آخر الاخبار

عاجل .. وزير الدفاع يلتقي عددا من السفراء والملحقين العسكريين ويشدد على أهمية بسط القوات المسلحة سيادتها على كافة التراب الوطني استعدادات لإنطلاق مؤتمر الحوار الوطني السوري .. تفاصيل كاملة حركة حماس تعلن عن شروطهما لاستكمال التفاوض وإنهاء الحرب وإسرائيل ترد بشروطها ‫ رئيس الوزراء يطالب ممثل اليونيسيف لدى اليمن بممارسة الضغوط على مليشيا الحوثي وزارة الأوقاف تناقش اعتماد قنوات تحويل آمنة لإعادة مبالغ حجاج موسم العام الماضي 1445هـ عن الخدمات التي تعذر تنفيذها موظفو مطار سقطرى يرفضون تسليم المطار لشركة إماراتية ويذكرون وزير النقل بنصوص القانون اليمني انتصارات جديدة ساحقة للجيش السوداني المجلس الرئاسي يدعو للتوصل إلى ميزانية موحدة للبلاد أردوغان يكشف عن نجاحات اقتصادية عملاقة لحكومات حزبه ويعلن:الدخل القومي تضاعف 6 مرات وتجاوز التريليون دولار في مواجهة نارية المواجهة..برشلونة يتحدى أتلتيكو مدريد والريال في مهمة سهلة أمام سوسيداد بكأس ملك إسبانيا

من صنعاء إلى بيروت .. جنازة نصر الله تُعرّي خريطة التبعية الحوثية
بقلم/ فضل حنتوس
نشر منذ: 4 ساعات و 25 دقيقة
الإثنين 24 فبراير-شباط 2025 06:52 م
   

في مسرح السياسة، حيث تتقاطع المصالح وتتصارع الأجندات، تتبدّى لحظات كاشفة تسقط فيها الأقنعة، لحظات تفضح المستور وتكشف حقيقة التبعية والخضوع. هكذا كانت جنازة حسن نصر الله، لحظةً مفصليةً تهاوت فيها الشعارات الرنانة التي ظلّ الحوثيون يتغنون بها لعقود، فبانت هشاشتهم، وظهر ولاؤهم عارياً أمام الجميع. كيف لجماعةٍ تدّعي "الاستقلال والسيادة" أن تسير صاغرةً إلى بيروت، لتشييع رجل لم يقدّم لليمن سوى الخراب، ولم يكن سوى أداةٍ إيرانيةٍ تُحكم القبضة على رقاب البسطاء؟

 

إن خروج وفود الحوثيين بهذه السرعة إلى لبنان، لم يكن مجرّد إجراء دبلوماسي أو مشاركة بروتوكولية، بل كان طقساً من طقوس التبعية المطلقة، وإعلان ولاءٍ صارخٍ لا يقبل التأويل. لم يكن في الأمر أدنى مساحةٍ للمواربة، ولم يكن المشهد إلا صورةً أخرى تُضاف إلى سجلّ طويلٍ من الارتهان للمشروع الإيراني، الذي ما انفكّ الحوثيون ينكرون ارتباطهم به في العلن، فيما يسارعون إلى تأكيده في كل لحظةٍ تقتضيها مصلحة طهران.

 

لقد حاول الحوثيون طويلاً أن يُلبسوا مشروعهم ثوب الوطنية،وأن يصوّروه على أنه ثورةٌ يمنيةٌ خالصة، لكن جنازة الهالك نصر الله كانت بمثابة الاختبار الحاسم، الذي أبان زيف هذا الادعاء، وأثبت أن الحوثيين انفسهم انهم ليسوا سوى أتباعٍ صغار، يسيرون حيث يأمرهم مركز القرار الإيراني، حتى لو كان ذلك يعني أن يهرولوا لتشييع رجلٍ لم يعرف اليمن إلا كميدانٍ لحربٍ عبثيةٍ تموّلها طهران، وتنفّذها أدواتها الرخيصة في المنطقة.

