مؤامرات بقايا العائلة لإسقاط الرئيس هادي
بقلم/ حسين اللسواس
نشر منذ: 11 سنة و 5 أشهر و 9 أيام
الخميس 18 يوليو-تموز 2013 06:45 م

أخيراً خرج الرئيس عبدربه منصور هادي عن صمته إزاء مخربي الكهرباء والنفط، حيث قال على هامش مأدبة افطار رمضانية ان الذين يعتقدون بأنهم عبر تخريب الكهرباء والنفط سيتمكنون من إيقاف عجلة الحوار الوطني واهمون.

شخصياً أثار ارتياحي مثل هذا التصريح الرئاسي الذي يؤكد على ان رئيس الجمهورية يعي جانباً واسعاً من تلك المخططات الرامية الى إحداث نقمة شعبية واسعة في صفوف المواطنين عبر ضرب الخدمات العامة.

على ان هذا الارتياح لا يلغي حقيقة وجود بواعث للقلق، إذ ان الاكتفاء بالحديث عن مخربي الكهرباء والنفط فقط لن يؤدي الى حل المشكلة لتعليلات عديدة لعل أبرزها وأعلاها شأناً ان الذين يقومون بهذه الأعمال هم لفيف من المراهقين المرتبطين بقيادات عائلية فقدت الجزء الأكبر من مصالحها ألا وهي كرسي الرئاسة وحكم البلاد، وبالتالي فمهما اتصفت مساعي الإرضاء الرئاسية بالنبل والحرص فانها لا يمكن ان تحقق غاياتها على الإطلاق.

منفذو مخططات العبث بالخدمات العامة لديهم استراتيجيات وأجندة واضحة ترتبط على نحو مباشر بأمرين أولهما: تداعيات انزياح تلك المراكز السلطوية من دائرة اتخاذ القرار الى مربع الشراكة، وثانيهما: تكتيكات الاستعادة التي تحاول فيها تلك المراكز المُزاحة ان تضع خططها للصراع الانتخابي المرتقب بوصفه نافذة للعودة.

فإذا كانت الغاية الأولى في حسابات المتضررين من عملية التغيير تتلخص في إرواء النزعات الانتقامية جراء خروجهم من السلطة بضغط وإرادة الشعب، فإن الغاية الثانية تتلخص في ضرب الشعبية الواسعة التي يتمتع بها الرئيس عبدربه منصور هادي في أوساط أبناء الشعب اليمني تمهيداً للحيلولة دون إعادة انتخابه، وهي في واقع الأمر الاستراتيجية ذاتها التي تمت في مصر منذ اللحظة الأولى لانتخاب الرئيس محمد مرسي، حيث عمدت الأجهزة السيادية المسنودة من قلب الدولة العميقة (الجيش) الى افتعال أزمات وهمية في الكهرباء والخدمات العامة الأساسية، وهو ما تسبب في إثارة النقمة الشعبية التدريجية ضد الرئيس مرسي وحكومته التي لم يكن لها ناقة ولا جمل ولا حتى بعير في تلك الأزمات الممنهجة.

اما الغاية الثالثة فتتلخص في رغبة القوى المتضررة من عملية التغيير التي حدثت بفعل ثورة الشباب في اليمن بالعودة الى كرسي السلطة مجدداً عبر بوابة الانتخابات القادمة سواءً الرئاسية او البرلمانية او المحلية، وبما ان شعبية الرئيس المخلوع صالح كانت عقب عملية الخلع في أدنى مستوياتها فقد جرى تكليف عملاء العائلة الصالحية في المؤسسات السيادية بتنفيذ استراتيجية تهدف الى افتعال ازمات وهمية في الكهرباء والنفط والغاز بهدف دفع الناس للترحم على عهد الرئيس المخلوع صالح الذي لم تكن الكهرباء إبان عهده تتعرض لهذا المستوى العالي من الانطفاءات.

الإدراك لا يبدو كافياً

ثمة من يحاول تسطيح ما يدور من عبث في الخدمات العامة داخل البلاد، بموازاة محاولات موازية للإيعاز الى انه محض استهداف لشعبية حكومة الوفاق واللقاء المشترك على اعتبار ان وزير الكهرباء من حصة المشترك، غير ان الآلة الإعلامية للجهات المشرفة على عمليات العبث في الخدمات العامة تحاول إلقاء اللائمة على شخص الرئيس عبدربه منصور هادي، ليس هذا فحسب بل ان قواعد المؤتمر الشعبي العام، وبالأخص تلك المرتبطة بولاءات عائلية صالحية ما انفكت تحاول إلقاء اللائمة على الرئيس هادي، وهي تكتيكات عميقة للغاية تتغيّا إحداث تصدعات لا مرئية في البنية الشعبية الواسعة للرئيس عبدربه منصور هادي لكي يفاجأ بمعية قوى التغيير في لحظات الانتخاب بأن شعبيته قد تدنت الى أدنى مستوياتها بعد ان كانت قد بلغت أعلى مستوياتها جراء قراراته الجريئة والشجاعة التي وضعت حداً للهيمنة التاريخية على القوات المسلحة.

