جملة من الأولويات لإنجاح المرحلة الانتقالية
بقلم/ د. محمد محمد الخربي
نشر منذ: 12 سنة و شهر و 28 يوماً
الثلاثاء 16 أكتوبر-تشرين الأول 2012 04:01 م

قراءات في النهضة اليمانية

أدرك جيدا الوضع الصعب الذي تمر به الجمهورية اليمنية خلال المرحلة الانتقالية ، وأن هناك معوقات حقيقية تعطل الانتقال الآمن وتهدد بانفجار الأوضاع السياسية ، كما أن القيادة الوطنية تحتاج إلى شجاعة تتناسب مع حجم التحديات الراهنة ، ولست متفائلاً بعمليات الإرضاء لبعض الأطراف إن كان هذا المنهج يتعارض مع مصلحة الشعب ، بل إن علينا أن نتجاوز المرحلة الانتقالية وقد حققنا أقصى مطالب الثورة الشبابية ، حتى تنخرط كافة القوى الخيرة والحزبية في إنجاز رهانات النهضة اليمانية المنشودة ، ولا شك أن المعادلات الدولية والإقليمية تصب في صالح هذا التوجه العام، ويبقى على جميع اللاعبين المحليين أن يقدموا أنفسهم كحاضنين للتحول عبر برامج سياسية تضع نصب عينها الرهان الاقتصادي كأولوية مطلقة . أما الأمر الآخر الذي يشكل عائقاً كبيراً في إحداث التحول فيتركز في تباين الوعي المجتمعي بين الأفراد ، فبينما يعيش أغلب الناس في أوضاع متماثلة من الفقر والخوف والترقب ، فإنهم لايجدون لدى القيادات الصانعة للقرار ما يلبي حاجاتهم الماسة من مطالب التغيير الملموس والآمن ، وهذا في حد ذاته خلل لايمكن الاستمرار فيه ، ولذلك أضع جملة الاستحقاقات التي أسهم فيها بكل صدق من أجل إخراج بلادنا الحبيبة من التنازعات السياسية المتعددة ذات الطابع التنافري ،

فهناك أولويات يمكن للأخ الرئيس و معه الشرفاء في القيادات المعروفة بالوطنية و النزاهة و الشفافية أن تحقق تحولاً غير عادي نحو أهداف مفتوحة النتائج ولكنها متآلفة الغايات ، وهو الشيء الذي يحلم به كل فرد يماني في هذا الوطن الكبير ، ولست هنا أحتكر أو أدعي مالا يمكن بلوغه ، ولكنني أضع أموراً بسيطة ، ولكن مردودها الحضاري عظيم و يغطي جميع الحقول المنشودة نحو واقع مجتمعي متماسك و منسجم و متنوع الثراء ، بحيث نحافظ على خصوصياتنا الأصالية وهي تتجاوب مع أعمالنا المعاصرة ، وهذه الآليات إن صدق نظامنا الراهن في التعامل معها بجدية وشجاعة ، فإنه سيكون قادراً على تحقيق مردود يفوق بكثير ما تم إنجازه خلال خمسين عاماً من حياة الثورة المباركة ، و سنمضي تدريجياً إلى انتقال ديمقراطي شوروي آمن للسلطة ، لأن المؤسسات لن تسمح بعدها لأي فرد يرغب في التلاعب بمصائر الناس و أرزاقهم ، ولن يصل إلى القيادة العليا سوى رجال يتميزون بالكفاءات و القدرات مع إقصاء جميع القوى الخائرة التي تراهن على المال وشراء الذمم لبلوغ مآربها في سلب خيرات الشعب و الوطن .

وهذه أبرز المعالم لنيل أفضل المخرجات :

- يبدو أن الأخ الرئيس في موقع حرج بسبب التضاد الذي وجد نفسه فيه مع آلية الأداء في المؤتمر الشعبي العام ، حيث كان من المفترض أن يكون هو القائد الفعلي له ، ولكن عسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم ، ومن القلب إلى القلب أنصح الأخ الرئيس أن يستقيل من هذا الحزب بحكم أنه رئيس للوطن بأكمله ، وهكذا يتم عادة في الدول الديمقراطية السليمة ، وبذلك يسحب البساط عن كل المراهنين على إحراجه أو حتى تحجيم قدرات التحرك والتغيير المرجوة منه خلال هاتين السنتين المصيريتين .

- يجب أثناء تعديل الدستور حصر الفترة الرئاسية في خمس سنوات فقط غير قابلة للتجديد ، لأن التجديد يؤدي إلى صناعة الطغاة في الدول الناشئة ويقحمها في أتون اللوبيات الفاسدة والديكتاتوريات الفاشلة في تحقيق أدنى معايير الحكم الرشيد .

