آخر الاخبار
علماء وإعلاميون وآراء مفخخة 2-2
بقلم/ د. محمد معافى المهدلي
نشر منذ: 17 سنة و 7 أشهر و 3 أيام
الأحد 20 مايو 2007 10:59 ص

مأرب برس - خاص

تحدثنا في المقال الماضي عن بعض الآراء والفتاوى المفخخة من بعض العلماء الذين يطرحون بعض الآراء التي ينقصها الشرعية والواقعية ، وهي كثيرة ، أشرنا إلى نماذج منها ، فيما مضى ، لم نقصد من ذلك إلا التناصح وإزالة اللبس ، فيما نراه ، على أنّ هناك طرفاً آخر في التوجيه الإجتماعي وصناعة الرأي العام ، وهم الإعلاميون ، له أيضاً بعض الآراء والمواقف الواجب الإشارة إليها ، في خضم المسيرة الإسلامية الظافرة ، داخل إطار الصحوة الإسلامية المباركة وخارجها ، نشير إليها فيما يأتي ، علّ الله تعالى أن ينفع بها ، وهي كما يلي:

أولاً: ضرورة تسلح هذه الفئة بالعلم الشرعي الكافي ، بمعنى أن يكون لدى الإعلامي المسلم القدر الكافي من فقه الحلال والحرام ، ومعرفة المحكمات الشرعية ، التي لا يسع المسلم بحال جهلها ، كأركان الإسلام والإيمان ، وأساسيات الشريعة المطهرة ، ولعلّ هذه النقطة بالذات هي سبب من أسباب الفتنة ، في الصف الإسلامي ، فليس شرطا أن يكون كل من انتسب إلى الصحوة أو الدعوة الإسلامية أن تكون كل آرائه صواباً ، بل لقد وقع في صفوف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الجهل ببعض الأحكام الشرعية ، وتحدثوا عنها ، ونقلتها إلينا كتب السنة ، كما في حديث عمار الذي كان يجهل كيفية التيمم ، وعمر رضي الله عنه الذي كان يريد تحديد المهور ، وفاته قول الله تعالى: {وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً }النساء20 ، وكما كان موقفه رضي الله عنه من وفاة النبي ،صلى الله عليه وسلم ، واجتهاده بأن النبي لا يموت بل يرفع ، بل قال من زعم أن محمداً صلى الله عليه وسلم مات ، ضربت عنقه!! حتى بان له الحق على يد أبي بكر رضي الله عنهم أجمعين .
إلى غير ذلك من المواقف الكثيرة التي مُلأت بها كتب السنة والسيرة ، وإلى هنا لا إشكال كبير في الأمر ، فالجهل يعالج بالعلم والتعلم ، وشفاء العي السؤال ، وإنما الإشكال الأكبر من جهتين:
الأولى: إصرار بعض الإعلاميين أن هذا هو الشرع والدين ، فيقول بعضهم مثلا بولاية المرأة الولاية العظمى ، أو كون الحجاب الشرعي ليس دينا وشرعا يتعبد الله به ، وإنما هو عادة عربية أصيلة ، لا إلزام شرعا بها ، مثلا ، أو كون الربا الإستهلاكي ليس ربا ، أو قوله بأن المرأة الأولى والأفضل أن تستقل الموتور سايكل في المدن العامة ، بدلا من الستر والحشمة ، ما أمكن ، أو أن لها أن تكشف عن بعض مواطن الفتنة قياسا على الإماء في زمن النبوة ، أو أن تختلط بالرجال الأجانب ، في السينما والمقاهي والأماكن العامة ، أو جنوح بعض الإعلاميين إلى مطبّلين ومزمرين لسياسات القمع الحكومية ، وأبواق تدافع عن تقنين الفساد والظلم ومصادرة الحريات في المجتمع الإسلامي ، أو أقلام تدافع عن الخنا والفجور باسم الحريات الشخصية ، أو أقلام تسبّح وتحمد بالديكتاتورية السياسية والتعليمية والاقتصادية .. أو تمجّد الغرب وكلّ ما هو غربي بصرف النظر عن مدى موافقته للإسلام وعادات وتقاليد مجتمعاتنا الإسلامية المحافظة ، أو تعزيز العنف الثقافي والفكري ، إلى غير ذلك مما يطول ذكره وإحصاؤه في هذا المقام .
إن مجموع هذه الآراء عبارة عن مفخخات ومتفجرات فكرية تمزّق المجتمع وتزرع فيه الانحلال والفساد والشتات ، وتشيّد مجتمع الكراهية والاستبداد ، وتعلي إمبراطورية الشيطان .

