الحديدة مدينة منهوبة
بقلم/ د. محمد حسين النظاري
نشر منذ: 11 سنة و 3 أشهر و 15 يوماً
الخميس 01 أغسطس-آب 2013 07:42 م

هل تصدقون الحديدة مدينة منكوبة؟ عندما كنت أكتب عن نكبة عروسة البحر الأحمر، ابتداء بتهالك الكهرباء وانهيار الصرف الصحي ورداءة الخدمات الصحية وتفشي الأمراض، ونهب الأراضي، وتراجع الرياضة، وانحسار الثقافة، و....... الخ من الأمور الكثيرة كانت السلطة المحلية حينها تتجاهلها، معتبرة ان الأمور عال العال.. ناديت باستمرار بأن يتم عقد جلسة مجلس الوزراء بالحديدة وحدث ذلك بالفعل.. ولكن ما هو المردود الذي تحصلت عليه المحافظة لا شيء، فقد زادت الأمور سوء على سوئها.

أخير أفاق الأخ المهندس أكرم عطية، ليعلن كقائد للسلطة المحلية ان الحديدة مدينة منكوبة، وهي دعوة تدعونا للضحك والحزن في آن واحد، لسببين أولها أنها جاءت من الذي يفترض ان يمنع النكبات كرجل أول في المحافظة، وثانيها ان مسؤولينا كعادتهم لا يشعرون بالشيء الا بعد خراب مالطا.

الحديدة منكوبة لأن سلطتها المحلية عاجزة عن تقديم أي شيء للمواطنين، فالمجاري التي يتحدثون عنها -اليوم- غزت البيوت ودخلت غرف النوم –منذ أشهر وفي حارتي التي اسكن بها- وحينها لم تحرك السلطة المحلية ساكنا، ولكنها وما ان غزت محيط القصر الجمهوري، وأحاطت بجوانبه، أفاقت لتعلن ان الحديدة أصبحت منكوبة، فربما يفكر الأخ الرئيس في العودة من أمريكا للحديدة مباشرة، ولن يجد حينها الا المجاري تحاصر القصر، وعندها لن تنفع الأعذار.

ان النكبة الحقيقية التي تعاني منها الحديدة تتمثل في ابتعاد الأخ المحافظ عن الناس وانزوائه في مكتب مركز المعلومات، ليتيح الفرصة ان تصله خلال السنتين، معلومات مضللة، ولو ان الأخ المحافظ كان يقوم بالزيارات الميدانية الى الشوارع والأحياء، لعرف من الناس ما يجب ان يصله من الذين يحجبون الحقيقة عنه، والذين وللأسف الشديد استطاعوا ان يظهروه كمحافظ فشل في ان يقود محافظة مسالمة، فكيف به إذا كانت غير الحديدة، والمحزن انهم يريدون ان يصوروا لنا ان هذا هو ابن تهامة التي يقودها، وهذه هي قدراتكم.

مشكلة المجاري التي تراكمت بسبب عدم حلها، لا تتواجد إلا في مناطق ظهر فيها الحراك التهامي، وكأنها عقوبة ضد السكان، فلا توجد مشاكل الصرف الصحي في شمال شارع صنعاء، أما الحديدة القديمة في الحوكين والصبالية والدهمية وغليل، فهي مسابح في الهواء الطلق للحشرات والجراثيم، وانتقلت منها الى البيوت في حالة لم تكن الحديدة فيها على هذا النحو أبدا، مع استغرابي لعدم ذكر ان الحديدة منكوبة بسبب التلوث البيئي الناتج عن تكدس القمامة في الشوارع الرئيسية، وهذا أمر لا يحتاج لتدخل حكومة الوفاق، بقدر ما يحتاج حسن إدارة من السلطة المحلية.

