دعوها فإنها منتنة
بقلم/ د.رياض الغيلي
نشر منذ: 18 سنة و 3 أشهر و 9 أيام
السبت 16 سبتمبر-أيلول 2006 06:44 م

" مأرب برس - خاص "

" مأرب برس - خاص "

" مأرب برس - خاص "

  أيها الإخوة الأفاضل : أعيروني قلوبكم و أسماعكم وعقولكم ، لنستوعب المشهد الذي سوف نحضره جميعاً ... نطير على جناح السرعة إلى مدينة الحبيب المصطفى (ص) ، وبينما نحن نتجول بين أرجائها ، وقد فاح فيها عبير الإسلام ، فاح فيها عطر الأخوة ، فاح فيها عبق الوحدة ... بينما نحن كذلك .. إذ بنا نرى جماعة من الصحابة (رض) ، بل إنهم جماعة من الأوس والخزرج ، أعداء الأمس .. فرقاء الأمس .. عجباً ... قد أصبحوا إخوة .. يجلسون في مجلس واحد .. وينهلون من نبع واحد .. يصلون في مسجد واحد .. يعبدون رباً واحداً ..يقرأون كتاباً واحداً ... يقودهم رجل واحد (ص) أعداء الأمس .. أصبحوا إخوة اليوم .. ماالذي جمعهم ؟ ومن الذي وحدهم ؟

  أيها الإخوة الأفاضل : أعيروني قلوبكم و أسماعكم وعقولكم ، لنستوعب المشهد الذي سوف نحضره جميعاً ... نطير على جناح السرعة إلى مدينة الحبيب المصطفى (ص) ، وبينما نحن نتجول بين أرجائها ، وقد فاح فيها عبير الإسلام ، فاح فيها عطر الأخوة ، فاح فيها عبق الوحدة ... بينما نحن كذلك .. إذ بنا نرى جماعة من الصحابة (رض) ، بل إنهم جماعة من الأوس والخزرج ، أعداء الأمس .. فرقاء الأمس .. عجباً ... قد أصبحوا إخوة .. يجلسون في مجلس واحد .. وينهلون من نبع واحد .. يصلون في مسجد واحد .. يعبدون رباً واحداً ..يقرأون كتاباً واحداً ... يقودهم رجل واحد (ص) أعداء الأمس .. أصبحوا إخوة اليوم .. ماالذي جمعهم ؟ ومن الذي وحدهم ؟

  أيها الإخوة الأفاضل : أعيروني قلوبكم و أسماعكم وعقولكم ، لنستوعب المشهد الذي سوف نحضره جميعاً ... نطير على جناح السرعة إلى مدينة الحبيب المصطفى (ص) ، وبينما نحن نتجول بين أرجائها ، وقد فاح فيها عبير الإسلام ، فاح فيها عطر الأخوة ، فاح فيها عبق الوحدة ... بينما نحن كذلك .. إذ بنا نرى جماعة من الصحابة (رض) ، بل إنهم جماعة من الأوس والخزرج ، أعداء الأمس .. فرقاء الأمس .. عجباً ... قد أصبحوا إخوة .. يجلسون في مجلس واحد .. وينهلون من نبع واحد .. يصلون في مسجد واحد .. يعبدون رباً واحداً ..يقرأون كتاباً واحداً ... يقودهم رجل واحد (ص) أعداء الأمس .. أصبحوا إخوة اليوم .. ماالذي جمعهم ؟ ومن الذي وحدهم ؟

ماالذي أزال العداوة من قلوبهم ؟ ومن الذي غرس عوضا عن العداوة ألفاً ومحبة وتعاطفاً وتراحماً ؟ إنه الإسلام ... ورسول الإسلام .. وهاهو ذا خنزير من خنازير يهود .. خونة العهود .. يدعى (شاس بن قيس) .. راعه ما يرى من توحد كلمة المسلمين .. أفجعه ما يرى من اعتصام بحبل واحد .. هو حبل الله المتين .. غاظه ما أصبح عليه الأوس والخزرج من ألفة واجتماع ومحبة وإخاء ... وهكذا هم اليهود على مر العصور .. يسعون بكل الوسائل والسبل لبث الفرقة والاختلاف بين المسلمين ... كلما رأوا بوادر توحد رأي .. أو اجتماع كلمة للمسلمين .. بادروا بإجهاضها .. وسارعوا 

إلى وأدها قبل أن تولد ..

