الثورة وقيم التمكين
بقلم/ جمال محمد الدويري
نشر منذ: 13 سنة و شهر و 18 يوماً
الأحد 23 أكتوبر-تشرين الأول 2011 04:35 م

كان فارسا عربيا و اليوم يبحث عن ضمانات غربية تبعده عن العدالة الانسانية ، كان بوقا كلاميا و غدا اليوم ملطخ بدماء الجريمة، كان حاكما واليوم تلاحقه الحاكمية، كان وكان فرعونا واليوم يموت غارقا ببحر الدماء ، نهاية الخدمة منهجة القتل والتشريد والتدمير لمقومات التنمية، سقطت قلاع الاستبداد الحصينة في كل من مصر وتونس وليبيا وهي الآن تعانق مخاضات الاستضعاف ومقومات التمكين في كل من يمننا وشامنا، لماذا يفر الحكام من العدالة وكانوا من قبل أوصيا عليها.

إن دموع الثكالى ودماء المفقودين ، وتوجعات اليتامى و أنين المظلومين ، واخراج النساء وتغييب الجريمة هو من مؤشرات النهاية الأليمة للأنظمة المستبدة ليس هذا فحسب بل ونهاية المجتمعات الظالمة، فلن يكون هناك وصيا على الدماء والحرية والعدالة من غير منهج يحدد ملامح العدل وسنن الحق وقيم التمكين، هكذا تحركت الثورة العربية ومن أجل ذلك قدمت وستقدم المزيد.

إن سنن النهاية الحتمية للظالمين عبرة للمعتبرين وقبل النهاية يكون العذاب الروحي ونار الجريمة في أفئدة الذين ظلموا تحرقهم بسمومها وتصب عليهم حمم الهوان وتربط على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم وهناك تنتهي التوبة فلا يوفق بها ظالم غاشم افسد في الارض ولطخ براءتها بدماء المستضعفين.

إن الضمانة التى يبحث عنها علي صالح وتغطيته عن المحاسبة والعدالة هو حرب لقيمنا العادلة الحاكمة . فالدماء لا بد لها من عدالة تقود صاحبها الى الحكم ولا تكون سالفة تحجب المجرمين بالعفو وتصنع مجرمين جدد، وهكذا صالح الذي حمى المجرمين والقتلة واكرمهم بالوظيفة العامة يريد نظاما يحميه من العدالة والقصاص وهذا ما لا يرضاه عرف ولا دين.

إن الثورة هي الطهارة المقدسة التى جاءت لتطهير الأرض والنفس من عفونة الاستبداد والظلم وهو لا يعارض العرف الانساني التى تدين بها الأمم.

إن وقوف الولايات المتحدة مع النظام اليمني يخضع لمصالحها وهي أول من ستطالب بمحاكمته اذا وجدت البديل المناسب والفرق واضح بين عهد الله وعهد الطغاة ، وأن التعلق بالمحبوب السماوي هو الذي يمنح للثورة قوتها وجمالها وصفائها ويصنع لها خيوط التعلق بدماء ودموع اليمانية الزاكية الحاضنة للأمة الاسلامية وعاصمتها الأولى.

والضربة التى يدفعها الشام واليمن هي النواة الأولى لكرامة الأمة وعزتها و أباءها، فالعدالة إنسانية بحته تنتصر بها الأمة التى تتخلق بها مهما كان دينها وملتها.

وتنهزم أمة الجور المنتسبة لدين الحق اسما فالدين عدالة سماوية إنسانية انتصرت به نحل مختلفة وانهزم بتركها أمم مؤمنة لأن جوهر الحقيقة في وجودها.

إن العدالة تغطى بأنظمة الاستبداد العالمية ولكنها حينما تتجلى أمام الشعوب العالمية تجتمع على فطرة الحق والعدل .

