اليمن .. حرية الثورة أولا
بقلم/ ابو الحسنين محسن معيض
نشر منذ: 13 سنة و شهر و 25 يوماً
الخميس 20 أكتوبر-تشرين الأول 2011 05:24 م

الثورة اليمنية لم تختلف كثيرا عن مكونات اليمن الاجتماعية .. فاليمن يختلط فيه المحمود بالمذموم بشكل عفوي وطبيعي .. يختلط فيه الجهل بالحكمة وجاهلية الثار بالشهامة والنجدة وأعراف القبيلة بالشريعة .. فربما تجد الشاب الحاصل على أعلى الشهادات العلمية تسيطر عليه عقلية القبيلة المذمومة وأحكامها ولم يسمو به علمه للتحرر من أفكارها البالية العقيمة .. ووجه الشبه أن الثورة اليمنية إلى هذا اليوم لم تستطع أن تحرر نفسها من الوصايات والتبعيات المحيطة بها وما زالت اليكتروناتها تدور سلبيا حول ذرات عديدة داخليا وخارجيا تقوم كل واحدة بسحبها إليها حسب طاقتها فأضحت نواتها خاملة من جراء هذه التأثيرات عليها .. ونقرأ على شاشة الجزيرة عند متابعتها لأحداث سوريا هذا الشعار ( سوريا .. ثورة الحرية) أي أنها ثورة من اجل الحرية .. وإذا ما ظهر شعار شبيه له معبرا عن ثورتنا الكريمة فعليه أن يكون هكذا ( اليمن .. حرية الثورة ) , ففي بلدنا نجد أن ثورتنا تحتاج للحرية قبل أن تحققها للأخريين .. وبعيدا عن العواطف الحماسية والشعارات التنظيمية فهذا أمر واقعي ملموس فثورتنا اليمنية المباركة منذ انطلاقتها وهي مكبلة بأنواع شتى من القيود والعوائق .. تختلف أنواعها ومسمياتها ولكنها في أخر المطاف تؤدي إلى عرقلتها وتأخير نصرها بحسن ظن أو بغيره بقصد أو بدونه .. وربما كانت كالدبة التي قتلت صاحبها وهي تظن أنها تحميه وترعاه .. فثورتنا أسيرة قوى متعددة .. تابعة لوصايات متنوعة ..

محاصرة بأولويات وموازنات وبمصالح سياسية معقدة .. فقدت طعمها ولونها وعبير نسيمها .. صارت ثورتنا التي ينتظر منها الناس أن تكون سببا في حرية الشعب والوطن من ظلم الحكام وجبروت سلطة الأسرة الواحدة صارت هي في حاجة إلى من يحررها من قيودها ويفك أسرها ... سلاسل سلطات قبلية .. وقيود قيادات عسكرية .. وحواجز تنظيمات حزبية .. ومتاريس موازنات سياسية .. وجدران دعوات انفصالية ارتفعت أصواتها واتسعت مساحة الحرية الممنوحة لها مؤخرا !! وزاد الحصار تشديدا على الثورة وجود الخنادق العربية والدولية بمسميات المبادرة الخليجية والوساطة السعودية وقرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة !! الثورة يا سادة يا كرام حينما تقوم لا تعرف هذه المشاحات والمصطلحات وغيرها من المعوقات .. الثورة بركان .. زلزال .. عاصفة تقتلع كل أعجاز النخل الخاوية .. تجبر الأسود على الدخول إلى عرينها قبل الفئران .. الثورة يجب أن تكون هي القوة الأولى والمحرك لجميع القوى الأخرى ولا تنتظر قوة أخرى تساندها .. ولا تترقب جهات شتى تسيرها وتحركها .. الثورة المتجردة من كل تبعية ومصالح دنيوية ومطامع سلطوية تجبر كل القوى على السير في ركابها والإذعان لها فحتى الدول الكبرى والعظمى لا تستطيع أن تقف في وجهها أو تعرقل مسيرتها .. ولكنها تجد لنفسها متسعا من المكان والزمان حينما تنحرف الثورة ولو قليلا عن مسارها نحو المبادرات الساعية في مجملها لإبقاء الحاكم أطول مدة ممكنة أو خروجه مكرما معززا .. أما ترى أن شعار ( الشعب يريد إسقاط ومحاكمة النظام ) قد تراجع واضمحل وصار المطلب أن يوقع مبادرة الخليج ويرحل .. الثورة الحرة تتعامل مع جميع القوى والوساطات من منطلق العلو والاستعلاء .. علو في المطالب والغايات واستعلاء عن التراجع والتنازلات .. الثورة تجعل من كل المكونات على الساحة وسيلة تحقق بها النصر المبين ولا تجعل هي من نفسها مطية للآخرين نحو أهداف خاصة يسعى كل كيان لتحقيقها بعيدا عن مصلحة الوطن والشعب أو نحو تنافسات شخصية لتحديد من صاحب الكلمة العليا في البلاد أو نحو تصفية حسابات متراكمة قديمة هذا أوان تفجيرها .. فثورتنا تحتاج للحرية قبل غيرها لكي تقود ولا تقاد !!

وفي خطابه الأخير أعلن صالح عزمه توقيع المبادرة الخليجية بضمانات ثلاث خليجية وأوربية وأمريكية .. وبعدها سيبحث مع المعارضة آلية تنفيذها وجدولها الزمني .. والضمانات في حقيقتها قيد أخر على جسد الثورة الصامد يحد من حركتها ويطفئ شعلتها تماما .. والجدول الزمني للتباحث عن آلية نقل السلطة لن يكون قصيرا ولا قريبا .. ما زال الثعلب قادرا بقوة على المناورة .. فأين منه أسود الثورة المخلصة القاهرة ؟!