ربما كان حديث الرئيس ينم عن إدراك عميق لفحوى تلك المؤامرات ودلالاتها والغايات التي يتطلع القائمون عليها إلى تمريرها، غير ان هذا الإدراك لا يبدو كافياً للتعاطي مع هذا الواقع المؤامراتي الموغل في التجذر والاستشراء.

إذ يتعين ان يلي ذلك الإدراك حزمة من الإجراءات الجريئة والحاسمة على غرار تلك التي كسب بها الرئيس هادي تأييد أبناء شعبه وتسببت في ارتفاع كبير لشعبيته الى مستويات قياسية.

وبما ان بقايا العائلة في جهاز الأمن القومي بالإضافة الى الخلايا المرتبطة بها هم المسؤولون الرئيسيون عن العبث الأسطوري الذي يتم فيه الكهرباء والنفط والخدمات العامة داخل الجمهورية، فإن إجراءات ما بعد الإدراك يجب ان تطال المؤسسات التي يتم في أروقتها طباخة مثل هذه المؤامرات الخطيرة.

إستراتيجية ضرب شعبية الرئيس

ثمة إجماع على ان ما تعانيه الكهرباء والنفط والغاز والخدمات العامة يجري وفق متوالية هندسية من الأحداث المتتابعة في اطار استراتيجية كلية جرى وضعها من جانب الأسرة الصالحية بهدف ضرب شعبية الرئيس وحكومته والحيلولة دون إعادة انتخابه بموازاة منعه من حسم الصراع الدائر مع الرئيس المخلوع على رئاسة المؤتمر الشعبي العام.

لاشك ان اي إجراءات وقائية لابد ان تستهدف المواقع والمراكز التي يتم فيها طباخة ووضع هذه السياسات والاستراتيجيات.

فالكهرباء يتم التحكم فيها من موقعين رئيسيين أولهما جهاز الأمن القومي بمقريه الرئيسيين في باب السلام وجوار كلية المجتمع خارج صنعاء، والنفط يتم الاعتداء عليه من جانب ضباط يعملون لحساب الأمن القومي الموازي الذي جرى استحداثه من جانب عمار صالح في معسكر ريمة حُميد، الأمر ذاته ينطبق على المخربين المزعومين للكهرباء.

فحين يقرر العاملون في مركز التحكم بالكهرباء داخل الأمن القومي إطفاءها عن العاصمة صنعاء، تكون خلايا الجهاز الموازي قد أصدرت تعليمات الى ضباط الجهاز في مارب ونهم وغيرها بهدف إيجاد الذرائع الملائمة للانطفاءات الكهربائية.

وبما ان جهاز الأمن القومي يملك تحكماً مطلقاً في منظومة الطاقة الوطنية التي جرى ربطها بمعدات التحكم في عهد الوزير السقطري، فإن الجهاز يعبث بالخدمات العامة والكهرباء دون علم الوزير صالح سميع ودون قدرته على التدخل للحيلولة دون تمرير مثل هذه المخططات، حيث ان معظم مهندسي المؤسسة العامة للكهرباء لديهم ارتباطات وصلات بجهاز الأمن القومي.

ولعل ثمة ما يؤكد مصداقية الأسطر السابقة، حيث نشرت وسائل الإعلام قبل أيام خلت تصريحات على لسان أحد كبار مهندسي محطة مأرب الغازية أشار فيها الى ان الانطفاءات داخل العاصمة صنعاء تتم مركزياً من مركز تحكم الكهرباء، واشار المهندس الى ان خروج الدائرة الأولى في محطة مأرب الغازية لا يبرر على الإطلاق انطفاء التيار الكهربائي عن العاصمة صنعاء لاسيما في ظل استمرار الدائرة الثانية بالمحطة الغازية في إنتاج الطاقة.

وهو ما يعني أن حوادث الاعتداءات على أبراج الكهرباء ليست سوى مسرحيات هزلية لضباط في الأمن القومي والجهاز الموازي بهدف تبرير الأعمال الإجرامية التي تتم داخل مركز التحكم بالكهرباء في الأمن القومي.

ما يتم في الكهرباء يسري الى حد كبير على النفط حيث تتم الاعتداءات المتتالية على النفط من جانب ضباط يرتبطون ببقايا العائلة في جهاز الأمن القومي.

موجة جديدة من القرارات

وبما ان توفير الخدمات العامة لا يمكن ان يتم في ظل وجود مراكز للسيطرة على الطاقة الوطنية داخل العاصمة صنعاء بموازاة وجود خلايا التخريب في الميدان، فإن المسألة تحتاج الى موجه جديدة من القرارات الرئاسية الجريئة التي ينبغي ان تتبعها إجراءات حاسمة.

