جهود هيئة علماء اليمن في معالجة الأحداث3/3
بقلم/ محمد مصطفى العمراني
نشر منذ: 13 سنة و 3 أسابيع
الخميس 27 أكتوبر-تشرين الأول 2011 05:31 م

تناولنا في الحلقة الماضية أهداف وأسباب تأسيس هيئة علماء اليمن كخطوة جادة وفاعلة من أجل استعادة الدور الريادي والقيادي للعلماء في المجتمع بعد أن همشتهم الأنظمة وتجاهلتهم وسائل الإعلام وأوردنا من الشواهد والأدلة ما يؤكد أن علماء اليمن لم يكونوا يعيشون بمعزل من الأحداث التي تمر بها البلاد فقد أدرك علماء اليمن خطورة المرحلة التي تمر بها اليمن من وقت مبكر فتحركوا لتقديم الحلول التي تمر بها البلد وقدمت هيئة علماء اليمن مبادرة لحل المشاكل التي تعاني منها اليمن حيث دعت حينها إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية تمثل أطياف الشعب اليمني، وإيجاد قضاء مستقل، وتشكيل لجان في المحافظات تعمل على رد المظالم والحقوق إلى أهلها، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة كما أوردنا من الشواهد والأدلة ما يؤكد على رفض العلماء للجرعات السعرية والغلاء والفقر والفساد وفي هذه الحلقة سنواصل سرد جهود هيئة علماء اليمن في معالجة الأحداث..

رؤية العلماء لتدهور الأوضاع في اليمن:

لتدارس الأوضاع التي تمر بها بلادنا والخروج بحلول عملية قياماً بواجبهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصح لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، وبياناً للموقف الشرعي في هذه الأوضاع والظروف التي لا يسعهم فيها تأخير البيان عن وقت الحاجة؛ لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ البَيِّنَاتِ وَالهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:159، 160]. لهذا الأسباب تداعى علماء اليمن في ندة بعنوان (الأوضاع الراهنة في اليمن وموقف العلماء منها) وقد حضرها تلك الندوة التي عقدت بصنعاء بتاريخ: 6 ذي القعدة 1428هـ، الموافق: 15/11/2007م عدد من كبار علماء اليمن من مختلف الاتجاهات والتيارات وقد ناقشوا أوضاع اليمن وما تشهده من مخاطر تهددها في دينها ووحدتها وأمنها واستقرارها، وما تمر به من تدن في الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وفساد مالي وإداري، وفساد أخلاقي، وانتشار مجموعة من المنكرات والمعاصي الظاهرة التي أدت إلى زعزعة القيم، وكذلك كثرة الذنوب والمعاصي التي تمثل سبباً رئيساً في نزول البلايا والرزايا، وحلول النقم، وتفرق القلوب، وفساد ذات البين، كما قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشُّورى:30].

وبناءً عليه وقياماً بهذا الواجب؛ فقد تدارس العلماء المجتمعون الأسباب الداخلية والخارجية التي أوصلت البلاد إلى الأوضاع الراهنة والتي تتمثل فيما يلي:

الأسباب الداخلية التي أدت إلى تدهور الأوضاع في اليمن:

1- عدم تطبيق الأحكام الشرعية، والقيام بواجب حراسة الدين وسياسة الدنيا به.

2- الفساد الإداري، الذي أدى إلى انتشار الفساد، والظلم الذي يقع على كثير من أبناء اليمن.

.3-إضعاف دور القضاء، الذي يفترض أن يمثل الملاذ الآمن للمظلومين.

4- كثرة الذنوب والمعاصي: من شيوع الربا، وانتشار الفساد الأخلاقي، وما يعرض في بعض وسائل الإعلام، وبعض الصحف الرسمية والحزبية والأهلية من نشر للرذيلة، قال تعالى: {ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ وَالبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الرُّوم:41].

5- تطاول بعض الصحف على محكمات الشريعة وثوابتها، والتي تصل إلى حد التندر والاستهزاء بالله والرسول صلى الله عليه وسلم عياذاً بالله من ذلك، والطعن في صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.

