الدكتور عبدالكريم الإرياني
بقلم/ وكالات
نشر منذ: 11 سنة و شهر و 22 يوماً
الإثنين 28 أكتوبر-تشرين الأول 2013 04:48 م

صحيفة العرب - صالح البيضاني

لا شيء يشبه الدكتور عبدالكريم الإرياني في سجله العلمي، فقد اختط له القدر طريقا آخر غير الذي أفنى عمره في دراسته من علوم.. فعلى الرغم من حصوله على البكالوريوس والماجستير في الزراعة من جامعة جورجيا بالولايات المتحدة الأميركية عام 1964 وحصوله على الدكتوراه من جامعة يايل عام 1968 في علم الوراثة الطبية.. إلا أن الجينات الوراثية التي اكتسبها من أسرته التي اشتهرت بالقضاء والسياسة منذ أمد طويل غلبت على تاريخه العلمي.

من هو عبدالكريم الإرياني :

هو من مواليد حصن إريان في محافظة إب عام 1934.. كان عمه القاضي عبدالرحمن الإرياني رئيس اليمن في السبعينات قبل أن يترك السلطة، دون أية مقاومة تذكر، إثر انقلاب عسكري ناعم، وقد اشتهر حينها بمقولته "أنا لا أرضى مقابل بقائي في السلطة أن يسفك دم طائر دجاج".

عاد عبدالكريم الإرياني من الولايات المتحدة إلى اليمن في العام 1968 للعمل كمدير لمشروع وادي زبيد في مجال تخصصه العلمي، لكن وبفضل تاريخ أسرته السياسي ولقبه العلمي الذي كان نادرا في اليمن آنذاك تم تعيينه رئيسا للجهاز المركزي للتخطيط ووزيرا للتنمية بعد ذلك بفترة وجيزة، غير أنه ما لبث أن جمع بين منصبين في ذات الوقت حيث تولى منصب وزير التربية والتعليم ورئيس جامعة صنعاء عام 1976- 1978، ليتواصل صعود نجمه السياسي بصورة لافتة، فبعد ثلاث سنوات فقط، وفي العام 1980 أصبح رئيسا للوزراء في الجمهورية العربية اليمنية وظل في المنصب ثلاث سنوات أخرى. ومن أبرز القرارات التي اتخذها عند رئاسته للحكومة، والتي ظهرت آثارها الإيجابية لاحقا، منع استيراد الفواكه من الخارج وهو الأمر الذي أحدث تطورا نوعيا واكتفاء ذاتيا في الإنتاج الزراعي اليمني.

ولم يخفت بريق الإرياني طوال المراحل التي مارس فيها العمل السياسي، فبعد قيام الوحدة اليمنية في العام 1990، أصبح وزيرا للخارجية في حكومة المهندس حيدر أبوبكر العطاس، ثم وزيرا للتخطيط.. حتى أتت حرب صيف 1994، التي غادر فيها شركاء الوحدة اليمنية.. حيث عين نائبا لرئيس الوزراء ووزيرا للخارجية ليعود بعد ذلك رئيسا للوزراء خلال الفترة الممتدة من 28 أبريل 1998 إلى 31 مارس 2001 في فترات متقطعة ولكنها متقاربة في ذات الوقت.

مستشار استثنائي

يقول الكثير من المراقبين إن الألفية الثالثة حملت في طياتها الكثير من التحولات في اليمن كما هو الحال في العالم، وقد انحصرت مهمة الدكتور الإرياني مع بداية العام 2001 في استشراف الكثير من القضايا السياسية المحلية والإقليمية كمستشار سياسي للرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح إلى جانب منصبه التنظيمي كأمين عام للمؤتمر الشعبي العام الذي انتخب فيه من خلال المؤتمر العام الخامس للحزب. ولم تقتصر حينها وظيفة الإرياني على الدور النمطي للمستشار، حيث ساهم في تغيير وظيفة المستشار ودوره الذي كان هامشيا ويعد حينها بمثابة الإحالة على التقاعد.. كان الإرياني مستشارا استثنائيا في منصبه الجديد وظل حاضرا في المشهد السياسي اليمني.