يمكن للإجراءات الرئاسية هنا ان تتفرع الى جزئين: أولها يتعلق بالتعامل مع مراكز العبث في الخدمات العامة داخل العاصمة صنعاء، وثانيها يرتبط بكيفية التعاطي مع المخربين في الميدان، وبما ان ثمة ارتباطاً وثيقاً بين الأمرين، فإن الإجراءات الأولى يمكن ان تحقق تقدماً نوعياً في الثانية بصورة تؤدي الى الحد من مستويات التخريب والعبث وتحجيمها لأدنى مستوى.

كإجراءات أولى يمكن لرئيس الجمهورية استكمال مساعي سيطرته على جهاز الأمن القومي، وهذه السيطرة لا يمكن ان تتحقق في ظل وجود قيادات نفوذية ما زالت مرتبطة بعمار صالح والرئيس المخلوع، حيث يمكن للرئيس إصدار سلسلة من القرارات اولها تعيين وكيل جديد لقطاع الامن الداخلي في جهاز الأمن القومي وثانيها تعيين وكيل جديد لقطاع المعلومات في الجهاز، بالاضافة الى قرارات في عمليات الأمن القومي والدوائر الرئيسية داخل الجهاز.

كما يمكن للرئيس ايضاً ان يباشر إجراءات للسيطرة بشكل حاسم على مراكز وأجهزة ومعدات التحكم بالطاقة الكهربائية داخل العاصمة صنعاء سواءً تلك التي في مقري جهاز الأمن القومي او تلك التي في مركز التحكم بالكهرباء داخل المؤسسة العامة للكهرباء والطاقة.

ويمكن لهذا العملية ان تتم اما عبر تعيين من يرى فيهم الرئيس الكفاءة والنزاهة لإدارة هذه الأجهزة والمعدات او عبر توجيه رئاسي الى رئيس جهاز الأمن القومي يقضي بتسليم أجهزة التحكم بمصادر الطاقة الكهربائية الى وزير الكهرباء والطاقة، على ان يتولى هذا الأخير تحمل مسؤولية السيطرة عليها بما يساعد على تحقيق مستوى ثابت من الاستقرار للتيار الكهربائي في العاصمة، وذلك رغم انني- شخصياً- أميل الى معالجات رئاسية متجاوزة للوزارة.

بوسع الرئيس ايضاً تعيين مندوبين في كل مراكز التحكم بالكهرباء يرتبطون برئاسة الجمهورية بشكل مباشر.

وبوسعه كذلك ان يمنح وزير الدفاع الضوء الأخضر للسيطرة على السلاح والعتاد والمعدات الاستخباراتية الحساسة الموجودة في منطقة سنحان على ان يتم وضع سيناريوهات متعددة لكيفية تنفيذ ذلك عملياً.

ويمكن للرئيس هنا استدعاء عمار صالح من مقر إقامته في معسكر ريمة حُميد بسنحان وإلزامه بمباشرة مهام عمله كملحق عسكري بسفارتنا في اثيوبيا، حيث يملك الرئيس القدرة على إلزامه بطرائق مختلفة بممارسة عمله في اثيوبيا وعدم التواجد داخل البلاد.

لاشك ان اي إجراءات رئاسية سيتم اتخاذها لإحباط مؤامرات العبث بالخدمات العامة ستحظى بارتياح واسع في الأوساط المجتمعية وستتسبب في إفشال مخططات تحجيم شعبية رئيس الجمهورية.

وماذا بعد؟

أدرك ان الرئيس عبدربه منصور هادي ليس من النوعية الإقصائية، ولا يريد التأسيس لأي سياسات إقصائية، غير ان المسألة هنا لا يمكن إدراجها ضمن حسابات الإقصاء والإبقاء.

ثمة مؤامرة تدار من قلب المؤسسات السيادية في الدولة، وهي مؤامرة في واقع الأمر تستهدف شعبية رئيس الجمهورية بدرجة أساسية، وهو ما يضعها في قائمة التهديدات التي ينبغي التعاطي معها دونما تسويف او إبطاء.

وبما ان أي نظام حاكم لا يمكن له الاستقرار في ظل وجود تهديدات واضحة من قلب النظام نفسه، فإن التعامل مع هذه التهديدات بقرارات جريئة وحاسمة لا يمكن ان يندرج في إطار سياسات الإقصاء على الإطلاق، حيث ان اي إجراءات بهذا الصدد سيتم تصنيفها على انها إجراءات وقائية على طريقة الضربات الاستباقية التي عادة ما يتم اللجوء الى تنفيذها لتفادي اي مخاطر محدقة أضحت لائحة في أفق الترقب.. وكفى.