هل اصبحنا بحاجه الى ثورة مضادة للثوره
بقلم/ نايف المريسي
نشر منذ: 16 سنة و شهر و يومين
الإثنين 27 أكتوبر-تشرين الأول 2008 04:04 م

مأرب برس - خاص

الثوره بالمعنى المتعارف عليه هي التغير من وضع الى اخر عبر خطوات ديناميكية لازمة للخروج بوضع يختلف عن سابقه بعوامل ايجابية .

وهذا المعنى قد ينطبق حتى على الثورات الارضية التي تنتج عن حراك أرضي ينتهي بإنفجار بركاني يتحول مع الايام الى بيئة غنية بشتى انواع المعادن .

وبنفس الكيفية تأتي الثورات البشرية ، فعندما يزداد الظلم وتغيب العدالة ، وعندما يتسلط السفهاء ، فلا بد ان تكون هذه عوامل تبعث على حراك بشري ينتهي بثورة تتحول الى عصر جديد بصفحة بيضاء عنوانها الانسان وعزته وكرامته وأساسها العدل ، والهم الأكبر لروادها عصر جديد العلم والتنمية اهم أركانه ، وخدمة المجتمع وأمنه ورفاهيته اول اهدافه .

وهذه بلا شك نتائج الثورات التي قامت على اساس من الصدق والولاء لذات الأرض التي نشأنا فيها ولذات الانسان الذي نما الى جانبنا واصبحنا جزء منه .

احتفلت بلادنا في الأسابيع القليلة الماضية بذكرى ثورتي 26 سبتمبر و 14 اكتوبر ، وهنا كان من المفترض على الإعلام الرسمي ان يكرس برامجه وحوارا ته لمقارنة عصر ما قبل الثورتين بما نعيشه الآن بدلا من تحويلها الى مناسبة لاستعراض ماتم انجازه بعهد الزعيم الذي فاجأ كل الأوساط بخطاب لم نخرج منه بجملة مفيدة واحده سوى التلويح بنسف الوحدة الوطنية من خلال التهديد بإلغاء الهامش الديمقراطي والتعددية السياسية .

في الوفت الذي لا يزال الكثير ينظر الى فترة بقائه في الحكم قاعدة مخالفة لما قامت من اجله الثورة .

وهنا لابد ان نستعرض بعض الحقائق الواقعية لإسقاطها على ما جاء من اهداف قامت لأجلها الثورتين .

الكرامة الإنسانية

بعد مرور أكثر من أربعين عاماً على قيام الثورة لازلنا نسمع بين الحين والآخر عن كثير من الغلابا وقد نسيهم الزمن في زنازين الجبابرة من المشائخ لا لشئ سوى انهم لم يدفعوا الجزية لفلان او علان وكان آخر ما سمعنا به ما كشفته بعض الصحف في الاسبوع الماضي عن قيام الشيخ علي القوزي احد مشائخ مديرية القناوص بمحافظة الحديدة بإختطاف اربعة مواطنين وايداعهم بسجنه الخاص ولا زالوا فيه الى اللحظة دون ابداء أي سبب لهذا الإختطاف .

ومن قبله كان حديث الشارع عما تعرض اهالي عزلة العنسيين التابعة لمديرية ذي السفال بمحافظة اب من سلب للحقوق وتهجير من البيوت والمساكن ، ولأن الفاعل من المقربين ومن أصدقاء صاحب الفخامة لم تحرك الدولة ساكناً وكأن شيئاً لم يحدث مما حدى بنفس الشيخ الى تكرار المهزلة بداية الاسبوع الحالي ومنع أهالي عزلة الصفه في نفس المديرية من شق طريق الى العزلة بقوة عساكر واطقم الشيخ .

ولا يزال البعض يتذكر حوادث سابقة قام بها الفاشق في تهامة وبعض المناطق التي يعيشها الغلاباء ومن لا حول لهم ولا قوة .