فماذا يصنع ذلك الخنزير اليهودي ليفرق هذا الجمع ؟

ماذا يعمل ليثير الأحقاد والضغائن بين أفراد هذه الجماعة التي جمعها الإسلام ؟ حقد أعمى قد ملأ قلبه ونطق به لسانه قائلاً لشاب يهودي يرافقه : قد اجتمع ملأ بني قيلة بهذه البلاد ( يقصد الأنصار) ..والله مالنا معهم إذا اجتمع ملؤهم فيها من قرار . إنه الحقد .. إنها البغضاء ... ( قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر )

أيها الإخوة الأعزاء : لا زلنا في مدينة الحبيب (ص) ، ولا زلنا نشاهد الحقد اليهودي يتلمظ .. ويكشر عن أنيابه المسمومة .. وهاهو عدو الله (شاس بن قيس) يكلف مرافقه بمهمة التفريق بين الأنصار (رض) .. ويالها من مهمة مقدسة عند معشر يهود .. مهمة التفريق .. مهمة التمزيق .. مهمة مقدسة لدى حفدة القردة والخنازير ... ذهب الخنزير الصغير بتكليف من الخنزير الكبير (شاس بن قيس) ، واندس في صفوف المسلمين ، وبدأ ببث سمومه ، فذكرهم بما كان بينهم من حروب .. ذكرهم بالقتلى .. ذكرهم بالدماء التي أريقت .. ذكرهم بالنساء اللاتي انتهكت أعراضهن .. ذكرهم بالأطفال الذين يتموا .. والأمهات اللاتي ثكلن .. والأزواج اللائي رملن .. وأنشد على مسامعهم بعض الأشعار التي تقاولوها ... وذكرهم بيوم بعاث : ويوم بعاث يوم اقتتل فيه الأوس والخزرج ، وكان النصر فيه للأوس على الخزرج .. فتحركت نار الأحقاد .. تحركت العصبية الجاهلية في النفوس ..فبدأوا يتذاكرون ويتفاخرون .. حتى تواثب رجلان منهم أحدهما من الأوس والآخر من الخزرج فتقاولا ، ثم قال أحدهما للآخر : إن شئتم والله رددناها جذعة (حربا طاحنة لا تبقي ولا تذر ) .. ونجح الخنزير ... نجح سليل القردة .. في إشعال فتيل البغضاء بين إخوة اليوم

الذين كانوا قبل دقائق معدودة يتدارسون القرآن ..ويرددون أحاديث المصطفى (ص) . وغضب الفريقان .. وشاعت أجواء الحرب في المنطقة .. وفاحت رائحة الحقد المنتنة في الأجواء .. وهب كل واحد منهم إلى سلاحه .. وتنادوا قائلين : السلاح السلاح ، موعدكم الظاهرة . والظاهرة : منطقة خارج المدينة .. فخرجوا إليها ... وتحاور الناس .. وتجمعت الأوس ... وتجمعت الخزرج .. ودعا كل فريق منهم بدعوى الجاهلية .. فما الذي حدث ؟ هل تمت المواجهة بين الفريقين ؟

هل سالت الدماء ؟ هل أنتهكت الأعراض ؟

هل استبيحت حرمات الله ؟

لا .. لا .. إذن فما الذي حدث ؟

عندما فاحت رائحة الأحقاد في الأجواء ، كما تفوح الروائح المنتنة الكريهة .. بلغت الحبيب محمدٍ (ص) .. فماذا صنع ؟ بأبي هو وأمي .. ماذا فعل الحبيب عندما بلغته الأنباء ؟

 ماذا فعل الحبيب عندما جاءه تقرير مفصل للأحداث ؟

هل فر من الموقف .. وترك المدينة لأهلها ؟

هل سكت عن الموقف يرقبه من بعيد ليرى ما تتمخض عنه الأحداث فيستقطب الفريق المنتصر ؟ هل دعا إلى عقد قمة إسلامية عاجلة ؟ هل دعا إلى عقد قمة عربية فاشلة ؟ هل استعان بالأمم المتحدة ؟

هل استعان بمجلس الخوف ؟

هل طالب بإرسال قوات دولية متعددة الجنسية لفرض الأمن في المدينة ؟ هل طلب النجدة من أمريكا على وجه السرعة لقمع تظاهرة الإرهاب بين الأوس والخزرج ؟ لا .. وألف لا .. إذن ماذا فعل الحبيب ؟ خرج الحبيب (بابي هو وأمي) .. خرج ليتدارك الموقف .. خرج ليخمد الفتنة النائمة التي أيقضها بنو صهيون .. خرج ليمنع التفرق .. خرج ليمنع التمزق .. خرج ليمنع سفك الدماء ..

