عن انتصار مستحق ومتأخر للجيش اليمني
بقلم/ نصر طه مصطفى
نشر منذ: 12 سنة و 5 أشهر و 28 يوماً
السبت 16 يونيو-حزيران 2012 05:00 م

شهد الأسبوع الماضي العديد من الانفراجات الهامة على صعيد المشهد السياسي والأمني والعسكري الوطني إضافة إلى صدور القرار الأممي رقم 2051 يوم الثلاثاء الماضي والذي جاء أساسا لدعم سلطة الرئيس عبدربه منصور هادي، وهو القرار الدولي الأول الذي يصدر عن اليمن منذ تولى هادي رئاسته في فبراير الماضي... فقد كان استمرار رفض الرئيس السابق علي عبدالله صالح ونجله قائد الحرس الجمهوري إنفاذ قرار الرئيس هادي بتعيين قائد جديد للواء الثالث مدرع حرس جمهوري المسيطر على العاصمة صنعاء هو الدافع الأساسي لاجتماع مجلس الأمن وإصدار القرار رقم (2051) الذي يلوح بعقوبات يمكن أن تطال كل من يعيقون تنفيذ العملية السياسية الجارية في اليمن بناء على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المدعومتين بقرار مجلس الأمن رقم (2014)...

ومن حسن حظ الرئيس السابق ونجله أن القرار الدولي جاء مخففا بسبب أنه صدر في اليوم التالي لإنفاذ قرار الرئيس هادي بتعيين قائده الجديد رغما عنهما بعد أكثر من شهرين من صدور القرار في 6 إبريل الماضي... فقد جاء إنفاذ القرار كما هو معروف إثر تمرد معظم ضباط وجنود اللواء على القادة المتمردين على قرار الرئيس هادي، فقد ضاق بهم الحال وهم الذين نشأوا أساسا على مبدأ احترام الشرعية الدستورية والولاء لها عندما وجدوا قادتهم يتمردون على الشرعية الدستورية للرئيس الجديد المنتخب ويرفضون إنفاذ قراره بتعيين قائد جديد لهم... ويبدو أنهم صبروا بما يكفي على هذا التمرد حتى طفح بهم الكيل مما وجدوه تصرفا غير مقبول، خاصة وأن القائد الجديد العميد عبدالرحمن الحليلي الذي تم تعيينه رجل معروف بنزاهة سمعته وكفاءته العسكرية الكبيرة واستقلاليته السياسية إذ لم يكن يوجد أي مبرر في نظرهم لرفض تعيينه... وهكذا تحرك الضباط والجنود منذ السبت الماضي رافضين لاستمرار تمرد أركان حرب اللواء وأعوانه مطالبين بتسليم القيادة للعميد الحليلي، وتحركت الوساطات لتدارك أي انفجار في الموقف وإقناع قائد الحرس الجمهوري بضرورة إنهاء التمرد فوجد أنه ليس أمامه سوى التحلي بالعقلانية والواقعية وأنه لم يعد هناك أي خيار سوى إنفاذ قرار الرئيس هادي الذي هو في نفس الوقت القائد الأعلى للقوات المسلحة، فجرى تسليم الحليلي قيادة اللواء صباح يوم الاثنين الماضي بحضور رئيس هيئة الأركان العامة وأعضاء اللجنة العسكرية، وانتهى ما يمكن اعتباره (حصار صنعاء الجديد) بعد أقل من سبعين يوما ببضعة أيام مذكرا بحصار السبعين يوما الشهير الذي عرفته صنعاء أواخر عام 1967م!.