لست من الداعين للخروج بالمظاهرات على السلطة، ولكني أفضل ان تمتلك هذه السلطة الشجاعة الكافية، وتقدم استقالتها للأخ رئيس الجمهورية، فمن المخجل ان يتحصن المحافظ في بيته، وتخرج مسيرات يرتدي المشاركون فيها الحفاظات، ليبينوا للجميع الوضع المزري الذي وصلت إليه الحديدة.. وهنا أتساءل إذا كان هذا يحصل في عاصمة المحافظة وبالقرب من قيادة السلطة المحلية؟ فكيف هو الحال بالمديريات 24 الأخرى؟ الأكيد ان وضعها كارثي، ولكن لا يوجد من يوصل صوتها للحكومة.

حكومة الوفاق الوطني مساهمة مع السلطة المحلية فيما وصلت إليه الأمور في الحديدة، في لم تساهم في حل المشكلات، كما أنها لم تتجاوب مع مطالب الناس ، الأمر مطروح بين يدي الأخ رئيس الجمهورية الذي بيده إنقاذ الحديدة مما هي فيه، وتعيين قيادة جديدة، تستطيع ان تتفهم ما يحتاجه الناس، وان تلبي تطلعاتهم، فإذا لم تستطع حكومة الوفاق ان تلبي احتياجات الحديدة، وهي التي تستقطع كثيرا من مواردها من خيرات المحافظة، فما عليها إلا ان تكف عن تلك الاستقطاعات وأن تترك موارد المدينة لها تصلح بها حالها.

الحديدة يا سادة مدينة منهوبة، فخيراتها لغيرها، وكهربائها لمدن أخرى، وزراعتها تباع بأرخص الأثمان، وأهلها يشتغلون في اقل الوظائف والمهن، أراضيها تنهب بالكيلومترات، وسواحلها تغتصب، وصيادوها يهانون ويحبسون في دول الجوار.. إننا قبل ان نتحدث عن ان الحديدة مدينة منكوبة، علينا ان نعترف بالحقيقية أنها مدينة منهوبة.

على سكان محافظة الحديدة ان يدركوا ان الأشخاص الذين تولوا أمرها لم يقدموا شيئا خلال الفترة الماضية، سواء كانوا سلطة محلية او مجالس محلية او أعضاء مجلس النواب، جميعهم بحثوا على مصالحهم الخاصة، وتركوا الحديدة تغرق في نكباتها، ولهذا ينبغي عدم التصويت لأي منهم، إذا بلغ به التبجح والترشح لأي من المجالس المذكورة سابقا... فقد انقشعت الغمامة وانفضح المستور. الحديدة لا يوجد بها هيبة الدولة التي هي ضائعة في محافظات أخرى، ولكنها في الحديدة أشد، فالمواطنون يعانون من ارتفاع سعر تكلفة الكهرباء وانعدام الخدمة، فيقومون بالربط المباشر من الأعمدة، ولا يستطيع احد محاسبتهم، وهذا سيسبب كارثة حقيقية.

من الأشياء الجميلة التي حصلت في الحديدة، إعادة إحياء مستشفى الثورة من جديد، فقد دخلته هذه الأيام برفقة العزيز والخدوم عبد الله عجيلي، فوجدت فيه تغيرات تستحق الإشادة مثل الطوارئ وقسم الأطفال، الحروق، التوليد، إعادة التكييف المركزي.. للأسف الشديد المواطن فقد الثقة في المستشفيات الحكومية، واتجه للخاصة، مع ان تلك الخاصة لا سيما في الحديدة تقدم الموت السريع عبر التخدير، فقبل أيام توفى احد الذين اعرفهم في مشفى خاص وهو لم يدخل إلا ليجري تجير لإحدى يديه، وكان ذلك بسبب جرعة التخدير الزائدة.. نتمنى ان تعود الثقة بين المواطن والمرافق الصحية الحكومية، فتلك الخاصة تمتص الجيوب والقلوب في آن واحد... إذا فالحديدة قبل أن تكون منكوبة هي منهوبة منهوبة منهوبة.

مشاهدة المزيد