على خُطى الأسد... الحوثي في مأزق خطير!
بقلم/ فضل حنتوس
نشر منذ: يومين و 20 ساعة و 38 دقيقة
الأربعاء 18 ديسمبر-كانون الأول 2024 05:05 م
 

في خضم التغيرات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة العربية، تترنح ميليشيا الحوثي على شفا انهيار وشيك، فيما تبدو الأحداث متسارعة باتجاه خلق معادلات جديدة قد تقوض أركان هذا الكيان المتمرد. إنها لحظة تاريخية فارقة، تعكس مأزقًا عميقًا يعيشه الحوثيون، الذين طالما اعتمدوا على الدعم الإيراني كرافعة استراتيجية لمشروعهم العسكري والسياسي في اليمن. إلا أن هذه المعادلة بدأت تنهار تدريجيًا مع تآكل النفوذ الإيراني وتراجع أذرعها في الإقليم، ما وضع الحوثيين في موقف لا يحسدون عليه، ليصبحوا أشبه بما كان يسمى نظام بشار الأسد في سوريا: معزولين، محاصرين، ومثقلين بأعباء داخلية وخارجية قد تعجل بسقوطهم.

 

الميليشيا الحوثية اليوم في حالة من التخبط والارتباك غير المسبوق. تراجع قدرتها على اتخاذ قرارات حاسمة، وانهيار تماسكها الداخلي، ينبع من إدراكها المتزايد أنها تواجه لحظة الحسم. فبعد سنوات من محاولات فرض سيطرتها بالقوة، وجدت الجماعة نفسها محاصرة بين نار الضغوط الإقليمية والدولية، وبين غضب شعبي متزايد في المناطق التي بسطت نفوذها عليها. فالمعادلة التي راهنت عليها طهران من خلال تعزيز أذرعها في اليمن والمنطقة لم تعد قادرة على الصمود، خاصة بعد الضربات المتتالية التي تلقتها إيران وأذرعها، من العراق إلى لبنان، مرورًا بسوريا واليمن.

 

لقد لعبت إيران دورًا محوريًا في تمكين الحوثيين منذ البداية، من خلال توفير الدعم العسكري والمالي والتقني. إلا أن هذا الدعم بدأ يتضاءل بشكل ملحوظ، نتيجة الضغط الدولي المتزايد على طهران، خاصة مع تزايد العقوبات الاقتصادية التي أنهكت الاقتصاد الإيراني، وتنامي الاحتجاجات الداخلية التي تهدد استقرار النظام الإيراني ذاته. كما أن التقارب السعودي الإيراني، وإن لم يؤدِ إلى قطيعة تامة بين طهران وحلفائها، فإنه خلق واقعًا جديدًا قلص من قدرة إيران على المناورة ودفعها إلى تخفيض مستوى التصعيد في بعض الملفات الإقليمية، ومنها اليمن.

 

في هذا السياق، يجد الحوثيون أنفسهم معزولين أكثر من أي وقت مضى. محاولاتهم لابتزاز المجتمع الدولي عبر تهديد الملاحة الدولية في البحر الأحمر، أو تصعيد الهجمات بالطائرات المسيَّرة والصواريخ الباليستية، لم تعد تجدي نفعًا، بل على العكس، زادت من عزلة الميليشيا وحفزت المجتمع الدولي على اتخاذ خطوات أكثر صرامة تجاهها. فالمعادلة الدولية التي كانت تميل سابقًا إلى احتواء الحوثيين من أجل الحفاظ على استقرار نسبي في المنطقة، تحولت اليوم إلى استراتيجية أكثر حزمًا تهدف إلى تقليص نفوذهم وإنهاء التهديد الذي يشكلونه على الأمن الإقليمي والدولي.

 

داخليًا، يواجه الحوثيون أزمة وجودية تتمثل في تآكل شرعيتهم المزعومة. ففي الوقت الذي يدّعون فيه تمثيل إرادة الشعب اليمني، تظهر الحقائق على الأرض عكس ذلك تمامًا. السكان في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين يعانون من أوضاع معيشية كارثية، نتيجة لسياسات النهب والجباية التي تنتهجها الجماعة لتمويل حربها العبثية. الفقر والجوع والانهيار التام للخدمات الأساسية خلق حالة من الغضب الشعبي المكتوم، الذي بدأ يتصاعد تدريجيًا في شكل احتجاجات متناثرة، ورغم القمع الوحشي الذي تواجه به الميليشيا هذه التحركات، إلا أن هذه الاحتجاجات تحمل في طياتها بذور ثورة شعبية قد تعصف بسلطتها قريبًا.

 

ما يزيد من ضعف الحوثيين، التحديات الداخلية التي يواجهونها في إدارة صفوفهم. التقارير تشير إلى تصاعد الخلافات بين قيادات الصف الأول على تقاسم النفوذ والموارد. هذه الانقسامات تعكس فقدان الميليشيا لروح الوحدة التي كانت تعول عليها في مواجهة خصومها. كما أن تزايد حالات الانشقاق داخل صفوفها، خاصة بين القادة الميدانيين الذين يدركون قرب انهيار المشروع الحوثي، يمثل تهديدًا وجوديًا للجماعة.

 

المشهد الدولي أيضًا بات يميل إلى تصعيد الضغط على الحوثيين، خاصة مع تعنتهم المستمر ورفضهم الانخراط في مسار سياسي حقيقي لإنهاء الصراع. الأمم المتحدة والدول الكبرى بدأت تفقد صبرها تجاه المراوغات الحوثية، وسط دعوات متزايدة لتصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية دولية، ما سيؤدي إلى تقييد أكبر لحركتها وعزلها تمامًا.

 

السيناريو القادم يشير إلى أن الحوثيين يسيرون بخطى متسارعة نحو المصير ذاته الذي واجهه نظام بشار الأسد. ورغم أن الميليشيا تحاول التشبث بالسلطة عبر القمع والاعتماد على الدعم الخارجي، إلا أن هذه الأدوات لن تكون كافية للحفاظ على بقائها. فالمعادلة الإقليمية والدولية لم تعد تسمح بوجود جماعات مسلحة تتحدى النظام الدولي وتهدد استقرار المنطقة.

 

الحوثيون، كما كان الحال مع الأسد، قد يظلون قادرين على الاستمرار لفترة مؤقتة، مستفيدين من بعض التعقيدات السياسية والعسكرية، إلا أن نهايتهم باتت حتمية. فالتحولات الجارية على الأرض، سواء داخليًا أو إقليميًا، تخلق واقعًا جديدًا لا مكان فيه للمشاريع الطائفية أو الجماعات المسلحة العابرة للحدود. سقوط الحوثيين لن يكون مجرد نهاية لحكم الميليشيا في اليمن، بل سيكون بمثابة رسالة واضحة لكل من يحاول زعزعة استقرار المنطقة: أن اللعبة قد انتهت، وأن الشعوب قادرة على استعادة زمام المبادرة مهما طال الزمن.

 

الميليشيا الحوثية اليوم، وفي ظل كل هذه المعطيات، تقف أمام مفترق طرق حاسم. ولعل ما يزيد من قسوة المأزق الذي تعيشه، هو إدراكها المتأخر بأن الدعم الإيراني لم يعد كافيًا لإنقاذها. النهاية قد تكون قريبة أكثر مما يتصور كثيرون، وسقوط هذا المشروع سيعيد رسم ملامح اليمن والمنطقة بأكملها، ليكون ذلك بمثابة إعلان صريح عن نهاية عهد الميليشيات وبدء مرحلة جديدة من الاستقرار والبناء.