إن قدراً بسيطا من الفقه والعلم ، يرفع طرح مثل هذه القضايا في صحفنا ومجلاتنا ومواقعنا الإلكترونية ، ففي كل قضية مما ذكر نصوصا شرعية يصل بعضها حد التواتر ، إن لم تكن جميعها .
إن مما ذكره العلماء في وجوب طلب العلم أنه يجب على التاجر أن يتعلم القدر الشرعي الكافي لمعاملاته التجارية ، والمجاهد يجب عليه أن يتعلم ما يكفيه من أحكام الجهاد ، ويدخل في هذا كل أصحاب الحرف والمهن ، فيجب على الجميع أن يتعلم القدر الشرعي الكافي الذي يُعرف به الحلال والحرام منها ، حتى لا يَهلك أو يُهلك ، فكيف بمنابر التوجيه والإرشاد في الأمة؟! لا شك أن الأمر أوجب وألزم .
وأقترح لعلاج هذه الإشكالية بأن يتم عمل دورات شرعية برعاية رسمية وشعبية لنشر وتعلم أحكام الإسلام لدى الإخوة الإعلاميين ، ويستضاف لها كبار العلماء والدعاة ، وأقترح أيضا تطعيم مناهج كليات الإعلام بهذه الأصول والكليات الشرعية التي يتطلبها الإعلام الإسلامي ، وهذا سيوفر علينا كثيراً من الطاقات والأموال والإمكانيات التي تهدر في حمأة الصراعات الفكرية ، ما كانت لتقع لو أن لدى هذا الطرف أو ذاك أبجديات الأحكام الشرعية التي لا يسع المسلم جهلها .
الإشكالية الثانية في هذا المقام: أن يتعامل بعض العلماء مع هذه الأخطاء التي قد يكون بعضها عن علم أو غير علم على أنها مقصودة جملة ، فيلقون بتهم التكفير أو التفسيق دونما نظر لكون قائلها جهل أو ضل ، مما يتنافى مع أسلوب دعوة الهداية والإرشاد والرحمة والرأفة التي تتطلب الإعذار والتأليف والأناة والحلم ، وهذا لا ينافي تغيير المنكر وبيان الجرم وشناعته ، غير أن ما تقتضيه طبيعة الدعوة في أزمنة الاستضعاف والفتنة ، التلطف في البيان قدر الإمكان ، لا سيما أيضا مع شيوع الجهل .

ثانياً: لا يجوز ولا ينبغي نقد الأشخاص والهيئات على وجه التشهير والتلفيق والإثارة ، بل النقد الإسلامي نقد راق وسامٍ يستهدف تقويم الإعوجاج وإصلاح الأخطاء وتصحيح المسار ، ولذا يتحاشى الإعلامي المسلم التعرض للأشخاص والهيئات عموماً ، وخصوصاً العلماء ورثة الأنبياء وحملة الرسالة ، وهذه الجملة من الكلام فيها تفصيل يسير على النحو التالي:

