حول إستراتيجية الثورة الشعبية الراهنة
بقلم/ علي نعمان المقطري
نشر منذ: 13 سنة و 3 أشهر و 21 يوماً
الثلاثاء 23 أغسطس-آب 2011 11:52 م

ماذا تريد الثورة من قوى الثورة؟ كيف يتحقق الحسم الثوري الفعلي؟

ما زالت الثورة الشعبية تسير سيراً حثيثاً نحو هدفها الرئيسي المتمثل في إسقاط نظام الديكتاتورية العسكرية الفاشية الاحتكارية.

نصف عام مرّ من عمر الثورة وما زال هناك الكثير من الجدل والأسئلة تخيم على أجواء الساحات وميادين الكفاح الثوري، ويتردد شعار المطالبة بالحسم الثوري باعتباره اهم شعارات المرحلة الحالية من الثورة، ولكنه يُقدم كشعار مجرد، الحسم الثوري هو المسالة الرئيسية الان وهذا صحيح بشكل عام ولكن لم يوضح احد من قيادات الثورة ورجالاتها وخطبائها المفهوم الصحيح لآليات وعمليات وتكتيكات الحسم الثوري.

وهناك نخبة طيبة من الخطباء والدعاة الثوار يروجون لحسم ثوري مشروط بسلميته المطلقة بل هم يزيدون تحذيرًا للثورة وللثوار من خطورة الاتجاه نحو الحسم العسكري أو استخدام السلاح ولو من باب الدفاع الشرعي عن الذات، ومنهم من يقول إن أي ثورة شعبية تلجأ إلى العنف أو السلاح فهي انقلاب عسكري لا حاجة للأمة به وهذا فهم قاصر تماماً عن حقيقة الثورات ومحتوياتها وتاريخها خلال العصر الحديث وهو فهم للثورات ذاتي حسن الظن ولكن في النهاية لا يفيد حركة الثورة.

وهناك في الجهة المقابلة مفاهيم عن الحسم الثوري مقصورة على معاني استخدام القوات المسلحة الرسمية المنشقة عن النظام بدعم من الظهير القبلي المتعاطف معها في تنظيم معركة عسكرية تقليدية يجري خلالها تصفية الجهاز العسكري الأمني للنظام، وهو مفهوم يعبر عن فهم للثورة انقلابي المصدر عسكري تقليدي.

وخلال هذه الديناميكية الجارية على الواقع يتم الحديث عن السلمية وعن سلمية الثورة في الساحات وكأن هناك من يفكر بصمت ساخراً من هتافات الساحات والميادين مادام الأمر صائر إلينا لا محالة، والأدهى من هذا هو أن أصوات عالية في الميادين والساحات ترتفع متناغمة مع هذا التجديف الثوري لتضيف إلى التشويش والارتباك والغموض المزيد والمزيد.

إن هذين الاتجاهين يشكلان تطرفاً خطراً نحو اليسار ونحو اليمين وهما لا يخدمان الثورة بل يضران بها في القلب وفي الصميم مرة باسم النقاء الثوري السلمي, ومره باسم الحسم العسكري الاختصاصي (التقليدي). هذان التطرفان يلتقيان بصورة أو بأخرى بل هما وجهان لعملية واحدة تجري في غفلة عن الزمن، ويهمنا هنا ان نوضح مدى بطلان كل اتجاه منهما وبإيجاز:

الباحثون عن النقاء الثوري الموهوم يقعون في تناقض حاد مع ثوريتهم عندما يدّعون الفكر الثوري ويقيدون الثورة بقيود مطلقة مسبقة شريطة إبقائها سلمية مطلقة وعدم جواز مشروعية احتمال اللجوء إلى الدفاع المسلح المشروع، كما تعرضت وتتعرض الثورة وجماهيرها للذبح والحرق والقتل بكافة وسائل العدوان كما حدث في مجزرة الكرامة بصنعاء ومحرقة الحرية بتعز وفي أرحب وعدن وإب وصنعاء.