- لم يعد مقبولاً وجود نواب في مجلس البرلمان أشبه بالأميين ، فلا بد من شروط و معايير لقبول الترشيح إلى هذا المنصب ، لأن النواب يعكسون صورة الشعب و طموحه .

- تقييد الفترة البرلمانية وخلق هيئة رئاسية أمنية تراقب عمله لتجنب عوامل الفساد فيه .

- استقلالية القضاء وجعل الرئاسة بالانتخاب وضمن قيود تحقق العلم و الكفاءة والعدل .

- استقلالية المؤسسات الأكاديمية وترك أدائها ضمن رقابة وزارة التعليم العالي و البحث العلمي لقطع دابر الفساد الأكاديمي لدى الكوادر الضعيفة .

- إعادة النظر في ملفات الفساد وهي بالآلاف وتفعيلها وملاحقة أصحابها وهم معروفون وبالأرقام والوقائع والمؤسسات ومحاكمتهم بجنحة الكسب غير المشروع ، وهي لدى الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة والهيئة العليا لمكافحة الفساد ، وهذه المبالغ والعقارات بملايين الدولارات ويجب إعادتها إلى خزينة الدولة لأنها ملك الشعب وتم البسط عليها وهو يمر يعاني الأمرين بسبب الفقر والجهل والظلم والقهر .

- لست أبالغ لو انطلقت من مسلمة معروفة وهي أن أكثر المؤسسات فسادا في العهد السابق كانت المؤسسة العسكرية والأمنية ، ثم القطاع النفطي فالمؤسسات العلمية والتعليمية وهلم جر...

- تفعيل لجنة الحوار انطلاقاً من قلب الساحات الممثلة للثورة الشبابية الشعبية ، وليس حصرها في دوائر الأحزاب ذات المآرب الضيقة ، وجعل الحوار مع الأحزاب ضمن الثوابت الوطنية الكبرى التي تحفظ تطور الوطن ونهضته ، وأي طرح حزبي لايحقق هذه الغاية فهو رد على أصحابه .

- الأحزاب ذات الثقل الجماهيري عادة ماتكون الأكثر استيعاباً لمطالب الناس ، ولذلك لايجوز عمليات التهميش والإقصاء وينبغي الانفتاح على الجميع .

- هناك وزارات حكومية يجب إلغاؤها وأخرى تطويرها وأخرى إيجادها ، فمثلاً لم يعد لوزارة الإعلام أي قيمة في عصر العولمة والانفتاح الكوني خاصة أنها ذات موروث سلبي من العهد السابق ، بينما هناك حاجة ماسة لوزارة تنكب على تطوير المعطيات المعلوماتية وتطبيقاتها المختلفة ، كما أننا أصبحنا ندرك عدم جدوى وزارة السياحة ،وأنها يجب في الوقت الحالي أن تدمج مع وزارة الثقافة في مؤسسه واحدة، حتى يتحسن فعليا قطاع السياحة .

أما تجذر البنية القبلية في الواقع اليمني فإنها تؤكد ضرورة اشتقاق وزارة المجتمع المدني والتحديث الحضاري ،حتى يتجانس بلدنا في مختلف فئاته ، ويحصل الإنسان اليماني على مطالبه أينما كان دون فوارق ذات طابع مدنى / قبلي ، وهكذا لابد من مراجعة مؤسساتنا الحكومية بحيث يكون وجودها مواكبا وملائماً لما ننشده من نهوض وأداء وجدوى وترقى لمستوى الآمال المرجوة .

- لم يعد مقبولاً على الإطلاق الوضع الحالي للقوات المسلحة والأمن، ولا بد من توحيد القوات المسلحة تحت قيادة وزارة الحرب والدفاع ، وتوحيد أجهزة الأمن تحت قيادة وزارة الداخلية ، وتوحيد أجهزة الاستخبارات والأمن القومي والأمن السياسي تحت قيادة الجهاز التنفيذي لرئيس الجمهورية ، وأن يغلب على هذه الأخيرة الطابع المهني التكنوقراطي المحايد، وألا تتدخل في الإجراءات والمتابعات التي هي من اختصاص الأمن الداخلي ، وإنما يتم التنسيق المثمر بين جميع هذه الوزارات لتحقيق أقصى درجات الأمن والسلم الوطني العام ، مع وضع نصوص تنظم مهام واختصاصات كل مؤسسة وربطها بوحدة عضوية بنيوية تخدم مصلحة الشعب والوطن .