أ‌- لا يدخل في هذه القاعدة النقاش العلمي القائم على الأصول الشرعية في البيان ، فلا بأس من بيان الخطأ وتوجيهه وتصحيحه ، وفق القواعد الشرعية المعتبرة ، لا على وجه التشهير أو الانتقاص أو تناول ذات الشخص ، بل الواجب هو تناول الفكرة ذاتها وبيان ما لها وما عليها ، دون البناء أو التأسيس عليها ، أو محاكمة النيات ، ما لم تكن منهجاً لصاحبها أو أصلا وقاعدة كلية له ، ويكون ذلك من قِبل أهل العلم والفقه ، كما سيأتي لاحقا بيانه .
ب‌- لا ينبغي تتبع زلات العلماء وهنّاتهم وأغلوطاتهم ، بل تطوى ولا تروى ، وإذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث ، وتغتفر هذه الزلات في بحار حسناتهم ، فالنظر إلى العلماء نظر الأعمى أو الأعور أو المغشي عليه من الموت ، لا يجوز ، لأن العبرة بالغالب من الأعمال ، كما قال تعالى : {فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }المؤمنون102 ، والكمال عزيز ، كما قال الإمام الذهبي .
ت‌- العالم الماجن ، وهو الذي يتبع هواه ومزاجه الفاسد في التحليل والتحريم ، فلا بأس من ذكر فساد آرائه وتفنيدها ، وتحذير الناس منها ، بشرط أن يكون ذلك من أهل العلم ، وفق ما هو مقرر شرعاً من حرمة السخرية والغمز واللمز ، وحرمة الكذب ، أما الصحفيون والإعلاميون فهم لا ناقة لهم في هذا الباب ولا جمل ، وبالتالي فالقول بجواز تحرير آراء العلماء والرد عليها من كل أحد ، قول غير صحيح ولا سديد ، بل يجب أن تكون مناقشة هذه الآراء وتصويبها وتصحيحها من أهل النظر والعلم والفقه والديانة والإطلاع على نصوص الشرع الحنيف ، ومحكماته ومشتبهاته ، وقطعياته وظنياته ، والواجب هنا الأخذ على أيدي من يتقحمون هذا الباب من صحفيين وإعلاميين ، الذين يضعون آراء العلماء على مشرحة أهوائهم وأمزجتهم وجهلهم ، فيخبطون خبطاً ويخلطون خلطاً لا يعلمه إلا الله ، بلا برهان ولا دليل ولا حجة ولا أثارة من علم .
 وكم قرأنا واطلعنا لأقوام من الإعلاميين الذين لا يفقهون أحكام الطهارة ، يناقشون آراء أحمد بن حنبل ومالك والشافعي ومالك ، وأبي حنيفة ، وشيخ الإسلام بن تيمية وابن القيم ، وغيرهم من أعلا م الهدى ، تصحيحا وتصويبا وتخطيئا ، قائلين هذا جائز وهذا غير جائز ، وكما قيل:
يقولون هذا عندنا غير جائز * ومن أنتم حتى يكون لكم عند .
ولذا يتوجه القول بأن آراء العلماء واجتهاداتهم الشرعية ، يناقشها العلماء ، وأهل الصنعة منهم ، وكما قيل دعوا الخبز للخباز ، ولعل أكثر ما نجده من تصارع إعلامي وتضاد فكري بين بعض علماء الشريعة والإعلاميين والصحفيين ، إنما هو بسب دخول الجهال ، وأنصاف العلماء وأرباعهم لمناقشة القضايا الشرعية التي لو وقعت زمن عمر بن الخطاب لجمع لها أهل بدر .
   وهذا بالطبع ليس على إطلاقه فهناك من القضايا الشرعية ما هو معلوم لدى عموم الأمة ، فلا بأس من بيانها وإيضاحها والدعوة إليها ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم (بلغوا عني ولو آية ) .
3) كثير من الكتابات الصحفية والإعلامية ردود أفعال ، للأسف ، وهذا القدر لا إشكال فيه أيضاً ، وقد وقع قديما وحديثاً ، وسيظل ما بقي الليل والنهار ، وإنما الإشكال هو الانتصار للذات على حساب الحق ، وما نراه في صحافتنا من ملاسنات وصراعات وعراكات ، وأسواق عكاظ ، هو في هذا الإطار البعيد عن النقاش العلمي الرصين والهادئ والمستوعب للمسألة في محل النزاع ، بل هو عبارة عن تهريج وتفريغ لمشاعر الحقد والكراهية ضد هذا الطرف أو ذاك .
   إن التجرد والبعد عن الأنانية والذاتية والأحقاد الشخصية شرط في الصحافة الإسلامية الناجحة والفاعلة .
4) غياب الوعي لدى جمهرة الأمة ، يعد عائقا كبيرا يقف في وجه البناء والإصلاح ، فحيثما سمع الناس فتوى من صغار طلبة العلم ، أو رأيا أو مقالا في صحيفة ، سلّم الجميع بكل ذلك ، و إن مما ساعد في غياب الوعي هذا السيل العرمرم من الفضائيات والفضاءات الإعلامية ، التي تمجد كل رويبضة ، وتضع كل من رفعه الله ورسوله ، وأعلى قدره ومكانه كالعلماء والصلحاء والخيرون في هذه الأمة المباركة .
وتلك هي الغثائية التي أخبر عنها الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ، إنها الغثائية التي تحرّكها أمواج المياه الآسنة يمنة ويسرة ، لا تملك لنفسها رأياً ولا حولا ولا طولا ولا مقاومة .
وعلاج غياب الوعي الإسلامي لدى جماهير القراء والكتّاب يبدأ من صناعة نماذج إسلامية إعلامية راقية في العرض والأداء والحوار والنقاش ، والوضوح والشفافية ، وتعزيز قواعد التصور الإسلامي في الضمير الإسلامي .
وأكتفي بهذا القدر ، على أن الموضوع يحتاج إلى مزيد تنقيح ودراسة ، وهذا جهد المقل ، والله المستعان وهو الهادي إلى سواء السبيل .