من حالفهم الحظ للعيش في عواصم المدن بعيداً عن جبروت وسطوة المشائخ ، خصوصاً من دفعهم الفقر والحاجة وعزة النفس لطلب الرزق بما يحملونه على أكتافهم أو في الجواري الصغيرة على أطراف بعض الشوارع مع ذلك لم يسلموا من جنود البلديات البواسل فلا يكاد يمضي يوم حتى نسمع عن الضرب الذي تعرض لها فلان وعن الإهانة التي تعرض لها فلان الأخر ممن تقطعت بهم طرق العيش وضاقت بهم حكومتهم ذرعاً ولم يجدوا يجدوا من الأعمال ما يكفي لسد رمق جوع أبنائهم وكفهم عن مد الأيادي .

ولم يكن الضرب والاها نه كافي بنظر البعض بل لابد من مصادرة كل الوسائل المتواضعة التي تكسبهم اللقمة الحلال .

ولعل الكثير منا يتذكر حادثة القتل التي راح ضحيتها المواطن الحامدي العامل في احد أسواق الحراج بأمانة العاصمة وانتهت القضية بمجموعة أثوار ذبحت الى روح الشهيد .

القتل والضرب والخطف والتنكيل لم يقتصر على هؤلاء فحسب بل أصبحت وسائل صالحة للاستخدام لكل من يعبر عن رأيه ولكل من يطلب بحقوقه المسلوبة ، ولعل ما تعرض ويتعرض له قادة الجمعيات في المناطق الجنوبية خير دليل وكل يوم نسمع عن اعتقالات جديدة وأحكام مسبقة وأوامر قهرية .

ولأن حكومتنا الرشيدة مشغولة برفاهية المواطن وتأمين عيشه ومسكنه فقد تناست ما يقارب المائتان يمني يقبعون في سجن الموت بجزيرة جونتنامو أصبحوا لوحدهم بعد ان فارقهم زملاء لهم من كل الجنسيات العربية والاوربية وعادوا الى بلدانهم بفعل ضغوطات حكوماتهم والمتابعة المستمرة .

البنية التحتية

وبعد مرور اكثر من أربعين عاماً على ذكرى ثورتي سبتمبر واكتوبر لازلنا نشاهد كثير من الضحايا لامراض منتشرة على نطاقات واسعة ، فكم حصد الموت من ضحايا بحمى الضنك والملاريا وبعض الامراض الغريبة .

بل تعدى الامر الى سقوط العشرات بفعل الطبية التي اصبحت ظاهرة إعتيادية في اكبر المستشفيات الحكومية والخاصة .

المعاناة لم تقتصر في صحة الانسان اليمني وتعليمة بل امتدت لتشمل الحصول على شربة الماء .

ولعل الكثير منا يعيش او يسمع عن معاناة أهالي محافظة تعز وما يبذلونه من جهد وتعب من اجل الحصول على شربة الماء .

تجسدت هذه المعاناة بمصير الطفلة سالي عبدالواحد ذات الاعوام التسعه .

في ليلة من ليال الاسبوع الاخير من الشهر الفضيل وما ان بدئت سالي عبدالواحد بالاستسلام للنوم حتى سمعت صفارة وايت الماء الذي يوزع مياة الشرب لحارتها بحي الروضة بمدينة تعز لتقوم سالي مسرعة باتجاه جالون الخمسة لتر لتخرج بإتجاه الوايت من اجل الحصول على شربة ماء يروى عطشها وعطش اخوتها الاصغر منها سناً .

لكن الفاجعه قد نزلت ولم تعود سالي بهذه اليلة بجالون الماء كما هي العادة ، لقد عادت سالي جثة هامدة مضرجة بدمها الطاهر ومحمولة على الاكتاف بعد ان دهسها وايت الماء الذي كانت تزاحم بجانبة لتصبح سالي بين لحظة واخرى شهيدة قطرة الماء والدليل الأقوى على المعاناة .

