هل يصلح أصدقاء اليمن ما أفسده الداخل؟
بقلم/ شاكر احمد خالد
نشر منذ: 14 سنة و 6 أشهر و 14 يوماً
الإثنين 07 يونيو-حزيران 2010 01:24 م

 ثلاث مؤتمرات أخذت طابع الاهتمام الدولي باليمن، ولاتزال تثير الشيء الكثير من الجدل والغموض حول آليات العمل والمسار الذي سوف تأخذه المباحثات والمناقشات في المستقبل بين اليمن وشركائه الاقليميين والدوليين.

 ولا يرجع الغموض سوى لبعض التفصيلات التي فضل الجانبان على ما يبدو بأن تظل طي الكتمان أوفي حدود الخطوط العامة والعريضة والتي تقتضيها أجواء العمل ضمن درب طويل هدفه المعلن هو "انقاذ اليمن" من التحديات والازمات التي عصفت بأبنائه وباتت تشكل تهديدا اقليميا ودوليا متصاعدا.

انما المسار الذي تحدد لليمن من قبل شركائه الاقليميين والدوليين، فقد بات أكثر من واضح خاصة منذ انعقاد الاجتماع الاول لمجموعة "أصدقاء اليمن" الخاص بالاقتصاد والحكم الرشيد والذي استضافته العاصمة الاماراتية أبوظبي في نهاية مارس الماضي. وكما هو معلوم، فقد جاء هذا الاجتماع استجابة وتلبية لنتائج مؤتمر لندن الذي دعا له رئيس الوزراء البريطاني "جوردن براون" حول اليمن في نهاية يناير الماضي، وكذلك بعد مؤتمر الرياض للمانحين أواخر فبراير الماضي، والذي جاء هو الآخر كنتيجة لمؤتمر لندن.

وفي حين تفرعت عن مجموعة "أصدقاء اليمن" مجموعة عمل اخرى تحت عنوان "العدالة وسيادة القانون"، فان انعقاد المؤتمرات الثلاثة والتغطية الدولية المصاحبة لها قد جسدت مدى التحدي الذي تشكله الاوضاع اليمنية للعالم الخارجي.

ورغم الاختلاف المثير للجدل والذي صاحب الدعوة البريطانية لعقد مؤتمر لندن. الا أن المؤشرات الحالية تؤكد بأن هناك خطة عمل شمولية ومدروسة جيدا لمواجهة مجموعة واسعة من التحديات، حيث جاء مؤتمر لندن استجابة لحاجة أمنية وآنية، فكان أمنيا بامتياز، كما وضع الخطوط العريضة للمشكلة اليمنية، بينما بحث مؤتمر الرياض للمانحين الجوانب الفنية ومعرفة العوائق التي تحول دون استيعات الجهات اليمنية الحكومية لتعهدات المانحين في مؤتمر لندن الاول عام 2006م.

وتعد اجتماعات مجموعة "أصدقاء اليمن" حاسمة لجهة ملامسة جوهر المشاكل اليمنية المتعددة والدخول في تفاصيلها الدقيقة، ما يعني أن المسألة لن تخل من مفاوضات شاقة واجراءات طويلة ومستمرة وشبيهة بعمليات الادعاء والاتهامات والمرافعات المعمول بها في المحاكم.

في منتصف ابريل الماضي، عقد فريق العمل التابع لمجموعة "اصدقاء اليمن" المعني بالعدالة وسيادة القانون اجتماعه الاول في لاهاي برئاسة هولندا والأردن. وجرى خلال الاجتماع الذي شارك فيه ممثلين عن دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة وبريطانيا والمانيا وفرنسا وايطاليا ومصر وتركيا وعدد آخر من الدول والمنظمات الاقليمية والدولية، مناقشة الموضوعات المتصلة بالتحديات التي تواجهها اليمن، كما استعرضوا مقترح أولويات لتعزيز فعالية العدالة وسيادة القانون وخطة العمل لنشاط الفريق.

وعلى مستوى الداخل، عقد فريقا عمل المجموعة سلسلة لقاءات مع المسؤولين اليمنيين والجهات الحكومية ذات العلاقة بمجال العمل، حيث ركزت المباحثات على مسائل حساسة تتعلق بالتنمية والاقتصاد والحكم الرشيد وسيادة العدالة والقانون.

  ( مؤتمر برلين)

وآخر هذه الاجتماعات على مستوى الخارج، استضافته العاصمة الالمانية برلين يوم الجمعة الماضية. وبحسب وزير الدولة في الخارجية الألمانية "فيرنر هوير"، فان "مؤتمر برلين" ليس مؤتمر تقديم مساعدات مالية انما مؤتمر للمناقشات ووضع خطط لاستمرار تقديم المساعدات السياسية والمعنوية.