 

لم يكن الهالك حسن نصر الله، في حسابات اليمنيين، سوى مجرم حربٍ آخر، استنسخ تجربة الدمار اللبناني وطبّقها على أرضهم عبر ميليشيات الحوثي، التي تلقّت منه التدريب والتخطيط والدعم الإعلامي والسياسي. لم يكن قائداً قومياً ولا رمزاً مقاوماً، بل كان مجرد ترسٍ آخر في ماكينة إيران، يشرف على تسليح الجماعات المسلحة، وينفّذ سياسات الفوضى والتخريب. فمنذ أن تورّط في المستنقع اليمني، وهو ينقل تقنيات الموت إلى الحوثيين، يدرّبهم على زراعة العبوات الناسفة، ويزوّدهم بأساليب التسلّل والتخريب، ليحيل اليمن إلى نسخةٍ أخرى من جنوب لبنان، حيث لا سيادة للدولة، ولا صوت يعلو فوق صوت السلاح الموجّه بأوامر طهران.

 

ولكن ما الذي يدفع الحوثيين إلى هذا الاستعراض الفجّ في إعلان تبعيتهم؟ لماذا هرعوا إلى بيروت، وكأنهم ينعون أحد قادتهم؟ السبب واضحٌ وجليّ: إنهم ضعفاء أمام من صنعهم، أذلاء أمام من منحهم أسباب البقاء. فالخضوع لإيران ليس خياراً، بل قدرٌ لا فكاك لهم منه، والمضي في ركبها ليس ولاءً طوعياً، بل تبعيةٌ قهريةٌ تفرضها معادلة القوة والمصلحة. ولأنهم يدركون أن وجودهم رهنٌ بقرارٍ خارجي، فإنهم لا يتوانون عن تقديم فروض الطاعة، ولا يترددون في المجاهرة بتبعيتهم، حتى وإن كان ذلك يعني سقوط آخر أوراق التوت عن مشروعهم الزائف.

 

لقد كانت جنازة نصر الله كاشفةً بأكثر مما توقع الحوثيون أنفسهم، فقد فضحت هشاشتهم، وأظهرتهم في صورتهم الحقيقية: مجرد بيادق على رقعة الشطرنج الإيرانية، يُسيّرهم الولي الفقيه كيفما شاء، ويزجّ بهم في معاركه كيفما أراد. وما كان لهذه الحقيقة أن تنكشف بهذه الفجاجة، لولا أن الاستعراض الحوثي في بيروت قد جاوز حدود المنطق، وتحول إلى إعلان تبعيةٍ بلا رتوش.

 

إذا كان اليمنيون قد تجرّعوا مرارة الحرب والدمار على أيدي هذه الجماعة، فإنهم اليوم، وهم يرونها تهرول إلى بيروت، يدركون يقيناً أنها لم تكن يوماً تحمل مشروعاً وطنياً، ولم يكن لها من هدفٍ سوى خدمة الأجندة الإيرانية، حتى وإن كان ذلك على حساب معاناة الملايين. لقد أسقطت جنازة نصر الله ما تبقّى من وهم "المظلومية" الحوثية، وأظهرت بوضوحٍ أن هذه الجماعة ليست سوى امتدادٍ لحزب الله، الذي لم يجلب إلى لبنان سوى الخراب، ولن يجلب لليمن سوى المزيد من الحروب العبثية التي لا تخدم إلا طهران وحدها. أما التاريخ، فهو لا يرحم العملاء، ولا يغفر للخونة. واليوم، وقد تكشّفت خريطة الولاءات، لم يعد هناك شكّ في أن الحوثيين قد وضعوا أنفسهم، بإرادتهم، في خانة الأتباع، وأن مشروعهم المزعوم لم يكن إلا قناعاً هشّاً سقط في أول اختبارٍ حقيقي. وإن كان لهم أن يتعلّموا شيئاً من درس نصر الله، فهو أن من يعيش على فتات الغير، لن يكون سوى ورقةٍ تحترق عند أول منعطفٍ، ولن يُكتب له البقاء إلا بمقدار ما يخدم أجندةً أكبر منه.