الواقع أن هذا التيار حسن النية لا يدرك حقيقة الثورات الشعبية وتاريخها وأحداثها منذ الثورة الانجليزية والفرنسية فالروسية والصينية والألمانية والهندية وغيرها طوال قرنين من الزمن، فلم تظفر أية ثورة من الثورات الشعبية الحقيقية بالحرية والنصر بصورة سلمية وبدون سلاح نهائياً، وهناك من يحاول قياس سلمية الثورة الشعبية على مقاييس الحركات الليبرالية التي شهدتها أوروبا في السنوات الأخيرة، حيث جرت تغييرات هائلة بصورة سلمية, ولكن تلك لم تكن ثورات شعبية أصيلة؛ لأن وكالة المخابرات الأجنبية وأموالها كانت المحرك الأساسي لمعظم الحركات وتمت تلك التغيرات في إطار تفاهمات مع قسم من النظام السابق مع الجنرالات ومع الجيش القديم ومع الطبقة الاحتكارية الإدارية الحاكمة نفسها ولذلك لا يمكن اعتبارها ثورات شعبية اجتماعية حقيقية أنها انقلابات سياسية لا يمكن القياس عليها.

يدور الحديث كثيراً حول المثال الهندي بقيادة غاندي وهو المثال الوحيد الهام وهو غير قابل للتكرار للعديد من الأسباب, أهمها أن غاندي لم يكن يخوض ثورة شعبية اجتماعية داخلية وإنما كان يخوض غمار ثورة وطنية ضد احتلال أجنبي أوروبي مقيد بقوانين محترمة حتى وهو يمارس احتلال الآخرين.

ولم يطرد الأجنبي بسبب سلاح اللاعنف بل انسحب الأجنبي بسبب سلاح المقاطعة الاقتصادية الذي أشهره ملايين الهنود وبموجبه قوطعت البضائع الانجليزية مما جعل الاحتلال يصاب بالكساد، فالانجليز لم يخرجوا متأثرين باللاعنف وبسلمية الثوار الهنود, وإنما خرجوا متأثرين بخسائرهم المالية والاقتصادية والتجارية.

ومهما كانت الأسباب, فإن المثال الهندي غير قابل للتكرار في شروط الثورات الشعبية الاجتماعية الداخلية التي تختلف شروطها وظروفها عن الكفاح ضد الأجنبي.

أما الاتجاه اليميني المقابل فهو يروج لأسلوب الحسم العسكري الصرف الانقلابي ونفهم منه أنه يفكر بدفع الشباب في الساحات للتعلق بالسلمية المطلقة في الوقت الذي يواصل فيه معاركه العسكرية الحربية والقبلية ضد قوات النظام بهدف احتكار عملية تحطيم قوات النظام وفرض استسلامها له وحده، ومن ثم يفرض قوته العسكرية الوحيدة في الساحة باسم حماية الثورة السلمية مع ما ينطوي على ذلك من مخاطر تقيد حركة الثورة وأهدافها والسيطرة عليها مستقبلاً.

وفي حال تم تحطيم أجهزة وقوى النظام بهذه الطريقة, فإن الثورة تكون في خطر حقيقي, والخطر الماثل حينها سيكون خطر العسكرتارية البيروقراطية التقليدية التي سوف تتحالف حتماً مع بقايا القوى الاجتماعية التقليدية المتخلفة لخنق مسيرة الثورة الاجتماعية التالية بآفاقها التقدمية الديمقراطية المدنية.

 

إذا فالثورة تواجه خطر الذبح الاستسلامي من جهة وخطر الخنق البيروقراطي القادم, وكلا الخطرين يشكلان سياسة برنامجية تحاول فرضها قوى على مسار الثورة وقواها في الوضع الراهن.

الثورة تواجه معضلة حقيقة الآن, ويجب على قوى الثورة الطليعة أن تفكر بوجدان صادق وحي وواقعي لكي تهتدي إلى المخرج.

في الحقيقة ليس أمام الثورة أن تختار بين أي من الخيارين السابقين, فكلاهما أكثر مرارة من الآخر.