وفي ظل هذا الوضع الذي يتحول يومياً من السيئ الى الأسوأ لا يلبث الإعلام الرسمي ان يخرج علينا وكما هي عادته بتكرار ممل لعرض بعض الطرقات التي اصبحت خاوية جراء أزمات الوقود المستمرة بل ان ما يتم عرضه من طرقات تصبح منتهية الصلاحية بعد شهر او شهرين من افتتاحها ، وأيضا عرض بعض المدارس الخالية من الموارد التعليمية والمدرسين وجميعها تشيد بقروض من دول أجنبية تضاف كمديونيات على كاهل المواطن .

ولعل الاستهتار قد وصل قمته بتمرير مجلس النواب بداية الاسبوع الحالي لقرض يقدر واحد وعشرين مليار ريال لترميم عشرون مدرسة ثانوية ، بما يعادل اكثر من مليار ريال لترميم المدرسة الواحده .

الفرد الواحد والاسرة الواحدة

بعد مرور اكثر من اربعين عاماً على ذكرى ثورتي سبتمبر واكتوبر التي هدفت الى القضاء على الطبقية والتعصبات المذهبية الضيقة وتولي الوظيفة العامة على اساس القدرة والكفائة ، لا زلنا نعيش ممارسات تكريس حكم الفرد الواحد والاسرة الواحدة من خلال تعيين الابناء والاقارب والاصهار والانساب في اهم المراكز القيادية والإدارية في كل المرافق الدبلوماسية والمدنية والعسكرية .

بل وصل الأمر الى إسناد إدارات الجمعيات الخيرية المدعومة حكومياً الى أبناء الذوات لما فيها من اتصالات مباشرة بالكثير من المواطنين وفيها يتم تلميعهم وتحسين صورتهم لتأهيلهم لتولي مناصب قيادية اعلى بما في ذلك رئاسة الجمهورية .

ما قبل الثورة

بعد إستعراض لبعض ما تم انجازه فيما بعد الثورتين ارى من الانصاف ان نسترجع الذاكرة قليلاً لنخوض بعض خفايا زمن لم يجد منصفاً يمتلك الشجاعة الكافية ليسطر ولو القليل عن بعض انجازاته .

نعود بالذاكرة قليلاً لنسمع ما يقوله الاباء والاجداد عن زمن ما أن يحدثك عنه احدهم حتى تسمع آهات الشوق تنبعث منه حنيناً لتلك الأيام .

فتجدهم هنا يحدثونك عن عدن بوابة الشرق ، وعن عدن الميناء الاول والاكبر في المنطقة ، يحدثونك عن مصافي عدن التي كانت يوماً ما المصفاه التي تستوعب نفط الكويت لتكريره فيها .

فيما لايزال الكثير يتذكر تلك الحادثة التي استدعت مجلس العموم البريطاني لإجتماع طارئ وإقرار التعويض العادل لكل من شملهم توزيع بعض اكياس القمح الفاسد عن طريق الخطأ في اجزاء من مديرية ردفان .

وهناك في اقصى الشمال تراهم يحدثوك عن ايام العز كما يسميها الكثير منهم ، فهذا يحدثك عن صنعاء الحضارة والتاريخ يحدثك عن الابداع والرونق الجميل لابواب واسوار صنعاء ، يحدثك عن تعز الأمن والسلام ، عن تعز الشامخة بشموخ جبل صبر وقلعة القاهرة .

فيما يذهب الاخر ليحدثك عن من أصبح الطاغية في قواميس الثوار الجدد وكيف كان بإمكان ابسط البسطاء مقابلته في أي وقت وبدون أي وعود مسبقة .

وستجد ايضاً من يذكرك عن الاتفاقيات التي وقعت من اجل صون الارض وحمايتها .

فيما لا يزال الكثير يتذكر تقديم اليمن مساعدات غذائية للامبراطورية الالمانية في الحرب العالمية الثانية .

وبعد هذا الاستعراض الا يحق لنا التساؤل عن مدى حاجتنا الى ثوره مضادة للثورة