاوية الحرب على ضوء معطيات الفوضى والفلتان الأمني وحالة التوتر الحاصلة منذ سنوات بين الأخوة الأعداء، واللهجة العدائية المتبادلة والمتصاعدة والتي تنط في كثير من الأحايين على اللهجة السياسية السائدة في حالة سلم.. أضف إلى ذلك، وهو الأهم، الحرب الباردة وتصارُع المصالح والنفوذ التي تجري بوتيرة متزايدة بين الدول الإقليمية والدولية الساعية للهيمنة على المنطقة والتي لها نصيب الأسد في رفع حالة التوتر في لبنان، بل إن لبنان تحولت ـ في ظلها ـ إلى صورة مصغرة ومكثفة لطبيعة هذا الصراع.
ومما لا شك فيه أن أكثر المحذرين والمتشائمين من حالة التوتر السابقة لتفجر الأوضاع فاجئه الأجل، إذ كان الوقت باكراً على مرحلة السلاح، وربما كان يُرجع ذلك إلى شكه من وصول الأحداث إلى هذه الهاوية بفعل الداخل وحده ودون تدخل خارجي مباشر.. ومع ذلك، فطبيعة النظام السياسي المفخخ بالمحاصصة الطائفية لا يمكن أن يستبعد من قائمته أي خيارٍ ولو كانت الحرب (بجلالة قدرها) كما حدث في الماضي القريب؛ بغض النظر عن درجة الوعي والانفتاح والمناخ الديمقراطي التي بلغها المجتمع اللبناني في السنين الأخيرة (تبعاً للنظرية الأنثروبولوجية التي تفترض أن مستوى الوعي والمناخ الديمقراطي في المجتمع تحدد درجة لجوء جماعة معينة منه إلى استخدام الحرب لانتزاع حق ما؛ فكلما زاد الوعي قل اللجوء إلى الحرب).
واعتقد أنه من العبث الفكري والأدبي ـ في ظل الأوضاع الراهنة ـ إضاعة الوقت والجهد في البحث عن الطرف المتسبب بوصول الأمور إلى مرحلة الاقتتال، وتحميله كامل المسئولية، فالحرب ـ كما يقول المفكر الأمريكي جورج كاشمان ـ لا يمكن أن يتحمل وزرها طرفٌ واحدٌ طالما وقد سبقتها عملية تعبئه من جميع الأطراف.
وما ينبغي علينا فعله في هذه الحالة ـ كدول عربية حريصة على مصلحة وسلم لبنان ـ مراجعة حساباتنا ومواقفنا لقراءة الواقع اللبناني كما هو حاصل على الأرض وألا نرتكن فقط إلى عواطفنا القومية أو ميولنا الطائفية ومصالحنا الخاصة التي وأدت عملية الوصول إلى أتفاق ودفعت بالبلد إلى حافة الحرب الأهلية، وأن نبحث ـ بكل جد وحيادية ـ عن الحقيقة في ركام هذا الواقع، وننني مواقف صريحة على أساس الحقيقة وحدها.
فباعتقادي أن الدول العربية الفاعلة لها القدرة على كبح جناح الحرب والحيلولة دون اختزال الصراع الإقليمي والدولي في لبنان، والارتداد بالوضع مرة أخرى إلى مرحلة التفاوض وتبادل الرأي إذا انطلقت مواقفها بناء على المصلحة اللبنانية العليا لا على أساس حساباتها الخاصة ولعبة العناد اللذيذة السائدة مؤخراً بين هذه الدول، وراعت خصوصية البلد وانكشاف ساحته. وقد رأينا حجم ما شهدته الساحة اللبنانية من توتر وانزياح للحلول الوسط ولتقديم التنازلات في المفاوضات الداخلية بعد التشرذم الكبير الذي حدث في القمة العربية الأخيرة المنعقدة في دمشق( فلبنان أصبحت مرآة للوضع العربي القائم، والمرآة هي من زجاج!).
فلا يوجد خائن أو عميل في لبنان، لا وليد جنبلاط وسعد الحريري، ولا حسن نصر الله وميشيل عون، فكلٌ له وجوده الشرعي والفعلي على الأرض، وله علاقاته الخاصة وامتداداته التي يسعى من خلالها حماية وجوده؛ سواء كان في علاقاته بأمريكا أو علاقاته مع إيران خصوصاً في وضع الاستقطابات الإقليمية والدولية، وحالة التوتر والتصفية التي شهدتها الساحة الداخلية.
وفي لبنان، لا يمكن إلغاء أي طرفٍ من الأطراف تحت أي ذريعة بالطريقة السياسية المعتادة في البلدان الديمقراطية أو حتى غير الديمقراطية! فعملية الإلغاء ـ في بلدٍ كهذا ـ لا تعني شطب شخص أو مجموعة أشخاص من التمثيل السياسي، بقدر ما تعني إلغاء لطائفة بأكملها! ولن يتسنى لفعل الإلغاء الحدوث إلا من داخل الطائفة ذاتها، ودون ذلك سيُعتبر انتهاكاً لحرمة الطائفة!
