الرئيس والسلفيون وأحجار الأساس
بقلم/ عبدالفتاح الحكيمي
نشر منذ: 18 سنة و 3 أشهر و 20 يوماً
الخميس 31 أغسطس-آب 2006 10:06 ص

من حق الرئيس علي عبدالله صالح تحسين سمعته التي تضررت طوال 28 عاماً من حكم الفساد.. ومن حقه أيضاً تلميع صورته قرب انتخابات الرئاسة والمحليات, لكن ليس من حق الرئيس الحالي استغلال الأموال العامة للدعاية الشخصية والتأثير غير المشروع على ارادة الناخبين كما يحصل في افتتاح المشاريع الخدمية في مختلف المحافظات ووضع أحجار أساس لغيرها كان آخرها في محافظة عمران التي يعلم أهلها ان مشاريع المدارس والطرقات والمياه هي من اموال الشعب عادت الى الشعب, وليست هبة او منحة مصروفة من جيب الرئيس او رئيس الوزراء والمسئولين الذين هرعوا لوضع أحجار اساس بعضها وهمية لاسترضاء المواطنين والتودد إليهم في الدعاية والتصويت للرئيس. تجارب الناخبين مع السلطة اسعفتهم الى انها لاتعترف بحقوق مواطنتهم في الخدمات ولا تحترم ادميتهم الا في مواسم الانتخابات فقط.. ذلك ماحدث عندما استنفر الرئيس جهاز دولته وكبار المسئولين للانتشار السريع في عموم المحافظات.

تعمدت السلطة مثلاً في محافظة عمران بصورة خاصة الى تأجيل ومماطلة اعلان وضع احجار الاساس لتأديب الناس الذين بحسب استطلاعات الرأي قال معظمهم سيمنح صوته لمرشح النزاهة الاستاذ فيصل بن شملان, وفي اللحظات الاخيرة قرب موعد الدعاية الانتخابية الرسمية لمرشحي الرئاسة يظهر رئيس الحكومة لوضع احجار اساس في عمران لمشاريع يعلم الرئيس الذين سيقمون بتنفيذها- اذ حدث ذلك- هم مقاولون وتجار من عيال السلطة نفسها.

ابتزاز وطاعة

كان امام الرئيس صالح 28 عاماً من البقاء في السلطة لوضع حجر اساس واحد فقط لاغير لمبادئ واخلاقيات الحكم النزيه بدلاً من الاف الاحجار لمشاريع يأكلها الفساد من اللحظة الاولى حين ترسو المناقصات على الوزراء وكبار المسئولين وشركاؤهم الاكبر من الباطن.

مافائدة كل هذه المظاهر الانتخابية اذا كانت المشاريع تصب في جيوب الفاسدين في النهاية.

ابتزاز أصوات الناخبين بهذه الطريقة فساد سياسي مفتوح تمارسه السلطة بتمويه الناس وخداعهم والاستخفاف بالعقول, وهذه ليست من وظائف الدولة النظيفة التي تحترم نفسها وتحترم حقوق المواطن وارادته وعقله.

عندما تكون المعادلة هي (اعطني صوتك اعطيك مشروعاً) أو حجر أساس, ذلك ابتزاز وتسول سياسي لايليق بنظام عمره 28 عاماً.. والادهى هو ان يقال في اعلام السلطة رداً على المحتجين ان هذه ليست دعاية انتخابية, بل هي من المهام الاعتيادية التي يمارسها الرئيس او من يفوضه, فلماذا كل هذا الولع الطارئ بالمواطن قبيل الانتخابات بشهر ونصف فقط؟.

لاتعترف السلطة بالمواطن سواء في عمران او حضرموت وتعز وذمار وعدن او صعدة إلا مرة واحدة كل انتخابات, ولو كان الرئيس علي عبدالله صالح متفرغاً لممارسة مهامه وليس لاحجار اساس الانتخابات لوصلت اليمن الى الفضاء طوال العقود الثلاثة الماضية, لكنه يبدو مشغولاً او مذهولاً بسؤال كيف وصل الى السلطة وكيف ظل على سطح الكرسي (وليس القمر) طوال هذه العقود؟.

وعندما سألته صحيفة الناس عن رأيه بالشعب اليمني قال الرئيس صالح (الشعب اليمني مسكين) بلهجة اقرب الى الاستخفاف وليس احتراماً منه على صبر الشعب عليه وعلى فساد حكمه.

من حق الرئيس ترقيع صورة فترة حكمه في ظل انتخابات تنافسية مع مرشح النزاهة قد يقذف به خارج اسوار السلطة التي لاتغري سوى المنتفعين منها, فاحجار الاساس وحدها لاتكفي, اذ تم حشد كل شيء من أموال ومشاريع ووظائف ووعود وهمية وتهديدات مبطنة لفقراء الصندوق الاجتماعي وحتى شرفاء المؤتمر لم يسلموا من وعيد السلطة, اما من يطلق عليهم (السلفيين) استجاب قطاع منهم هذه المرة مثل جماعة ابي الحسن المأربي ومحمد الامام ويحيى الحجوري لـ(طاعة ولي الامر) ومحاولة فك اسره وزنقته الانتخابية, وطوبروا امام لجان التسجيل للحصول على بطاقة انتخابية بعد ان كان كل شيء عندهم في حكم الحرام من الديمقراطية والانتخابات الى عصير الليمون والاناناس باعتبار العصارات لم تكن موجودة على عهد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم). حتى مياه الحنفيات والمعبأة حرام عكس مياه الآبار, لكن الرئيس (ولي الامر) اقنعهم ان التصوير الملون حلال جداً بعد اصرار بعضهم على استخراج بطاقات انتخابية بدون صورة. لكنها طاعة ولي الامر التي قصروها على الرئيس فقط ولو كان ظالماً.