 

6- نشر الصور الفاضحة وغير ذلك مما يغضب الله تعالى، كما أشار إلى ذلك بيان العلماء الصادر في شهر رمضان المبارك

7- المصالح الضيقة التي تدفع البعض للإضرار بالمصالح العامة للبلاد.

كل هذه كانت ذرائع للإخلال والإضرار بالمصلحة العليا للبلد، والإضرار بأمنه ووحدته واستقراره.

الأسباب الخارجية التي أدت إلى تدهور الأوضاع في اليمن :

1- رغبة أعداء الإسلام في إبعاد المسلمين عن دينهم، والسيطرة على بلادهم، ونهب ثرواتهم وخيراتهم، كما قال تعالى: {..وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا..} [البقرة:217].

2- وجود بعض المنظمات الأجنبية، والمخططات الخارجية؛ التي تعمل ليل نهار على هدم الإسلام وقيم المجتمع اليمني الحميدة، سواء ما يتعلق بجانب المرأة، أو الثقافة، أو التشريعات.

3- تقديم الهبات والمساعدات والقروض المشروطة بتحقيق أهدافها الخبيثة من هدم للقيم، وتهديد للسلم الاجتماعي، وإفساد للمرأة المسلمة، وزرع لبذور الفتنة والشقاق كما يسمونها "الفوضى الخلاقة"؛ رغبة في تمزيق اليمن وتجزئتها ورهنها للخارج.

ما يجب على الحكومة اليمنية فعله تجاه أوضاع البلاد:

الحكومة اليمنية ليست لها صلاحيات كافية وهي فاسدة حتى النخاع ولكن العلماء في تلك الندوة أبرءوا ذمتهم وقدموا نصائح وتوجيهات عملية وليست نظرية توجيهات عملية ومطالب واقعية ولا اخفي القارئ أنني كنت قد قررت تناول هذه الندوة وتوصياتها باختصار شديد ولكنني وجدت أن أنها تصلح كنموذج يستدل بها على نضج رؤية علماء اليمن للأحداث وحرصهم على تجنيب بلادنا للمخاطر فأقرءوا معي بتأمل التوصيات والدعوات التي قدمها العلماء للحكومة حينها:

1- القيام بواجبها في حراسة الدين وسياسة الدنيا به.

2- تطبيق الأحكام الشرعية، والتمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وحمل الناس على ذلك.

3- التعامل مع جميع المواطنين في كل أنحاء اليمن بالسوية؛ وذلك بإقامة العدل، وإزالة الظلم، ورد الحقوق إلى أهلها، ومحاسبة المفسدين.

4- إزالة أي صورة من صور التمييز: الحزبية، أو القبلية، أو المناطقية، أو أي عصبية جاهلية.

5- العمل على إزالة أي فساد أخلاقي، أو مالي، أو إداري.

6- إحالة جميع المسجونين خارج إطار القانون إلى المحاكم الشرعية المختصة؛ لضمان محاكمتهم محاكمة عادلة طبقاً لما كفله الدستور لجميع المواطنين.

7- اتخاذ كل السبل الكفيلة بإعادة الشيخ محمد المؤيد، ومرافقه محمد زايد، وعبدالسلام الحيلة، إلى وطنهم وأهلهم، والعمل على استلام المعتقلين في "جوانتانامو" من أبناء اليمن.

8- إعادة دعم السلع الأساسية، والنفط ومشتقاته، مع اتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان عدم تهريبها إلى الخارج.

9- العمل على استصلاح الأراضي الزراعية لتحقيق الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي.

10- إلزام جميع المستثمرين بالضوابط الشرعية.

11- منع جميع المنظمات المشبوهة التي تفسد الأخلاق، وتعبث بالقيم، وتتدخل في شئون اليمن.

12- ضرورة معالجة جميع قضايا المتعاقدين والمفصولين بغير حق.