- لم يعد خافياً عنا أهمية تكنولوجيا الاتصال والمعلومات في جميع الوزارات الحكومية ، ولن يكون مقبولاً وجود أي مؤسسة لا تولي هذا المجال حقه في مهامها واختصاصاتها الهيكلية والفعلية .

- على دولتنا الوطنية أن تربط نفسها بصفة موضوعية مع المؤسسات العلمية والأكاديمية في وضع الرؤى والإستراتيجيات والاستفادة من أخطاء الماضي الذي أكد أن أغلب القرارات كانت تستند إلى الارتجال والقوة والغلبة وتفتقر إلى أدنى معايير الدقة والعلم والكفاءة .

- إن وسائل الإعلام أصبحت عديمة المعنى وهي تبتعد عن المهنية والمصداقية مما يفرض ذلك واجب أن تقوم القيادة وبالتشاور مع البرلمان لوضع قانون إعلامي ملزم يحدد الخطوط التي يجب إتباعها لنهضة اليمن نهضة معاصرة ومضمونة النتائج وبإدخال عنصر الالتزام بقضايا الناس وتجنب المماحكات وتفعيل القانون والقضاء في حق المتجاوزين والمسيئين دون تدخل الأجهزة الأمنية التي لعبت دورا سيئا في المرحلة الماضية .

- صار من غير المقبول الاستمرار في سياسة القوة والضربات العسكرية ضد العناصر المتشددة ، ولا بد من توظيف عنصر الحوار والتقارب مع مطالبها والتفكير في إدماج عناصرها ضمن فيالق الجيش اليمني ، وهذا ينطبق على جميع المليشيا ت المسلحة من قاعدة وأنصار الشريعة والحراك والحوثيين ، أما الاستمرار في سياسة المواجهات والقتل فسيؤدي إلى نتائج كارثية وعكسية ، ويجعل اليمن تدريجياً نسخة مصغرة من بعض الدول الشقيقة التي تتجرع الأمرين في مواجهة ضربات عناصر التطرف والإرهاب فالإنسان اليماني غالٍ ونفيس ، وعلينا أن نحرص على جميع عناصر القوة فيه وأن نخلق بدائل جديدة وخيارات مختلفة للعناصر الحالية ، ونعمل على دمجها وإعادة تأهيلها لأنها ستتحول في المستقبل إلى جيش وطني قوي لايقهر ، والحجة فيما أعددناه من رؤى وتصورات لإعادة اللحمة إلى الصف الوطني ، لا فيما نستورده ونجهزه من عتاد عسكري لقتل أبنائنا تحت مبررات ضيقة الأفق تسلبنا وحدتنا وتلاحمنا وقرارنا السيادي مرحليا ، فالعدل أساس الحكم والحق أساس الإيمان والخير أساس الحياة ، وما نفعله حاليا هو خطأ جسيم سيجعل من اليمن دولة ممزقة وضعيفة وتابعة لمحاور دولية لايهمها سوى خدمة مصالحها الذاتية في المنطقة ، بل إن التمادي في هذا النهج سيفقد النظام شرعيته في قلوب مواطنيه ، وهناك زوايا بحاجة منا إلى صدق وعمل وتكاتف وأن نحرص على الدم اليمني كأولوية مطلقة ، لأن أكبر هفوة سقط فيها النظام السابق هو التمادي في المواجهات المسلحة مع مخالفيه وعدم الوعي العملي بحرمة الدم والتغاضي الممقوت عن ممارسات الفساد بكل أشكاله .

- على القيادة الحكيمة ممثلة في الأخ الرئيس القائد عبدربه منصور هادي أن تستفيد من دروس الماضي ، وأن تختار أفضل الكوادر الوطنية في شغل المناصب الداخلية والخارجية ، وعلى المؤسسات المعنية أن تقدم تقييمها للمرحلة الماضية ، قبل إصدار أي قرارات في هذا السياق خاصة المناصب الديبلوماسية التي إن أحسنا الاختيار فإننا سنجني فوائد لاتحصى من دول الاعتماد في الدول المتقدمة ، مع رسم سياسة ديبلوماسية تتلاءَم مع متطلبات شعبنا الملحة في هذه الفترة الحرجة .

- إن الدعوم والأموال التي ستحصل عليها بلادنا ستكون مرهونة بالتصورات العملية عن طبيعة توظيفها في مختلف مناحي نهضتنا وأولوياتنا ، فمن العيب أن نخسرها أو أن نتقاعس عن إيجاد المصارف التي تخدم حاجات شعبنا ، فمما يخجل أن اليمن تخسر الكثير من الهبات والمنح والمشاريع والبرامج دوليا وإقليميا بسبب عدم جدية المؤسسات المعنية .