خرج فيمن معه من المهاجرين من أصحابه حتى بلغ موضع الحرب .. موضع الفتنة .. ونادى بأصحابه من الأنصار .. وصاح فيهم .. وياله من موقف رهيب .. ياله من موقف عظيم .. ياله من موقف تقشعر له الأبدان ... وتتصدع له القلوب .. وتخر له الجبال الرواسي .. هاهو الحبيب (ص) ينادي أصحابه ويقول : " يا معشر المسلمين .. يا معشر المسلمين .. الله .. الله .. الله .. أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم ؟ أبدعوى الجاهلية بعد إذ هداكم الله إلى الإسلام ، وأكرمكم به ، وقطع به عنكم أمر الجاهلية ، واستنقذكم به من الكفر .. وألف به بينكم .. ترجعون إلى ما كنتم عليه كفاراً "

بهذه الكلمات البسيطة الصادقة السلسة ... نزع الحبيب المصطفى (ص) فتيل الحرب الذي أشعله عدو الله اليهودي (شاس بن قيس) ... بهذه الكلمات النابعة من القلب ... أخمد الحبيب المصطفى (ص) نار البغضاء والشحناء التي حاول غرسها الخنزير عدو الله ... بهذه الكلمات الخارجة من فم من لا ينطق عن الهوى ...قتل الحبيب المصطفى (ص) مارد الفتنة في نفوس الأنصار .. ذلكم المارد الذي رعاه سليل القردة عدو الله .. فماذا كان رد الفعل لدى الأنصار بعد سماعهم كلمات معلمهم وقائدهم ورائدهم محمد (ص) ؟ إن الموقف الذي حدث تعجزعن بيانه الألسن..موقف رهيب..موقف عظيم..عندما تعود المياه إلى مجاريها الطبيعية..عندما يفوح عبق الأخوة .. وأريج المحبة .. عندما تصفو النفوس ... وتطهر القلوب ... يعم السلام ... وينتشر الأمان ... كيف أصف الموقف .. والقلب يكاد ينخلع .. وكأنني أشاهد عن كثب جموع الأنصار .. الأوس والخزرج ... الذين رفعوا السلاح في وجوه بعضهم منذ لحظات قليلة قبل قدوم الحبيب محمد (ص) ... كأني أراهم وقد نزع الله من قلوبهم نزعة الشيطان .. وكيد العدو ... قد ألقوا السلاح من أيديهم .. كأني بهم وقد بللت الدموع لحاهم يبكون بكاءً شديداً .. ويتعانقون عناقاً حاراً .. رجع كل واحد منهم إلى نفسه .. وتغلب على حمية الجاهلية .. وعصبية القبيلة .. عاد وعانق أخاه عناق المحب للمحب ..

وانشرح صدر النبي (ص) بهذا الإلتحام .. وبهذه المشاعر .. وبهذه المحبة .. التي لم يزدها كيد اليهود إلا رسوخاً .. و( ورد الله الذين كفروا بغيضهم لم ينالوا خيرا .. وكفى الله المؤمنين القتال ) .. وبعد لحظات يأتي البريد السريع من السماء .. من عند رب الأرض والسماء .. يحمله أمين وحي السماء .. جبريل عليه السلام ..إلى رسول رب السماء ... في برقية عاجلة إلى المؤمنين جميعاً .. أنصاراً ومهاجرين .. أوساً وخزرجاً .. هذا نصها : ( يا أيها الذين اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون .. واعتصموا الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً .. وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها .. كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون ) ... أيها المؤمنون الأعزاء : أسوق هذا المشهد العظيم .. لا للترويح .. ولا للتسلية .. و لا لسد فراغ في الخطبة .. ولا لتمضية وقت .. إنما سقته للعبرة والعظة .. لأننا نشم في الأجواء رائحة تمزق .. نشم في الأجواء رائحة تشرذم وعصبية طائفية .. وعصبية حزبية .. وعصبية مناطقية .. وعصبية سلالية .. وعصبية فكرية تريد أن تقود البلاد إلى فتن جديدة الشعب عنها في غنى .. والوطن عنها في غنى .. والمستفيد هم اليهود .. كفانا ما نحن فيه من تمزق .. وكفانا مانحن فيه من معاناة ... كفى هذا الشعب الجوع والبطالة والفقر .. التي يتحملها هذا الشعب من أجل الحفاظ على وحدة هذه الأمة .. من أجل بقاء المحبة .. ودوام الألفة بين أبناء هذا الشعب المسكين .. يا أصحاب المصالح : أقولها واضحة وضوح الشمس في ضحاها .. جلية جلاء القمر إذا تلاها .. قفوا عند حدكم .. كفى غروراً .. وكفى غطرسة .. وكفى تكبراً .. لماذا تريدون تمزيق هذا الشعب ؟ تريدون تمزيقه فكرياً : هذا سلفي .. وهذا خلفي .. هذا سني وذاك شيعي .. هذا ناصبي وذاك رافضي .. هذا صوفي وذاك إخواني .. مزقتم الشعب حزبياً : ألا لعنة على الحزبية .. (كل حزب بما لديهم فرحون ) ونسينا أننا أبناء وطن واحد .. وأبناء دين واحد .. نسينا أن لنا رباً واحداً هو الله ( لا إله إلا الله ) .. ونسينا أن لنا نبياً واحداً هو المصطفى (ص) .. ونسينا أن لنا منهجاً واحداً هو القرآن .. يا أصحاب المصالح : مزقتم الشعب قبلياً .. فهذا حاشدي وذاك بكيلي .. وهذا مدحجي .. وذاك قحطاني ..هذا من سنحان .. وذاك من خولان .. وهلم جراً .. ونسينا قول المولى العزيز جل جلاله : ( ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ... لتعارفوا .. لتعارفوا ..)