13- تجميد قضية الأراضي المتنازع عليها حتى تبت بشأنها محكمة شرعية مختصة؛ وبشكل عاجل.

14- إصلاح أوضاع القضاء وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية، وتوفير الضمانات الكفيلة بتحقيق استقلاله.

ما يجب على كافة أبناء الشعب اليمني:

ويدعو العلماء جميع أبناء الشعب، والأحزاب، والمنظمات، والكتل السياسية، إلى ما يلي:

1- الالتزام بالكتاب والسنة في جميع تعاملاتهم.

2- الحرص في جميع مواقفهم وخطاباتهم على الحفاظ على مصلحة الأمة، والمكاسب المشروعة، ووحدة اليمن وأمنه واستقراره، وتغليب المصلحة العامة على المصالح الخاصة، دون الإخلال بواجبهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالضوابط الشرعية.

3- مناصحة الحاكم، والمطالبة بالحقوق المشروعة بالطرق السلمية.

كما يطالب العلماء الجميع بالتشاور فيما بينهم، وتغليب لغة الحوار بدلاً من القطيعة والمكايدات التي تضر باليمن وأهله، والتعاون في الأخذ على أيدي الذين يريدون الإضرار بالدين، أو الوطن، أو الأمن، أو الاستقرار، أو الارتهان للأجنبي، أو تؤول أعمالهم إلى ذلك.

وقد ناشد العلماء في ندوتهم أبناء الشعب اليمني بما يلي:

1- التمسك بالكتاب والسنة، والاعتصام بحبل الله جميعا.

2- اللجوء إلى الله عز وجل، والتوبة إليه من كل ذنب.

3- التعاون على البر والتقوى، والتواصي بالحق.

4- الفزع إلى الله بفعل الطاعات، وترك المعاصي والمنكرات.

5- الاهتمام بتربية وتحصين الجيل بالإسلام الحنيف.

6- الحرص على وحدة الصف، وجمع الكلمة على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.

7- القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالضوابط الشرعية.

وحول الوضع الراهن أكد العلماء على ما يلي:

1- ضرورة التمسك؛ والحفاظ على الوحدة اليمنية، وعدم التفريط فيها.

2- نبذ كل دعوات الانفصال، أو التمييز بين أبناء الشعب الواحد على أساس العصبيات الباطلة.

3- عدم الاستقواء بالأطراف الخارجية لتحقيق مطامع غير مشروعة وذلك من أي طرف كان، وتجريم ذلك.

4- نبذ النعرات الطائفية والمناطقية، والتنابز بالألقاب، لقوله تعالى: {..وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات:11].

وأدان العلماء المجتمعون في تلك الندوة العمل بنصائح البنك الدولي المشبوهة، والتي أدت إلى رفع الدعم عن السلع الأساسية والوقود، وأضرت باقتصاد البلد، ويطالبون بإصلاح أوضاع التعليم، وتضمين مناهج التربية والتعليم ما لا يسع المسلم جهله.

كما ناشد العلماء مجلس النواب برفض أي مشروع لأي قانون يتعارض ابتداء مع الشريعة الإسلامية.

ومن يقرا توصيات العلماء بتأمل يجد أنها واقعية وعملية ركزوا معي أنه مثلما أن العلماء دعوا للتعاون على البر والتقوى، والتواصي بالحق والفزع إلى الله بفعل الطاعات، وترك المعاصي والمنكرات كذلك طالب العلماء بالعمل على استصلاح الأراضي الزراعية لتحقيق الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي وإصلاح القضاء بمعنى أن علماء اليمن ليسوا مجموعة من العلماء معزولين عن الواقع وليس لهم رؤية شاملة وإطلاع على هموم الناس وحاجة المواطن البسيط ..