اكتسب عبدالكريم الإرياني مرونته السياسية كما يبدو من أسرته، وهو الأمر الذي مكّنه من البقاء رجلا مؤثرا وفاعلا في قيادة الدولة لفترة طويلة لم يسبقه إليها أحد، حيث قاربت الأربعة عقود.. وظل على الرغم من هدوئه المعروف ورصانته السياسية ودبلوماسيته التي اكتسبها من خلال عمله الطويل كوزير للخارجية مثار جدل ونقاش وأثيرت حوله الكثير من علامات الاستفهام وتم التعامل مع الكثير من مواقفه السياسية بحساسية بالغة. وقد خاض خلال مسيرته السياسية الكثير من المعارك الناعمة على الصعيدين المحلي والخارجي إذ يُعَدُّ "عراب" الدبلوماسية اليمنية وصانع السياسة الخارجية اليمنية لفترات طويلة، وقد عرف عنه علاقاته الواسعة بالكثير من الدوائر الغربية.

مواقف سياسية

من أبرز المحطات الهامة في تاريخ الإرياني السياسي موقفه من حرب الخليج وغزو العراق للكويت، حيث يحمله الكثير من الساسة اليمنيين مسؤولية اتخاذ اليمن لموقفها الشهير من تحرير الكويت في مجلس الأمن، وحتى هذا الوقت لا يجد الكثير من المراقبين تفسيرا لموقف الإرياني الذي دافع عنه بقوة حينها واستطاع إقناع مجلس النواب بالموافقة عليه بعد ساعات من الجدل الصاخب في قاعة المجلس.

وقد لعب الإرياني كذلك دورا بارزا في الأحداث التي سبقت حرب صيف 1994 باعتباره أحد الذين ساهموا آنذاك في تعميق الخلاف مع شريك الحزب الاشتراكي. وقد تباهى الإرياني علنا بدوره في إفشال الاتفاق الذي كان سيتم التوقيع عليه في مسقط لحل الأزمة التي سبقت الحرب.

هو مثقف موسوعي وله علاقات كبيرة بساسة العالم ومثقفيه ويعتبره البعض الليبرالي الوحيد في اليمن.. لا يحظى بأية شعبية تذكر في الأوساط القبلية والدينية وينظر البعض إلى أفكاره بارتياب.

سياسي براغماتي

في السنوات الأخيرة التي سبقت الإطاحة بحكم علي عبدالله صالح تراجع دور عبدالكريم الإرياني ولم تظهر بصماته السياسية، لكنه سرعان ما عاد مجددا إلى المشهد بقوة بعد انتخاب عبدربه منصور هادي رئيسا للجمهورية. ويصنفه الكثير من المراقبين على أنه أحد الأصوات القوية في جناح الرئيس هادي، وبينما يتهمه الكثير بالبراغماتية يرى البعض أن ثقافة الإرياني السياسية، والتي هي امتداد لتاريخ أسرته، كانت تجعله دائما في صف الرجل القوي والحاكم الفعلي.

جاء تراجع دور الإرياني في أيام صالح الأخيرة بعد أن أجهضت العديد من القيادات في حزبه أو التي تصنف في خانة الصقور مسودة الاتفاق الذي توصلت إليه لجنة الأربعة في ذروة الأزمة السياسية في العام 2010 والتي دفعت الرئيس صالح إلى القبول بالحوار مع أحزاب المشترك للخروج بصيغة توافقية لحل الأزمة المتفاقمة التي أحدثت حالة من الجمود والفوضى الأمنية والسياسية.

