رؤوفة حسن.. شهرزاد لن تسكت عن الكلام
بقلم/ أحمد الزرقة
نشر منذ: 12 سنة و 8 أشهر و 20 يوماً
الجمعة 06 إبريل-نيسان 2012 04:49 م

1

لم يحب الناس حيا ويتذكروه بكل حب و تقدير ميتا مثلك ، نكتشف كم هي الحياة سطحية وكم نحن في غفلة من أمرنا عندما نحاول إثبات حبنا لشخص بعد رحيله عن الحياة بعد أن تخلينا عنه وقت كان يحتاج منا لوقفة صادقة معه خلال حياته ، بكينا عليك لكن في الحقيقة كنا نبكي علينا وعلى فقدنا و خيباتنا وقلة وفائنا مع من أحبونا وسقونا من ودهم وعلمهم الكثير، الدكتورة رؤوفة حسن، رغم رحيلك قبل عام، إلا انك لم تغيبي لحظة واحدة عن قلوب وأفئدة الكثيرين، ممن أنارت كلماتك ومواقفك الإنسانية حياتهم ومنحتهم القوة والرعاية، وكنت قريبة منهم حد الالتصاق، وتبنيت قضاياهم وساندتيهم حتى تجاوزوا عثراتهم، مازالت صفحتك على الفيسبوك مزارا لطلابك ومحبيك .... وفي تلك الصفحة قرأت العديد من كلمات الحب والوفاء لك ، وفي ذكرى عيد الأم الموافق 21 مارس ،كانت هناك العديد من التهاني لك بهذه المناسبة، فقد كنت نعم الأم والأخت والصديقة والمربية والمرشدة لأرواح وأفئدة من عايشوك أو تتلمذوا على يديك وأولئك الذين تشرفوا بالعمل معك، فالأثر الخالد الذي تركته عصي على النسيان والاستسلام لسطوة الغياب.

2

رؤوفة حسن أو أمة الرءوف الشرقي امرأة كثيرة جدا، عاشت حياتها ملتصقة بقضايا الناس وعملت في الإذاعة وهي مازالت في مرحلة الدراسة الإعدادية وكان عمرها حينها 12 سنة عندما كانت تقدم برامج الأطفال في الإذاعة، قبل أن تتنقل للعمل في التلفزيون كمقدمة ومعدة لعدد من أشهر البرامج التلفزيونية الهادفة و من أبرزها البرنامج السياسي والاجتماعي الشهير (أنا وأنت وهو) الذي كان يناقش السياسيين وصناع القرار بكل جرأة وقوة حول العديد من القضايا الاجتماعية والسياسية.

لم يتوقف طموحها عند هذا الحد بل ذهبت للقاهرة للدراسة ورجعت للعمل رئيسة لقسم التحقيقات في صحيفة الثورة الرسمية، وبعد أن أنهت رسالة الدكتوراه دخلت جامعة صنعاء وأنشأت قسم الإعلام - في عام 1993م، كما أنشأت وحدة دراسات المرأة..وفي 1996 أنشأت مركز البحوث التطبيقية والدراسات النسوية.

3

في عام 1999م قررت التفرغ العلمي وكانت عملية التفرغ مصاحبة لضجة إعلامية معارضة ومعادية للمركز الذي كانت تديره وتم تجييرها لمصالح سياسية معينة على أنها ضد الفكر الذي كان يطرحه المركز، وتم تكفيرها وتهديدها وأسرتها بالقتل ،وتزامنت تلك الحملة مع مغادرتها البلاد للتفرغ لمدة عام للتدريس في جامعة هولندية بناء على اتفاق بين جامعة صنعاء والجامعة، فتم استغلال ذلك وأشيع حينها بأنها فُصلت من الجامعة وهربت وطلبت حق اللجوء، و غيرها من الإشاعات التي أطلقت ضدها في ذلك الوقت.. ولم تتوقف تلك الحملة حتى بعد مغادرتها واستمرت في تلقي التهديدات لها ولأسرتها بالقتل، وتبنت العديد من الصحف الحزبية حملة شرسة غير مبررة في حقها،وفي الفترة مابين 1999 حتى 2003 عملت مدرسة في جامعات مختلفة في أوروبا، وتفرغت للتدريس في جامعة أولبرخ بهولندا،وفي نفس الفترة عملت مستشارة للأمم المتحدة في البرنامج الإنمائي في اليمن وتونس ولبنان، بعد ذلك قامت بالتدريس سنتين متتاليتين وفترات قصيرة في جامعة (اولدمبرخ) بألمانيا.

عادت لليمن في عام 2004م رغم التهديدات التي كانت تتلقاها، وقام بعدها عدد كبير ممن ساهموا في الحملة الظالمة ضدها بالاعتذار لها عندما التقوا بها، مبررين حملتهم أنها كانت جزءاً من المناخ السياسي المتعصب والمتشنج وهروبا من الانشقاقات داخل حزب التجمع اليمني للإصلاح، الذي قرر رسميا ترشيح علي عبد الله صالح في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في 1999، فتم افتعال قضية الجندر واختلاق العديد من الأكاذيب حول المركز الذي كانت تديره لإشغال الرأي العام عن الخلافات والنقاشات التي دارت بسبب موقف قيادة الحزب ترشيح صالح في تلك الانتخابات.