بالعودة إلى خبرات الثورات الإنسانية والى خبرات الثورات الوطنية والقومية, نستطيع تبيان قواعد أساسية نقيم عليها إستراتيجية الثورة الحالية:

1- ليس هناك امكانية واقعية لاسقاط النظام العسكري الفاشي بالوسائل السلمية المطلقة وحدها وقد انتهت هذه الامكانية في 18/03/2011م وفي 29/05/2011م, (مجزرة الكرامة في صنعاء ومحرقة الحرية في تعز). كما لم تنجح أية ثورة في اليمن سلمياً، فإن كل ثوره تضمنت ما هو سلمي وما هو غير سلمي في وقت واحد.

2- أثبتت الاحداث والوقائع ان النظام لا يسقط ولا يتضرر ولا يتحطم الا باستخدام الوسائل العسكرية والحربية للضغط عليه وإرهابه ودفعه إلى التسليم وتحطيم قواته الرئيسية التي تستخدمها في ذبح الشعب والساحات.

3- إن ثورتنا قد بلورت وجهيها السلمي والعنفي بوضوح, وصارت الوسيلتان متلازمتين لتطور الثورة وبقائها وحمايتها وسلميتها.

ان قوى الثورة تستطيع تجاوز المعضلة عبر ايمانها بكافة اشكال النضال الثوري المشروع، وان تدمج كلا الاسلوبين معاً، وبدلاً من أن تقتنع هي بالهتافات السلمية والشعارات والمفاوضات وتترك للعسكر والشيوخ وحدهم تدبير الشؤون العسكرية نيابة عن الثورة وعن قواها وعن الشباب وعن الشعب الثائر, فإن عليها ان تدرك ان الثورة اليوم دخلت طوراً جديداً هو طور الانتفاض الشعبي الوطني المسلح, وأصبح النضال الثوري ضروريًا وواقعاً باسم الحرية وباسم الدفاع وباسم ردّ العدوان المشروع.

والمهم الآن ليس الفعل في ذاته ولكن من هو الذي يقوم بهذا الفعل من الذي يقاتل ويناضل, هل هو الشعب ذاته بكافة أشكاله وقواه وفئاته ام هي ألوية الجيش القديم المنشقة عن النظام؟ هنا يكمن فارق جوهري هائل سوف يحدد مصير الثورة مستقبلاً.

فإذا استراح السياسيون المدنيون السلميون بدورهم السهل, واعتمدوا على الاختصاص العسكري القديم في ممارسة الحرب ضد النظام، فإنهم في الواقع لا يفعلون سوى تسليم رأس الثورة إلى جنرالات طيبين جداً, حسني النية «كل أسد يُسلّم نعجة لحمايتها أو رعايتها لا يتوقع منه سوى رعايتها بطريقته التي لا يفهم سواها » ، والجنرالات الكبار حين يحمون ثوره شعبية لا يحسنون سوى طريقة واحدة لا سواها في الرعاية والحماية, طريقة وحيدة تجعل الثورة مجرد ذكرى من الماضي في أحسن الأحوال، وهذه ليست مخاوف أو توجسات وإنما هي فعلاً وقائع عانتها جميع الثورات.

فالعسكرية هي خلاصة ثقافة وعقائد وتعاليم تربوا عليها لا علاقة لها بمفاهيم الثورة والديمقراطية والحقوق المدنية والدولة المدنية الحديثة, ولا يتوقع منهم أن يكونوا طلائع حركة مدنية تقدمية، هم عسكر فإما أن يكونوا مع الثورة أو عليها، وهم يجب أن يتبعوا الثورة, لا أن يغدو سادتها أو قادتها.

ولا تستطيع الثورة الشعبية أن تتجاوز هذا المأزق إلا عبر طريق واحدة وحيدة هي كسر احتكار العسكرية التقليدية القديمة وكسر احتكارها للأسلحة والإمكانيات العسكرية العامة، وفتح الأبواب أمام العسكرية الشعبية الثورية وتمكين الجماهير الشعبية من السيطرة على السلاح العام, والمقصود هنا أن على قوى الثورة أن تسارع للانخراط في تكوين جيوش الثورة الشعبية من عوام الشعب وأبنائه في الساحات والميادين, وأن تغرق التشكيلات القديمة وتحول الجيش من احتكار تقليدي إلى مؤسسة شعبية جماهيرية حديثة ثورية مفتوحة، تقوم على التكوين الثوري الجديد للجنود القادمين من الساحات والميادين.