لم يقل : وجعلناكم شعوباً وقبائل لتقاتلوا .. لتتناحروا .. بل : وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكركم عند الله أتقاكم .. أتقاكم . يا أصحاب المصالح : مزقتم الشعب سلالياً : فهذا هاشمي .. وذاك قبيلي .. وهذا مزين .. وهذا خادم .. ونسينا أن لنا أصلاً واحداً هو التراب .. وأباً واحداً هو آدم .. وأماً واحدة هي حواء .. نسينا قول الله عزوجل:( فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ) نسينا قول الحبيب (ص) : " كلكم لآدم وأدم من تراب " ونسينا تحذير الحبيب محمد (ص) : ((لينتهين أقوام يفتخرون بآبائهم الذين ماتوا، إنما هم فحم جهنم، أو ليكونن أهون على الله من الجعل الذي يدهده الخرء بأنفه، إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية – أي كبرها ونخوتها – إنما هو مؤمن تقي، وفاجر شقي، الناس كلهم بنو آدم، وآدم خلق من تراب)) 

انتسب رجلان على عهد رسول الله فقال أحدهما: أنا فلان بن فلان، فمن أنت لا أم لك. فقال رسول الله : ((انتسب رجلان على عهد موسى عليه السلام ، فقال أحدهما: أنا فلان ابن فلان حتى تسعة، فمن أنت لا أم لك ؟ قال: أنا فلان ابن فلان ابن الإسلام،(أبي الإسلام لا أب لي سواه ...) قال: فأوحى الله إلى موسى عليه السلام: أن هذين المنتسبين، أما أنت أيها المنتمي إلى تسعة من النار، فأنت عاشرهم، وأما أنت يا هذا المنتسب إلى اثنين في الجنة فأنت ثالثهما في الجنة)).

دعوها فإنها منتنة .. دعوها فإنها منتنة .. دعوها فإنها منتنة .. العصبية ما دخلت في مجتمع إلا طحنته بالحروب والفتن .. الفتنة نائمة .. الفتنة نائمة .. لعنة الله على من أيقضها ... يا شعب الإيمان والحكمة : آن الأوان لننبذ الخلافات .. أن الأوان لأن نمقت التفرق .. والتمزق والتشرذم ... ونطرد وسواس العصبية من قلوبنا ..

 آن الأوان لكل واحد منا أن يمد يده إلى أخيه مصافحاً ومعانقاً ومصالحاً .. كما فعل الأنصار .. كما فعل الأوس والخزرج .. آن الأوان أن يحب كل واحد منا لأخيه ما يحبه لنفسه .. آن الأوان لتعم المحبة .. وتنتشر معاني الإخاء والإيثار .. وتحل بدلاً عن الأنانية .. والعصبية .. والاستئثار .. والطمع . آن للشعب أن يطعم من جوع .. ويأمن خوف .. ولن يتحقق ذلك إلا في ظل قول المولى جل جلاله : ( يا أيها الذين اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون .. واعتصموا الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً .. وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها .. كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون ) ...