- هناك أولوية مطلقة لمكافحة الفقر ، لأن الفقر لايصنع تطوراً ، ولا يولد صلاحاً ، ويتناقض مع المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان ، ولا يجوز لولاة الأمر فينا أن يرفلوا في حياتهم ، بينما الملايين من أبناء الشعب يعيشون أسوأ كوابيس الفقر والتخلف ، وتؤكد الدراسات أن ثلثي السكان في اليمن من الفقراء ، أما إذا طبقنا القاعدة الدينية بشأن الفقير فإن نسبة الفقر ستصل إلى ما يزيد عن تسعين في المئة ، ولذا فعلى الدولة الحالية أن تجعل من القضاء على الفقر الشديد ضمن أجندة أعمالها الرئيسة ، وأن تحدد مصفوفة وطنية واضحة المعالم ومضمونة النتائج وبدعم مباشر من المؤسسات الدينية والقطاع العام والخاص وهيئات المجتمع المدني الحكومية وغير الحكومية...

- إن مجتمعنا زاخر بالظواهر السلبية المتعددة وتتجاذبه هذه العادات عن تحقيق نهضته المنشودة ، فلا بد من إيجاد بدائل حضارية من قبل جميع المؤسسات تجعل الناس يقلعون عن هذه الظواهر ويندفعون في صنع آمال جديدة تخدم واقعهم وحياتهم ، وهنا أيضا يأتي دور وسائل الإعلام بمختلف صورها والمساجد وتجنيد العامل الديني لإنجاح هذا التحول الكبير في بنية المجتمع اليماني ، ولاشك أن بلادنا هي دولة شابة وفتية ويمثل الشباب أكثر من ستين بالمئة من مجموع تعداده السكاني .

- لم يعد من المنطقي التسليم بتقلص القطاعات الخدمية رغم توفر القدرات اليمانية النوعية ، وأصبح بديهياً العمل على حل مشاكل الكهرباء والماء والزراعة والتصنيع لتلبية متطلبات الناس الأولوية ، ثم يتم تطويرها تدريجيا لتغطي طموحاتهم الكبرى في النهوض المنشود .

- على بلادنا أيضاً أن تسهم بفاعلية في محيطها الدولي والإقليمي وأن تجتذب رؤوس الأموال العربية والإسلامية والغربية ،لأن تحريك قطاع الاستثمار يمكن أن يخلق فرصاً ثمينة لتوظيف آلاف الأيدي العاملة ، مع القيام بإعادة تكوين هذه العناصر بما يتناسب مع حاجات هذه القطاعات الاستثمارية .

- إن اليمن يمتلك إمكانيات عظيمة مثل ثرواته البحرية وجودة سلعه من الفواكه و الخضار و كذا مخزون من المعادن التي لم تكتشف بعد ، و يمكن أن تشكل فارقاً نوعياً في مستقبل الأيام ، ويحول بلادنا إلى دولة قوية بكل المقاييس ، ناهيك عن فضاءاته السياحية الغنية و ثرائه الثقافي و التاريخي و تنوع مناخه و أراضيه و أخيراً سكانه المعروفين بصفاتهم و أخلاقهم المتميزة .

هذه بعض الجوانب أضعها بين يدي صانعي القرار الوطني ، حتى تكون نبراساً لبناء نهضة يمانية راسخة إن شاء الله تعالى ، ولا أنسى في آخر المطاف أن أؤكد دور التربية و التعليم في تغيير حياة الناس و تحقيق الإنصاف و المساواة و بناء جسور السلام بين مختلف شرائح الناس و احترام سيادة النظام و القانون ، ولذلك فإن مؤسسات بلادنا مطالبة بالضغط على موازنة الدولة العامة حتى تسخر أغلب مواردها في خدمة التعليم و البحث العلمي الذي صار ركيزة أساسا لبلوغ أهداف القرن الواحد و العشرين .

ولنا في دول الشرق آسيا أنصع برهان فهذه الدول استطاعت عن طريق العلم و التعلم أن تنهض علميا عملياً و تتجاوز واقعها المرير في وقت قياسي ، ثم صارت الآن من الدول المتطورة تكنولوجيا و تنافس الدول الغربية ، وليس أدل على ذلك من تفوق إنفاقها على التعليم على إنفاق كندا وإيطاليا ، أما الأعجب فهي مقولة لخبراء الاقتصاد الأمريكي التي تذهب إلى : لولا الصين لهلكت الولايات المتحدة الأمريكية ، ولذلك فنحن لن نبدأ من الصفر ونمتلك ثروة هائلة من البيانات المعلوماتية تجعلنا مستقبلا إن أخلصنا لله العزم من أقوى دول العالم..