أبرز مهندسي التسوية السياسية التي أفضت إلى المبادرة الخليجية

كان الرئيس اليمني الحالي عبدربه منصور هادي والدكتور الإرياني ممثلي حزب المؤتمر في اللجنة الرباعية باعتبارهما نائبين لرئيس الحزب علي عبدالله صالح. وقد تمت الإطاحة لاحقا بالاتفاق الذي اعتبره بعض صقور المؤتمر انقلابا على الشرعية ومؤامرة على الرئيس صالح وتم توجيه العديد من الاتهامات إلى الإرياني لتحمسه الشديد لهذا الاتفاق.. غير أنه لم يمر الكثير من الوقت قبل أن تتلقف أحزاب المشترك الثورة الشبابية في العام 2011 لتتمكن في نهاية المطاف من إجبار صالح على التخلي عن السلطة.

يعتبر الدكتور الإرياني كذلك أحد أبرز مهندسي التسوية السياسية التي أفضت إلى التوقيع على المبادرة الخليجية والتي تخلى بموجبها الرئيس صالح عن السلطة طوعا.. ومجددا يواجه الإرياني صقور حزبه الذين كانوا يرون في التوقيع على المبادرة تخليا عن "الشرعية الدستورية" غير أنه وبرؤيته الثاقبة التي كانت تراقب عن كثب مواقف دوائر صنع القرار في أميركا وأوروبا حثّ صالح باستمرار على توقيع المبادرة والانحناء للعاصفة.

عاصفة من الانتقادات

يتكرر المشهد مرة أخرى قبل أسابيع حيث تسربت أنباء إعلامية عن موافقة الإرياني باعتباره نائبا لرئيس مؤتمر الحوار الوطني وممثلا للمؤتمر الشعبي العام على مسودة لقانون العزل السياسي قيل إنه يستهدف صالح بالدرجة الأولى وقد واجه الإرياني عاصفة من الانتقادات من صقور حزبه وحمائمه الذين أجمعوا على أن هذا القانون خروج عن جوهر المبادرة الخليجية ومضامينها ومحاولة لاستئصال شأفة الرئيس صالح وحزبه.. الإرياني انحنى بدوره هذه المرة للعاصفة وقدم استقالته من حزبه للرئيس عبدربه منصور هادي انطلاقا من فلسفته البراغماتية والواقعية تجاه المشهد السياسي، غير أن الرئيس هادي رفضها كما كان متوقعا.

في نظر الغير والخصوم :

من أبرز الانتقادات التي توجه إلى الدكتور الإرياني وصف علي سالم البيض له بأنه كان "المؤلف والمخرج لسيناريو الكذب والتزوير لنظام الاحتلال في حقبة نظام علي عبدالله صالح".

 ويتهمه وزير الثقافة السابق وعضو مجلس الشورى عبدالوهاب الروحاني بأنه: "شجع بقوة من موقعه القريب من الرئيس صالح على فكرة التوريث، وسباق العوائل للسيطرة على السلطة والثروة، ووجه قرار المؤتمر نحو الاستقواء ثم التصلب، وأسهم بفاعلية كبيرة في دفعه نحو القطيعة مع الكل وعدم الاعتراف بالآخر ولعب على تناقضات الأحداث تصريحا وتلميحا، منذ 2010، فحافظ على حضور ودور شخصي قبل الأحداث وبعدها تبعا لمواقفه المتناقضة".

على الصعيد الشخصي يتهمه الكثير من خصومه باستغلال نفوذه السياسي للدفع بأقاربه إلى مناصب عليا حيث لا يخلو تشكيل حكومي من تعيين أحد أفراد أسرته وزيرا، إضافة إلى تعيينه لعدد هائل منهم في السلك الدبلوماسي عندما كان وزيرا للخارجية. الدكتور عبدالكريم الإرياني ورغم انشغاله بالهم السياسي إلا أنه لازال يسترق القليل من الوقت ليطل سريعا على شغفه المغمور بالكيمياء الحيوية وعلم الوراثة، حيث قام ذات مرة برحلة خاصة إلى جامعة كامبريدج، أثناء زيارة رسمية له إلى بريطانيا، لرؤية المكان الذي تم فيه اكتشاف الحمض النووي ( DNA ).