 

مشيرا الى ان المؤتمر يعتبر متمما لمؤتمر اليمن الذي عقد في لندن أواخر يناير الماضي ومؤتمر ابوظبي الذي عقد في مارس الماضي وبالتالي التحضير لمؤتمر وزاري حول اليمن سيعقد في وقت لاحق من هذا العام.

مؤكدا أهمية المحافظة على استقرار اليمن من خلال تضامن قوي بين الدول العربية والأوروبية والدول التي يهمها أمن اليمن والبحث عن أسباب النزاع الداخلية التي أثارت النعرات الانفصالية.

وقال هوير ان المساعدات المالية لن تساهم بالشيء الكثير في استقرار اليمن اذا لم يتم العمل على احلال العدالة الاجتماعية بين جميع سكانه.

ودفعت هذه التصريحات رئيس الوفد اليمني الى المؤتمر "محي الدين الضبي" للتعقيب مؤكدا أن من اسباب الصراعات الرئيسية في بلاده هي التعصب القبلي. وفيما أشار الى ان الحكومة تبذل جهودها لمحاربة هذه الظاهرة. نفى في الوقت نفسه عدم وجود عدالة اجتماعية. وبرر ذلك بالقول ان "هناك جهودا تبذل لتطبيقها بشكل صارم".

كما أيد مقترح ممثل دولة الامارات بضرورة عقد مؤتمر تشاوري قبل انعقاد مؤتمر وزاري من اجل مناقشة آخر تطورات الوضع في اليمن.

يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة صنعاء الدكتور عبد الله الفقيه ان مؤتمر لندن كان "هو الخطوة الأولى في طريق طويلة قد تفضي إلى إنقاذ اليمن أو قد تزيد من تعقيدات الأزمات القائمة وسيظل تحقق أي من الأمرين مرهونا بالكيفية التي سيعمل من خلالها أصدقاء اليمن من جهة والحكومة اليمنية من جهة أخرى".

وهو يرى بأن الهدف غير المعلن لمؤتمر لندن هو تعبير المجتمع الدولي عن دعمه لليمن بقوة في اطار حربه ضد الارهاب، ولكن مع ادراكه بأن هذه الحرب تتطلب معالجة المشاكل والتحديات التي تمثل مغذيا لعدم الاستقرار والتي تشمل الصراعات السياسية العنيفة والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية.

  ( ملفات مؤتمر لندن )

ولهذا يتحدث العديد من الخبراء والمحللين عن نتائج واستحقاقات كثيرة للمؤتمر، حيث يرى خبراء ومسؤولين يمنيين واجانب أن الحكومة اليمنية قطعت خطوات حثيثة في التعاطي مع بعض الملفات التي بدأتها في وقف حرب صعدة، وتعديل أسعار الوقود، ورفع سعر الفائدة بغية الحفاظ على استقرار العملة الوطنية، والشروع بإدخال تعديلات تشريعية على بعض القوانين، كما حرصت على التعاون مع الغرب في تنفيذ العديد من الضربات ضد عناصر تنظيم القاعدة.

لكن لايزال هناك العديد من القضايا العالقة واهمها الحوار المتعثر مع احزاب اللقاء المشترك. وبحسب ما توقع عدة مراقبون ومحللون، فان هذه المؤتمرات المتعاقبة لأجل اليمن لم يترتب عليها أي مساعدات مالية مباشرة، فقد جاءت مرهونة بجملة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية بما في ذلك مكافحة الفساد.

 

ويشير هؤلاء الى ان المشكلة في الأساس يمنية، وأنه ما لم يكن الطرف اليمني حريصا على الاستفادة من الفرص المطروحة، والتوجه بإرادة جادة ومصداقية واضحة لحل المشكلات التي تعانيها البلاد، فإن الآخرين لن يكونوا ملكيين أكثر من الملك.

ويقول رئيس مركز الجزيرة والخليج للدراسات احمد محمد عبد الغني ان "الحكومة اليمنية تتهرب من مواجهة المطالب الدولية والإقليمية التي تدعوها إلى إجراء حوار وطني، والقيام بإصلاحات حقيقية ومكافحة الفساد، كما أنها مصرة على انتهاج سياسة تصدير القلق للآخرين والتعامل معهم من خلال إشهار هذه الورقة والتلويح بها كلما اقتضى الأمر."

أما الدكتور عبد الله الفقيه، فيرى بأن الاجتماعات المتعاقبة لأجل اليمن تناقش كلها بشكل أساسي العوائق التي تمنع الحكومة من تنفيذ التزاماتها في ما يخص مكافحة الفساد، وغياب الشفافية والوضع الأمني المتردي وضعف البنية الأساسية وغيرها.

