اليمن والإرهاب وأكاذيب العلاقات العامة
بقلم/ نبيل الصوفي
نشر منذ: 17 سنة و 5 أشهر و 17 يوماً
الخميس 05 يوليو-تموز 2007 04:46 م

ذات تحدي اقترح الأستاذ علي سيف حسن برنامجا وطنيا لـ"نبذ الإرهاب". الفكرة كانت تبحث عن كيفية استنهاض اليمنيين لمكافحة آفة التطرف والإرهاب، والذي يعني -كفعل فردي أو جماعي خارج المؤسسات الرسمية- استخدام القوة للدفاع عن الرأي أو المصلحة، أيا يكن توصيف هذه المصلحة ومشروعيتها.

الفكرة ذابت كمئات الأفكار التي "تنط" الآن للبيانات والتنديدات والخطابات التي تدافع عن الإسلام واليمن وقيم اليمنيين. لكنها ستذوب بمجرد خمود الأخبار الإعلامية عن كارثة الاغتيال لإنسان لايدري بأي ذنب قتل ! بالقرب من معبد بلقيس.

حادثة بعد أخرى، يتأكد للمراقب أن كل مايتعلق بمكافحة الإرهاب في اليمن ليس سوى "خطابا للدفاع عن النفس" وليس لنبذ الإرهاب ولا للتضامن مع الضحايا.

لعله باستثناء الإجراءات الأمنية التي يمكن التأكيد -مع تحفظات مهمة بشأن بعض الأخطاء- أنها فيما يخص مكافحة الإرهاب يمكن وصفها بالمسئولة، وبالجهد الممكن الذي يراعي البيئة العامة أيضا.

باستثناء تلك الإجراءات فإن اليمن لايكافح الإرهاب. اليمن لايفعل مايمكنه بشكل حقيقي لتجنب إهدار الدم، سواء دم السائح أو المواطن، أو حتى دم الإرهابي نفسه.

بل إن اليمنيون حتى الآن -أتحدث عن نخبهم بالتحديد- لاتزال تتعاطى مع الإرهاب كقضية صراعية، تتبادل حوله الاتهامات.

نعم إن ماحدث من إجماع لرفض كارثة مأرب، يثير التقدير لليمنيين الذين هبوا بمختلف انتماءاتهم السياسية لإدانة الجريمة، ولكن ليس هذا نهاية المطاف بل ولا حتى بدايته. القتل ليس قضية محصورة بين حدود اليمن، والآخر الموطن الأصلي ولكن ليس لأسامة بن لادن وحده، بل لأسرته وإخوانه أيضا.. ولم يقل أحد أن أسرة بن لادن "بؤرة إرهاب" لذا فاليمن من باب أولى ليس كذلك.

لكن اليمن يرفض -بكل قواه- التعاطي المحترم لأرواح الناس بمافيهم شباب القاعدة أو غيرهم من الشباب المتحمس الذي ذنبه الوحيد إنه ينفذ مايسمعه منا جميعا، بشأن العلاقات الدولية والصراع الديني، والجهاد المقدس في العراق.. وعشرات المفاهيم التي نغرسها جمعيا في ذهن الشباب ثم نعود لنلعنهم إن فدوا أفكارنا بدمائهم!!

لقد تلقيت اتصالا عقب حادث مأرب من مدينة برشلونه من صحفي أسباني بدأني بـ"السلام عليكم"، فاقشعر جلدي، وقلت له إني كمواطن يمني ضحية ماحدث أيضا. إذ لا أجرؤ على مناقشة قضايا الإرهاب والجهاد والسلام والعلاقات بين الديانات والشعوب، ولا يمكنني معرفة أي معلومات عن أداء أجهزة الأمن في علاقتها بالمتهمين بالإرهاب، ولايمكنني أن أعترض على خطيب مسجد لاتزيده أحداث العالم إلا مزيدا من الهياج والعشوائية في الخطاب. ولايمكنني أن أقول رأيا آخر ضد الجمل المفخخة التي تستولي على الذهنية السياسية فتفسد قدرتها على تقديم تجربة مختلفة للدفاع عن حقوقنا كمواطنين أو كدول ضد مآسي لايمكن إنكار حدوثها، ولكن ليس مايحدث طريقة للدفاع عنها.

إنني أنا الضحية كمواطن، يقزم الإرهاب خياراته، ويسلبه أصدقاؤه ورفاقه لأن الأول منهم رأى صورة مؤلمة من فلسطين أو العراق، وسمع خطبة عن نصرة المسلمين بالروح والدم، وتمجيد المقاومة المسلحة، ولم يتح له أن يشاهد الخطيب وهو بعد خطبته يعود لمنزله ليعد جولة أخرى من الخطاب ليس إلا، وقرأ للمسئولين تهويشا ضد العالم فيما أجهزة أمنه تعتقل بعد ذلك من ينفذ خطابه، وقد تسومه سوء العذاب..

وبعد ذلك يمنعه من أي نقاش حول الظاهرة الكريهة. ولايصبح أمامه إلا أن ينظم لصف الإرهاب، تعاطفا مع المآسي، أو لصف الوجه الآخر لذات الإرهاب ولكن إما الذي يمجد الإرهاب ويدين الإرهابي، أو الذي يريد ممارسة الإرهاب ضد "الإرهابي".

عن المعارضة.. وضرورات الاحتياج

لم أسمع تلفزيون صنعاء، ولكن قيل لي أنه استضاف عبر الهاتف رموزا من المعارضة بعد أن أطمئن السياسيون في الحكم أن اللقاء المشترك أصدر بيانا لعله الأول من نوعه بهذه السرعة والوضوح والمسئولية ضد كارثة مأرب.

كيف يمكن لفت الانتباه أن الشراكة وهي هنا مجرد حق للنقاش وإبداء الرأي، وليس للاقتسام والتقاسم، هي القوة المحتاج لها في اليمن ودوما، وإذا كانت تصريحات المعارضة مهمة لإدانة حادثة إرهابية فإنها أهم وأروع لتأكيد أن اليمن بلد لأبنائه جميعا وليس فقط بلد لرأي واحد منه، -ومرة أخرى نتحدث عن الرأي فقط-.

نعم، سيكون هناك الكثير ممايمكن الاستياء منه من التصريحات والنقاشات (سواء صدرت من الحكم أو المعارضة)، بل منها ماسيكون عبثيا وماضويا ومتخلفا، لكن ليس أفضل لترشيد الآراء من أن لايشعر أصحابها بالإقصاء والإدانة المبدئية. أظن لو سمعنا للمؤتمر في الثوري وللاشتراكي في الميثاق، ولهما معا في الثورة والإذاعة -رغم أن الأخير قد يصيب الأستاذ حسن اللوزي بالهلع- لتوقف قطار الصراع المطلق سياسيا وإعلاميا في هذه البلاد المرهقة بتحديات أبنائها.