موقف تاريخي لعلماء اليمن

بعد أن لمس علماء اليمن تحركات وتصريحات غربية توحي بوجود تدخل عسكري في اليمن بذريعة محاربة القراصنة بالإضافة إلى ما نشر في بعض وسائل الإعلام عن وجود اتفاقيات سرية بين الحكومة ودول خارجية من شأنها السماح بقصف أهداف داخل الأراضي اليمنية، وجعل اليمن مسرحا لهذه الصور العدوانية على الشعب وقبيل عقد مؤتمر لندن بخصوص الوضع باليمن تداعى علماء اليمن إلى مؤتمر حاشد بعد أن عقدوا لمدة أيام لقاءات ومشاورات مع أكثر من 150 من علماء اليمن في أكثر من محافظة يمنية، وبعد مطالبات قلقة وإلحاح من الشعب لتوضيح موقف العلماء من التداعيات الجارية لليمن وتلك التصريحات التي تناقلتا صحف أمريكة وأجنبية ويمنية عن وجود دعوات وتصريحات متتالية للتدخل في الشؤون اليمنية، إضافة إلى التواجد العسكري المكثف منذ أكثر من عام مضى على خليج عدن وبصورة أكبر كمبررات التواجد لمطاردة القراصنة التي بإمكان أسطول واحد أو عدة زوارق سريعة وسفينة أن تقوم بالمهمة، بدلا من ذلك التجييش وحشد القوى وتكثيفها لأمر ما".

وأكد البيان الصادر عن علماء اليمن في المؤتمر الصحفي الذي عقد بجامع المشهد بصنعاء- الرفض الكامل لأي تدخل خارجي سياسي أو أمني أو عسكري في شؤون اليمن وقضاياه الداخلية ووجوب المحافظة على سيادته من أي انتهاك يمس ديننا وسلامنا واستقلالنا، أو وحدة راضيه.

كما اكد العلماء على أن التدخل العسكري والأمني ومحاولة أي قوى خارجية فرض الوصاية على اليمن يوجب على جميع اليمنيين الجهاد وصد العدوان على بلادهم. والرفض المطلق لإقامة أي قواعد عسكرية في الأراضي اليمنية أ, مياهها الإقليمية.

 كما شدد العلماء حينها على رفض وجود أي اتفاقية أو تعاون امني أو عسكري مع أي طرف خارجي يخالف الشريعة.

العلماء يشددون على حرمة قتل الأبرياء

وشدد العلماء يومها على تحريم قتل الأبرياء والمستأمنين، وتجريم ما حدث من قتل للأبرياء في أبين وشبوة وأرحب وتجريم أي قتل خارج القضاء الشرعي وبدون محاكمة عادلة. داعيا في ذات الوقت إلى تشكيل لجنة من العلماء والقضاة والخبراء والمختصين للنظر في تلك الحوادث أسبابها وأثارها والعمل على إيجاد الحلول الشرعية لها.

و دعا علماء اليمن حينها كل اليمنيين رئيساً وحكومة وشعباً وكافة القوى المؤثرة إلى الاحتكام إلى كتاب الله وسنة رسوله وتوحيد الصفوف وجمع الكلمة لتقوية الجبهة الداخلية وتحقيق العدل والمساواة ورفع المظالم ورد الحقوق إلى أهلها والاستجابة للمطالب المشروعة من أي طرف كانت، فقد ناشدو بالمناسبة الأمة الإسلامية حكاما ومحكومين وعلماء وهيئات ومنظمات إسلامية وعلى رأسها منظمة المؤتمر الإسلامي وجامعة الدول العربية ورابطة العالم الإسلامي وإتحاد علماء المسلمين إلى تأيد أخوانهم اليمنيين والوقوف معهم صفا واحدا ضد المؤامرات والتدخلات الأجنبية.

هناك ملاحظة يجب قولها في الختام وهي أن هذا المؤتمر الأخير والذي أوجب فيه العلماء الجهاد في حدوث تدخل أجنبي عسكري شمل علماء اليمن المعتبرين وتبنته هيئة علماء اليمن وبقي ملاحظة أخرى وهي أننا سنواصل الكتابة عن جهود العلماء راجين

 ممن لديه ملاحظات وإضافات إرسالها على هذا البري

د amrany20@hotmail.com