والمهم هو أن يهب الشعب ذاته بسلاحه ليخوض الحرب والعراك مع بقايا النظام مباشرة بقيادة كوادره السياسية الثورية ومدعوم من الألوية والحاميات العسكرية القديمة التي أنظمت إليه.

إن المعركة ضد النظام يجب أن تصبح معارك شعبية يمارسها الشعب ذاته من خلال منظماته العسكرية وجيوشه الشعبية الجديدة، التي يجب أن يبادر لتشكيلها فوراً, وعلى الألوية القديمة أن تتكفل بالتسليح والدعم والخبرات الفنية وأن تصبغ الحرب بالصبغة الشعبية الثورية.

على قوى الثورة أن تجعل الحسم الثوري الأخير سلسلة من المواجهات الحربية الشعبية والسياسية بين الشعب وقواته وجيوشه وبين قوى النظام، وأن يكون الوطن كله والمحافظات ساحات لهذه المواجهات حتى يضعف تركيز النظام لقواته في المراكز الأساسية.

إن قوى النظام قد أضحت اليوم في حال ضعف مادي ومعنوي أساسي شامل, ويستطيع الشعب المنتظم إنزال الهزائم والضربات بتلك القوى ودفعها إلى الاستسلام، والشعب الثوري يختزل الكثير من الخبرات والقدرات الحربية والعسكرية القادرة على حسم الصراع مع بقايا نظام متهاوي.

إن مثال أرحب ونهم والحيمة وخولان ويافع وتعز أمثلة حية تؤكد القاعدة التي تحكم الصراع القائم اليوم, وهي تؤكد حقائق مهمة جداً أهمها أن صراع وعراك الشعب ضد النظام وقواه تجاوز مربعات الساحات السابقة (السلمية), وتفجر عنفاً دفاعياً مشروعاً في مواجهة العنف المنفرد الفاشي العدواني, ولم يعد أمام الشعب المقهور من خيار سوى حمل السلاح، وهذا الأسلوب وحده هو الذي أنزل الضربات الموجعة بقوى النظام, وهو الأسلوب الإستراتيجي الذي يقرر مصيرها ويدفعها نحو وضع واحد هو الاستسلام أو التحطم, وهذا هو جوهر ومحتوى إسقاط أي نظام عسكري فاشي.

لقد تجاوزت الثورة طورها السلمي الأساسي, وأصبح مصيرها يتعلق بطورها الجديد, طورها الانتفاضي الشعبي الثوري المسلح.

إن ما يجري اليوم واقعاً من صراع وعراك حاسم هو صراع مسلح من أبين إلى يافع، الضالع، ردفان، أرحب، نهم، خولان، الحيمة وتعز، وهو صراع يتسع ويشمل بؤر جديدة ومناطق جديدة ومحافظات جديدة.

إن الصراع المسلح الحالي صار حقيقة كبرى تكبر كل يوم وتتسع إلى جانب بقاء النضال السلمي السياسي الذي لا يلغى ولا يتوقف, ولكنه يصل إلى اعتباره أسلوباً إضافياً إلى جانب الأساليب النضالية الأخرى.

هناك نظرة سلبية توجه إلى كفاح المناطق الريفية القبلية التي تصدت للعدوان العسكري الفاشي بنفس الأسلوب المسلح, وهو الأسلوب الفعّال الذي أدى إلى تطويق قوات النظام ومحاصرتها ومنعها من الحركة نحو اجتياح المدن والساحات السلمية.

يجب على الثوار ان يعترفوا بحقائق وواقع مجتمعهم كما هو, فالثورة تستطيع الانطلاق من الواقع القائم مهما كانت سلبياته وخصوصياته وتركيباته التقليدية، فالثورة لا تُصنع وفق معايير ذاتية يطبقها بعض القادة، الثورة تُصنع انطلاقاً من الموجودات الموضوعية القائمة وانطلاقاً من تناقضات المجتمع ومشكلاته وخصائصه ولا يمكن اعساف الواقع.