اليوم شعوب العالم تتحدث عن اليمن والبحرين وتونس وسوريا ومصر وليبيا بعد أن كنا نعيا أن نعرفهم بدولنا ، فأصبحت هذه البلدان أعلاما يتابعها شعوب العالم و تنساب عواطفهم معها بعزة وافتخار.

إن الاعلام الشريف المسئول القاصد الممنهج المخلص أحببناه في قناة الجزيرة صوت الله في الارض وصوت الحق والعدل فهي القناة الأم التى بلورة الأمة وأعادت ابتعاثها في ظل نخبة إعلامية يستحقوا وبجدارة أن يكونوا هم الرواد والقادة في بلدان الثورات العربية.

الرعب الاعلامي هو الذي هز كيان الاستبداد والظلم وتكلم عنها ليس للنظم المتحالفة وإنما أمام الشعوب وعبر مخاضات الثورة العربية التى تتحرك بها شعوب أمتنا الأبية تتوقف رهانات الترشيحات الانتخابية في الغرب، فلم تعد قناة الجزيرة عربية فحسب ولكنها انجليزية وفرنسية في لغتها فالحقيقة الساطعة التى حركت بها شعوب العالم بلغاتهم هي النورانية التى الهمت الشعوب نحو القضايا الانسانية العادلة وبهذا انتصرت الثورة بالرعب الاعلامي كما ورد في الحديث بعثت بالرعب ونصرت بالسيف ، فالاعلام والثورة صنوان لقيم السنن الالهية، وقد انتصرت اسرائيل كونها وظفت السنن الكونية لصالحها بالإعلام الذي اظهرها امام العالم بالقوة التى لا تقهر وانهزم العرب أمامها لانها قوة اعلامية قبل أن تنكشف قوتها الوهمية أمام فلسطين وجنوب لبنان.

وقد اسهمت النظم العربية الخائنة على تركيع الشعوب أمامها.

فهذا معمر القذافي يصف قناة الجزيرة بالحقيرة وعلي صالح بالعميلة و مبارك بالتزييف و بشار ... وغيرها.

لهذا فإن الواقع يحمل عدة مؤشرات أساسية وتوصيات ثورية هي:

أن انتصار الدور الايراني في المنطقة وانتصار حزب الله واتساع شعبيته جاء لتبنيه مواقف القضايا الشعبية العربية والاسلامية واليوم تراجع في مواقفه من سوريا الثورة فتراجعت شعبيته.

أن القنوات الاعلامية تحتاج الى اعادة نقلها لخيوط الثورة العربية بالقيم الانسانية لا بالقيم العقائدية المذهبية في كل من البحرين وسوريا واليمن..

أن على الثورات الناجحة متابعة ومحاكمة ناهبيها وجلاديها واقامة الحدود العادلة عليهم حتى تكتمل منظومة العدالة وتكتمل الرسالة الثورية.

أن على قيادات الثورات العربية مفكرين وكتاب وصحفيين وعلماء وميدانين دراسة الابعاد الاقليمية والدولية ونقل رؤاهم الى القيادات السياسية للثورة حتى تمارس دورها بمعرفة تامة للمتغيرات العالمية والمحلية والاقليمية.

 ان الزعامة الحقيقة للثورة هو الاخلاص لقيم السماء والارض والوصول الى النهاية الحتمية من التحرير الحقيقي والتطهير الكامل لمنظومة الفساد التى لا تنتهي بزوال النظم وانما باجتثاث جذورها.

إن الثورة في مفهومها مغنم للعامة وتضحية من الخاصة وعلى هذا فإن تحديات ما بعد الاستبداد اكبر من تحديات النظام وهو ما يجب ان تتحرك به الثورة فالثورة المضادة للثورة الشعبية لها امتدادات بين الداخل والخارج وتحتاج الى ثلاثة اعوام فما فوقها حتى تكتمل مقومات الثورة و تحقق مقاصدها في قيمها التنموية والمعرفية .. وكلما وعت ذلك كان سباقها للزمن تحقيقا لا تعليقا.