200 سلفي فقط

ظهرت حاجة الرئيس للسلفيين (الجدد) مع حرب صعدة الاولى والثانية 2004-2006م بعد اصدار ابي الحسن المأربي مااسماه فتوى ضد السيد حسين بدر الدين الحوثي والشيعة, ولعل المأربي هو المستفيد الوحيد من هذه الضجة وبريق ذهب المعز, فنعرف من زملائه في جمعية البر والتقوى من الزاهدين بالدنيا ومن يخشون الله, ولا يفرطون بامانة العلم, لكن الرئيس اعجب بفتوى المأربي التي صدرت في الزنقة, فصعد نجم ابي الحسن دون سواه, ولم يشأ خصومه أيضاً ان يظهروا عدم طاعتهم لولي الامر او تجاهله, فتبعه محمد الامام في معبر ذمار والحجوري يحيى في صعدة. والسلفيون في الانتخابات ليسوا صنفاً واحداً, فهم يختلفون مع بعضهم ومع الجميع أيضاً, الا ان السلطة تظن ان كل من له رأي أو خلاف فقهي مع اهل التشيع سوف يمنح الرئيس صوته. فهؤلاء لن يعوضوا خسارة الرئيس لمعظم اصوات ابناء صعدة التي فقدها بالحرب ضد جماعة شعار (الله أكبر.. الموت لامريكا.. الموت لاسرائيل).

اذا شئنا الامانة والدقة, لاتتجاوز اصوات هؤلاء السلفيين المشار اليهم وتراهن عليهم اسلطة في فوز الرئيس اصوات ما يسمى (المجلس الوطني للمعارضة) ياسين عبد سعيد وخبرته, مائتا صوت او يزيدون قليلاً, لكن ضجة الميكروفونات (المحرمة) في طريق معبر ذمار او في صحراء دماج صعدة وجبال مأرب جعلت لهم شنة ورنة (الدنيا ارزاق) سيدرك بعدها الرئيس انه لا أحجار الاساس ولا السلفيون ضاعفوا من شعبيته وشهرته, وهم المستفيدون منه, وان فوزه بالانتخابات سيبقى محل شك في ظل منافسة بن شملان القوية ووعي الناخب التائق للتغيير والاصلاح.. وهذا الكلام لصالح السلفيين المساكين انفسهم حتى لاتظن السلطة انهم كانوا وراء فشل الرئيس او قلة عدد الاصوات التي حصل عليها للفوز, وهو مخرج لهم ايضاً على ان ما قبضوه من السلطة غير ملزمين باعادته, فيكفي انهم قد خالفوا تعاليم الشيخ مؤسس الجماعة (مقبل الوادعي) رحمه الله وتجرأوا على التقاط صور شمسية (ملونة) لانفسهم في انتخابات يعتبرونها محرمة في شرعهم, لكنها طاعة ولي الامر كما يفهمونها أيضاً.

لم تعدم السلطة وسيلة لتحسين صورة حكم الرئيس ومضاعفة شعبيته في الانتخابات الا واقدمت عليها, جمعية الصالح (الخيرية) ومشروع مارشال الانتخابي, قطمة سكر وخمسة الاف ريال او نصف خروف للصوت الواحد, ايهما افضل, وسيارة بـ10 او 15 مليون ريال للكبار رزقهم الله وفتح عليهم الرئيس من خزائن الدولة, او صندوق الشئون الاجتماعية واستغلال فقر اليتامى والمحتاجين, والخدمة المدنية ووظائف توزعت هنا او هناك مشروطة بالتصويت لصاحب الفخامة والتحشيد لصالحه.

الاف المبعدين من وظائفهم واصحاب الرواتب المجمدة منذ عشر سنوات واكثر موعودون بقرب الفرج (عج), وعود اخرى لمختلف الفئات والشرائح والاعمار من سن الرضاعة واطفال المدارس الى العاطلين عن العمل او المنهوبة وظائفهم, لكنها وعود معلقة في الهواء بما فيها توظيف طلاب الجامعة والثانوية بعد تخرجهم التي لن تحدث حتى في ليلة القدر عدا في شهر الكذب هذا, شهر الدعاية الانتخابية, لكنه التفنن في ابتزاز اصوات الناس بأي وسيلة.

لن تعيد احجار الاساس السمعة الباهتة لاصحابها, ولن تقدم او تؤخر اصوات السلفيين ولاتدفق الاموال والعطايا من الجمعيات والهيئات وكلها تدين السلطة وتدمغ فسادها باستغلال فقر الناس وظلمهم لبقاء شخص واحد في الحكم بأي ثمن, يؤخر اكثر من ما يقدم ويعبث ا كثر من مايصلح.

وتصبحون أو تمسون على حجر اساس او سلفي في طابور انتخاب الرئيس!.