وهذا هو جوهر المشكلة السياسية التي تعانيها لبنان والتي اختزلت الهوية الوطنية بالطائفة، وثبتت عالم السياسة المتغير عندما ربطته بالهوية (أي الطائفة)، وأصبح المساس بأي شخصية سياسية هو مساس بطائفته والذي يعني مساس بثابتٍ من الثوابت!
وحتى لا تُصاب مواقفنا السياسية هي الأخرى بالثبات، ونعتبر مدركاتنا السابقة هي الحقيقة ودون إعمال البحث عنها في الواقع الباطني والتعامل فقط مع افرازاته ومطابقتها مع أحداثٍ سابقة أو مواقف خارجية ـ ربما معادية ـ ودون مراعاة المصلحة الداخلية، يجب علينا إعادة النظر في كل ما هو موجود حالياً على الواقع الفعلي قبل أن تذهب لبنان الجميلة في ستين جحيم!
وما أعنيه هنا هو إعادة النظر في تعاملنا مع المقاومة على ضوء التمخض الذي حدث للوضع الداخلي اللبناني.
فما قدمته المقاومة في الأعوام الفائتة هو عمل عظيم بكل المقاييس عجزت عن فعل مثله دول، ولن ينكر ذلك إلا جاحد. لكن هذه العظمة ليست كافية لأن تشفع لها بأن تكون على صواب على طول الخط وفي كل زمان ومكان. والتأريخ يخبرنا ـ على طول حقبه واختلاف أماكنه ـ عن تحول المقاومة إلى النقيض ـ وربما إلى وضع كابوسي ـ في حالة انتفاء السبب الذي تقاوم لأجله أو انتقالها إلى طورٍ آخر، وأقرب الأمثلة على ذلك، الأنظمة العربية التي انبثقت عن الثورات الوطنية وكان رموزها أبطالٍ لا يشق لهم غبار، وعندما تولوا زمام الأمور في بلدانهم، كانت فترة حكمهم أكثر بشاعة وديكتاتورية من الفترات السابقة لقيام ثوراتهم!
وفي حالة المقاومة اللبنانية، كان ينبغي علينا أن ندعم انخراطها بطريقة سلمية في العملية السياسية، وننادي بوجوب تخليها تماماً عن سلاحها بعد تحرير لبنان. وحتى وإن تحدث البعض عن ضعف الدولة اللبنانية وعدم مقدرتها على حماية أراضيها في ظل استمرار الصراع مع العدو الصهيوني واستهدافه لرموز المقاومة، كان لا بد من انخراطها في صفوف الجيش، وأن تعمل على نقل خبرتها وأسلوبها المتقدم في الدفاع إليه والعمل على تقوية أجهزته المختلفة دون أن تبقى حماية أمن لبنان مسألة معلقة في حبل طائفة بعينها.
وحتى وإن تطابق هذا الموقف ـ الداعي لتخلي حزب الله عن سلاحه ـ مع مواقف قوى معادية، فهذا لا يهم طالما المصلحة اللبنانية العليا تقتضي ذلك، وطالما كان التمسك بالخيار الآخر يعني الهاوية!.. فوجود السلاح بيد جماعة بعينها ـ تحت أي ذريعة ـ هو خطر محدق على الدولة المركزية خصوصاً في دولة كلبنان نظامها يقوم على أساس المحاصصة الطائفية.
وقد شاهدنا هذا الخطر على الدولة المركزية في فلسطين وفي العراق (جماعة مقتدى الصدر تحديداً) وفي أحداث لبنان الأخيرة.
لبنان يا سادة؛ وصل إلى أقصى درجات الخطر، فلا حلول وسط ولا مفاوضات، ولم يبقى إلا العنف سيد الموقف.. فإما أن تُنحّي الحكومات العربية ـ ومعها شعوبها ـ مصالحها جانباً، وأن تنظر في دعمها للبنان بعين المصلحة اللبنانية فقط، فتحول دون حدوث كارثة يبدو أنه لا محالة منها بتفجر حرب أهلية تأكل الأخضر واليابس، وربما سيحفز ـ وضع الحرب ـ إسرائيل بالأقدام على اجتياح لبنان بغرض تصفية المقاومة كما فعلت في الماضي ( تدخلها في الماضي كان بسبب عمليات بسيطة كانت تقوم بها الفصائل الفلسطينية ضدها من الأراضي اللبنانية، فكيف سيكون التعامل مع ما فعله حزب الله بها! وهي في أشد الحاجة لرد الاعتبار لقوتها الرادعة، وتوجيه رسالة قوية لإيران، ولن تجد فرصة سانحة كهذه!).. وأما أن تصب الحكومات العربية الزيت على النار فتشعلها أكثر!..
ولن يستفيد أحد من جحيم الحرب غير العدو الصهيوني، فلا المقاومة ستستفيد ـ كما أشار السيد حسن نصر الله عندما شبه أحداث بيروت الأخيرة بحرب حزيران 2006، وبإن النصر الإلهي قادم! ـ ولا وليد جنبلاط سوف يستفيد؛ فالحروب بين اللبانيين ـ كما يقول الكاتب اللبناني جهاد الخازن ـ لا يمكن لها أن تتمخض عن منتصر ومهزوم!