مشير الى أن المجتمع الدولي سيظل ينتظر ما تقوم به الحكومة على صعيد حل قضايا الحراك في الجنوب وفي صعدة وإطلاق المعتقلين والكف عن قمع الصحف والصحفيين، وإقالة المسؤولين الفاسدين ومحاربة القاعدة وغير ذلك من المشاكل.

ويضيف القول أن "المجتمع الدولي وخلال اجتماعات المانحين سيظل يترقب باهتمام بالغ الخطوات التالية، والأمل هو أن تصحو الحكومة اليمنية من سباتها وأن تعرف من تلقاء نفسها ما الذي ينبغي عمله قبل فوات الأوان وقبل حدوث الانهيار".

وعلى العكس من ذلك، ترى المصادر الحكومية والرسمية أن الدول المانحة لم تضع شروطا أمام اليمن سوى التعاون والحوار المشترك. وتؤكد هذه المصادر بأن هذه المؤتمرات تأتي في إطار تعزيز الشراكة مع المجتمع الدولي، وأن مساعدة اليمن تأتي في سبيل الحفاظ على الأمن والاستقرار فيه كون ذلك يعد ضمانا لأمن واستقرار المنطقة.

غير ان شكوك المانحين بقدرة الحكومة اليمنية على الاستفادة المثلى من المساعدات المالية وعدم التلاعب بقضايا الاصلاحات المطلوبة، تزايدات خلال الاونة الاخيرة. وعشية الاجتماع الاول لمجموعة "أصدقاء اليمن" في أبوظبي، دعت منظمة هيومن رايتس واتش المشاركين في الاجتماع الى ربط مساعداتهم بالحكم الصالح، وعلى الاحجام عن تقديم الدعم الاقتصادي قبل الاخذ بعين الاعتبار المخاوف حيال حقوق الانسان.

 

وقال مدير المنظمة الحقوقية الدولية "كريستوف ويلكى" ان "اجتماع لندن اعتبر الاقتصاد والحكم الرشيد أحد أولويات أصدقاء اليمن، لكن هذا وحده لن يحقق الكثير ما لم تتصدى المجموعة أيضا للأولوية الثانية، وهي العدالة وسيادة القانون".

مضيفا انه اذا "لم يربط أصدقاء اليمن المساعدة الاقتصادية بتحسين أوضاع حقوق الإنسان سريعة التدهور في اليمن، فإنهم بهذا سيخذلون الشعب اليمني".

  ( تأكيد على الحل السياسي)

وفي مثل هذه الحالة وغيرها، فان مجموعة "أصدقاء اليمن" قد تتحول في نظر الحكومة الى "أعداء اليمن". ويعتمد ذلك على نوعية الاصلاحات المطلوبة ومدى القدرة الحكومية للاستجابة لهذه الاصلاحات. وثمة اعتقاد لدى الكثير من المتابعين بأن الواقع اليمني وتعقيدات مشاكله مايزال يشكل داعما رئيسيا للحكومة والنظام القائم في اجبار الدول الغربية والمانحة على عملية الدعم باعتباره أفضل البدائل المتاحة.

 

ويرى الباحث الغربي "براين أونيل" أن طبيعة الحل السياسي الذي تريده واشنطن في اليمن غير واضحة. لكن أونيل استبعد أن يقتضي تغييرا جذريا. ويقول "يدرك صالح أنه يستطيع حمل الغرب على مساعدته في حل مشاكله بطريقة تسمح له بالحفاظ على السلطة المركزية، وينوي أن يكون ماكرا، وكذلك يجب أن تكون عملية تدفق مساعداتنا".

غير انه لم يستبعد أن تكون واشنطن والدول الغربية المانحة بصدد تمويل قدرة الحكومة اليمنية على إرجاء حل هذه المشاكل. وهي نفس الهواجس التي انتابت احزاب المعارضة الرئيسية في البلاد غداة مؤتمر لندن والذي وصفته بأنه أنقذ السلطة من الانهيار ووضع البلاد تحت الوصاية الدولية.

ويبدو من خلال التطورات اللاحقة ان هذا الموقف المعارض تجاه الخارج قد تغير كثيرا خاصة بعد ان دللت المؤشرات وعمل مجموعة "أصدقاء اليمن" بأن الحل السياسي هو المطلوب. ولاحظت احزاب اللقاء المشترك غير مرة بأن هناك هدوء غير معتاد في خطاب السلطة تجاه المعارضة أثناء اجتماعات مجموعة "أصدقاء اليمن"، كما أن هناك محاولات اوروبية لرعاية الحوار المتعثر بين السلطة والمعارضة.