على قوى الثورة ان تتبنى بوضوح جميع اشكال نضالات الجماهير الشعبية التي تجري في أي مكان من الوطن مادام هذا النضال يهدف الى اسقاط النظام الفاشي القائم, وما دام السلاح المرفوع من قبل الشعب قد رُفع دفاعاً لصد العدوان هو سلاح مشروع تقره جميع الشرائع والأديان والقوانين، وهذا صار واقعاً حقيقياً لا لبس فيه، وليس هناك من سبيل لتحقيق الحسم الثوري سوى سبيل السلاح الشعبي الثوري المشروع.

وبدلاً من أن يفرض السلاح ذاته في الميدان بدون توجيه عقلاني وسياسي واعٍ, وهذا يمكن ان يتم بسبب العفوية التي تتسم بها ممارسات ثورية عديدة, فالسلاح لا يحتمل أي مقدار من الممارسة العشوائية والعفوية.

ولكي لا تظل الثورة مرهونة بما تقدمه القوى المسلحة من دور وجهد يشكر عليه دور حاسم في مسار الثورة, فإن قوى الثورة مدعوة إلى تنظيم المسائل العسكرية للثورة بشكل عقلاني ثوري منظم يقوم على توسيع مشاركة الشعب, كل في تحرير نفسه بكافة أشكال الأسلحة ووسائل النضال.

لا يفهم البعض أن إزالة السلاح خارج مؤسسات الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة القادمة كهدف وطني عام, وهذا لن يتم مباشرة إلا عبر جدلية تاريخية ثورية تحكمها سنن وأصول لابد من توفرها موضوعياً، فلكي يمكن انتزاع السلاح من قوة مجتمعية أو تحييد أثر سلاحها يجب تنظيم علاقات قوى المجتمع ببعضها البعض وعلاقاتها بالدولة وسلطاتها القانونية والدستورية والاصل الدستوري يقوم على عدم وجود قوى خارج الدستور والدولة الدستورية.

وكما أوضحنا, فإن هذا البحث عن النقاء الثوري السلمي يصدر عن اتجاهين ضارين على مسار الثورة:

فالأول, بقصور الثورة سلمياً وهو يعكس مخاوف التربية المدنية من السلاح والحروب وهذا ظرف من سوء تقدير الثورات.

أما الاتجاه الآخر, فهو يصدر عن قوى بيروقراطية تقليدية تخشى الثورة بقدر ما تريدها في الوقت ذاته, وهي تريد وتطمح إلى ترتيب أوضاعها الإستراتيجية في مستقبل الثورة ونظامها ومصالحها وطموحاتها، وهذا أمر طبيعي يجب فهمه، وهي تسعى جاهدة إلى مخادعة الشباب والقوى المدنية (الساذجة), فهي تشجع هذا الاتجاه الباحث عن النقاء السلمي والإدانة اللفظية للسلاح، وفي الوقت ذاته تواصل ترتيب مشاريعها الإستراتيجية والعسكرية، والسلاح وسيلتها العسكرية الرئيسية وهي تطمح إلى أن يكون الفعل الحاسم لإسقاط قوى النظام مقصوراً عليها وحدها حتى تحمل الوطن كله جميلها مستقبلاً، وواجب قوى الثورة أن تعي هذا الواقع لا بالهروب السلبي ولا بإثارة التناقضات الثانوية مع قوى الثورة وحلفائها، وإنما بأن تتبنى سياسة إستراتيجية ثورية واضحة وصريحة يكون عنوانها أن مصير الثورة الديمقراطية المدنية مرهون بجعل الفعل الثوري الحاسم ممارسة شعبية عامة.

هذا هو السبيل الوحيد لتجاوز عقدة السلاح وقوى السلاح المجتمعية ودورها في الثورة الشعبية وضمان عدم تضخيم قوى اجتماعية بذاتها وتحويلها إلى تهديد عام يعرض الأهداف الثورية إلى مصير مجهول كما حدث في ثورات سابقة, فيجب عدم نسيان حقيقة انسحاق الثورات اليمنية السابقة أمام قوى مجتمعية تضخمت خارج الدولة الوطنية وجيوشها.