4

عادت الدكتورة رؤوفة حسن للبلاد وتفرغت لإدارة مؤسسة تخطيط برامج التنمية الثقافية التي أنشأتها في بداية التسعينيات وتعاقب على إدارتها شخصيات كثيرة يمنية وأجنبية (روسية وأمريكية) ونفذت عبرها العديد من المشاريع الكبيرة في عدد من المحافظات، كانت قضاياها الرئيسية التي ناضلت من أجلها هي قضايا النساء، والتي على رأسها، تعزيز المشاركة السياسية لليمنيات، و مشاكل الصحة الإنجابية، و فقر النساء ومشكلة التعليم، بالإضافة لقضايا الإصلاح المالي و الإداري، ومحاربة الفساد، والشفافية المالية، وشفافية المعلومات.

بالإضافة لقضية الهوية الوطنية الذي بدأت به مشروع كبير مشترك بين الجامعة الألمانية التي كنت تدرّس فيها و المؤسسة التي تمثل الجانب اليمني وهو مشروع يتعلق بدراسة الهوية ودراسة التاريخ وحوار الحضارات والثقافات عبر الملابس الرسمية للسياسيين في كل من اليمن و ألمانيا، وكانت رؤيتها للمشروع تتلخص كونه خطوة باتجاه فتح حوار لمناقشة مشروع الهوية والثقافة الوطنية في اليمن، في إطار التنوع الكبير للمجتمع اليمني، من أجل الوصول إلى قناعة تامة من أجله لأن الثقافة ليست إجبار وإنما حوار وإقناع فقط.

5

وكانت دائما تقول للأصوات المنادية بضرورة وجود زي وطني رسمي موحد أن (وجود الزي الوطني لا يتم إلا بعدما يعرف جميع المواطنين،ما هو الوطن، وكيف تكون دلالات الوطن، وكيف يتكون لديهم إحساس فخر بالوطن، لكن عندما يكون هناك وطن ينفيك أو طن لا تنتمي له أو طن يضطهدك بأي شكل من الأشكال، فلن تلبس ملابسه.

6

كان لديها حلم كبير هو أن يتحول مشروع معرض رداء الدولة في اليمن الذي تناول الفترة التاريخية من 1948- 2006م، وتم إقامته في صنعاء و المكلا وعدن إلى متحف دائم يعرف اليمنيين بتاريخ بلادهم المعاصر ويخلق لديهم الإحساس بالانتماء الوطني الصادق المبني على التعدد والتنوع والمعرفة والقبول بالآخر كشرط رئيس وأساس للوحدة الوطنية.

وعانت كثيرا من أجل تحويل هذا الحلم لواقع ملموس واستغرق هذا المشروع سنوات عديدة ، حيث عملت ليل نهار لجمع مقتنيات المتحف، وسافرت إلى كافة المناطق اليمنية والتقت بمئات الشخصيات اليمنية، حتى استطاعت توفير مقتنيات المتحف، التي أهدى العديد من أصحابها مقتنياتهم للمتحف، وقامت بشراء الجزء الآخر، وناضلت كثيرا للحصول على مبنى يتم تخصيصه لمشروع المتحف، وشرعت في تجهيزه و إعداده، لكن الأجل لم يمهلها لتحقيق حلمها الذي رحلت وهو مازال في بداياته،واليوم يحتل مبنى المتحف الموجود في منطقة التحرير العشرات من المسلحين، الذين جلبهم نظام الرئيس صالح لمناصرته، ومازالوا حتى اليوم يحتلونه ويمارسوا العبث والتخريب فيه.

ما يتعرض له المبنى هو جزء من الممارسات الإجرامية الممنهجة التي تعرضت لها الدكتورة رءوفة خلال حياتها، واستمرت حتى بعد رحيلها.

7

لا يعني الاحتفاء بمرور عام برحيل من لا يرحل، بإقامة فعاليات تأبينية واستذكار مناقبها و إلقاء الخطابات الرنانة، بل يحتم الوفاء إنصافها وتحقيق حلمها في إقامة المتحف، و إخراج من يحتلوه، والاعتذار عن ترك من عاشت للناس وقضاياهم تواجه مرضها وترحل بهدوء ودون أن يتم مبادلتها الوفاء بالوفاء،تركها الجميع حين كانت بحاجة إليهم، رفضت أن تمد يدها لأحد لمساعدتها في علاج مرضها، الذي كتمته عن كل أصدقائها ومعارفها،وتناساها الجميع ولم يلتفتوا إليها وهي تكتب رثائها وتودع الحياة الفانية في مقالها الذي كتبته قبل أسبوعين من رحيلها،في صحيفة البلاد السعودية وعنونته بعنوان (وسكتت شهرزاد عن الكلام).