يمكن القول الآن أن عملية توحيد قيادة الجيش من جديد قد قطعت أكثر من 80% من الناحية الواقعية، كما أن احتمالات انفجار أي مواجهات بين فصائله المنقسمة قد تراجعت بذات النسبة إن لم يكن أكثر بل إن لم يكن كليا، وقد أسهم القرار الدولي (2051) في تعزيز هذه القناعة فكل المؤشرات تؤكد أن من تبقى من القيادات العسكرية الموالية للرئيس السابق قد بدأت تدرك بشكل كامل أنه لم يعد هناك أي مجال للرهان على إمكانية عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه وأن التغيير ماض للأمام بقوة وعزيمة وإصرار من الرئيس الجديد ومن التيار العقلاني في حزب المؤتمر الحاكم والقوى السياسية الأخرى الشريكة معه في حكومة الوفاق الوطني وكذلك من الشباب الذي خرج ثائرا ويريد أن يرى أهداف ثورته تتحقق كاملة ولو بصورة تدريجية، وكذلك من المحيط الإقليمي والمجتمع الدولي... ولهذا لم يعد أمام تلك القيادات العسكرية سوى القبول بالأمر الواقع والمتغيرات الجديدة وهو ما سيعطيها الفرصة للاستمرار في مواقعها أو أي مواقع جديدة يحددها لها الرئيس هادي... وجاء الانتصار الكبير الذي حققه الجيش يوم الثلاثاء الماضي على تنظيم القاعدة واستمرار نجاحاته من خلال استعادة السيطرة على مدن زنجبار وجعار وشقرة بمحافظة أبين بعد أكثر من عام من سيطرة القاعدة عليهما ليعزز قناعة أن التغيير الكبير الذي يشهده اليمن على مختلف الأصعدة كان ضرورة ويؤكد حقيقة أن الجيش يستعيد وحدته واعتباره... ففي أواخر شهر مايو من العام الماضي وفي ذروة الثورة الشبابية الشعبية السلمية جرت عملية انسحاب منظمة ومدروسة لبعض ألوية الجيش والأمن من مدينتي زنجبار وجعار مع ترك أسلحتها الثقيلة والخفيفة وراءها بغرض تمكين تنظيم القاعدة من السيطرة عليهما وعلى تلك الأسلحة، وكان الهدف واضحا وهو توصيل رسالة للمحيط الإقليمي والمجتمع الدولي تتمثل بأن رحيل الرئيس علي عبدالله صالح عن السلطة سيعني سيطرة القاعدة على العديد من المحافظات وتحولها إلى خطر حقيقي ليس على اليمن فقط بل على الإقليم والعالم أيضا... وقد وصلت الرسالة بالفعل لكن بعكس الغرض الذي أراده النظام السابق فقد كان أسلوب الانسحاب مفضوحا إلى حد لا يمكن إخفاؤه عن أعين العالم الذي أدرك أن الخلاص من ذلك النظام أصبح هو الضرورة القصوى وليس العكس، وأن خطر القاعدة سيزداد طالما ظل ذلك النظام في الحكم وظلت الثورة مشتعلة ضده... وبالفعل فلم يمض سوى أكثر قليلا من ثلاثة شهور على انتخاب عبدربه منصور هادي رئيسا لليمن حتى كانت انتصارات الجيش تتوالى على تنظيم القاعدة ما يعني أن المشكلة لم تكن في الجيش بقدر ما كانت في النظام السابق نفسه الذي كان يعمل دوما طوال السنوات الست الأخيرة على الاستفادة السياسية من مسألة الشراكة مع المجتمع الدولي في محاربة الإرهاب وكان ذلك يقتضي إطالة أمد حربه على القاعدة والتغاضي عن بعض أنشطتها وتحركاتها من أجل الاستمرار في تصويرها كخطر كبير يصعب مواجهته وبالتالي الاستمرار في ابتزاز المجتمع الدولي وجلب المساعدات وتدريب القوات التي أنشأت خصيصا لمحاربتها لكنها - أي هذه القوات - تفرغت خلال الشهور الستة عشر الماضية لحماية أركان عائلة الرئيس السابق دون أن تطلق رصاصة واحدة ضد تنظيم القاعدة بما في ذلك عدم الاشتراك في معركة استعادة سيادة الدولة على مدن لودر وزنجبار وجعار التي تكللت بالنصر الكبير يوم الثلاثاء الماضي، الذي يمكن اعتباره يوما أعيد فيه الاعتبار للجيش الوطني كما أنه أكد روح التغيير التي سادت قوات الجيش كجزء من الحالة الوطنية العامة التي سادت اليمن كله بفضل ثورة الشباب التي أطاحت بالنظام السابق.

لقد أسقط الرئيس هادي والجيش أسطورة القاعدة، ويمكن للعمل الأمني المحترف في الفترة القادمة أن يتمكن من التضييق على أي نشاط محتمل للقاعدة خاصة وأنه كان هناك تجربة ممتازة في هذا المجال بين عامي 2003 و 2005، ولذلك قد يحتاج الرئيس هادي أن يعيد النظر في تركيبة الأجهزة الأمنية الاستخبارية وتطهيرها من العناصر التي كان لها تواصل ما مع القاعدة ليحقق نجاحا أمنيا عقب النجاح العسكري ومن ثم استعادة الأمن والاستقرار وتهيئة الأجواء الداخلية لاستقبال الاستثمارات وتنشيط الاقتصاد الوطني... ولاشك أن إعادة الاعتبار للجيش بنصره المؤكد على القاعدة وإعادة الاعتبار لاحقا للجهاز الأمني سيعين الدولة على استعادة هيبتها شيئا فشيئا واحتواء حالة الفوضى السائدة منذ سنوات والتي جاءت الثورة الشعبية لإنهائها وبناء الدولة المدنية وسيادة القانون.